أدب الرعب والعام

بائع الويسكي ( ملك الفودو )ج1

بقلم : Shadwoo Shadwoo – مصر

بائع الويسكي ( ملك الفودو )ج1
كانت قبعة الرجل تخفي ملامحه ..

مكان تختلط فيه الأصوات مابين ضحكٍ و غناءٍ و سكارى يتذمرون .. تعالوا لنرى ماذا يحدث بالداخل…

– أنت يا فتي ، هيا أسرع و أعطني كأساً آخر .
– حسناً يا سيدي .

– خالد لقد انهيت عملي هل أنتظرك في الخارج حتي تنتهي ؟
– لا يا صديقي سأتاخر اليوم أيضاً بالمغادرة .. إذهب أنت .
– هل عاقبك المدير مرة أخرى ؟ لمَ تتحمل كل هذا ؟
– أنت تعلم لماذا أتحمل إهاناته ، فأنا لن أتركها له .. أنا أحبها كثيراً .
– حسناً يا صديقي سأغادر الآن .. وداعاً .

ودع خالد صديقه عاطف ، و أخذ ينظف فوضی المكان وراء السكارى ، و كاد نور الفجر أن يبزغ عندما انتهى من العمل ، فجلس ليستريح قليلاً ، أخرج صورة فتاة و ظل يتأمل ملامحها إلى أن غفا من كثرة التعب .
و ما إن أغمض عينيه حتى رآها ترقص معه بتناغم على أصوات الموسيقى ، و هو يتأمل ملامحها التي تغيرت ليدب الرعب بقلبه و هي تقول :
– أتحبها ، اقتلها اقتلها (ثم تعالت الضحكات )
استيقظ خالد مفزوعاً و هو يلتقط أنفاسه كأنه كان يغرق ثم أخذ معطفه و غادر إلى منزله .

في مساء ذلك اليوم …
استمر خالد بعمله بسكب الويسكي في كؤوس السكارى ، و هو يراقب حبيبته ليلى التي تعمل بنفس الملهى .

– أتحبها ؟
– عفواً !!
– أعطني كأس ويسكي.

قاطع الغريب خالد بينما يعد له الكأس…
– ربما ما كانت ستترك عيناها تغادرك لو كان لديك مال .
نظر الغريب بطرف نظره من تحت القبعة على خالد فوجده منتبها ثم أكمل كلامه قائلاً..
– وقتها ستمتلك كلَّ شي.. حتي هي ستكون لك .
ثم ترك له ما يزيد على سعر الكأس و رحل تاركاً خالد بحالةٍ من اليأس ، فكيف لمجرد بائع ويسكي للسكاري أن يكون لديه المال ما يمكّنه من الفوز بقلب حبيبته .

مرت الساعات و خالد ما بين ملء الكؤوس و التفكير بكلام ذلك الرجل الذي مزق قلبه قبل عقله .

أقبل عاطف على خالد متسائلاً عن حزنه…
– ما بك ياخالد أأنت بخير ؟
– كيف لها أن تحب شخصاً فقيراً مثلي و أنا….
– قاطعه صديقه قائلاً : إن كانت تحبك بصدق فلن تهتم بالمال ، و إن رفضتك فهي الخاسرة ..
فقط أخبرها بحبك لها ، يبدو أنها ستغادر .. هيا إذهب إليها .

خرج خالد إلى الطريق و هو ينظر أين ذهبت حتى رآها…

– ليلى
– حقاً ؟..! كيف تناديها و هي مع شخصٍ آخر ، تصرف ليس راقياً منك يا فتى .

تلفت خالد حوله ليرى مصدر الصوت فوجد رجلاً متكئاً على جدار يدخن سيجارته و قبعته تخفي ملامحه .
– من أنت؟
أسقط الرجل سيجارته و سحقها بقدمه ، ثم عدل قبعته و خطواته تقترب من خالد .
– ماذا ..ألم تتعرف علي ؟ أنا من حدثتك اليوم عنها ( مشيراً بيده إلى ليلى)
– و ماذا تريد مني ؟
– أنت من تريد مني يا فتى و ليس أنا
– لا أريد منك شيئاً .
ثم ابتعد عنه خالد لكنه تفاجأ أنه أمامه .
– كيف فعلت ذلك و من أنت ؟
اقترب الرجل منه ، ثم بادر بالكلام و هو يدور حوله :
– ألا تريد أن تكون قوياً ، و معك مالاً هائلاً ؟ ثم اقترب ليهمس بأذنه ( ألا تريد فتاتك ) .
– بالطبع أريدها و لكن كيف ؟
– تعال إلى هذا العنوان غداً منتصف الليل ، و سأخبرك بكل شيء .
ترك له ورقةً بالعنوان ، ثم ابتعد عنه و ما إن التفت خالد ليراه كان قد اختفى ، كان سيقنع خالد نفسه أنها تهيؤات لكن الورقة بيده تقول غير ذلك .

وصل خالد إلى غرفته التي يسكنها وحده ، و أخذ يدور بالغرفة ذهاباً و إياباً مفكراً بكلام الرجل ، و أيضاً بمكان اللقاء .. فأي شخصٍ هذا من يطلب اللقاء بكنيسةٍ قديمة بعد منتصف الليل !! أهو مجنون أم سفاح ؟..!
و وجد بالنهاية أن حبيبته تستحق أن يخاطر من أجل الحصول عليها ، و بالفعل باليوم التالي اتفق مع صديقه أن يأخذ مكانه لأن لديه شيئاً هاماً سيفعله .

قبل الموعد بدقائق وصل خالد إلي العنوان ، و خطواته المتثاقلة تقترب من البوابة ، ثم مد يده ليفتحها و هو يدور بنظره على المكان الذي يشبه الكنيسة المهجورة بفنائها المليئ بالمقابر .. و أمام كل قبر تمثالاً كأنه حارس له .

اقترب خالد أكثر و صوته يدوي بالمكان…
– هل من أحد هنا ؟؟ لقد جئت ب حسب الموعد كما طلبت ..

و ما إن انتهى من كلامه حتى سمع صوت الرجل يناديه من ناحية المقابر ، و بالفعل تابع سيره نحو الصوت حتى وجد المقابرفي وسط المكان و المقابر تحيط به من كل جهة ، لكنه لم يجد أحداً !!
تناهى إلى سمعه أصوات تقول :
– إنه هو .. إنه هو ..
– أصمت أيها الأحمق .

نادي خالد مجدداً :
– مرحباً .. من هنا ؟ أظهر نفسك
قاطعه صوت الرجل متقدماً نحوه من اللامكان ، لا يدري خالد حتى من أين ظهر .. لكن لا يهم المهم حبيبته ..
– مرحباً يا فتي ، لقد جئت بموعدك
دعني أقدم لك نفسي .. أنا ( نائل ) أشهر ساحرٍ للفودو ، و هؤلاء هم أتباعي .

أشار بيديه خلف خالد ، و ما إن التفت خالد حتى رأى ظلالاً تجتمع من كل مكان لتقف خلفه كأنهم أناسٌ سود ، لا ملامح لهم ، فارتعب و هم بالهروب ، لكن كلما ابتعد كان يرى نفسه يعود لذات المكان ، و كأنه يدور بدائرة ..
تقدم منه الساحر و هو يمسك سيجارته المشتعلة و قال :
– ماذا ؟ أستظل على هذا الحال حتي يطلع الصباح ؟
– ماذا تريد مني ؟ أنا لم أفعل شيء
– أنا هنا لأحقق لك ما تطلبه ، ستكون سيد زمانك ، ستمتلك القوة ، و أخيراً حبيبتك ستكون لك .
– و لم أنا بالذات ؟ و ما المقابل ؟
– أنت مميز عن غيرك ، لقد رأيت بك ذلك ، أما عن المقابل فأريد ظلالاً ..
– ماذا ؟ ظلال ؟!! عم تتحدث أنت ؟ لا أفهم شيئاً .
– ظلال أشخاص .. أريد فقط خمس ظلال ، و لك ما تريده .
– لا أفهم لم تحتاج الظلال .. و كيف سأحصل علي ظلال أشخاص ؟!
– أنت تسأل كثيراً يا فتى ، إقبل أو أرفض .
تقدم الساحر خطوات معلناً رحيله و هو يقول :
– يبدو أنك لا تحبها .. حسناً أتركها لمن هو أفضل منك .
فاستوقفه خالد…
– حسناً سأفعل ما تريد .
ابتسم الساحر ابتسامةً خبيثةً ثم التفت إلى خالد و اقترب منه …
– إرتدي هذه القلادة ، هي ستفعل كل شيء ..
و ما إن ارتدى خالد القلادة حتى أحس بدوار ، و لم يعد يرى شيئاً ..
بزغ نور الفجر ، و استيقظ خالد و دار بنظره حوله ، يبدو أنه قضي الليل نائماً وسط المقابر ، لكن لا يوجد أحد ، نظر إلى القلادة حول عنقه ثم وقف وهم بالرحيل .

***
ذهب خالد إلى منزله ليستريح قليلاً ، و غط بنوم عميق ، فقد كان متعباً للغاية ، و لم يستيقظ إلا ليلاً .
نظر خالد إلى الساعة بجانبه ، يبدو أنه تأخر عن عمله ، أسرع بارتداء زي العمل و أقدامه تسابقه إلى الملهى ، و ياليته لم يفعل ..

وصل مكان العمل ، و بادر بالوقوف مكانه حتى لا يشعر أحدٌ بتأخره ، لكنه وجد المدير يصرخ و يقول أين هو ذلك الغبي ؟ و بجانب المدير زميله سامي الذي يحقد عليه و علي وجهه ابتسامة خبيثة لو تحدثت لقالت أنا من أخبرت المدير أيها المتعجرف .

سارع المدير بإلقاء الإهانات على خالد ، و الكل يشاهد و خالد يمسك أعصابه حتى لا يطرد و يبتعد عن حبيبته ، لكن ما إن ألقى بنظره حوله ، حتى رآها تشاهد ما يحدث له ، عندها لم يتمالك خالد أعصابه ، و انقض على المدير ، و أخذت ضرباته تتسارع على وجهه ، حتى أنقذه الحراس من يديه و هو يصرخ أبعدوا ذلك الشيطان عني ، أخرجوه من هنا .

نظر خالد إلى القلادة فوجدها تتوهج و هي تسحب ظل المدير الواقع على الارض بجانبه ، و لم ينتبه أحد على ما حدث فقد شد انتباههم وجه المدير كأنه يغرق .
التفت خالد إلى حبيبته فوجدها مرعوبة منه ، خرج مسرعاً من الملهى و لم يدري بنفسه إلا و هو يركض ، وقف قليلاً يلتقط أنفاسه و هو ينظر حوله ، لا يوجد أحد بالطريق ، بالطبع إنها ساعةٌ متأخرة ، أو هكذا ظن خالد .

قطع حبل أفكاره ذلك الشخص المتقدم نحوه و بيده شيء يلمع ، مهلاً إنه سكين ، ارتعب خالد و حاول الهرب لكن فات الأوان فقد أمسك به اللص …
– هيا أخرج ما معك .
أخرج خالد ما عنده من مال و أعطاه له ، لكنه لم يكن كافياً ليبعد عنه الأذى ، فقد لفتت نظر اللص صورة الفتاة التي وقعت على الأرض .
و ما إن أمسك بها اللص حتى سقطت منه السكين ، و ارتمى على الأرض يرتجف و هو ينظر لخالد التي تغيرت ملامحه كأنها تشبه الشياطين و القلادة تسحب ظله بداخلها حتى غابت أنفاس الرجل .

أمسك خالد بالصورة و ركض إلى منزله و هو يقول ما هذا اليوم المشؤوم ، و ما إن دخل غرفته حتى أغلق الباب عليه و هو مستغرب مما حدث ، نظر إلى القلادة ثم خلعها من عنقه و هو يقول :
أنتِ سبب ما حدث ، لم تجلبي سوى النحس فقط ..
اقترب من النافذة ثم رماها ، و ما إن استدار حتى سقط على الأرض مغشياً عليه …

– اتظن أن الأمر بهذه السهولة ؟؟ بيننا اتفاق يا فتى .. أعطني ظلالي و أعطيك حبيبتك ، أمرك مرهون بالقلادة ، لن تبتعد عنك حتى ينتهي الاتفاق ، الآن ظلي الثالث هو ذاك الفتى

ثم رأى زميله سامي الذي وشى به للمدير و تابع الصوت :
– ستأخذ انتقامك و آخذ أنا ظلي ، صفقةٌ عادلةٌ يا فتى .

استيقظ خالد و رأى القلادة بيده ، ربطها حول عنقه ثانيةً ، ثم خرج متجهاً إلى منزل زميله ، طرق الباب و فتح له سامي مستغرباً منه .
– ماذا تريد ؟
دفعه خالد لداخل المنزل ثم أغلق الباب ، سقط سامي على الأرض و تمنى ألا يحدث ما يفكر به ..
ابتسم خالد ثم رفع يديه و هو مستمر بالضحك ، فتوهجت القلادة و بدأت بسحب ظل سامي الذي كان يصرخ كأنه يتمزق ، حتى عم الصمت المكان .. خرج خالد من المنزل تاركاً وراءه جسد سامي الذي يبدو عليه أنه رأى شبحاً .

عاد خالد إلى المنزل ، ثم سمع صوت شخص يطرق الباب ، إنها حبيبته ، شيء لا يصدقه عقل خالد .
– ليلى أنتِ هنا ؟ تفضلي ..
– لقد جئت لأطمئن عليك ، أأنت بخير ؟
– نعم نعم أنا بخير ، اعذريني المكان ليس مرتباً ، أتفضلين الذهاب لمكان ما نشرب القهوة و نتحدث قليلاً ؟
– حسنا ، كما تحب .

غادر خالد و ليلى إلى المقهى ، جلسوا يتحدثون و خالد تغمره السعادة ، و لم ينسَ الوقت فقط .. بل نسي كل شيء ، و لم يشغل باله سوى أن من يحبها أمامه .
مر الوقت دون أن يشعرا به ، فاستأذنت ليلى للرحيل ، و عرض خالد أن يوصلها لمنزلها فلم يكن بعيداً ، سارا معا إلى المنزل و هو يتأمل ابتسامتها حتى وصلا…

– لقد قضيت وقتاً ممتعاً معك .
– أنا أيضاً ، كنت أفكر ألديكِ شيءٌ يشغلكِ غداً ؟
– أممم .. لا ليس لدي ، لماذا ؟
– جيد ، حسناً هناك مطعمٌ قريبٌ من هنا يعد أكلاً طيباً ، ما رأيك لو تقبلين دعوتي هناك غداً على الغداء ؟
– حسناً .. ألقاك غداً ، تصبح على خير .

ودعها و هو لا يصدق .. أهو حلم أم حقيقة ؟!!
و توالت الأيام و هذا الحلم الجميل يزداد جمالاً ، حتى حان الوقت ليستيقظ فيه من ذاك الحلم ..

***
ذهب خالد إلى منزل ليلى لكي يخرجا معاً كعادتهما ، لكنها تجاهلته كأنها لا تعرفه !! بل إنها طلبت تطلب من الأمن أن يرموه خارج الملهى عندما ذهب إليها هناك ليعرف سبب تصرفها ، حتى ضاق الأمر به فذهب إلى الساحر ، و ظل منتظراً وصوله بذلك المكان حتى انتصف الليل و صوت الظلال أعلن وصوله .

– أريد أن أعلم ما الذي يحدث ، ألم تقل أنها ستقع بغرامي ؟ فسر لي ما يحدث .

اقترب منه الساحر و هو يتفقد قلادته بنظره ، ثم قال :
– هون عليك يا فتى ، لقد جعلتها الظلال تقع بحبك لكن إن كنت تريد حبها للأبد…
– قاطعه خالد ، نعم ماذا أفعل قل لي ؟ (قالها بلهفة واضحة ).
ابتسم الساحر ثم ابتعد قليلاً قائلاً :
– صديقك ، أريد ظل صديقك عاطف ، و قتها ستكون لك للأبد .
– أنت مجنون ؟ هكذا سيموت .. أتريدني أن أقتله ؟
– ماذا ؟! أستتراجع و لا يفصلك عن حبك سوى خطوة واحدة ، ماذا .. ستختار صديقك أم حبيبتك ؟
وقف خالد حائراً كأنه بمتاهة ، لا يعرف طريق الخروج ، ثم بدأ بالكلام…
– إذا فعلت ذلك ، هل ستكون لي للأبد ؟
– بالطبع ، لكن أسرع فلم يتبقى الكثير من الوقت .

ذهب خالد إلى منزل صديقه و ما إن رأى خالد حتى ضمه و انهال عليه بالأسئلة ..
– أين كنت كل هذه المدة ؟ لقد خفت عليك…
قاطعه خالد بنبرة حزن :
– سامحني يا صديقي ..
– أسامحك على ماذا ؟

وقف خالد و أمسك قلادته و هو يوجهها نحو صديقه ، و دموعه تشاهد ظل صديقه الذي اختفى خطوة بخطوة داخل القلادة مودعةً جسده .

خرج خالد إلى الطريق و هو لا يصدق ما فعل بصديقه ، ذهب إلى الملهى حتى يرى حبيبته ، و قد اعتقد أن شعلة الحب تجددت بقلبها ، لكنها كانت تضحك مع هذا و ذاك ، توجه إلى البار و ظل يشرب إلى أن أعماه السكر تماماً ، فتوجه نحوها و أمسك بيدها محاولاً إخراجها معه بالقوة ، لكن ما هي إلا لحظات و رماه الحراس خارج الملهى .

اشتعل غضباً و هو يردد :
– ذلك الساحر ، لقد خدعني ، لقد ضحيت بصديقي من أجل لا شيء .

ثم توجه إلى الكنيسة القديمة باحثاً عنه ، و هو ينادي عليه بغضب…
– ناااائل ، أخرج أيها المعتوه ، أظهر نفسك الآن .
ظل ينادي لكن لم يظهر أحد ، تعب خالد من كثرة الصراخ و البكاء على ما فعله بصديقه ، فأسند ظهره إلى الجدار لكنه لمح كتاباً قديماً و عليه رسومات غريبة ، تقدم من الكتاب و أخذ يدور بين أوراقه لكنه لم يفهم شيئاً ، أخذ يتلفت حوله خشية أن يراه أحد ، ثم خبأ الكتاب تحت قميصه لعل عن طريقه يأتي بالساحر إن كان مهماً بالنسبة له .

رجع خالد إلى غرفته ، و أغلق الباب على نفسه ، و ظل يقرأ بالكتاب ، إنه كتاب سحر و تعاويذ قديمة ، و لفت نظره علامة على صفحة ما .. حتى لاتضيع بين الصفحات ، وجد رسومات غريبة عليها ، شخص يجلس بالمنتصف و حوله خمسة أجسام سوداء كأنها ظلال يتصل كل واحدٍ منها بالشخص الجالس بالمنتصف .

و بأخر الورقة كتابات بلغة غريبة ، أخذه خالد و أسرع إلى المكتبة و بحث عن قاموس اللغات ، و أخذ يفسر كل كلمة منها حتى أنهاها ..
إنها تعني ( الظلال هي مركز القوة ، إذا اتصلت هذه القوة بالقربان فهي تحرر المحضر من لعنته ، أما إذا اتصلت بالمحضر فهي تمكنه من السيطرة على السحر الأسود الكامن بظلال الفودو ) .

و قبل أن ينتهي خالد من القراءة شعر بضربة على رأسه ، و استفاق ليجد نفسه بمقابر الكنيسة و ظلام الليل يخيم على المكان ، و أمامه الساحر ….
– هل قال لك أحدٌ من قبل ، لا تأخذ شيئاً ليس لك ( و أنهى كلامه بضربة أخرى موجهة لخالد ) .
– لقد خدعتني ، جعلتني أقتل صديقي و هؤلاء الناس …
– قاطعه الساحر قائلا: اشششش ، لا تقلق الموتى يا فتى ، صحيح لدي شيء تحبه كثيراً ، أحضروها .

نظر خالد خلف الساحر ليجد حبيبته و هي مقيدة اليدين و الظلال تحاصرها ، أمسكها الساحر و أجلسها أمام خالد ثم قال :
– لقد تبقى ظل واحد فقط ، إنه ظلها ، و الآن سأترك القلادة تنجز عملها .

أخذ خالد يلتفت إلى القلادة مرة و إلى حبيبته مرة ، و هو يشاهدها تسحب ظلها ، ظل خالد يصرخ و يترجي الساحر …..
– لاااا ، خذني أنا لكن اتركها ، إتفاقك معي أنا .. هي ليس لها دخل .
ظل الساحر يتأمل القلادة حتى سحبت ظلها بالكامل ثم نزعها من رقبة خالد قائلاً :
– لا تتعجل يا فتي ، فلدي مفاجأةٌ لك ، أحضروه إلى الدائرة .
سحبت الظلال خالد وهو يتامل جسد حبببته الملقي علي الارض والدموع تغرق عينيه حتي جلس بمنتصف الدائرة ، مال برأسه إلى الأرض و هو يسأله :
– لماذا ؟ .. حسناً سأعتبرها أمنيتك الأخيرة .

كنت فيما مضى ساحراً عظيماً ، لكني طمعت بالأكثر ، سمعت عن قوى العالم السفلي ، و حضَّرت لتلك التعويذة ، و بالفعل نجحت و أصبحت ملك الفودو ، و أيضاً اكتسبت قوة الخلود ، لكن معلمي قال أني أصبحت أسيئ لباقي السحرة فألقى عليَّ لعنةً جعلتني لا أستطيع الخروج إلا ليلاً فقط .. ذلك العجوز

لقد كان شرطاً أن يختار الكتاب القربان بنفسه ، ثم أمسك خالد من رقبته قائلاً ..
– لقد انتظرت مائة عام حتى اختارك الكتاب ، ولن أنتظر أكثر من ذلك .
– كنت أمامك ، لمَ جعلتني أقتل هؤلاء ؟؟
– غبي ، لن تفهم ، هذه الظلال شرط لإتمام التعويذة ، و يجب أن تتصل بك أنت .

ثم ابتعد خارج الدائرة و أمسك القلادة و أخذ يتلو التعويذة ، فسارعت الظلال بالخروج منها لتلتف حول خالد المقيد مكونة دائرة ، ثم أخذ الساحر يشير إلى الظلال محدثاً خالد :
عنصر الغضب ، عنصر الخوف ، عنصر الكره ، عنصر الصداقة و أخيراً … عنصر الحب .

ثم أخذت ضحكاته تعلو ، و خالد مميل برأسه إلى الأرض يردد كلاماً غير مفهومٍ ، نظر إليه الساحر قائلاً :
– هه .. ماذا ؟؟ هل أنت نادم على ما فعلت ؟ .. فات الأوان يا فتى
ثم أمسك كتابه و أخذ يرتل باقي التعويذة ، و الظلال تقترب من خالد ، ثم أخذت ضحكات خالد تعلو و هو ينظر للسماء ثم عم السكون المكان و الساحر ينظر إليه باستغراب ، وقتها مال خالد براسه تجاه الساحر ، و ما إن أغمض الساحر عينه ثم فتحهما بلحظات و جد نفسه داخل الدائرة و الظلال تهاجمه و هو يصرخ ، و خالد يقف مكانه ممسكاً الكتاب و القلادة بعنقه .

اقترب خالد من الساحر قائلاً :
– يبدو أن هذا الكتاب له فائدة و ليس كما ظننت .
ثم تراجع للوراء خطوات و هو يشاهد الظلال تمزق جسد الساحر حتى لم يتبقى منه سوى ظله ، ثم اجتمعت الظلال كلها و أخذت تتسابق إلي جسد خالد ، و قد بدأت ملامحه تتغير كالشياطين ، و عيناه تتحول للون الأسود .
رفع رأسه للسماء و استمر بالضحك قائلاً :
– أجل إنها القوة هه أشعر بها ، رحبوا بملككم الجديد ، ملك عالم الظلال ..

ثم أخذت ضحكاته تتعالى بين القبور و الظلال تهلل بملكها الجديد .

و لكن لفت انتباهه جسد حبيبته الملقى على الأرض ، تقدم إليها ثم اقترب من خدها و قبله قائلاً :
– سأعيدك إلى الحياة ، سأعيدك إلي يا حبيبتي .
ثم حمل جسدها و وضعها بداخل الدائرة ثم أمسك الكتاب مفتشاً بين صفحاته قائلاً :
– أين هي تلك التعويذة ؟ لقد رأيتها أنا متأكد إنها هنا… ها هي.

أسرع خالد برسم الرموز حول ليلى كما هو مكتوب بالكتاب ، ثم أخذ يرتل التعويذة ، فاجتمعت الظلال حول جسدها و رفعته عن الأرض و ظلت تدور حولها بسرعة ، و ما إن انتهى من قراءة التعويذة حتى وضعت الظلال جسدها على الأرض .

اقترب خالد منها ثم ضمها إلى صدره و هو يبكي مردداً ..
– لا تتركيني أرجوكِ ، أنتِ كل شيءٍ بالنسبة لي .
ثم فجأة فتحت عينيها و كانت بلون الدماء ، و بشرتها شديدة البياض ، ثم ضمته هي بدورها و على وجهها ابتسامة لا تبشر بخير .

و أخذت الظلال تهلل معلنةً استيقاظ الملكة و رجوعها للحياة .

يتبع…

تاريخ النشر : 2016-08-12

guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى