أدب الرعب والعام

سأخبرك حينما أراك

بقلم : البراء – مصر

سأخبرك حينما أراك
كنت أنانية و حمقاء .. رميت وعدي في قاع ظلامي و يأسي

الوعود المنسية لا يوجد لها سوى حلان .. إما أن تبقى معلقةً حتى تتحقق ، و إما أن يتم رميها عنوةً في قاع الظلام و اليأس بداخلنا لتتلاشى مع الأيام ، لكن مع مرور الوقت نجدها تطفو على سطح ذكرياتنا لتذكرنا بما فعلناه منذ زمن ..

عندما أتذكر الآن الأمر أرى أنني كنت أنانية و حمقاء ، لقد سلكت الطريق الثاني و رميت وعدي في قاع ظلامي و يأسي .. حدث هذا منذ زمنٍ طويل ، حين كنا مازلنا في ربيعنا السابع عشر ، من كنا ؟! كنا أنا و هو .. هو و هي .. هذا و هذه ، البداية كانت بنظرة و بعدها بكلمة و بعدها ينتهي الأمر ، هكذا تبدأ جميع قصص الحب إذا أردتم رأيي .. و تكتشف في النهاية أنها كانت مجرد فترة لا أكثر .. تعرف بفترة المراهقة .

و لعل أكثر ما ميزته أنا شخصياً في هذه الفترة هو مشاعري الفياضة و الحساسة ، مشاعري التي كانت لتوها قد بدأت ترى العالم بمنظور جديد و معدل .. معدلاً كي يتلائم مع الأفكار التي بدأ عقلي في تكوينها .. مشاعري أنا التي كانت حساسة كشمعة تتراقص وسط عاصفة هوجاء ، تكفيها نسمة هواء واحدة لجعلها تتألم و تهتز بشدة .. لكنها تأبى الخنوع للريح و تأبى الإنطفاء ، مهتزة و لكن ثابتة .. فسروها كما يعجبكم ..

و الشيء الوحيد الذي تعلمته من كل هذه الأمور هو أن مشاعرنا تكون جامحة حقاً و صعبة الكبح ، تجعل من النظرة حلماً رائعاً ، و تجعل من اللمسة حضناً دافئاً .. تضيف النكهة دوما على كل شيء .. على كل كلمة و كل فعل و فكرة .

هكذا كنت أنا في هذه الفترة التي تكونت شخصيتي معها .. لكنه هو كان مختلفاً ، صحيح أنه كان مراهقاً مثلي تماماً و لكنه كان مختلفاً ، هكذا ترى الفتيات حبيبهن دائماً ، مختلفاً و متميزاً عن الآخرين مهما بلغ غباؤه و بلاهته .. لكنه كان مختلفاً بحق .. لم أفهم يوماً تركيبته ، لعل هذا ما جعلني أقع في حبه !! تجده دوماً يشرد بعيداً عن عالمنا ، و لكنه حينما يقرر التحدث فإنه لا يتوقف ، هذا هو ملخص شخصيته..

أما مظهره الخارجي فحدث ولا حرج ، في النهاية الشكل يأتي أولاً.. لم أكن يوماً من مؤيدي هذا الهراء عن الجمال الداخلي و كيف أنه أهم من الخارجي ، لكني معه بدأت أؤمن بهذا من أعماقي ، لأنه كان لديه الاثنين الجمال الداخلي و الخارجي..

و معه بدأت أشعر حقاً بأن العالم لا يمكن أن يكون أجمل و أروع من هذا ، كان هذا هو تأثير الحب … حب المراهقة الساذج ” بالطبع ” ..   و هكذا و كما يمكنكم أن تروا الأمر .. مراهقان أحمقان يفيض قلبيهما بالحب و لا مشكلة في هذا ، المشكلة لم تأت وقتها ، المشكلة أتت بعدها بسنة .. و حينها كانت خلايانا قد تشبعت بالحب ، و كانت أفكارنا قد بدأت تنضج و أحلامنا بدأت تتراءى أمامنا ..

في هذه السنة و لظروف لن تهمكم توجب على عائلتنا الإنتقال إلى مكان آخر ، لم يكن يهمني شيء من كل هذا إلا أمراً واحداً فقط وهو أني سأبتعد عنه و لن أتمكن من رؤيته ..

لقاؤنا الأخير كان رائعاً .. في هذا اللقاء قطعت وعداً له بأني سأعود ، و قطع وعداً هو الآخر وقال.. سأنتظرك هنا ، اتفقنا على كل شيء .. سنتزوج .. حتماً سنتزوج و سنعيش سوياً .

الحقيقة المزرية هنا هي أن الكلام أسهل من الفعل .. أنا دوماً كنت أظن بأن الشخص المميز هو من يقول ما سيفعله حقاً ، و لطالما نظرت إلى نفسي على أنني شخص مميز .. جميعنا بلا إستثناء ننظر لأنفسنا نفس النظرة ولا داعي لإدعاء المثالية هنا ، الشيء الأخطر من إدعاء المثالية هو استمرار الادعاء بها ، لن نكون مثاليين أبداً مهما حاولنا ، نحن لا نصلح للحكم على أنفسنا .. لن نصبح طيبين ما لم يقل علينا أحد أننا طيبين لن نصبح أحراراً مالم يقل علينا شخص ما أننا أحرار .. هذا هو الواقع شئت أم أبيت.. أدركت بعد هذا أنني لست شخصية متميزة .. أبداً.

مهما حاولت أن أتذكر الأمر لا أتذكره .. كلما حاولت تذكر متى بدأ الأمر ينتهي بي الحال كفاقدة للذاكرة .. تساءلت كثيراً عن السبب.. هل لأنني أشعر بالذنب أم لأنني لا أهتم.. لا أتذكر أول مرة نسيتك فيها ، و لا تلك السنة التي بدأت أنظر فيها بإعجاب للشاب الذي معي في كليتي .. و لا تلك المرة التي بدأنا نتحدث فيها سوياً .. تماماً كما كنا أنا و أنت .. أتذكر؟!!

لا أستطيع أن أذكر أيضاً متى وجدته تقدم ليطلب يدي ، و متى وافقت على الزواج منه .. متى تزوجنا و متى أنجبت منه طفلاً ..!! أنا أعرف أنك كنت تتمنى أن يكون هذا الطفل ذو الربيع الواحد هو طفلك ، لكن لا تلمني أنا أرجوك ، لقد كانت سنين طويلة .. سبع سنين ليست بالشيء الذي يمكنني تذكرك فيها .. لقد نسيت كل شيء كما نسيتك ..

لكني لازلت أذكر كل لحظة مرت منذ أن رأيتني لأول بعد السبع سنين ، لقد كنتً فرحاً و وسيماً .. كنتَ كبيراً .. لم أعتد رؤيتك هكذا أبداً ، كنتً تلبس نظارة طبية ، لكم كنتَ رائعاً بها .. أضفت عليك رونقاً و بريقاً رائعاً . نعم أذكر كيف رأيتني أقف مع طفلي و زوجي و عائلتي كلها أمام بيتنا ، أنا لم أتجرأ حينها على النظر في عينك لكني رأيتك و أتذكر.. أذكر كيف جريتً نحو أبي بلهفةٍ و طلبتَ منه أن تتكلم معه على انفراد ، لا يزال صدى ضحكته يتردد في أذني ، حينما جلستَ معه في غرفة الضيوف ، كنت تعتقد أنني لم أتزوج و أبي كان يعتقد أنك تمزح ..

لا أزال أذكر تلك النظرة التي علت وجهك حين خرجت من منزلي ، و كيف كانت عيناك الدامعتان الحمراوان تنظران لي من وراء النظارة .. لكني لم أرَ بالضبط مالذي حدث بعدها ، ربما لأن عيناي كانتا تدمعان أيضاً ، لكني أذكر معنى نظرتك .. نظرتك التي كانت تصرخ و بوضوح قائلةً لماذا؟!!

بعدها لم أعرف أين أختفي و أين أذهب ، كل ما أردته هو الهرب بعيداً و إلى أي مكان ، يكفي ما سببت لك من آلام ، لقد ظلمتك ، أردت أن أقابلك حقاً ، أردت أن أخبرك أنه لدي أسباب .. أردت أن أخبرك بكل شيء و أنا أبكي معك .

انتظرتني سبع سنين فقط كي تراني و تكمل حياتك معي و حينما أتيت أخيراً وجدت أن قلبي قد ذهب بالفعل إلى مكان آخر .. أي نوع من الإناث أنا .. ماذا فعلت بك .. انت تركت وعدك معلقاً في الهواء واثقاً بي و مقرراً الانتظار و أنا رميت وعدي في قاعي و تركته .. و خنت ثقته بك .

لم يعد هناك مكان في قلبي للندم و كما أظن لم يعد هناك مكان في قلبك من أجل الفرح .. لقد حدث الكثير منذ أن تركتَ المدينة قبل عامٍ و رحلت ، لقد بحثت عنك طويلاً كي أخبرك الكثير من الأشياء ، كان هناك شيء يلح علي منذ أن كنا مراهقين ، شيء لم أتجرأ على قوله لك بلساني ، كنت تعرفه نعم لكنك لم تسمعه مني ، رغم أنك كنت شجاعاً و قلته لي كثيراً ، أردت أن أقول لك أنني أحبك .. لطالما أردت إخبارك بهذا و لكن شجاعتي كانت دوماً تخونني تماماً كما خنتك أنا .. لا أعرف كيف انقسم قلبي إلى نصفين ، و أردت أيضاً أن أعتذر منك ، و لو أن الاعتذار لا يفيد حقاً الآن ..

أردت إخبارك أيضاً أن القدر لم يتركني و شأني ، لقد مات زوجي .. هل تصدق هذا ؟! كان مصاباً بالسرطان.. مهما ظننا أننا أذكياء و نستطيع توقع ما سيحدث تأتي الحياة لتثبت لنا العكس ، لكن هل ستستطيع أن تسامحني بعد كل ما فعلته ؟! يا ترى أين أنت الآن و إلى أين ذهبت .. ياترى هل رميتَ وعدكَ مثلما فعلتُ أنا أم مازالت متسمكاً به ؟

نعم مات زوجي صدقني مات و خلف وراءه طفلاً يتيماً لم يتم عامين بعد ، هل تعتقد أنه يمكنك أن تكون أباه ؟؟ أسرع أرجوك .. أرملةً وحيدةً و طفلاً يتيماً بانتظارك ، أريد أن أخبرك بالكثير و الكثير ، و لكنك لست هنا .. لذا أعتقد أنني سأخبرك حينما أراك .. لكن متى أراك؟ .. متى ستأتي ؟.. تعال فقط تعال ، سأخبر بالكثير حينما أراك .. أنا بإنتظارك.. سأخبرك حينما أراك .

تاريخ النشر : 2016-07-15

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى