أدب الرعب والعام

ثمن الإختيار (2)

بقلم : أبو عمار – مصر

ثمن الإختيار (2)
في ليلة أشبه بالخيال ، و في أكبر فنادق مصر تم حفل زفاف كمال و هالة

في ليلة أشبه بالخيال ، و في أكبر فنادق مصر تم حفل زفاف كمال و هالة ، و الذي حضره كبار رجال الدولة و أحياه كبار المطربين و المطربات ، و بعد الحفل قضى العروسان ليلتهما الأولى في جناح في الفندق ثم سافرا ثاني يوم لقضاء شهر العسل في باريس ، و كانت هالة و هي تجلس بجوار كمال في الطائرة تظن أنها ستعيش معه أسعد أيامها ، و أنها ما إن تدخل معه عش الزوجية ستدخل جنة الله في الأرض و كيف ستغدو قصة حبهما مثلاً لكل العشاق .

و بالفعل كان شهر العسل من أمتع الأيام التي مرت على هالة ، كانت فيها في قمة السعادة و شعرت أنها تعيش أسعد لحظات حياتها ، كما أن كمال كان رقيقاً معها كالنسمة و يعاملها بكل حنان و رومانسية ، و يلبي جميع طلباتها .

لكن هذا الحلم لم يدم طويلاً ، فما إن عادا من شهر العسل حتى وجدت نفسها وحيدة في فيلا كبيرة مع الخدم اللذين هم أشبه بالآلات ، ليس لهم حق في الجلوس أو التحدث معها أكثر مما ينبغي ، أما كمال فهو دائماً إما في عمله و لا يعود منه إلا وقت النوم أو مسافر لإبرام عقود جديدة مع شركات أجنبية ، كما أنه اشترط عليها أن تقطع علاقتها بكل أصدقائها و معارفها لأنها انتقلت لطبقة الصفوة ، و نالت مكانة و وضع لا يصح معهما أن يكون لها صلة بهؤلاء المعارف و الأصدقاء ، حتى أمها كانت هي من تذهب إليها و غير مسموح لأمها أبداً أن تزورها في الفيلا .

و طبقة الصفوة هذه لم تستطع هالة أن تندمج معها قط ، فمزاحهم ليس مزاحها ، ما يحزنها لا يحزنهم ، و ما يروق لها لا يروق لهم ، فهذه الطبقة تعيش في أبراج عاجية بعيدة عن المجتمع ، و يتعامل أفرادها بتعالٍ واضح ، فهم وحدهم لهم الحق في أن ينحرفوا و يمارسوا أي فعل حتى لو كان يخالف الأخلاق و القيم ، فتلك الأخلاق و القيم لعامة الشعب و رجال الشارع فقط ، و الأدهى من كل هذا هي الحفلات الخاصة التي كان يقيمها كمال في منزلهما ، و كان معظمها من أجل إنجاز الصفقات الجديدة للشركة و من الممكن أن يُمارس فيها كل أنواع الانحلال و الفجور .

لذلك لم يكن لهالة أي أصدقاء غير (فاتن) سكرتيرة زوجها ، و كان من المتوقع أن تغار هالة من فاتن لكن ذلك لم يحصل ، لأن فاتن كانت نموذجاً مختلفاً عن باقي الطبقة المحيطة بها ، إنسانة بسيطة ، وجها وجه ملائكي ، لذلك استطاعت هالة أن تندمج معها سريعاً ، فلا تحدث غيرها و لا تخرج مع سواها ، فتذهب إلى النادي معها و تتسوق معها بل أنها لم تخجل من أن تعرّفها على أمها و تريها المكان الذي تعيش فيه ، فكانتا تقضيان معظم الوقت معاً ، فمعها عرفت معنى الصداقة .

إلا أنها كانت تلاحظ عليها الحزن الدائم ، رغم أنها كانت في معظم الأوقات مبتسمة و لكن هالة كانت تشعر أن هذه الإبتسامة تخفي وراءها ألماً ، فحاولت أكثر من مرة أن تعرف سبب حزنها إلا أن فاتن كانت دائماً تتهرب من الإجابة و تدخل بمواضيع جانبية بعيدة عن الموضوع .

******
صعد رجل الأعمال المصري (ماجد الهواري) إلى غرفته في فندق “هابي لايف” ليستريح بعد عناء أسبوع قضاه في إقناع ثلاثة من أكبر شركات تكنولوجيا المرئيات في كوريا لكي يستعين بهم في شركته حتى يبدأ في تصنيع أول تلفزيون صناعة مصرية 100% ، و قد استطاع بعد جهد كبير في الإتفاق معهم و إقناعهم بتوقيع عقد لمدة سنة يتم فيها تدريب المهندسين المصريين و إعداد كوادر متميزة منهم .

و ما إن جلس ماجد على السرير حتى سمع صوت طرق على باب غرفته فقام و سأل : من بالباب
– أنا عامل الفندق
ففتح ماجد الباب و وجد شاباً قوي البنية يرتدي زى عمال الفندق فقال له :
– ماذا تريد ؟
– تغيير ملاءات السرير بعد إذنك .
– تفضل و لكن بسرعة ، فأنا متعب .

ابتسم العامل و دخل لكي يقوم بعمله ، و لكنه ما إن دخل حتى اتجه الى التلفاز و فتحه و رفع صوته إلى أعلى درجة ، فاندهش ماجد و قال له : ماذا تفعل ؟ إلا أن العامل اقترب منه و قال له : رفعت صوت التلفاز حتى لا يسمع صوتك أحد
ثم انقض عليه مطبقاً أصابعه على عنقه خانقاً إياه ، حاول ماجد أن يقاومه لكنه لم يستطع و بعد دقائق فارق الحياة .

ابتعد عنه ذلك “العامل” و أغلق التلفاز ، ثم نظر إلى نفسه في المرآة و عدل ثيابه و خرج بهدوء و كأن شيئاً لم يكن .

******
تغير حال باسم بعد لقائه برفعت ، فقد استطاع رفعت بخبرته و حكمته تحويل أزمة باسم و محنته إلى منحة و قوة كبيرة و طاقة عمل لا تنتهي ..

كان باسم يعمل بدون راحة ليلاً و نهاراً ، و لم يعد في قلبه هدفاً سوى تحقيق النجاح و التفوق ، و في أحد الأيام بعد أن أنهى عمله في الشركة ، توجه الى بيته الذي يقيم فيه مع أمه بعد وفاة والده ، و عندما فتح باب الشقة سمع صوت أمه في المطبخ تقول له :
– أنت وصلت يا حبيبي ؟؟
– نعم يا أمي ..
ثم ذهب و قبل يديها فطلبت منه أن يغير ملابسه إلى أن تعد الطعام .

و بينما هم على مائدة الغداء قالت الأم :
– باسم ، عندي لك عروسة ما شاء الله ، دين و جمال و حسب
– أمي .. من فضلك أنا لا أفكر في الزواج الآن
– يا بني حرام عليك ، أود أن أرى أولادك ، أنت ابني الوحيد ، و أملي الوحيد قبل أن أموت هو أن أراك في بيتك مع عروستك .
– ربنا يعيطكِ طول العمر و الصحة يا ست الكل .. لكن صدقيني يا أمي لست مستعداً الآن للزواج .
– إياك أن تكون مازلت تفكر في البنت التي اسمها هالة “هي خلاص ذهبت بخيرها و شرها “
– هالة حكايتها انتهت ، و لا أفكر الآن سوى بعملي .
– أرجوك يا بني من أجلي أنا ، اذهب معي لترى البنت التي اخترتها لك لعلها تعجبك .
– حسناً .. هل من الممكن أن أعرف من هي ؟
– سحر ، ابنة جارتنا التي في أول الشارع ، فتاة محترمة و عاقلة و لا تخلو من الجمال .
– حاضر يا أمي ، فقط أعطني فرصة أستخير فيها الله .

******
جريدة الأخبار : 29/10/2009 – صفحة الإقتصاد
صناعة الزجاج النظارات من رمال الصحراء المصرية : تم بالأمس في قاعة فندق “جرند حياة” توقيع اتفاقية بين شركة سيمكو الذي يملكها رجل الأعمال المصري (محسن السرساوي) مع الشركة الألمانية جودين جلاس ، تعتبر هذه الاتفاقية نقطة تحول كبيرة في اقتصاد مصر ، حيث سيتم بموجبها عقد مشروع لاستغلال رمال الصحاري المصرية في صناعة زجاج النظارات ، مما سيحول مصر من دولة مستوردة لهذا النوع من الزجاج الى دولة مصدرة ، و ستتم الاستعانة بخبراء ألمان لتنفيذ هذا المشروع .
ـــــــــــــــ
جريدة الأخبار: 10/1/2010 – صفحة الحوادث
وفاة رجل الأعمال المصري (محسن السرساوي) في حادث اليم : توفي رجل الأعمال المصري (محسن السرساوي) هو و سائقه في حادث أليم بعد أن انقلبت به السيارة إثر انفجار الإطار الأمامي لها ، مما أدى لاختلال عجلة القيادة في يد السائق و انقلاب السيارة عدة مرات .
ـــــــــــــــ
جريدة الأخبار: 30/1/2010 – صفحة الإقتصاد
توقف مشروع صناعة زجاج النظارات من رمال الصحراء نتيجة لوجود خلافات بين شركة سيمكو المصرية و شركة جودين جلاس الألمانية

******
جلست هالة بجانب فاتن تتجاذبان أطراف الحديث في إحدى الحفلات التي أقامها كمال في فيلته ، و أثناء ذلك دخل رجل تبدو عليه مظاهر الهيبة و الثراء ، و من أول لحظه لاحظت هالة كيف أن جميع الحاضرين يخشونه و يعاملونه بإحترام و تقدير ، فسألت عنه فاتن :
– من هذا ؟
– هذا (سعيد) بك
– من سعيد بك هذا ؟
– إنه رجل أعمال كبير و مشهور ، يمتد حجم أعماله لكثير من الدول العربية و الأجنبية .
– و لماذا جميع الحاضرين يخشونه و يعاملونه باحترام و هيبة ؟
– لأنه يعتبر من حيتان البلد ، كلامه مسموع و غضبه ممنوع .

من أول لحظة انتبهت هالة إلى أنه يتابعها بنظرات لزجة و جريئة لكنها لم تعره اهتماماً و انشغلت بالكلام مع بعض المدعوين ، إلا أنه بعد فترة تقدم نحوها و قال : لم أكن أعلم أن ذوق كمال جميل هكذا ..
أجابت هالة باقتضاب :
– “شكراً يا فندم .. هذا من ذوق حضرتك “
– سعيد .. اسمي سعيد عبد العال
– تشرفنا ..

في تلك اللحظة بدأت تتصاعد أنغام الموسيقى من مكان ما ، فمد سعيد يده لها و قال : تسمحين لي بهذه الرقصة ؟
فنظرت إلى فاتن ثم قامت معه بشيءٍ من الخجل ، و بدأت ترقص معه و هي تسأل عن ردة فعل زوجها ، إلا أنها رأته يرقص هو الأخر مع إحدى السيدات و لم تظهر عليه أى ملامح الضيق بل بالعكس ، شعرت أنه سعد بإعجاب سعيد بك بها .

و بعد انتهاء الرقصة استأذنت و صعدت إلى حجرتها متعللةً بشعورها بالصداع ، و أسرعت وراءها فاتن و ما إن دخلت حجرتها حتى قالت لها :
– لماذا غادرت الحفلة بهذا الشكل ؟
– لا أعلم ، شعرت أني مخنوقة خاصةً بعدما قابلت من أسمه سعيد .
– ألست خائفة أن هذا يضايق زوجك ؟
– لا تشغلي بالك أنت ، هيا انزلي إليهم حتى لا يلحظ أحد شيء .

و بعد انتهاء الحفلة في ساعة متأخرة من الليل صعد كمال إلى غرفتها و قال لها :
– هل مازلت تشعرين بالتعب ؟
– بعض الشيء ، هل كل المدعوين غادروا ؟
– كلهم إلا سعيد بك ، فهو مصمم أن يسلم و يطمئن عليكِ قبل أن يغادر
– يسلم عليَّ في مثل هذة الوقت ؟! هل تعلم كم الساعة الآن ؟ لو يريد فعلاً أن يطمئن فلتطمئنه أنت .
– يا حبيبتي ، هذا ضيف و رجل كبير في البلد و لا ينفع أن نحرجه
– لا ينفع أن نحرجه ؟! هذه قلة ذوق و قلة أدب أيضاً ، انه يصمم أنه يسلم على امرأة متزوجة في ساعة مثل هذه .
– اسمعي يا حبيبتي .. سعيد بك ليس مثل أي أحد ، و مع رجل مثل هذا يجب أن نقدم بعض التنازلات ، و لا نعطي الموضوع أكبر من حجمه ، من أجل مصلحتنا و مصلحة الشركة معه ، اسمعي مني .. هما كلمتين يطمئن بهما و أنا يا حبيبتي سأنزل معك و لن أتركك أبداً
– لا أنا لن أنزل أبداً ، تريد أن تنزل أنت إنزل لكن أنا سأبقى جالسةً هنا .

سكت كمال للحظات ثم ابتسم و قال : حاضر يا حبيبتي … أنا لن أضغط عليك ، سأنزل له و بمجرد أن يغادر سأصعد و أعد لك كوب ليمون يهدئ أعصابك .
– لا أريد ليمون يهدئ أعصابي ، أعصابي ستهدئ فعلاً إن هذا الرجل غادر .
ابتسم كمال و قال : سيغادر و أيضاً سأعد الليمون و سأشرّبه لك بيدي .
ابتسمت هالة و قالت : هكذا دائماً تغلبني و لا أقدر أن آخد منك حق و لا باطل .

******
بعد ان استخار باسم ربه قرر أن يذهب لزيارة أهل سحر ، الفتاة التي اختارتها له أمه ليرتبط بها ، و بالفعل تم تحديد ميعاد مع والدها ، و في الموعد المحدد وصل باسم و والدته إلى بيت سحر ، و قد استقبلهما والداها و بدؤوا يتعارفون بكل ود و هدوء ، ثم دار بينهم حديث في مواضيع سياسية و اجتماعية عامة ، بعد فترة قليلة دخلت سحر بصنية عليها عصير و جاتوه و قد تعلقت عيناها بالسجادة ، ثم جلست هي و والدتها على الكنبة المقابلة لكنبة التي يجلس عليها باسم ، و رفعت رأسها لتحييه بخجل .

أما باسم فرغم أنه كان يعلم من أمه جمال سحر ، إلا أنه انبهر بها و ببشاشة وجهها و صفاء عينيها اللتان تعكسان أدباً و حياءً كبيرين ، فانشرح قلبه لها .

ثم بدأ والدها يسأل باسم عن نفسه و أسرته و عمله ، فأخبره باسم بكل صدق عن ظروفه و وضعه و عن تخطيطه لمستقبله و مشاريعه المهنية ، بعدها تحدثت سحر بخجل و بكلمات مقتضبة عن نفسها فقالت أنها في آخر سنة في كلية التجارة ، و أنها تحلم ببناء بيت سعيد و بزوج صالح يحترمها و يحافظ عليها .

في النهاية اتفق الطرفان على مهلة أسبوع للتفكير و الرد ،
و في طريق العودة قالت والدة (باسم) :
– ما رأيك بها ؟
– و الله يا أمي الفتاة يبدو عليها الأدب و الاحترام و أهلها أيضاً يبدو أنهم ناس محترمين ، و بصراحة أنا أشعر براحة و انشراح صدر .
– يارب يا ولدي تكون من نصيبك ، فأنا أتمنى أن أراك عريساً قبل أن يتوفاني الله .
– أطال الله بعمرك يا أمي ، المهم أن يوافقوا
– إن شاء الله سيوافقون .

******
عادت هالة من النادي الذي تذهب إليه كل يوم جمعة عصراً كعادتها – بعد الزواج – فوجدت كمال ينتظرها في البيت و هو مبتسم ، و ما إن رآها حتى أسرع إليها و انحنى و قبل أناملها و قال :
– اشتقت إليكِ جداً ، لماذا تأخرتِ ؟
– تأخرت ؟! أنا لم أقضي في النادي سوى ساعتين و شعرت إني متعبة فعدت .
– متعبة ؟ هل تريدي أن نذهب للطبيب ؟
– كمال ما بك ؟ ما الحنان و الحب اللذان هبطا عليك فجأة ؟!
– فعلا أنا العمل أخذني منك ، و لكن تعلمين أن انتخابات البرلمان على الأبواب .
– انتخابات ! أنت ستصدق نفسك ، أنت تعلم أن الحكومة سوف تنجح من تريده و أنت مرشح نفسك ضمن مرشحي الحزب الحاكم يعني كسبان كسبان .
– لا أحد يضمن شيء ، و أنت رأيت في الانتخابات السابقة نجحت المعارضة في حصول على 100 مقعد في البرلمان
– و أنتم ستسمحون لهم بهذا في هذه الانتخابات ؟

– اسمعي ، لا أريد أن أتكلم في السياسة ، لقد أخذت أجازة اليوم و أعطيت الخدم أيضاً أجازة ، و قررت أن تكوني اليوم ملكي فقط ، ارتدي أحلى فستان سواريه و سنتناول أنا و أنت أحلى و أجمل عشاء في بيتنا بمفردنا و بدون أن يشاركنا أحد .
– طالما نحن معاً سيكون أجمل عشاء .

في المساء و في الساعة العاشرةمساءً جاء كمال و هو يحمل طعام العشاء – الذي أصر على إعداده بنفسه – إلى سرير هالة و قال : أجمل عشاء لأحلى أميرة ،ثم بدأ يطعمها بنفسه و هو ينظر لها مبتسماً ، و بعد أن انتهى من إطعامها رفع كأسا من الليمون إلى شفتيها و قال : اشربي بالهناء و الشفاء .
قالت : أيضا عصير الليمون ؟ أنا أسمع عن كوب اللبن الذي قبل النوم لكن أول مرة أسمع عن عصير الليمون الذي قبل النوم .
– هذا هو التجديد .. ثم هل أنت كأي امرأة حتى تعاملي مثلها ؟ هيا بسم الله .

ثم بدأ يشربها و هو يبتسم ..

***********
كانت شركة المياة الغازية التي يعمل بها باسم هي الشركة الوحيدة في مصر المنافسة لشركتي ( —– و —– ) و لم يتوقع أحد أن تستطيع تلك الشركة الصغيرة أن تحقق أي نجاح يذكر في ظل هيمنة تلك الشركتين على السوق ،
و لكن بتوفيق من الله و إخلاص صاحب هذه الشركة ( أنور الحوفي) و وجود موظفين مخلصين و مجتهدين أمثال باسم بدأت الشركة تشتهر و تزداد مبيعاتها يومأ بعد يوم ، و بدأت أرباحها ترتفع مما ينبئ بدخولها في القريب العاجل منافساً حقيقياً للشركتين الكبيرتين .

لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن ، ففي الوقت الذي انشغل الجميع بفتح منافذ بيع جديدة في مختلف المحافظات ، جاءت إلى أنور الحوفي رسالة من مسؤول كبير ينذره فيها بأن يوقف نشاطه فوراً و ألا يتسع في شركته و إلا ….

لم يفصح هذا المسؤول عما يمكن أن يفعله و لكن التهديد كان واضحاً في الرسالة مما جعل أنور يتصل بمحاميه ليستشيره فيما يجب عمله ، و خلال نصف ساعة كان أنور يعقد اجتماعاً طارئاً حضره كبار موظفيه بما فيهم باسم ، كما حضر محاميه الخاص و عرض انور نص رسالة التهديد و طلب رأيهم و مشورتهم ، فرفض معظم الموظفين الانصياع و الخضوع للتهديد و منهم باسم الذي قال :
– لا يجب أن نعطي الموضوع قيمة و أهمية أكبر من حجمه الحقيقي ، أكيد نجاحنا أثار حقد أناس كثيرين و خاصة المنافسين ، و أنا أرى انها محاولة يائسة لإيقاف نجاحنا .
رد عليه المحامي : يا باسم أنت تعلم أن الموضوع ليس بهذه البساطة ، في ناس كبيرة في البلد لها اسهم في الشركات المنافسة لنا ، و أكيد ستفعل أقصى ما عندها لإيقافنا .

أنور : يعني أنت ترى ذأن نستسلم للتهديد و نغلق الشركة و نمشي الموظفين و نهد كل مابنيناه و تعبنا فيه .
المحامي : لم أقل ذلك ، بل أنا أرى أن نتفاوض معهم و نرى طلباتهم ، و نحاول أن نقدم بعض التنازلات ، لا يوجد مانع أن نوقف توسعات الشركة على الأقل فترة مؤقتة إلى أن تهدأ الأمور
أحد الموظفين : أنا رأيي من رأي سيادة المحامي ، لا يوجد مشكلة أن نتمهل فقط بعض الوقت بدلاً من أن تضيع الشركة كلها .
باسم : اسمعوا يا جماعة ، أولاً لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ثانيا يجب ألا نخاف من هؤلاء ، فهم أقل من أن يخيفوا أحداً ، و لو قدمنا بعض التنازلات الآن سوف نستمر في تقديم التنازلات إلى أن تنتهي الشركة ، هؤلاء ذئاب يعتقدون أن كل الناس مثلهم غدارين و خائنين ، لذلك فهم لا يريدون تحجيم الشركة بل يريدون أن يقضوا عليها تماماً حتى لا تقوم مرة أخرى
أنور : أنا مع باسم ، سواء رضخنا لهم أم لم نرضخ فهم سيفعلون كل ما بوسعهم ليقضوا علينا ، لذلك فنحن سنكمل في طريقنا و الذي سوف يريده الله سيكون .

و بعد انتهاء الاجتماع خرج المحامي ، و عندما ركب سيارته أخرج هاتفه المحمول و اتصل بأحد الأشخاص و قال له :
– الموضوع كاد أن ينتهي لولا أحد الموظفين و يدعي باسم ، أقنع أنور ألا يعبأ بالتهديد و يكمل في طريقه
– …………..
– غداً و في الصباح الباكر سيكون عندك كامل المعلومات عن باسم .

***********
وصل كمال صباحاً إلى شركته و دخل مكتبه ثم أجرى بعض المكالمات الهاتفية ، و أراد بعد ذلك من فاتن الحضور لكن زميلتها عفاف أخبرته أنها لم تأتِ اليوم .
امتلأ قلبه بالغضب و إن لم يظهر على وجهه و صوته ، شكر عفاف ثم بدأ يراجع بعض الأوراق قبل أن يقطع عمله دخول أحد رجاله عليه فجأة فهب كمال قائلا :
– محمد ، كيف تدخل عليَّ بهذه الطريقة ؟!
– أنا آسف سيدي ، لكن الموضوع خطير .
– خطير ! كيف ؟ تكلم ..
– “مصيبة يا فندم ممكن تضيعنا كلنا “

يتبع …

تاريخ النشر : 2016-09-29

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى