أدب الرعب والعام

42 عامًا إلّا 11 – الجزء الثاني

بقلم : إبراهيم الاقصم – المملكة العربية السعودية
للتواصل : [email protected]
استلّت الكتاب، وبدأت في القراءة

في أثناء تجديف جيهان صفحات الكتاب، وبعد أن كادت تُمزّقه من قوة صفعات الأوراق دخل عليها نارد مُستغربًا الحال الذي كانت فيه زوجته .. لم يسبق لجيهان أن كانت مرعوبة بهذا الشكل ، جيهان التي تعارفَ الناس عليها كالمرأة القوية، اليوم تمكّن الخوفُ منها و كان ذلك وللآسف بشكل يُشفق الناظِر عليها .. خافَت من كتاب خواطر رومانسية، يا للشفقة

نارد :ما خطبك؟ لماذا ترتجفين هكذا؟
جيهان تطبق الكتاب على وجهيه سريعًا وهي خائفة
جيهان: لا شيء، حتمًا لا شيء يا نارد
نارد: لم أتوقع رؤيتكِ بهذا الشكل في يومٍ ما. هاك، امسحي العرق المُنهال من جبينك
جيهان تقف وتأخذ الكتاب معها: عدت على قبل عادتك، ما زلت مُتهرّب من العمل؟
نارد: تعلمين كم علاقاتي جيدة بزملائي، والان أكثر من أي وقتٍ سابق هم يرغبون في مساعدتي كوني عريس جديد.
جيهان: أو لربما يرغبون في صرفِك كي لا يرون وجهكَ أكثر.
نارد: كُفّي عن التلاعب بالكلام، متى ستعودين لعملك؟
جيهان: الغدُ سيكون يومًا مناسب، اشتقت لبيئة الصراعات تلك.
وحين كانت جيهان على وشك الانصراف من الغرفة
نارد يقترب منها: خلت أننا عروسين، لماذا تعاملينني هكذا؟
جيهان تقترب أكثر: عروستك مُنهكة للغاية اليوم، لذلك سآوي للنوم في غرف المعيشة.

كـعادة نارد، لن يُحاول مواجهة جيهان بالكلام . . لربما لأن موقف جيهان يُظهرها كـالأصحّ التي لا تتزعزع
أو في خِلاف حال، من المُمكن أنه لا يريد سماع أوصاف تُضيّق الحال أكثر ممّا هو عليه
لهذا تركها في سبيل حالها؛ متأملًا أن تعود بـحنين إليه في احد الأيام

في تلك الأثناء كانت جيهان تُحدّق بالكتاب، حدّقت طويلًا حتّى راودتها أفكار سيئة في التخلّص منه
ولكنها لن تقبَل بتسوية الأمور دون حرب دامغة . . شعرَت أن هناك خُدعة ما من قِبل أحدهم
فقامت وأعادت الكتاب على الرفّ، وهي واثقة أن لها نقطة عودة هُناك
وبالطبع، لم تتغيّر عادة جيهان في الثقة .. فلَم تلبث سريعًا حتى غطّت في سباتٍ عميق
حالمة بـصباح متفائل. . أو صباح يُناسب مزاجيتها، المرأة التي تفتعل المشاكل.

|السادسة والنصف صباحًا|
جيهان تُوقظ نارد: صباح الخير.
نارد ينظر باستغراب لجيهان: ما المناسبة لهذه الإطلالة؟
جيهان بإبتسامة أنثوية: عودتي للعمل أكبر مناسبة، ألا توافقني؟
نارد: ظللتِ طوال الأسبوع ترتدين تلك الملابس القطنية الرثّة، واليوم تبدين كما لو أنكِ ذاهبة لموعد ما.
جيهان: لن أكذب عليك، أحبّ العمل أكثر منك
لذا لا يهمّني ما إن كنت تعتبر الأمر كموعد أم كُمناسبة؛ قُم واذهب لعملك كـربّ منزل يوفّر معاش أسرته.
نارد: أخبرتهم أنني لن أذهب للعمل اليوم، سأقوم بحراسة المنزل بدلًا عنكِ اليوم.
جيهان: أيًا كان اللص الذي سيأتي، آمل أن يقضي عليك قبل ذهابه.

غريب أن تُحدّث زوجها بهذا الشكل، لم تمضي حتّى سنين على عشرتهما كي تُلقي بهذه الكلمات
ولكن جيهان قد قضَت ما يكفي مع نارد لتعي ما يتناسب معه من نِقاش.

دخلَت جيهان للمكتب باستقامة وحيوية، تُلقي السلام على الجميع
ملابس بألوان زاهية، صباحية مسائية . . مُتباهية بـمجوهرات الزِفاف
ولكن عيناها تلألأت أكثر من عقدها حتّى
اتّجهت للمكتب الذي تعمل فيه
جيهان: صباح الخير يا رِفاق.
زملاء جيهان: صباح الخير، عادَت عروستنا الفاتنة.
جيهان تضحك: أي عروس تقصدون؟
حينها كانت شادن تُعدّ القهوة وسمعت صوت جيهان
زميلة لجيهان: بالطبع نقصدكِ أنتِ، وهل هناك عروس أخرى؟
جيهان تُرمق بنظرة ناحية شادن: بالطبع، هناك عروس أخرى تحظى بحياة زوجية أكثر منّي.
شادن تتجّه نحو المكتب: اوه! أريد معرفة تلك العروس .. هل يُعقل أن هناك من تزوّجت بالسرّ بيننا؟
الجميع يتحرّى إجابة من جيهان
جيهان تضحك بأعلى صوتها: لن تتخلين عن عادتكنّ في نشر الإشاعات، أنا العروس الوحيدة هنا.
شادن تبتسم: ومن ستجرؤ على الظهور بهذه الإطلالة لو لم تكُن عروس؟
جيهان: أحبذ قراءتكِ لأفكاري، خير صديقة يا شادن.
جيهان تُرمق شادن بنظرة ثاقبة: بالمناسبة، هديتكِ كانت رائعة
استمتعتُ بـقراءته كثيرًا.
شادن: أنهيتِ القراءة بالفعل؟ لم يخطُر في بالي أن لديكِ وقت للإطلاع عليه حتّى.
جيهان: لم أكُن لأفعل لو كانت من شخص آخر، لكن من صديقتي الأفضل لن أتردد في ذلك.
بعد أن توقفت خُطى أصابع جيهان من تحرير المقالات الجديدة، نظرت باتجاه شادن
جيهان: هل لي بكلمة على إنفراد؟
شادن: بالطبع.
ذهبتا الاثنتين إلى غرفة الطباعة وشرعتا في الحديث
شادن: يُسعدني رؤية تأثير الكتاب عليك، اليوم أصبحتِ امرأة أنيقة للغاية.
جيهان: ما زلتِ تظنين ظنّ السوء بي؟
شادن: عفوك، ماذا تقصدين؟
جيهان: تظنين أنني تسببت في مقتَل أحدهم حتّى تُهدينني كتاب يُملي عليّ الأحكام السماوية؟
شادن: أجهل عمّا تتحدثين، لذا أرجو أن تكوني أكثر وضوحًا.
جيهان تقترب أكثر: أخاكِ. . تظنين أنه بأي شكل من الأشكال قادتني نفسي لقتله؟
شادن: ومن قالَ ذلك؟ ولمَ تنبشين في مواضيع طغى عليها الزمن؟
جيهان: كُفّي عن بلاهتك، أخبريني حالًا .. تظنين أنني قتلت أخيك؟
شادن: لا أعلم بمَ تهذين، ولكن عجبًا من أشخاص يصنعون الظنّ ويصدقون فيه
لم يسبق وأن فاتحت هذا الأمر معك، لماذا تتصرفين هكذا فجأة؟
جيهان: وما بال ذلك الكتاب؟ أي تعويذة ألقيتِ فيه لتتهميني بذلك الشكل البائس؟!
شادن: الكتاب؟ خُلتني أعطيتكِ كتاب يُلقّنكِ قليلًا من آداب الزوجية . .لكن ما بالكِ عُدتِ همجية هكذا؟
جيهان: أيًا كان ما تحاولين فعله، إن نويتِ في افتعال تصرفات سخيفة مع ذلك الجاهل شهير
سأكون لكما بالمرصاد.
شادن: لم أتخيّل أن تتهجمي عليّ بهذا الشكل في يومٍ ما، ولكن لا عجَب كونكِ تزاولين هذا دومًا
ولكن ثقي تمامًا؛ مسستِ بهم ضرًّا ولكنني غير قابلة للمساس
لا أقول هذا تهديدًا، ولكن حاذري تصرفاتكِ أكثر . . لن يقع الجميع فريسة وحشيتك.

انسحبت شادن من الحديث بعد آخر كلماتها، لم تُرِد جذب الانتباه لمَن هم في العمل
وبدأت جيهان في تهدئة نفسها .. هي تعلَم جيدًا أن علاقتها بالجميع في اسوأ حالاتها
وتخشى أن تخسر المزيد، لكن خوفها أكبر من أن تُرضي الجميع
وبعد أن عادت جيهان إلى المكتب، صادفت شهير أمامها
شهير: اهلًا آنسه جيهان.
جيهان تُردّد بداخلها: هذا ما كان ينقصني.
شهير: هل رأيتِ شادن؟ لدينا قضية نعمل عليها ولم أرها بالأرجاء.
جيهان ترفع حاجبيها: قضية تعملان عليها؟
لا أعلم أين شادن .. واصل البحث عنها.

بالطبع، أيًا كانت القضية التي يعمل عليها الإثنان
شهير يُريد زعزعة ثقة جيهان بأي طريقة كانت، فهو حتمًا لا يحبذ رؤيتها تتصرّف بتعالٍ

وفي لحظة يأس من جيهان، ولأنها لم تشعر بهذا الشعور من قَبل
حيث أنها ضعيفة . . ترى أن شادن تحاول استغفالها؛ وشهير يتوعّدها بمصير مُقتم في الطريق
افتتحت مذكرة في جهاز الحاسوب، لم تكتب خبرًا حصريًا هذه المرة
بل أرادت تفريغ مشاعرها الفزِعة، نوبة الخذلان التي أصابتها دون سابق إنذار
شرعَت في الكتابة
“أنا لستُ ضعيفة، من هم حولي يحاولون ردعي مع أنني لا أُشهر بسيفي عليهم
لا أعلم كيف قد أنفذُ من ورطةٍ كهذه، ولكن أعي جيدًا مدى قوتي التي ستتصدّى لكل هذا
أنا لم أقتل أحدًا، ماتوا هم بأمر من مالك الأرواح وجعلوا منّي قاتلة
لن أضعف .. لن أسقط .. لن يسهُل عليهم صنيعهم
سأبقى قوية دون أدنى شكّ”
كانت تلك الكلمات تجعلها تشعر أنها ثابتة في ظلّ فيضان الاستهداف الذي يجري من حولها
تيقّنت تمامًا أنها لم تعُد صديقة لأحد .. الجميع يتربّص بها
وبعد أن انتهى يومها العملي المتأزّم، غادرَت المكتب سريعًا وعلى عكس ما قدمت به
الثقة التي جاءت فيها في بداية اليوم، تمزّقت تمامًا في نهايته

عادَت جيهان وهذه المرة حطّ هدفها على الكتاب، شعرَت أنه مصدر التهديد الأساسي
فتحته وهي تُقلّب الصفحات سريعًا، لكن تعجّبت من أنه مجرد دليل للمتزوجين حديثًا
جيهان: هل يُعقل أنني كنت أتوهّم؟
تلك الأمور لا تحدث طبيعيًا، إن لم تكُن خدعة ما من تلك السفيهة إذًا قد خدعني عقلي على حين غفلةٍ منّي.

في الوقت ذاته من تحقّق جيهان من “الكتاب الغامض” كانت شادن تُناقش شهير في قضية ما
ومّما دارَ بينهم
شهير: الأمر ليسَ مُستحيل، ولكن كان ليكون الوضع أسهل لو طالبتِ بهذا مُسبقًا
شادن: تعلَم جيدًا، لم يكُن هناك سبب يدفعني لذلك حينها . . الآن أوضاعي المادّية سيئة
شهير: سأرى ما يسعني فعله، ولكن في المقابل ستدينين لي بالكثير
وما إن انتهى النقاش بينهم، حتّى أمسكت شادن بهاتفها الخلوي لكتابة رسالة نصّية
“موضوعي مع شهير لا يُخصّك بأي شكل من الأشكال، لا تدعي أفكارك تقودك لمحطّة سيئة؛ لإنني حتمًا لا أرغب في افتعال مشاكل معك”
قرأتها جيهان ولكن دون أن تسترعي اهتمام لها حتّى، ألقَت بالهاتف ووضعت يدها على جبينها وبدأت في التفكير
جيهان: إن لم يكُن الأمر بتدبير منهم، لم أستشعر هذا الكمّ الهائل من الغمّ على قلبي؟
لماذا أشعر كما لو أنني مُذنبة مع ثقتي التامّة بعدم اقترافي لأي ذنب؟

في تلك الساعة المسائية استيقظَ نارد من سُباته، واتّجه لغرفة المعيشة طالبًا من جيهان بعض الطعام
نارد: أنا أتضوّر جوعًا، أتساءل لو بالإمكان أن تعدّي بعض الطعام لي
جيهان: بالطبع، دقائق وسأحضره لك
نارد حينها استغربَ من تصرّف جيهان، في الحقيقة استغربَ من أنها لم تُجادله أو تصفهُ ببعض الكلمات
بل زيادةً على ذلك اتّجهت للمطبخ مباشرةً
نارد يُتمتم لنفسه: هل تنوي تسميمي؟
جيهان من المطبخ: كنت لأغرس هذه السكين في قلبك لو لدي نية في ذلك
نارد: بالطبع، هذه جيهان التي أعرفها

تناولَ نارد طعامه وبدأ في مُشاهدة التلفاز، بينما جيهان بدأت في جمع الملابس لأخذها للمغسلة
ولكن كلّ تركيزها كان على ساعة الحائط أمامها
لربما تسارع إلى ذهنكم أنها تنتظر الوقت الذي قرأت فيه الكتاب بالأمس وكان على غير شاكلة
صحيح، هي تنتظر ذلك الوقت . . مع أنها غير متأكدة من الوقت الفعلي
ولكنها تنتظر حلول الربع الأخير من المساء كي تقِف على رأس الكتاب وتترصّد له
وُهبت رغبتها وحانَ الوقت، إنها العاشرة والنصف مساءً

جيهان: اذهب بالملابس للمغسلة، وفي طريق عودتك لا تنسى حاجيات المنزل
نارد: نصف ساعة وسأذهب. . لم ينتهِ البرنامج بعد
جيهان: إن أُغلقت المغاسل ستضطر للذهاب في ملابسك المُتّسخة للعمل
وشخص مثلك يحبّ التباهي . .لا أظن أنه سيرغب في ذلك
نارد: يكفي، سأعود للمنزل متأخرًا

خرجَ نارد وبدأت جيهان تتربّص بالكتاب، متى تفتحه وبأي صفحة تبدأ
استلّت الكتاب، وبدأت في القراءة .. كان كل شيء طبيعي
كتاب يحوي مُقتبسات شاعرية لكِبار الكُتّاب، وهي تقرأ دون رغبة
ترغب فقط في تِكرار تجربة الأمس . . لتتأكد ما إن كانت مُذنبة أم لا
أجل، من الغريب أنها غير واثقة تمامًا من افعالها في الماضي وتريد التأكّد من كتاب يقضي بأمرها
ولكن جيهان كأي فردٍ منّا، لها سوابق سوداء في سجلّها . . وسترى أي واحدة هي التي يتلاعب بها من حولها
فـلهذه الساعة؛ جيهان ترى أن شهير وشادن يُخططان لخدعة ما حتّى تقع فريسة افعالهم
كانت تقرأ كلمة وتتخطّى خمس
“في قاعدتنا للحبّ، أننا سنواصل دون عتاب؛ أنا اكتفي برؤيتكِ وأنتِ تقتلين الفؤاد”
بالطبع، دون افصاحي بالأمر . . جيهان كان تسترخص الكلام ولكنها تواصل القراءة
“وفي قاعدتك أنتِ، ستُحبينني متى تشائين وسأكون لكِ في الحالتين”
“ولكن في قاعدة الإجرام …”
هنا بدأت جيهان بالتشبّث بالورقة والفزَع كان قد دلّ طريقه لملامحها
“ولكن في قاعدة الإجرام، سيؤُخذ من حقّ الناهب و يُردّ للمنهوب”
هنا! هذه النُقطة التي ستستوقف جيهان طويلًا
بطبيعة الحال، كان للتردد نصيب ما إن تُكمل القراءة أم تتوقف ولكن لم تكُن لترضى بالإنسحاب بعد إنتظارٍ طويل
فـواصلت القراءة مُتوقعة اسوأ الإحتمالات، ولا نستبعد أن يبتلعها الكتاب في إحدى الصفحات
“أن تُزهَق الروح لـهو أمرٌ مُهوّل، فما بال روح بريئة أرادت الحياة ورُدَّت جِراء فاحشة؟
الندم لن يكفي . . الإعتذار سيدمي الجسَد أكثر . . الهروب سيميتك لا مُحالة!
التضحية؛ التضحية هي من ستمسح دموع تلك العين البريئة . . جزءًا من عمركِ سيفي بالغرض
أعطِ ما لديك، المُهلة لن تكون إحدى خياراتنا . . ستضطرين للتضحية بـ11 عامًا من عمرك”
بعد هذه العبارة دفعت جيهان الكتاب بعيدًا . . أحسّت برسالة مُستقيمة أصابتها مُباشرةً في قلبها قبل العقل
عرفَت أن هناك مكيدة . . ولكن كانت هي من كادتها لنفسها
لم تتوقّع جيهان أن تُفتح سجّل قضية قديمة، ويا آسفاه قد فُتحت في دون محكمة
تعيّن على جيهان التضحية الآن . . ولكن ما هي ردّة فعلها؟
هل صدّقت الأمر برمّته؟ أم أن لديها قول آخر كـعادتها؟

تاريخ النشر : 2016-09-03

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى