أدب الرعب والعام

اطفال الشوراع المشردين

بقلم : 7مجرد فلسفه7 – 7كوكب الارض – مجرة درب التبانة7
للتواصل : [email protected]

اطفال الشوراع المشردين
ارجوكم اعطوني قليلاً من المال لشراء الطعام

حيث الاعتماد على نفسك من اهم ضروريات العيش.. حيث لا احد يحميك و لا احد يعتني بك .. حيث انت وحيداً في هذا العالم المليء بالبشر.. تحيا وتموت بدون اثر و دون ان يعلم احد بأمرك ..حيث تكافح من اجل البقاء على قيد الحياة.. حيث الاجواء الباردة الممطرة من اشد الاوقات التي تمر عليك .. لا تجد الدفء ولا المكان الذي تحتمي فيه..

عندما تضطر للكفاح في الشوارع وسؤال الناس المال لشراء قوت عيشك.. عندما تضل تجول الشوارع باحثاً عن ملجأ يأويك.. عندما تجبرك الظروف على العيش بجنس غير جنسك..

 
**

نشأت إيانا يتيمة في شوارع لوس انجلوس (امريكا) كفتى في حي فقير يعج بالمشردين والمجرمين والعصابات والمتعاطين للمخدرات والهاربين من دور الرعاية والتاركين لبيوتهم – بسبب المشاكل الاسرية – و من ابصرت عيناهم الحياة فيه..

تربت هي و بعض الاطفال على يد امرأه مشردة مثلهم لكنها ربتها كفتى؛ خوفاً من ان تصبح مثلها مستقبلاً فهذه المرأة كانت قد عاشت في ملجأ يجمعون فيه فتيات الشوارع الصغار ومن ثم عندما يكبرن يأخذونهن للعمل في الاماكن المخلة او بيعهن في السوق السوداء و لحسن حظها استطاعت ان تهرب عندما كانت تعمل في احد هذه الاماكن وعادت الى حيث نشأت الا وهو الشارع ..

في احد الازقة خلف المباني يقع ملجأهم المصنوع من الاخشاب و الحدائد المرمية و الذي يغلفها اغطية من البلاستيك و مفرش من الداخل بقطع الكرتون للنوم عليه – قامت المرأة بتنويم الاطفال الثلاثة (جون-الاخ نوني-آرت) فيه ثم ذهبت للحديث مع ايانا (فتاة تبلغ العاشرة من العمر ذات بشره بيضاء وردية وشعر اشقر واعين زرقاء, تجلس على الرصيف مع ورقة كُتِب فيها ارجوكم اعطوني قليلاً من المال لشراء الطعام و علبة لجمع المال فيها) اقتربت المرأة وقالت بصوت حنون:

– ايانا.. يكفي هذا اليوم فلتذهبي للنوم

نظرت ايانا اليها وقالت بحزن :

– لكنني لم اجمع الكثير

ردت الامرأة بابتسامة :

– لا بأس هيا فلنذهب فقط

ثم ذهبتا الى الملجأ للنوم بجانب الاطفال و بجوارهم في الزقاق ينام العديد من المشردين بدون مأوى مثلهم .. و بينما هما مستلقيتان للنوم القت ايانا بطرف عينها نظره على مربيتها وقالت :

– هل نمتِ ؟

– ليس بعد

– إن الجو بارد

– نعم.. غداً سأحاول ان اجلب اغطية من الصوف فقد اقترب الشتاء

ثم اخذت تفكر..  فجأة قالت ايانا متسائلة :

– لماذا يجب ان اعيش كفتى ؟

– آه..! صغيرتي بشأن هذا الموضوع فأنا لا اريدك ان تصبحي مثلي مستقبلاً

فقالت ايانا ببراءة :

– لكن انا اريد ان اصبح مثلك حينما اكبر

ثم قبضت يدها ورفعتها لسماء وقالت وعيناها تشع بالحماس :

– فأنتِ تتحملين مسؤولية اطفال ليسوا ابنائك وتكافحين الليالي الباردة من اجل توفير الطعام لنا و تجولين الشوارع في الايام المثلجة من اجل توفير الدفء لنا ..انت حقاً شخص رائع

ابتسمت الامرأة بحزن ثم قامت بعناقها وقالت :

– ليس من الآمن بقاء الفتيات في الشوارع ، لننام الآن فوراءنا يوم طويل

ثم حدثت نفسها قائلة : نعم فعلاً فإيانا لن تظل طفلة للأبد فلابد ان يأتي اليوم الذي لن تستطيع اخفاء حقيقة جنسها، لا اريدها ان تعاني ما عانيت..

ثم داهمها السعال فأردفت قائلة : لابد ان اجد ميتم لوضعهم فيه فلا اعتقد بأنه بقي لي الكثير من الوقت..

ثم غطوا في نوم عميق ..

** 

اشرقت الشمس .. استيقظوا وتناولوا ما تبقى لهم من العشاء للإفطار ومن ثم ذهبوا كالعادة لجمع المال ،وذهبت الامرأة للبحث عن ميتم ..

بينما ايانا تتنقل في الشوارع لجمع المال من المارة سمعت صوت من بعيد يقترب اليها :

– ايان اياااان (ينادونها ايان ظناً منهم أنها فتى)

التفتت للخلف فاذا هو جون (فتى في الثامنة من العمر ذو بشره بيضاء وشعر بني اللون واعين بنيه فاتحة) اقبل راكضاً وكأن مصيبة حلت به

– آه انه انت جون.. ماذا؟

ثم قال بنفس متقطع :

– انه الاخ نوني (فتى في الثاني عشر من العمر ذو بشره بيضاء وشعر بني واعين بنيه وهو اخ جون المرتبط بالدم) دخل في شجار

– ماذا شجار ؟! اين؟

– اتبعني

ثم ذهبا مسرعين اليه و أوقفا القتال بعد معاناة.. و عند حلول الليل و بينما الاطفال يسيرون عائدين للملجأ قالت ايانا موبخه الاخ نوني :

– لماذا تعاركت معهم ؟ ألم تخبرنا أمنا ان لا ندخل في شجار ؟

قبض يده بغضب ثم قال :

– لكنهم قالوا انني ابن شوارع مقرف وانني مثير للشفقة ، من يظنون انفسهم ؟ فقط لانهم ولدوا في احضان والديهم ودفء منازلهم ؟ انهم حتى لا يعلمون كم نعاني لشراء رغيف الخبز، اشخاص مثلهم لا يحق لهم الكلام عنا , لا يحق لهم..

ثم جثا على الارض وبدأت الدموع تتساقط من عينيه فاكمل حديثه قائلاً :

– لماذا ؟ لماذا لا استطيع العيش مثل الآخرين ؟ لماذا ليس لي منزل مثلهم ؟ لماذا ليس لي والدين يهتمان بي مثلهم ؟ لماذا انجباني والدي ان كانا سيتخليان عني لماذا ؟؟

نظر جون الى الاخ نوني و بدأ بالبكاء هو الآخر فاقتربت ايانا منهم وقامت بعناقهم وقالت في محاولة اخفاء دموعها :

– هيا ما بال هذا الآن .. لا تبكيا مثل الاحمقان فأنتما لم تعودا طفلين..

رد جون متعجباً :

– كيف تقول هذا ؟ انا ما زلت في عمر الطفولة

وضعت يدها على رأسه مداعبه شعره ثم قالت :

– هاها يا صغير نحن اطفال الشوارع مختلفين عن اطفال المنازل فنحن اطفال كبار ونعتمد على انفسنا في كل شيء اما هم فيعتمدون على والديهم ولأننا اطفال كبار فلا يحق لنا نحن اطفال الشوارع البكاء

فقام جون بمسح دموعه وقال :

– هذا صحيح لن ابكي بعد الآن لأنني من اطفال الشوارع لذلك انا كبير

– هاها نعم

لكن هناك من لم تطلي عليه الحيلة انه الاخ نوني :

– يا للهراء.. لا تحاول خداعي انا اعلم انك على وشك البكاء، لا يهم فلنسرع الآن

قامت ايانا بركله في ساقه وقالت ساخرة :

– ماذا.. من الذي على وشك البكاء ها؟ هل تظنني طفل بكاء مثلك هاهاها !

ثم ذهبت تجري فلحقها الاخ نوني قائلاً :

-من الطفل البكاء ها ؟توقف هنا سوف اقتلك حقاً

فقال جون بسئم وهو ناعس :

– كفى، توقفا عن هذا الآن

وعندما عادوا استقبل ارت (فتى في السادسة من العمر ذو بشره بيضاء ورديه وشعر احمر اللون و اعين خضراء)ايانا بالأحضان ..

حملته اينا قائلة :

– هاها لقد عدت

ثم نظرت الى داخل الملجأ وقالت :

– اين أمنا ؟

قال ارت بعيون دامعة وصوت متقطع :

– لقد.. لقد سقطت في الشارع وجاءت سيارة ذات صوت مخيف واخذتها بعيدا

فقالت ايانا صارخه برعب :

– ماذا اسعاف ؟

الاخ نوني ذهب يسأل المشردين القابعين في الجوار :

– ماذا حل بأمنا ؟

– ماذا تقول يا صاح.. تلك الحقيرة الآن في الجحيم.. تستحق هذا هاها

فقالت ايانا بخوف للأخ نوني :

– لا تستمع اليه فهو في حالة سكر، يجب ان نذهب الى المستشفى الآن

فنظر له باحتقار وقال بصوت خافت :

– سحقاً..

ثم قام بأغلاق الملجأ ووضع الحاجيات فيه و قال :

– فلنذهب

ولسوء حظهم بينما هم يركضون في الشوارع (الاخ نوني ممسك يد جون و ايانا حامله ارت) مسرعين الى المشفى بدأ المطر بالهطول .. فقال الاخ نوني :

– هيا اسرعوا

و ثم بعد قليل قالت ايانا :

– هذا هو فلندخل، لكن هل نذهب لنسأل العمال هناك؟

رد الاخ نوني بعد تفكير:

اممم فلنذ..

ارت مقاطعاً :

– انهم.. انهم اولئك الاشخاص الذين اخذوا امنا – مشير بيده اليهم- هناك

فقال الاخ نوني بتوتر :

– اين؟

فنظر حوله وقال :

– اه هناك

ثم ذهب اليهم واوقف الذي كان على وشك الخروج

– مرحباً.. هل جلبتم قبل قليل امرأة من حي الفقراء ؟ امرأه ذات ش..

الرجل مقاطعاً :

– اوه هل تقصد تلك المرأة المثيرة للشفقة ؟ هاها

فغضب الاخ نوني من كلامه فقال وقد أوشك على ضربه :

-كيف تجرؤ..

امسكته ايانا و قالت للرجل :

– نعم صحيح اين هي ؟

فقال ساخراً :

– اوه انها في السماء الآن هاها، تجدون جسدها في الغرفة 109 الطابق الثاني ..

– ماذا هل يسخر منا لأننا اطفال شوارع.. اتركني.. اتركني يا ايان سأرسله الى السماء فعلاً

– اهدأ نحن يجب ان نذهب ونتحقق من ما يقوله ..

ثم ذهبوا الى الغرفة التي قال لهم عنها ذلك الشخص وكانوا على وشك فتح الباب لكن استوقفهم صوت من الخلف

– انتظروا يا اطفال اين انتم ذاهبون ؟

فقالت ايانا وهي ممسكه مقود الباب :

– نحن ذاهبون الى أمنا

– آه تلك السيدة امكم فلتنتظروني في مكتبي هناك – مشيراً بيده اليه – ولنتحدث بهدوء

ثم ابتسم وقال :

– حسناً ؟

لكن هذا لم يعجب الاخ نوني فقال بغضب :

– ماذا تقول يا حقير ؟

امسكته ايانا كالعادة وقالت لطبيب :

– حسناً

ثم ذهبوا للجلوس في مكتبه  وبين صمت وقلق وانتظار قالت ايانا للأخ نوني :

– ارجوك كف عن هذه التصرفات المتسرعة ألم تعلمنا امنا انه يجب ان نحترم الكبار ؟

فقال ضاحكاً :

– ماذا الآن هل تعطيني درس في الاخلاق انت ايضاً ؟ هل تريدنا ان نلتزم بقوانين اطفال المنازل تلك ؟!

وبعد دقائق دخل الطبيب فجلس وقال :

– انتم كما قلتم اطفالها صحيح ؟

ردت ايانا :

– صحيح

نظر الى الجميع وقال متسائلاً :

– لكن اين والدكم؟ ولي امركم؟ او اي شخص كبير في العائلة او حتى قريب لكم؟

رد الاخ نوني :

– هل ظننتنا مثلك نعيش في تلك المنازل الدافئة مع تلك العوائل ال..

ردت ايانا مقاطعه بتردد :

– نحن ليس لدينا أياً من هذا نحن فقط لدينا ام

– هكذا اذن ان الامر مؤسف لكن كما تعلمون ..

الاخ نوني مقاطعاً :

– هل تشعر بالشفقة علينا هل حقا تشعر ؟

ايانا قالت والغضب بادئ على وجهها :

– اخ نوني اهدأ دعه ينهي حديثه، حسناً اكمل يا طبيب

– حسناً.. كما تعلمون ان الموت يمر على كل انسان

الاخ نوني بانزعاج :

– ماذا مع الموت الآن ؟ هل تقول بان امنا ماتت لا تكذب يحال ان تتخلى هي عنا كما تخلوا عنا اهلينا

– الموت ليس بإرادتها لو ارادت لما تخلت عنكم، يستحيل ان يتخلى الآباء عن اطفالهم

الاخ نوني بغضب :

-انت لن تفهم شيئا حتى تعيش ما عشناه انتم ابناء المنازل لن تعرفوا ابداً قساوة الحياه، لكن الآن اختصر الموضوع هل ماتت ؟ نعم ام لا ؟

– حسناً بشان هذا الموضوع عندما جاءت في يوم سابق كانت في حالة سيئة وتحتاج الى عملية بأقرب وقت ممكن مع ان العملية في الحقيقة تحتاج مبلغ من المال ليس قليل لكن تستطيع دفعه على اقساط وعندما اخبرناها بهذا قالت بأنها لا تريد اضاعت المال في العملية بل تريد توفيره لأطفالها..

الاخ نوني صارخاً :

– قلت نعم ام لا

ايانا تحدث نفسها لقد طفح الكيل فانفجرت غاضبة :

– اخ نوني يكفي هذا ،دعه ينهي حديثه ،التزم الهدوء ،انت لست الوحيد الذي تشعر بالضغط هنا ،كفاك همجية

ثم نظرت للطبيب وقالت :

– اسف ،ارجوك فلتكمل حديثك

فقال الطبيب وهو مظهر ملامح الحزن :

– آه حسناً ..لقد ذهبت الى السماء

الاخ نوني بعد سماعه هذا لم يستطع البقاء هادئاً فقال صارخاً بغضب :

– انت كاذب.. كاذب انت من قتلها ،انتم فقط هكذا تعاملون من لا ينتمي اليكم من لا ينتمي الى تلك الحياه المترفة

ثم امسك بأيدي جون و ايانا التي كانت تحمل ارت ونظر للطبيب باشمئزاز وقال لهم :

– فلنخرج من هنا

لكن الطبيب لم ينهي حديثه بعد فقال :

– مهلاً انتظر يا فتى.. انتِ يا فتاة ارجوكِ اريد ان اشرح لكم كل شيء

ايانا تتحدث والاخ نوني يجرها معه الى الخارج :

– حسناً سآتي فيما بعد

جرهم الاخ نوني الى ساحة المستشفى ثم وضع يده على وجهه يبكي ..فقام جون و ارت بالبكاء هما الأُخريين قائلين :

– جون : هل رحلت الام وتركتنا هي ايضاً ؟

– ارت : الام ذهبت الى السماء لماذا ذهبت هل هي لم تعد تحبنا ؟

ايانا رغم الالم والحزن الشديد الذي في قلبها لكنها لم تشأ ان تبكي لتقلق الصغار فهي بمثابة اخ كبير لهم :

– لا يا صغيري ليس هذا هي تحبنا ،هي لم ترحل وتتركنا بل هي الآن تراقبنا من السماء لذلك لا تبكوا فهي لا تحب الطفل البكاء .. ثم قالت بقلق وهي تحاول امساك دموعها :

– حسناً ؟.. حسناً ؟

– الاخ نوني : ايان ارجوك.. كيف لك ان تكون هكذا حتى بالرغم من رحيل امنا انت لم تدمع لك عين ؟

– ايانا : اخ نوني ارجوك تماسك فانت اكبرنا يجب ان لا تكون هكذا..

ثم تذكرت كلام الطبيب فقالت :

– آه اعذروني للحظة سأذهب الى الطبيب لأسمع تفاصيل مرض امنا فهي لابد انها عانت لتخفي الامر عنا حتى لا نقلق

ثم ذهبت تجري الى الطبيب لكن استوقفها الاخ نوني :

– ايان كيف لك ان تذهب الى قاتل امنا هل جننت  ؟

– لكنه قال بأنه سيخبرنا..

– ماذا يخبرك ذلك القاتل ؟

– ارجوك اخ نوني اسمع اريد معرفة تفاصيل مرض امنا.. فقط

ثم بعد صمت ثواني قال الاخ نوني الصدمة التي لم تتوقعها ايانا يوماً :

– ايان.. ان ذهبت الآن فاعتبر اننا لم نتقابل ابداً او اننا يوماً ما جمعنا القدر في نفس المصير..

فقالت ايانا بخوف وبصدمة مما سمعته :

– لكن.. لكن ماذا تقول اخ نوني.. انها امنا ،حتى لو تخلت عنا ،فهي ..فهي التي بفضلها بعد ان تخلوا عنا والدينا هي.. هي التي تكفلت برعايتنا حتى اصبحنا في هذا العمر..

– لا تهمني تلك الام الان انها مثل الاخرين انها مثل والدينا تخلت عنا هي ايضاً ،وذلك القاتل هل حقاً ستعود اليه

فقالت ايانا بغضب بعد ان سئمت من كلام الاخ نوني :

– حسناً اذا هو قتل امنا فهذا يعني انها لم تتخلى عنا ماذا بك لم اعد افهمك افعل ما شئت..

فقال الاخ نوني ببرود :

– حسناً هكذا اذن.. الوداع

ثم اخذ يمشي مبتعداً فلحق به جون قائلاً :

– اخي لا تتركني وحدي سأذهب معك

– انا لن اعود الى ذلك الملجأ ابداً

– حسناً

لكن ايانا لم يطاوعها قلبها ان يرحل من تبقى لها من عائلة فصرخت والدموع تسبقها :

– نانوك (اسم الاخ نوني الحقيقي) نحن عائله هل انت ايضاً ستتخلى عنا ؟!

 

لكن الاخ نوني هو واخاه جون رحلا بعيداً دون النظر للخلف حتى ..

 
**

(لقد كنت انظر اليهم وهم يرحلون امام عيناي لم استطع فعل شيء لقد شعرت واني فقدت التحكم بجسدي

شعرت وان عقلي توقف ما بين الطبيب وامنا او الاخ نوني وجون لم استطع ان اقرر

لقد بقيت انظر اليهم دون حراك او فعل شيء حتى اختفوا عن ناظري

بعد دقائق انتبهت الى نظرات الناس التي تحدق بي بغرابة

لا اعلم.. كيف لي ان افعل هذا لكن قررت تقبل الواقع فمسحت الدموع من عيناي وقمت بحمل ارت الذي كان يبكي و قلت له لا تقلق انا معك لن اتخلى عنك اعدك)

ثم ذهبتُ الى مكتب الطبيب ..

 

جلس الطبيب على مكتبه يفكر في كلام الاخ نوني ..

فُتح الباب فاذا هو صديق الطبيب (وهو نفسه الرجل الذي سألوه عن غرفة امهم) فجلس على كرسي بجانب الطبيب و قال :

– يبدو ان الاطفال لم يتقبلوا حقيقة موت امهم ،و تلك المرأة كانت هويتها مزيفة وهي لا تمتلك ولي امر او هوية قانونية هل ستقيم لها جنازة بحضور اطفالها ؟!

– يستحيل ..فقط سنتبرع بأعضاء جسدها الغير متلفة ،وسنرسل اطفالها الى احد الملاجئ فهذا عملنا اذا توفي جميع عائلة الطفل ،اعطني الاوراق

– اشعر بالأسف على الاطفال ،لو قبلت كرمك ودفعت مال العملية على اقساط لكنت ضمنت لها العيش طويلاً لكنها ارادت حفظ المال لأطفالها هاها ..

 

(لا اصدق ما تسمعه اذناي  .. يستحيل ..لا ،لقد كان الاخ نوني صادق في كل ما قاله ،اشعر بالخداع)

خرجتُ مسرعة و انا احدث نفسي : انه حقير حقاً كيف له ان يبيع اعضاء جسد امي . جلست على احد الكراسي التي في ساحة المشفى احاول استوعاب ما يحصل ،ويبدو ان ارت شعر بي فقد نظر الي بعد ان رأى الدموع تملأ عيناي و قال :

– لا تقلق انا معك انا الوحيد الذي لن يتخلى عنك .. اعدك

صحيح لدي ارت ..نعم فهو لم يتخلى عني مثلهم فقمت بعناقه ..

 
**

في طريقهم الى ملجأهم في الزقاق والمطر مازال يهطل مروا على نهر ..قامت ايانا بغسل وجهها بمائه البارد وهي تفكر في جميع ما حصل وتشعر بالندم الشديد  . ارت وهو يغسل يده في الماء تذكر ما قاله الطبيب فسأل متعجباً :

– اخي ايان.. لماذا قال لك الطبيب يا فتاة ؟!

نظرت ايانا اليه بحزن وقالت بعد صمت :

– اختي وليس اخي , انا يا ارت فتاة في الحقيقة واسمي ايانا ليس ايان

فقال بصدمة :

– ماذا ؟؟! فتاة ؟!

ثم وقف بفخر ينظر للسماء وقال :

– وداعاً يا امنا انا الآن سأحمي اختي ايانا بدلاً عنك و للابد..

لكن ما ان اكمل جملته حتى دفعته الرياح في النهر ،حاولت ايانا امساكه لكن لقد فات الاوان فقد كان النهر سريعاً وجرفه بعيدا وهو يصرخ .. وبينما تستعد للقفز لتنقذه امسكها احد المارين قائلاً :

– انت يا فتى.. هل جننت ؟ الا ترى كيف سرعة النهر خطيرة ؟

قالت ايانا وهي تبكي وتصرخ :

– لكن.. لكن اخي.. اتركني ..اتركني

– مهلاً اهدأ.. اذا قفزت الآن فأنت ستموت لا محال

فهدأت ثم افلتها و ذهب واضعاً يده على رأسه فقد اشتد المطر غزارة والعواصف الرعدية تملأ السماء ..ظلت ايانا تبحث و تنادي تحت المطر لكن لا فائدة فذهبت تجري الى الملجأ في الزقاق ..لقد علمت انه لم يبقَ لها احد ..ظلت تبكي في تلك اللية الخريفية الباردة وتتذكر الماضي الذي مر كالحلم ..

 
**

(اتذكر جيداً ذلك اليوم الذي جلبت فيه أمنا طفلين مليئين بالكدمات نظرت لهم وقلت :

– امي من هؤلاء ؟

فقالت :

– انهم فردين جديدين في العائلة ،هذا نانوك في التاسعة من العمر وهذا جون في الخامسة من العمر

فقلت وانا سعيدة بذلك :

– مرحباً

ثم قالت لهم :

– هذا ايان في السابعة من العمر ،وهذا ارت في الثالثة من العمر

ثم اكملت بابتسامة :

– من اليوم نحن عائلة حسناً ؟

جون والاخ نوني معاً :

– حسناً

اتذكر ان امنا قالت لي ذات مرة ان والدتهم ووالدهم ماتوا ولم يرد أياً من اقاربهم التكفل برعايتهم لكن اخذهم عمهم الذي كان يطمح في ثروة والديهم وكان دائماً ما يقوم بضربهم حتى هربوا من منزل ذلك الرجل الذي بلا رحمة .. اما ارت فقد وجدته امنا مرمي بقرب احد الحاويات ..اما انا فقصتي شبيه لآرت فقد وجدتني مرمية كذلك ..

لقد قلتِ يا امي انكِ ستحمينا ولن تتخلي عنا مثل ما تخلى عنا والدينا ،اذن لماذا ؟!

الجميع كاذب الجميع خائن الجميع، نانوك.. جون.. لقد قلتم اننا عائلة اذن لماذا ؟! ارت لقد وعدتني انك الوحيد الذي لن تتخلى عني اذن لماذا ؟! لماذا لم اعرف ذلك ،لماذا لم اعرف انه لن يبقى معي احد مهما كانت الوعود التي يقطعها منذ اليوم الذي رماني والديا الحقيقين لماذا ؟؟)

 

ظلت تناجي نفسها وتتذكر جميع الاحداث حتى تعبت من البكاء ونامت ..

استيقظت صباحاً فقامت بحمل غطائها في حقيبة معها واخذت ما تبقى من مال وطعام وغادرت ذلك الزقاق ..

 
**

(في يوم خريفي بارد توفت مربيتي..

المطر ينهمر بغزاره دون توقف وكأن السماء تبكي حزناً على رحيلك يا امي..

صدى صوت خطواتك في الزقاق رحل مع اوراق الشجر التي اخذتها الرياح بعيداً في ذلك اليوم..

بقيتُ يا امي وحيدة اجول الشوارع في الثلوج انتقل من زقاق الى زقاق .. لم اعلم ماذا افعل يا امي هل اظل اخفي جنسي.. اين اذهب هل اكمل ما بدأته يا امي في حياة الشوارع  ؟

لكن لم يعد لدي ملجأ لم يعد لدي مال او طعام انا خائفة, انا جائعة, إن الجو بارد جداً يا امي, لا استطيع الاحتمال .. سامحيني يا امي, سامحني اني لم استطع الحفاظ على عائلتي, سامحيني اني لن اكبر واصبح شخص رائع مثلك ،سامحني يا نفسي على تركي انا ايضاً لهذه الحياة كما تركني الجميع)

 

حيث تنحرم من عيش طفولتك بسعادة ,حيث لا تجد من الناس الا النظرات المشفقة والقلوب القاسية, حيث لا تجد الراحة الا بالموت ..

عندما ترى الناس في المطاعم الفاخرة الدافئة وانت بين البرد تبحث في الحاويات عن شيء يسد جوعك ..

عندما ترى الاطفال مع عائلاتهم في أمان واطمئنان و انت وحيد و خائف..

عندما ترى افراد عائلتك يرحل الواحد تلو الاخر امام عينيك..

عندما تتمنى لو ان والديك لم ينجباك..

هذه هي حياتنا نحن اطفال الشوارع..

 

**

قرأ كنان هذه المذكرة التي وجدها على جثة طفل دفن بالثلج فعلم المعاناة التي خاضتها إيانا في الشوارع قبل موتها ثم قال بحزن : هل اصبح العالم عديم الانسانية لدرجة رمي اطفالهم الذين لا حلو لهم ولا قوه في الشوارع هكذا ؟

ثم كتب في المذكرة :

(في يوم شتائي مثلج توفيتي.. الثلج الابيض يملئ الشوارع بجماله وكأن السماء ترحب بك في عالم اكثر سعادة يا ايانا)

فدفنها في الثلج وابلغ الشرطة عن الجثة ثم ذهب الى المطار وها هو يودع لوس انجلوس مدينة الاغنياء.. ليعود الى دولته العربية بعد سنة من الغربة ليفاجأ بمولود جديد..

فتاتين توأمتين فأسماهما اسماء إنجليزية واحدة إيانا بمعنى الجمال الذي لا نهاية له ,و الاخرى سنو بمعنى الثلج الابيض..

 

بعد عدة سنوات :

– ابي لماذا اسميتني ايانا ؟

– ابي انا.. انا لماذا اسميتني سنو ؟

نظر الوالد اليهما و قال بحزن :

– لأنه كانت توجد فتاة جميلة اخذها الثلج بعيداً

ايانا وسنو معاً بصوت واحد :

– هااااااه !

ثم قام بعناقهما وقال بعيون دامعة :

– انا لن اتخلى عنكما اعدكما و لن اخلف بوعدي الا اذا قدر الله موتي فإذا جاء ذلك اليوم فهي ارادة الله وليس اخلافاً للوعد حسناً ؟

الفتاتان معاً باستغراب :

– حسناً ..

تاريخ النشر : 2016-09-11

guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى