أدب الرعب والعام

الموت الرحيم

بقلم : ToOoTa – السعودية

الموت الرحيم
أنا فقط و بكل بساطة أموت كل يوم ..

لحظات انعدام الأمان ..

لحظات الخوف ..

مجرد كتابة أسمائها يجعلها أقل رعباً ولكنها مرعبة بشكل كبير .الفزع شعور مؤلم ، ارتعاش الأيدي و نبضات القلب المتسارعة كلها أحاسيس مقرفة ,أحاسيس حقيرة أسوء من الموت نفسه في حين تشعر أنه ليس عليك الخوف من الموت ..

تسأل نفسك ..هل سيكون بطريقة بشعة ؟

احتمال كبير بأن أموت مقتولة رغم أني لم أفعل شيئاً يستحق أن تكون خطة موتي بشعة الا أن وساوس قتلي لا تغادر مخيلتي .. ليست فوبيا من الموت ، وليس خوفاً من المجهول ..هو مجرد شعور بأن شخصاً بمجرد موتي سيرتاح نفسياً و لن يتوقف عن مطاردتي حتى يقتلني ..

لم أتساءل يوماً أي طريقة موت أستحقها و لكني لم أرَ نفسي أموت بسلام في أي لحظة من اللحظات. كل كوابيسي تصورني أموت محروقة أو مقتولة بطريقة مرعبة لطالما مرت علي الأيام التي أشعر فيها أنني لن أعيش طويلاً وأحيانا أفكر بطريقة لحفر الأرض أو لارتداء درع واقي من الرصاص..

كان يؤرقني اطمئنان الجميع من حولي ، يشعرني أن علي أن أحذرهم من جريمة قادمة و يجعلني انا المسؤولة الوحيدة عن اي شيء كوني كنت أعلم بهذا مسبقاً .

رغم كل شكوكي  ولكني متيقنة أنها مجرد أوهام مجرد أفكار لم تبنى لها قواعد على الواقع ولكنها في الحقيقة أوهام بدأت تغير تفاصيل حياتي ,تؤرقني , تؤذيني..

أنا فقط وبكل بساطة أموت كل يوم ..

 

___________

(عندما أقتل كنت أعلم أن هذا سيحدث )

هكذا كتبت في أحدى دفاتري ، مجرد شكوكي أنني سأقتل جعلني أخبر الجميع بأنني أعلم مسبقاً عن تلك المؤامرة ..أو ربما أردت أن أخفف عن نفسي الخوف ..

كثيراً ماكنت أتساءل لم لا يحق لي الاطمئنان ؟ لمَ لمْ أعش لحظة من الأمان ؟.. أردت لو لمرة واحدة أن أجرب النوم بسلام ، كنت أمضي ليال من البكاء ، و أطلب من الله أن يحميني ، مجرد شعوري بأنني لست قادرة على حماية نفسي يجعلني أحتقر ضعفي, أحتقر مكانتي, أحتقر مشاعري ,أحتقر كل شيء يتعلق بي .

تلك الكوابيس التي لا تفارقني ، ذلك الشخص الذي يقتلني كل ليلة لم يتوقف قط عن قتلي ، أتعبني كثرة الموت ، وتكرار الجريمة ، والمشاهد الدموية ..

 

_________

( شكراً لك )

أتذكر تلك اللحظة التي ذهبت فيها إلى المستشفى برفقة والدي حين أخبرنا الطبيب بأنني أعاني من ضعف في عضلة القلب ، و أنه لا علاج لمثل هذا المرض ، سوى التماسك..

وعدم تلقي الأخبار السيئة المفاجئة لم يكن طبيباً متمرساً أو على الأقل إنسان؛  فقد قال لوالدي بكل وقاحة أن من يعانون من أمراض القلب في سن مبكرة يموتون بسرعة.. كنت سعيدة , لم أكن متفاجئة ، شعرت بالاطمئنان و كأنني وجدت في حياتي موت رحيم ، سأموت على فراشي كالأميرات ، لن أُطعن و لن أُرمى بالرصاص ,لن أُحرق و لن أُشنق . كنت سعيدة وكأنه خبر مفرح ، كنت مدينة لذلك الطبيب الوقح ، شكراً لك : قلتها قبل أن أغادر .

 

____________

(وداعاً أيها الخوف) ..

ودعت الخوف, ودعت الجريمة التي أُقتل فيها كل ليلة ، ودعت القهر والألم  و محوت كل توقعاتي الخاطئة و خطة موتي البشعة أعدت ترتيبها ، مستعدة أيها الموت تعال و واجهني فأنت رحيم مقارنة بمخاوفي ، أنت لذيذ مقارنة بمر كوابيسي ، بل أنت أمنية لطيفة وبعدك حياة هانئة كحياة الملائكة ، أشرقت شمس جديدة ,كل شيء كان واضحاً لأول مرة منذ ثلاث سنوات أطل من نافذة غرفتي.. كان الهواء نقي و الحياة تبدو بسيطة وهادئة ، فيها الكثير من الحب والتفاؤل ، لأول مرة أعشق تفاصيل الحياة ..

حزنت قليلاً ، شعرت بخيوط النهاية بدئت تشدني إليها ، اكتئاب بسيط مع ذلك الشعور بالرضا التام ، أغمضت عيني و أنا أتذكر تفاصيل الأشياء ، واجهت نفسي بمخاوفي ، لم علي أن أعطي الموت حجم أكبر من حجمه ؟ لم علي أن أفكر به طوال الوقت ؟.. إنه شيء بسيط, ألم لا يتعدى يوم واحد فلن أعيشه كل يوم و أقاسيه طوال الوقت.. لم وليته كل الاهتمام ؟ .. كل كوابيسي كانت تعكس مخاوفي

أياً كانت طريقة موتي ومهما كانت بشعة ، أنا سأموت مرة واحدة فقط ، سأموت في يوم واحد فقط ، لن أقاسي وقت طويل بل إن ألم الخوف الذي زرعته في نفسي قد يكون أشد ألماً وأطول وقت من الموت نفسه ..

 

___________

(تجاهل) ..

لا أنكر أن الكوابيس لازالت تزورني كل ليلة ، لا أنكر أنني أقتل في كل ليلة ، و لكني تجاهلت هذه الكوابيس فأنا مريضة بمرض لن يجعلني أعيش طويلاً حتى يقتلني شخص ما ..

أنهيت المرحلة الثانوية بعد عناء طويل من سنة من الكوابيس و لأن معدلي كان منخفض جراء حالتي الصحية والنفسية فلم أجد جامعة مرموقة تقبلني ، في الحقيقة لم يؤثر هذا علي كثيراً فأنا لست طموحة من جهة الدراسة فأعظم أهدافي أن أعيش في سلام وأموت بسلام أيضاً .

 

___________

(^_^) ..

سأعيش حياة جميلة ، سأفرح كل يوم ، لن أعيش الرعب أكثر من هذا ، لن أخاف من الموت ، سأواجهه و سيتفاجأ بي كم أنا قويه وصبورة ، أي شعور حاول أسقاطي يوم ما سأهزمه اليوم ، سأتغلب على مخاوفي وسأكسر ذلك الحاجز بيني وبين الحياة . وعندما يأتي الموت إلي سأكون هادئة ، سأتقبله وسأرحب به  و أسلمه هذه الأمانة وهي على خير ما يرام . لأنني شجاعة ولن تتغلب علي الأوهام ولن تعذبني الأكاذيب ، ولن أضيع بين خيالات لا صحة لها ، ففي النهاية من له مصلحة بقتل شابه عادية ؟! .

 

___________

هذه كانت مجرد ذكريات جمعتها من مفكرة الهاتف ..

 

ها أنا أعيش الواقع خائفة ووحيدة في قبو مظلم ، بكيت و بكيت, تمنيت أن أستيقظ ويكون كابوساً كبقية كوابيسي ، تمنيت أن أرى الشمس من جديد ، أن أستيقظ ككل مرة .مرت أمام عيني حياتي الماضية ، لقد كنت أقف ثم لا ألبث أن أقع من جديد حتى تحطمت من كثرة الوقوع . ها أنا ضعيفة كما لم أضعف من قبل ، حزينة كما لم أحزن من قبل ، خائفة كما لم أخف من قبل ، حبيسة منتظرة قرار قتلي من والدي منتظرة حكم إعدامي  بسبب صورة انتشرت عبر الأنترنت حكم علي بالموت ، لتظل الصورة بلا هوية ، ليظل الشكل بلا روح ، لتظل الصورة وأرحل أنا ,لتدفن مشاعري وذكرياتي ، لتحرق بقايا جسدي و لأُلعن بعد موتي .استلقيت على الأرض الاسمنتية في ذلك القبو المظلم .

غريب كل هذه السنوات من الكوابيس كانت تحذرني من هذا اليوم الذي يفوقها رعباً و يقهرها ألماً ، لم ينبض قلبي بهذه السرعة من قبل. كنت أرتجف كالقطة الغارقة بين المطر ، أهتز الهاتف في جيبي.. انتفضت خائفة ، لا أنكر انني شعرت ببعض الأمان ، لم يكن في الهاتف سوى الفيس بوك فقط حتى أنه لا يوجد به شريحة اتصالات..

قررت أن اجري مكالمة طوارئ قبل مجيء والدي الذي حبسني منتظراً الوقت كي يقتلني .بدأت أسمع صوت الأمن من سماعة الهاتف ..ترددتُ هل أتكلم ؟ و في أثناء تفكيري قفل الخط .

بدأت أتذكر كل تلك الكوابيس فزادتني رعباً على رعبي. كنت في الماضي أقول بأنني سأتقبل الموت وسأرحب به, كنت أقول أن الموت ليس سوى ألم واحد و مرة واحدة, كنت أقول بأنني سأعيش حياة كحياة الملائكة و أن الموت لن يكون نهايتي, كنت أقول بأنني أقوى من أي شيء في العالم و أنني سأحب الموت و لن أخافه .

تباً لكم يا من سببتم لي هذا الرعب ، سحقاً لكم يا من ألقيتم بي إلى الموت ..

لن اسامح أي شخص شارك بهذه الجريمة ,سأقابلكم يوم لا ينفع نفس مال ولا بنون , يوم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فيجازيكم أشد الجزاء ويعذبكم أقسى العذاب ..

 

ها أنا قبل مجيء والدي نشرت أوراق من مفكرتي ..

لقد عشت حياة حافلة أنا لست نادمة ، قد يأتي و يزهق الباقي من روحي ، و إن لم يفعل فالذكريات كفيلة بذلك .

لا أعلم لم أخترت هذا الموقع لأنشر فيه قصتي ! ..

ربما لأنه يتعلق بقصتي بشكل ما ..

أو أنه يذكرني بشخص أحببته بشدة ..

 

تولين عبدالله ١٨ سنة

تاريخ النشر : 2016-08-10

ToOoTa

السعودية
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى