أدب الرعب والعام

زائرة الليل

بقلم : H.H – فلسطين
للتواصل : [email protected]

زائرة الليل
الم تقل لك أمك أن لا تتحدثي إلى الغرباء

 بدا لي ذاك المساء كأي مساءٍ عادي ، تمددت على أريكتي المريحة أشاهد فلماً  لم أُعره الكثير من الاهتمام ، وعلى مقربة مني على المنضدة تحديداً بقايا طعام التهمته بنهم منذ قليل و ربع كوب من الشاي كنت قد انتهيت منه أيضاً ..

 تثاءبت متثاقلة ًالنهوض إلى فراشي فتلك هي عادتي النوم أمام شاشة التلفاز ، لا أذكر تحديداً متى أغمضت عيناي معلنةً انتهاء يوم شاق طويل ، غططت بالنوم حتى تسللت إلى مسامعي طرقات متتالية على باب شقتي ، رفست الغطاء الخفيف عن جسدي بتثاقل و ألقيت نظرة خاطفة على ساعة الجدار المعلقة خلف التلفاز كانت تشير إلى الواحدة و النصف ، نهضت على عجل ، و نظرت من العين السحرية لأجد ممر المبنى خالٍ ، لا أُخفي حقيقة خوفي أو دقات قلبي المتسارعة التي أكاد اسمع وقعها ، رحت أجود بشتا أنواع الشتائم فهو أما احد الفتيه المزعجين أو انه مندوب توصيل طلبات الطعام اخطأ العنوان ، لم أُطل التفكير بالأمر ، و أغلقت جهاز التلفاز و قررت النوم هذه المرة بفراشي ، مرت دقائق معدودة حتى بدأت أَحلم من جديد .

أحدهم يطرق باب المنزل بقوه طرقات قويه متتابعة نهضت مسرعه لأعرف من يمارس تلك أللعبه السمجة بمثل هذا الوقت ، نظرت من العين السحرية و رأيت فتاة صغيره تقف خلف باب منزلي ، أدرت المقبض و قد امتلئ وجهي بعلامات التعجب لتدفع هي بجسدها إلى الداخل ، كانت فتاة بالعاشرة من عمرها تقريباً ، خمرية البشرة ، نحيلة الجسد ترتدي قميصاً وردي اللون و بنطالاً  أزرق و حذاءً أبيض اللون متسخ يوحي لي أنها كانت تسير منذ مده ، بدت فتاه كأي فتاة بعمرها غير أن لها شعراً طويلاً يصل إلى ركبتيها ، دفعت بجسدها نحوي و بهلع تطلب مني إقفال الباب بل كانت و كأنها ترجوني أن أقفل الباب بسرعة ، وضعت يدي على كتفها لأُشعارها بالأمان لا اعرف مما تحاول الهرب أو كيف لطفلة التواجد خارج بيتها بهذا الوقت المتأخر ، لكنني سأعرف كل تلك التفاصيل قريباً ، جلست بجانبي على الأريكة و عم السكوت للحظات كنت أنتظر منها البدء بالحديث و هي تراقب بقايا الطعام الذي خلفته على تلك المنضدة ، تسلل إلى عقلي أنها جائعة و من المؤكد أني سأعد لها شطيرة ما لاحقا لكن فضولي كان أقوى من النهوض و إعداد شيء قبل أن أستمع لتفسير يشبع فضولي  .

مدت يدها دون خجل و أخذت تنهش باقي طعامي الموضوع أمامها بسرعة ، كانت تبلع الطعام دون مضغ ، وأنا أنظر إليها بدهشة ، أحسست بالأسف و العطف من أجلها ، نهضت و أعددت شطيرةً من الجُبنِ و كأساً من الحليب الدافئ و بدأت أنا بالحديث

ما الذي يخيفك هل هنالك من يتبعك ؟
أترغبين بالاتصال بأحد أبويك ؟ رمقتني بنظرة سريعة ثم أعادت نظرها إلى الطعام الموضوع بين يديها و أجابت بصوت مخنوق و بفم امتلاء بالطعام : لا ليس بالتحديد .
– فقلت : هل تسكنين هذا الحي ؟
– فقالت : اليوم انتقلت إلى هنا ، لقد أحببت الحي كثيراً .
– قلت لها : إذا أنت تائه؟ دعيني أُبدل ملابسي ، سنحاول إيجاد منزلك فالحي صغير ، لكن الكثير من المباني تتشابه سأحرص على إيصالك .. ثم قاطعت نفسي : هل تحفظين رقم أحد أفرادِ أسرتك ؟ استطيع الاتصال بأحدهم ؟
هزت برأسها نفيا ، و قالت : هم ليسو هنا لقد رحلوا و بقيت أنا .
قلت : لا بأس يا صغيرتي سنجد المنزل أو سنجدهم ، لكن أين رحلوا ؟ هم أكيد  أخبروك إلى أين هم ذاهبون أليس كذلك اقصد ؟
نظرت مباشرة لعيني و قالت : قلت لك لقد رحلوا و لن يعودوا ، أريد النوم لاشي سوا النوم ..

بدا لي و كأنها على وشك البكاء ، لست خبيرة بالتعامل مع الأطفال و لا اعرف كيف على التصرف فتجاهلت طلبها ، و وقفت لأسير باتجاه غرفتي لتبديل ملابسي و أضفت سنجد منزلك لا تقلقي ،لأسمع صوتها يستوقفني من الخلف قائلاً : لا لست بتائهة أنا الآن بالمنزل ، هذا هو منزلي ، أنا اعرف أين أنا ، أنا بالمنزل لماذا لا تصدقيني ؟

وقفت فاغره الفم ، لابد أن تلك الفتاةً تعاني من إضرابات النوم كالسير أثناء النوم مثلاً ، أو أن هنالك من يقف خلف تلك المزحة الثقيلة لأنها حتماً تهذي أثناء نومها ، لا أُخفي عليكم  أنني بدأت أشعر بضيق منها أو قد اسميه خوف من الغير مألوف فلم أقابل من يمشي أو يتحدث أثناء نومه من قبل ، كما أنها لا تتوقف عن مضغ الطعام غير مكترثةٍ بشيء آخر ، أي فتاة تائه لابد أن تذرف الدموع ، فتاه بالعاشرة ربما تحفظ رقم أحد أبويها ، حتى إنني عزمت بعدها على الاتصال بمركز الشرطة ، لكني تراجعت فليست سوا طفلةٍ لم أريد تعريضها لموقف كهذا ..

كما أنني كنت أمل أن تشرع بالحديث قريباً ، استيقظت من نومها لتقاطع شرودي ، توجهت إلى غرفة نومي كأنها تعرف مكانها أو اعتادت التوجه إليها ، صعدت على سريري بعد خلع حذائها المتسخ ورميه بإهمال قرب السرير ، غطت بنوم عميق متجاهلة كل شي حولها كأنها تماماً مثل ما أخبرتني ” هي الآن بالمنزل ” ، تتصرف كما لو أنها بمنزلها و على سريرها ، جلست على الأريكة  أفكر ماذا علي أن افعل اعلي إخبار الشرطة أم علي انتظار الصباح ؟ و بعد تفكير طويل قررت الانتظار فالصباح قريب ..

إن أخبرتني أو لازمت صمتها سآخذها لأقرب مركز شرطة ، قد تكون تعاني من تعنيف اسري أو أنها هاربة أو بها مرض ما ، هنالك ألاف الاحتمالات ، لكنها ليست سوى طفلة لا داعي للخوف ، قررت النوم على الأريكة رغم أنني متعبة و الساعة تشارف على الثالثة فجراً ، ثم إن علي النهوض باكراً لأرى حلاً لتلك الزائرة الغريبة ، فتحت عيناي بفزع و كانت الفتاه تقف بوسط الظلام لم يكن هنالك سوى النور الخافت المنبعث من الباب القريب من دوره المياه و بشعرها الطويل تنظر إلي مباشرة ، لم أرى يوماً طفلة لديها تلك النظرة ، نظرة أخافتني و كادت توقف تدفق الدم بشراييني ..

سألتها :  لم تستطيعي النوم يا صغيرتي ؟ ، لم تجبني بل بدأت بإطلاق ضحكة هستيرية مخيفة بلا توقف أرعبتني و تأكدت الآن أنها تسير و هي نائمة ، هززتها بكلتا يدي لإيقاظها ، فهي فعلاً بدأت تخيفني زادت وتيرة ضحكتها و تعالت بلا توقف و قد تحول ضحكها الهستيري إلى صراخ بعد أن غرزت أظافر كلتا يديها بوجهي ، بدأت التفوه بكلمات غير مفهومه ، و كأنها تلقي تعويذة  ما أو تتحدث لغة غير مفهومة أضاعت بها كل ملامحها الطفولية  لتتبدل إلى وجه امرأة عجوز بجسد طفلة لا تتجاوز العاشرة ..

دفعتها بكل قوتي محاولة إبعادها عني و هي لا تتوقف عن الضحك و الصراخ ثم بدأت بإصدار فحيح بشع ، اقتربت من وجهي كثيراً و همست بصوت مبحوح : ألم تقل لك أمك أن لا تتحدثي إلى الغرباء ؟ لا تتبعي فضولك لأن الفضول قتل القطة ..

 ركضت لغرفه نومي ، أعلم انه خيار خاطئ و كان على التوجه إلى خارج المنزل ، لكنني لم أعي ما كنت افعله ، تبعتني و كانت أقوى مما تبدو عليه ، طرحتني على السرير و جلست فوق جسدي و طوقت عنقي بكلتا يديها محاوله خنقي ، و بعد معركة و صراع بيني و بين ذلك الكائن الغريب لن اسميها طفلة ، دام لعشر دقائق أو أكثر تقريباً تمكنت منها ، نعم لقد قتلتها ..

طرحتها أرضاً ثم أنهلت عليها بضوء جانبي له مسكه حديدية هشمت به رأسها و كل أثاث غرفتي تلطخ بالدماء حتى الجدران ، ثم أخذت تلك الجثة الصغيرة بلا اكتراث أو عناية و رميتها من نافذة الحمام المطلة على مجاري الشقق ، لم تكن المهمة صعبة فجسدها الصغير كان نقطة لصالحي ..

 لا اذكر كيف شعرت بتلك القوة رغم شعوري بالإرهاق ، لكن الخوف يصنع المعجزات أحياناً ، قمت بتنظيف كل شي خلفي بل إنني أعدت مسح كل شيء أكثر من ثلاث مرات لأتأكد من خلو أثار دمائها ، و داويت جروحي التي أصبت بها بيدي و على وجهي ، و قلت لنفسي : القليل من مساحيق التجميل ستفي بالغرض ..

 أعدت ترتيب ملابسي و غيرت ثياب نومي الممزقة و شعري المبعثر أعدت تصفيفه و كأن شيئاً لم يكن ، و كأن أحداً لم يطرق بابي الليلة ، لا اعلم إن كان كابوساً أم حقيقة ، الساعة تشارف على الخامسة و الربع ، لم أنم بل قضيت الوقت المتبقي بالبكاء ، بكاء ما بعد الصدمة ، لكن علي الذهاب للعمل و كأن ليلتي كانت طبيعية جداً ..

 وضعت رأسي متثاقلة على الأريكة راجية أن أحظى بنصف ساعة من النوم ، و اختطفني النوم من الوعي سريعاً متناسية جريمة قتل طفلةٍ عجوز منذ قليل قد تنهي حياتي قريباً ، صوت المنبه يتسلل إلى إذني و يعلو شيئاً فشيئاً و خيوط الشمس تحاول جاهدةً الوصول إلى وجهي من خلف تلك الستائر المعلقة ..

تثاءبت متمددةً لأجد نفسي على فراشي ، تبدد كل التعب و من هول الصدمة أعدت شريط أحداث ليلة أمس و شعرت بحاجة ماسة لإفراغ ما بمعدتي ، نهضت بفزع و شعرت بقشعريرة ، ثم لفت نظري ما أرتديه أمام تلك المرآة المعلقة على حائط الغرفة ، فأنا أرتدي ما كنت أرتديه قبل قتلي لتلك الطفلة ! إذاً كل ذلك كان كابوسا ليس أكثر ..

كان شعوراً لا يوصف من الراحة ، ابتسمت لنفسي رغم شعور انقباض معدتي ، إذاً لم تكن سوى كابوس مزعج ورحت اردد مجرد كابوس ، كانت كابوس و انتهت حمداً لله كم أنا محظوظة ، و أوزع ابتسامات بلهاء لنفسي ، أحسست أنى قد ارغب بالرقص لساعات أو الاحتفال لأيام ، توجهت للمرحاض لأبدأ يوم جديد تاركة كابوس فتاة ليله أمس طي النسيان ، لكن !!  حذاء من هذا ؟!  إنه حذاء طفلة أبيض متسخ على مقربة من سريري  !

 

تاريخ النشر : 2016-06-25

H.H

فلسطين
guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى