أدب الرعب والعام

الكتاب العجيب 2

بقلم : الجنية الصغيرة – الجزائر
للتواصل : [email protected]

الكتاب العجيب 2
رجعت إلى الكتاب مرة ثانية ، و قرأت في الصفحة الثانية ..

بعد عدة أيام ، رجعت إلى الكتاب مرة ثانية ، و قرأت في الصفحة الثانية ما يعني أن الكلام الذي لو ردده شخص ما ثلاثاً و ثلاثين مرة و صام عن الكلام قبل شروق الشمس و حتى غروبها ، فإنه يمتلك قوة كبيرة يستطيع أن يغلب بها من يشاء .

قلت في نفسي : يا للروعة ، و تذكرت زميلي خليل الذي يصفعني و يشد أذني كلما ضربت زميلاً ضعيفاً لي ، و كنت أسكت على ذلك لأنه أقوى مني ، و لأني لو شكوته للموجه لن يصدقني ، فخليل معروف بهدوئه و جده ، و علاماته دائماً ممتازة و هو محبوب من زملائه و مدرّسيه .

فرحت كثيراً عندما قرأت ذلك ، و فكرت في التنفيذ فوراً لأنتقم من خليل ، و لأبرهن للجميع أنني الأقوى.. قلت لنفسي : ترديد الكلام سهل جداً ، أما الصيام عن الكلام يوماً كاملاً فكيف؟ أنا معروف بكثرة الكلام ، و حتى لو استطعت السكوت سيستغرب كل من يراني و سيسأل عن سبب سكوتي ، و من ثم سأجبر على الرد .

فكرت طويلاً ، و هداني تفكيري إلى حل وجدته مناسباً جداً ، مساء الخميس سأطلب من أبي أن يسمح لي صباحاً بزيارة عمي في القرية ، و قبل شروق الشمس أحمل زوادتي و أنطلق و لكن الى الجبل القريب لا إلى بيت عمي ، و أبقى هناك حتى غروب الشمس ، و بذلك أصوم النهار كله عن الكلام ، و عند المساء أعود إلى البيت و قد حققت ما أردته .

و فعلاً ، في صبيحة يوم الجمعة ، و قبل شروق الشمس بكثير كنت أحمل صرة طعامٍ صغيرةٍ و أصعد سفح الجبل حتى غبت بين أشجاره ، و كنت لا أستطيع إكمال الصعود فالجو حار و قد تعبت ، و هناك بحثت حتى وجدت كهفاً صغيراً دخلته و جلست ، و بدأت أردد بهدوء :

” عربون ، برعون ، بقوتك يا ميمون يا حمرون ، يا كمون…امنحوني قوة خارقة أغلب بها كل زملائي بالمدرسة “

كررت هذه الكلمات أكثر من ست و ستين مرة بدلاً من ثلاث و ثلاثين ، و عندما خرجت من الكهف لم تكن الشمس قد أشرقت بعد ، جلست في ظل شجرة و تناولت طعامي ، و خوفاً من أن يراني أحد و يحدثني دخلت و نمت حتى العصر .

خرجت قليلاً و تجولت بين الأشجار ، و عدت مرة أخرى إلى الكهف و جلست حتى غروب الشمس ، و حمدت الله بأنني استطعت أن أمتنع عن الكلام النهار كله .
في طريق عودتي إلى البيت كنت أفكر بما سأفعله غداً بخليل ، و تصورته ملقى على الأرض و زملاءه ينهضونه ، و قد أحنى رأسه بذل ، و أنا أتبختر أمامه .

أفقت من تخيلاتي و قد وصلت البيت ، سألني والدي عن عمي و أولاده فأخبرته أنهم بخير و يهدوهم سلامهم و حبهم ، فحمد الله ، و أثنى علي لأني أحب أهلي و أسأل عنهم ، لم يكن المسكين يدري بأني أكذب عليه ، و أني قمت بعمل سيخجل منه لو عرفه .

في اليوم التالي ، ذهبت إلى المدرسة باكراً ، و انتظرت بفارغ الصبر مجيء خليل ، و كنت أخاطب زملائي متباهياً أثناء ذلك قائلا : عندما يأتي خليل سأطلب منازلته بالملاكمة ، و سأهزمه بضربتين أو ثلاثة لأريه مقدار نفسه .
و في هذه اللحظة وصل خليل و سمع كلامي فلم يرد علي ، أدار ظهره لينصرف ، فحسبت أنه خاف مني فصرخت قائلاً : إلى أين أنت ذاهب ؟ إني أتحداك فتعال و نازلني إن كنت شجاعاً .

التفت إلي و قال بهدوء : ما رأيك لو قبض كل منا يد الآخر و عصرها ، و من يصرخ أولاً يكون المهزوم ؟
قلت : دعك من هذا ، و تعال و نازلني بالملاكمة.. أجاب خليل : ما رأيك لو تسابقنا إلى آخر الشارع ، و من يصل أولاً يكون الفائز .
قلت بحدة : هيا نازلني بالملاكمة و لا تتهرب إن كنت بطلاً .
قال خليل : أخيراً ، ما رأيك لو لعبنا بلعبة قلب الأيدي و من يقلب يد الآخر يعتبر منتصراً ؟ قلت غاضباً : أيهما الجبان لن أقبل بغير الملاكمة .
التفت خليل إلى الزملاء المتحلقين حولنا و قال : إشهدوا أيها الزملاء أنه تحداني و أجبرني على منازلته .
نهض خليل ثم خاطبني : هيا أيها الأحمق .

وقفنا متقابلين و الكل مدهوش حولنا ، كنت مستعداً و رفعت قبضتي و رحت أدور حوله ، و ما هي إلا محاولة مني أو اثنتان للكمه حتى كانت لكمة قوية من قبضته قد أصابت فكي و ألقتني أرضاً .
ضج الجميع بالضحك سخريةً مني ، أما خليل فقد مد يده و رفعني ، ثم مسح الدم الذي كان يسيل من فمي و هو يقول : لماذا فعلت هذا ؟ لماذا ؟
انسحبت مطأطأ الرأس ، أخجل من النظر في وجه زملائي و أبحث عن مكان أختبئ فيه حتى لا يراني أحد .

يــــتبع ..

تاريخ النشر : 2016-09-24

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى