أدب الرعب والعام

السادة الزوار

بقلم : ايه حسن – مصر
للتواصل : [email protected]

السادة الزوار
وقف الكثير من الناس المرحبين بي و عدساتهم تخترق زجاج بيتي ..

الرابعة فجراً..

 

بدأت إجراءات سفري على متن الطائرة الى مقر عملي الجديد ..

لا اعلم كيف سأترك كل حياتي السوية ورائي و اذهب للعمل في قارة اخرى !!

 

السادسة صباحاً..

انه يوم الجمعة .. يوم الاجازة في هذه البلاد

يوم جمعة صاخب و آخر ممل ،مجرد يوم إجازة لا يجد الناس ما يفعلون فيه سوى التلصص.. عذراً

تقفي أثر…… اه عذراً مرة اخرى..

أقصد متابعة بشر آخرين مثلهم فقط للترفيه ..

في الحقيقة لا اعلم ما الغاية من التطلع لأخبار بشر يأكلون و يشربون مثلهم !!

هنا في هذه البلاد لديهم تقليد غريب ” كما قيل لي ” هو ان تجعل من الشخص العادي شخص غريب ,ثم تحويله الى شخص مشهور, ثم النظر اليه من بعيد مثل معجزة أتت من كوكب المشتري ,و يبدأ الناس في مراقبتهم ،طعامهم ،ملابسهم ،بيوتهم و أيضاً فضائحهم..

نعم لدينا في بلادنا مشاهير ايضاً, و لكن انا لم اكن اهتم ..حتى قيل لي انني سوف اصبح احدهم ..

حينها بدأتُ فعلياً في التفكير في هذه المهزلة الكبيرة ..

 

السابعة صباحاً

ساعه طويلة ،عريضة ,و مزعجة من تذكر أحداث و أرقام لم تزدني إلا همّاً فوق هم..

أتذكر معلومة عن ناتج انتاج دولة الدومنيك ،اين تقع ؟؟

لا اتذكر ..

في الواقع لا يهمني ابداً ..

و لكن اعتقد اني سمعت أن اقتصاد الدومنيك في عام كامل ,اقل من انتاج فيلم جديد أنتجته هوليوود !!

حسناً في هذه المعلومة على الدومنيك ان تكون مهمة..

على الاقل ليس اكثر من الفيلم..

 

الثامنة صباحاً ..

 

حسناً في الساعة الماضية استنتجت انه اذا حولنا هوليوود الى دولة, فإن انتاجها في عام واحد كفيل بإعلان الحرب على العالم..

 

اقتربت الطائرة من الوصول الى وجهتي الجديدة و لم اعد مرتاحاً حقاً ..من قال ان حياه المشاهير ممتعة ؟!

حتى الآن حصلت مشروبين دون طلب ,و يأتي احد لتفقدي كل نصف ساعة, عوضاً عن انني اجلس في الطبقة الممتازة التي لم اطلبها !!

انا حتى لم اصل ,و اكاد اجن لطلب بعض الخصوصية

الا يمكن ان اتناول قضمه دون ان تجن المضيفة الواقفة امامي و تصرخ

….يا إلهي لطيف جداً….

ثم من هو اللطيف انا لست وسيماً لهذه الدرجة المبهرة !!

فقط ساعة

ساعة و احدة فقط ..

 

التاسعة صباحاً ..

 

وصلت اخيراً و إن كنتم تظنون أن طعام الطائرة الغالي جعلني اشعر بالغرور , فانتظروا حتى تروا السيارة التي اتت لتأخذني الي مقر عملي الجديد ..

حسناً الامر اصبح رسمياً.. انا مشهور و لا ادري لماذا !! ربما يمكنني توفير بعض الوقت لأسأل الحارس عن طبيعة المناخ ..

ولكن لماذا ينظر الي هكذا ؟

آآآآه انها عيناي.. نحن في آسيا نمتلك شكلاً مميزاً للعيون ..

و ليس معنى هذا انني وسيم او ما شابه ..

يبدو أن سؤالي للحارس لن يجدي.. الرجل ينظر الي كأني مذنب يمر كل 50عاما !

 

التاسعة و النصف صباحاً ..

نحن الآن نمر في شوارع المدينة الواسعة .. ولم يعجبني ذلك

منذ لحظات.. أشار الحارس الضخم الى بناء كبير في وسط المدينة ,و قال إن هذا هو منزلي الجديد ..

بحق اين حكومة هذه البلد ؟

لمَ ينفقون كل هذه الاموال علي مغترب مثلي ؟

انا حتى لم احقق اي منفعة تذكر !!

بالمقارنة بي انظروا الي هذا البيت الكبير الذي اوشك على السقوط  .. انه كبير بلا شك

ولكن عدد سكانه كانوا اكثر من ان يحميهم هذا السقف

وعلى عكسي.. كلهم نشطون للغاية

كلهم يعملون

كلهم ذوي منفعة

على الاقل يضحكون..

 

و هذا البيت ايضاً ..انظروا الى ساكنيه ..

يمنعني كبريائي – بين الحارسين اللذين ينظران اليه – من الصراخ اعجاباً بجمال ساكنيه ..

لدينا جميلات .. الجميلات في بلادنا ,و لكن انظروا لهذا الجمال !!

بهذا المعدل يمكنهم ان يصبحوا سفراء للدولة بسهولة ,ولكن للأسف ..إن جمالهم يتناسب عكسيا مع قوة بيتهم ,يبدو ان آخر مرة تم تصليح اي شيء في هذا البيت كانت قبل ما يقرب القرن ..

ثم اكملت بضجر النظر الي البيوت التي نمر بها ..و ان كان اهم منها ساكنيها الذين ابهروني بنشاطهم و قوتهم و جمالهم و مرحهم ..

اذاً الدولة تمتلك الموارد البشرية, و لكنها لا تثق بها للأسف ..

إن الحال في بلادي مثل الحال .. هنا مثل كل مكان ..

يكفي ان تخبر احدهم انك حاصل على دكتوراه من جامعة اجنبية حتى يتم الوثوق بك..

حتى و لو كانت هذه الدكتوراه في دراسة رأس نمله متجمدة !!

 

العاشرة و ربع صباحاً

قالوا لي أن مكان عملي سوف يكون هو نفسه مكان اقامتي .. وااااااااو

حسناً بدأ الامر يعجبني..  في موطني و في باقي البلاد كما اعرف ,يتم نقلنا الي اماكن اخرى للعمل ..

هل يمكنكم تخيل ان يعمل الجميع من منزله  ؟

لن يضطر احد للتأخر ..او الاستيقاظ مبكراً ..او التعرض التوبيخ من مدير يشبه رأس الفجل..

 

العاشرة و النصف صباحاً

 

كانت خيالات لطيفة عن المدراء الذين يتحولون الي مستذئبين ليلاً ,ثم تأتي من الخلف و تطعنهم بحربة طويلة ..

عذراً هذا ليس موضوعنا

صحيح ..سوف ابدأ عملي بعد نصف ساعة ..

تبدو خيالات لطيفة اليس كذلك ؟!

 

الحادية عشر الا ربع صباحاً..

 

جاء المدير خصيصاً للترحيب بي.. وعندما سمعت منه قوانين عملي الجديد

احسست ب………

حسنا انه شعور ك……..

لا استطيع وصفه ولكن………

لا يهم لا يهم استمع و احكم بنفسك..

 

القوانين :

*يبدأ العمل من الحادية عشر صباحاً الى السابعة مساءً , إلا المغتربون يبدؤون من الواحدة الى الخامسة

( لأنه على حسب كلام المدير نحن كفء و لا نحتاج الى نفس ساعات العمل مثل البقية )

 

* بما ان الجميع يسكنون في نفس مكان العمل فعلى الجميع الاستيقاظ في العاشرة ,الا انا و بعض الامريكان و الاوروبيين في الثانية عشر

( لديهم لنا توصيات خاصة على حسب كلام المدير ,يبدو ان السفارات الاجنبية لا تمزح فيما يتعلق بالعمالة المغتربة التابعة لهم )

 

* لا عمل

كما سمعتم لمدة شهر او عدة شهور سوف يتحملون نفقاتي لآتي و ابقى في مكان عملي حتى يتوفر عمل جاد

( علي حسب كلام المدير مجرد و جودي يعطي سمعة حسنة للمكان و يزيد الإيراد حتى بدون فعل شيء)

 

*وقت الافطار و الغداء محدد ,الا بعض العمال الافارقة

( الحمد الله ،قانون عام اخيراً ،تتساءل لماذا الافارقة لديهم و قت خاص؟ .. في الحقيقة ليس مسموح لهم بتناول الطعام في أي وقت ,و سوف اخبركم لماذا و لكن ليس الآن.. )

 

لا اعلم ما هو شعوركم و لكن بدأت تراودني هذه الخيالات اللطيفة مجدداً عن طعن المدير.. ولكن هذه المرة بعصا بيسبول..

 

الحادية عشر ..

وقف الكثير من الناس المرحبين بي و عدساتهم تخترق زجاج بيتي ,فخرجت كما طلب مساعدي وخطر في بالي انهم جاؤوا لمشاهدة سيرك او شيء من هذا القبيل .. لذا تصرفت كالمشاهير و جلست بجانب حارسي انظر اليهم باستعلاء.. بينما وقف الحارس الآخر لتعريفي .. ونادى بأقصى قوته :

.

.

.

.

.

.

مرحباً بكم أيها السادة الزوار

ترحب بكم حديقة الحيوان

في افتتاح بيت الباندا..

تاريخ النشر : 2016-07-10

guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى