أدب الرعب والعام

ثمن الإختيار (4)

بقلم : أبو عمار – مصر

ثمن الإختيار (4)
أدركت هالة أن هذا كان اختيارها منذ البداية و لم يجبرها عليه أحد ، و كما أنها رسمت لنفسها البداية يجب أن ترسم لنفسها النهاية

لم تكن فاتن بتلك البراءة التي تتوقعها هالة ، بل لو شئنا أن نكون صادقين مع أنفسنا سنجد أن كمال كان عنده حق عندما قال دنيا رجال الأعمال لا يوجد فيها منطق ثابت و كل شيء فيها متوقع ، و أن دنيا رجال الأعمال مثل الغابة من يسقط فيها يؤكل ، كما أنه بالفعل يمكن أن نقول أن المظاهر كثيراً ما تخدع .

في الحقيقة أن فاتن ما هي إلا فتاة تعمل كسكرتيرة عند كمال لحساب رجل الأعمال (ماجد الهواري) ، فعندما لمع نجم كمال و استطاع في سنوات قليلة أن يستحوذ على غالبية السوق و أصبح يكسب معظم الصفقات بدأت اللعبة تأخذ منحنى آخر ، و تحول الأمر من المنافسة الشريفة إلى لعبة قذرة و منافسة حقيرة .

فكانت فاتن بالفعل و بدون مبالغة جاسوسة على كمال لتنقل جميع أخبار الشركة و أسرارها لحساب (ماجد الهواري) ، و محاولة معرفة أسباب الصعود المفاجئ و السريع لكمال ،
و بالفعل لم يمر وقت قليل حتى استطاعت فاتن بذكائها و دهائها أن تكسب ثقة كمال ، و أصبحت السكرتيرة الخاصة له و للشركة بصفة عامة ، و أصبح لا يستطيع أن يستغنى عنها فهي معه في الشركة و في البيت و حتى في سفرياته ، و بالفعل تغلغلت في شؤون الشركة و استطاعت أن تعرف حجم التعاملات و أسرار الصفقات و العملاء و الوكلاء المسؤولون عن تأمين تلك الصفقات .

والأدهى أنها استطاعت أن تكسب ثقة هالة – زوجته – و حبها حتى أصبحت صديقتها الوحيدة و المقربة منها ، و بالتالي كانت تنقل لها كثيراً من المعلومات دون أن تدري ، و لكنها و الحق يقال كانت صادقة في صداقتها لهالة ، فهي تعلم أنها الشيء الوحيد الطاهر في هذا العالم النجس و أنها و إن كانت تريد أن تدمر كمال فبنفس القدر لا تريد أن تضر هالة ، و لو بقدر أنملة ؟ و لكن بالرغم من كل هذا لم تستطع فاتن معرفة كيف يستطيع كمال أن يكسب الصفقات بهذه السهولة ، ومع أنها كانت تنقل جميع أسرار إعداد شركة كمال للصفقة و تخطيطه لها إلا أنه كان يفوز بالصفقة في النهاية !!

ثم كانت المفاجأة التي تمثلت بمقتل ماجد المفاجئ في غرفته في أحد فنادق أمريكا ، و الذي ترك وراءه عدة علامات استفهام ، لذلك أصبحت على يقين أن هناك لغز غامض غير معلوم وراء نجاح كمال في الفوز بمعظم الصفقات و وراء مقتل رجال الأعمال الذي انتشر في الآونة الأخيرة ، لذلك عقدت النية و العزم على معرفته مهما كلفها الأمر ، فاستطاعت أن تغافل كمال و تأخذ المفاتيح الخاصة بدواليب حجرة مكتبه و أدراج مكتبه الخاص و تصنع عليها مفاتيح خاصة بها ، كما قامت بزرع جهاز تصنت – كان ماجد قد زوده لها قبل مقتله – في هاتف كمال المحمول لتبدأ تطلع على كثير من الملفات و المستندات التي كان كمال يخفيها عن أعينها وأعين كثير من موظفي الشركة ، كما بدأت تتصنت على مكالماته الخاصة لتكتشف المفاجأة الكبرى ..

فلو قالوا لها أن تضع مائة تصور لحل لغز تفوق كمال و صعوده المذهل الغير المبرر في دنيا رجال الأعمال ما كانت أبداً تستطيع أن تقترب من السبب الحقيقي لهذا الصعود ، فقد أدركت أنه على استعداد أن يتحالف مع الشيطان لو كان هذا في مصلحته ، و أنه أيضاً مستعد أن يبيع أي شيء في سبيل تحقيق غايته ، فقد اكتشفت أنه قبل 5 سنوات كان مجرد شاب فقير ، و قد هاجر بشكل غير شرعي إلى اليونان ، و كان يعمل في أحد البارات ، تارة في غسل الأطباق و تارة كجرسون حتى تعرف على سعيد بك ، الذي لاحظ ذكائه و طموحه الشديد فأغدق عليه بالمال و أقنعه بالعودة إلى مصر و عينه موظفتً في فرع شركته التي في الواحات ، إلا أنه بعد فترة من الوقت كشف سعيد بك لكمال حقيقة الشركة التي يديرها ، فما هي إلا شركة تابعة للمخابرات الإسرائيلية و الهدف منها شراء أراضي البدو في الصحراء الغربية و الواحات التي تحتوي على مياه جوفية و ثروة معدنية كبيرة و تحويلها إلى قرى سياحية و مدن جديدة .

الظاهر في الأمر أنه عمل استثماري ضخم يجلب لمصر دخل قومي كبير و يقلل من مشاكل السكن ، و لكنه في الحقيقة مخطط دنيء لتدمير ثروات مصر من المعادن و التي تقدر بالمليارات من ناحية ، و من ناحية أخرى تدمر الآبار و العيون التي هناك حتى لا تستخدم في استصلاح الصحاري هناك و زيادة المحاصيل الزراعية ، و الغريب أن كمال لم يبدِ أي اعتراض ، بل وافق على الأمر بسرعة و بدأ يمارس عمله ممثلاً عن الشركة ، و استغل ذكائه و براعته في التفاوض مع الحكومة المصرية ، و استطاع شراء عدد كبير من الأراضي في الصحراء الغربية و الواحات مستغلاً تفشي الفساد داخل هذه الحكومة .

و كان لنجاحه في ذلك أثر كبير في إصدار المخابرات الإسرائيلية أمراً لسعيد بك في مساعدته في إنشاء شركة خاصة لكمال تكون مهمتها عقد صفقات استيراد لحوم و دواجن مجمدة من الخارج و بيعها في السوق المصرية ، و لكن الحقيقة أنه يستورد لحوم الماشية و الدواجن المريضة بل في كثير من الأحوال الميتة قبل أن تذبح ، و لكن المهمة الرئيسية لتلك الشركة هو أن يدخل كمال عالم رجال الأعمال و بالتالي يستطيع أن ينقل كل معلومات عن أي رجل أعمال عنده أفكار أو مشاريع من شأنها تطوير الاقتصاد أو تنميته فيتم تعطيل مشروعه إما بتضييق عليه أو التخلص منه إن لزم الأمر .

و كان سعيد بك بالطبع هو السند الوحيد له و غطائه الذي يتحرك كمال تحته ، لما له من نفوذ وصلات بكبار رجال الدولة في صفقاته و في نفس وقت هو رئيسه و المسؤول عنه من المخابرات الإسرائيلية ، و لذلك هو لا يستطيع إغضابه أو مضايقته مهما كلفه الأمر ، لذلك أخذ بينه و بين نفسه قرار لا يأخذه إلا الشيطان ، و هو أن يبيع عرضه و شرفه في سبيل إرضائه ، فكان يضع لهالة المنوم في كوب ليمون حتى تنام ، ثم يسلمها لـسعيد بك ليعاشرها معاشرة الازواج دون أن يعلم أحد ..

و هنا لم تستطع فاتن أن تسكت ففي النهاية فاتن رغم كل شيء بنت مصرية أصيلة قد تخطئ و قد تقدم بعض التنازلات لكنها مستحيل تتنازل عن وطنيتها و إخلاصها لبلادها من ناحية و من ناحية أخرى لا يمكن أن تفرط في شرف بنت مثلها ، فهي يتحرك في داخلها الواعظ الأخلاقي و الديني ، كما أنها لم ترَ من هالة شيء سيئ بل بالعكس ، وجدت فيها البراءة و الأخلاق الحميدة التي من شيم فتيات مصر الحقيقيين ، لذلك قررت أن تقدم كل المستندات و التسجيلات التي تحت يديها لأمن الدولة .

لكنها لم تكن تقدر حجم دهاء واحد مثل كمال الذي كان يضع كاميرات دقيقة في غرفة مكتبه ليكشف أي محاولة للإطلاع على أسراره ، و بالتالي استطاع أن يكشف أمرها و كلف رجاله بالهجوم على شقتها لقتلها و سرقة المستندات و التسجيلات إلا أنها لحسن حظها كانت خارج البيت في ذلك الوقت ، و عندما علمت بما حدثت من جارتها غادرت البيت و لم تعد إليه مرة أخرى ،
و تأكدت أن الموضوع مسألة وقت و أنها مهما هربت لن تستطيع أن تهرب طوال الوقت ، و أن كمال بكل نفوذه و قوته سوف يستطيع أن يعثر عليها ، فقررت أن تجازف و تخاطر لتنقذ أخر ما يمكن إنقاذه .. إنقاذ أشرف و أطهر صديقة لها و لو كان هذا أخر ما تفعله

******
أكملت فاتن و الدموع تملأ وجها : و بالطبع لم يكن عندي وقت لصنع نسخة أخرى من المستندات ، واضح أنه وراءه أناس كبار جداً في الدولة … هالة صدقيني أنا متأكدة أن هذه أخر مرة سأراك فيها ، بالأمس وصلتني رسالة على هاتفي – رغم أني غيرت النمرة – تقول (اقتربنا جداً … المسألة مسألة وقت) ، لكن كل هذا لا يهمني المهم أن يسامحني الله و أنت أيضاً سامحيني .

انتهت فاتن من سرد قصتها و أنفاسها متلاحقة و تشعر أنها ألقت حملاً ثقيلاً من على كاهلها ، أما هالة خلال سرد فاتن للقصة لم تنطق بأي كلمة ، بل ظلت صامتة ، متحجرة في عينها الدمعة ، و رعشة خفيفة في قدمها ، لا تدري ماذا تقول ! فجميع الكلمات ذابت على شفتيها ، لا تدري أهي مستيقظة أم أنها تعيش كابوس يجثم على صدرها ، هل ما تسمعه حقيقي ؟ هل يمكن أن يكون هناك شخص بهذة الصفات و يكون دوناً عن جميع الأشخاص تختاره زوجاً لها ؟!!

اقتربت منها فاتن و قالت : أنا آسفة يا هالة ، أرجوكِ سامحيني أنا مستعدة أن أقبل يديك حتى تسامحيني ..
و أمسكت بيديها بالفعل لتقبلها فسحبتها هالة بسرعة و قالت :
– أسامحك ! و هل أنا بعد الذي أخبرتني به أصبح عندي القدرة لأسامح أو لا أسامح ؟!! أنا لم تعد عندي القدرة على فعل أي شيء .. أنا انتهيت يا فاتن .. انتهيت .

حاولت أن تقوم فلم تستطع أن تحملها قدميها فسقطت على الكرسي فأسرعت إليها فاتن تمسك يديها و تقول :
– هالة ما بك يا حبيبتي ؟ أأذهب بك إلى الطبيب
– لا ، ساعديني فقط إلى أن أركب السيارة
– لكن كيف ستقودين السيارة و أنت في هذه الحالة ؟
– لا .. أنا سأصبح بخير الآن ، المهم ساعديني فقط إلى أن أصل إلى السيارة .

ارتدت فاتن العباءة و النقاب و أمسكت بيد هالة و بدأت تسندها حتى أوصلتها الى السيارة و ساعدتها لتركب بها
– متأكدة أنك ستقدرين أن تقودي السيارة .
– إن شاء الله
انحنت فاتن لتحتضن هالة وتقبلها و ترجوها أن تسامحها ، أما هالة فابتسمت ابتسامة مريرة و دمعة ساخنة تنسدل على وجنتها ، ثم انطلقت بسيارتها مسرعةً و لا تدري ماذا ستفعل

******
أوقف أنور توسعات شركته في جميع المحافظات و اكتفى بفروع شركته في 3 محافظات هي القاهرة و الجيزة و الاسكندرية ، أملاً في أن تنتهي القضية و تحفظ ، و بالفعل تم الطعن على قرار الطب الشرعي و تم إعادة فحص عينة من المياة الغازية التي أثبتت أنها سليمة و أن المياة صالحة للاستخدام ، و بالتالي براءة الشركة من تهمة تسمم 100 شخص .

و رغم البراءة إلا أن هناك غصة في حلق جميع موظفي الشركة ، فبعد التعب و المجهود الذي بذل منهم على مدار أكثر من 3 سنوات حتى تكبر الشركة و تتسع و يصبح لها فروع في شتى أنحاء المعمورة ، تأتي الأوامر من أصحاب المصالح بضرورة إيقافهم ، و يتم الضغط عليهم بموضوع القضية حتى رضخ أنور و أوقف توسعات شركته إلا في 3 محافظات .

و كان من أكثر الموظفين حزناً باسم الذي لم يستطع أن يرى حلمه و حلم زملائه يتبدد و ظهر ذلك أثناء زيارته لخطيبته سحر التي حاولت أن تسري عنه ..
– ما بك يا باسم ؟ هل أنت حزين لأننا سوف نتزوج بعد شهر ؟ هل تريد أن تتراجع في قرارك ؟
– لا تقولي ذلك ، فأنت و أمي الشيئان الوحيدان اللذان يسريان عني هذة الأيام .
– لماذا تقول ذلك ؟ الحمد لله أنكم خرجتم من القضية على خير ، و الشركة الآن تعمل و بدأت تحقق الأرباح مرة أخرى
– أرباح ! تلك الأرباح تساوي ربع الأرباح التي كانت تحقق من قبل ، و هل يعقل كل هذا النجاح الذي قمنا به يتم هدمه بتلك السهولة .
– يا باسم هذا هو السوق نحن نعيش في هذه الدنيا في صراع ، الكل يقاتل من أجل أن يحقق النجاح حتى و لو على حساب الآخر ، البقاء دائما للأقوى .
– هذة ليست دنيا ، هذة غابة و من يعيش فيها ليسوا بشر بل حيوانات تأكل بعضها البعض ، فهؤلاء لا يراعوا دين و لا أخلاق و لا شيء أبداً .
-دوام الحال من المحال و بإذن الله الأوضاع سوف تتحسن و تصبح أفضل
– الحال لن يتحسن إلا إذا تحسن حال البلد ، الظلم والفساد بلغ حداً كبيراً فى مصر ، و الأوضاع الإقتصادية متدهورة بشكل كبير ، الأسعار مرتفعة بشكل غير مسبوق ، الأجور ضئيلة و هذا كله بسبب سيطرة بعض رجال الأعمال على خيرات البلد و احتكارهم لثروتها .

– أنا معك ، الوضع أصبح ملتهباً فعلاً ، خاصةً بعد أن مات الشاب الذي يدعى خالد سعيد بعد تعذيبه على يد الشرطة .

– بالفعل ، الوضع الآن ينذر بحدوث انفجار ، أرجو أن يحفظ البلد من كل شر

******
ملأ الحزن أعماق فاتن و هي تعود الى شقتها ، و انحدر الدمع الساخن من عينيها في صمت ، فبعد أن كانت تحلم بالإنتقام من كمال و التخلص من شروره استيقظت على أبشع كوابيسها و أنها الآن مطاردة و تنتظر القتل في أي لحظةً .

فتحت فاتن باب شقتها و بمجرد أن مدت يديها و شغلت النور حتى فوجئت برجل ضخم الجثة يجلس على كرسي خشبي بوسط الصالة ، فهمت بالصراخ إلا أن يداً قويةً جاءت من خلفها و كتمت صوتها ، في حين قال الرجل الجالس :
مهلاً يا عزيزتي فقد تعبنا كثيراً حتى نصل إليكِ .
ثم اقترب منها بهدوء و على شفتيه ابتسامة شيطانية و أخرج من حقيبته حبلاً غليظاً في حين كانت المسكينة تنتفض في يد الرجل الآخر و تحاول الصراخ لكن دون فائدة فيد الرجل كانت تمنعها من ذلك ..

ثم قال لها الرجل : أعدك .. لن يستغرق الأمر طويلاً ..

و بعد ربع ساعة نزل الرجلين بهدوء من الشقة و استقلا سيارة كانت تنتظرهما خارج الشارع ، و بمجرد أن ركبا في السيارة اتصل أحدهما بكمال) و قال له :
– سيدي لقد انتهى الأمر
– أحسنتم و مكافأتكم ستصلكم غداً
– مكافأتنا رضاك علينا ، لكن هناك شيئاً مهماً للغاية يجب أن تعلمه
– ما هو ؟
– هالة هانم كانت هناك فقد رأيناها تغادر قبل أن نصعد نحن

******
أنا سوف أجعلك أميرة في مملكتي ، الكل سيصبح خدام تحت قدميك ، ستأكلين أفخر الأطعمة ، ملابسك سوف تشترينها من أكبر بيوت الأزياء في العالم ، سوف نقضي الصيف في فرنسا و الشتاء في دبي ، سيكون لك أكثر من فيلا في أكثر من دولة في مختلف أنحاء العالم ، صدقيني مليون وحدة تتمنى هذا العرض

ـــــــــــــــ
يا بنتي أعقلي و اعلمي أنك مع الزوج الصالح سوف تعيشين في سعادة لا يعوضها أي مال

ـــــــــــــــ
إسمع أنا قررت من يريد أن يتزوجني يجب أن يعيشني في الوضع و المكانة التي تناسبني من أول يوم لي معه .. هكذا أو يذهب لحال سبيله

ـــــــــــــــ
أنا لو ذهبت لن أعود مرة أخرى

ـــــــــــــــ
سعيد بك ليس مثل أي أحد ، و مع رجل مثل هذا يجب أن نقدم بعض التنازلات ، و لا نعطي الموضوع أكبر من حجمه من أجل مصلحتنا و مصلحة الشركة معه

ـــــــــــــــ
رفع كأس الليمون إلى شفتيها و قال : اشربي بالهناء و شفاء

ـــــــــــــــ
دنيا رجال الأعمال مثل الغابة الذي يقف يؤكل و لا يوجد وقت للعواطف و المثالية اللتان لا ينفعان في هذه الدنيا بشيء

ـــــــــــــــ
كل هذا لا يهمني المهم أن يسامحني الله و أنت سامحيني ..

ـــــــــــــــ
اسمعيني يا هالة هذا قرارك فان وجدته خير فاحمدي الله على اختيارك و قرارك ، و لو وجدته غير ذلك فلا تلومي غير نفسك

******
هذه المواقف و غيرها بدأت تتصارع بذهن هالة .. أحست بالضياع و اليأس و الندم و الحسرة على كل ما فات .. و هل يوجد في الدنيا شيء أسوأ مما جرى لها ؟!

و دون أن تشعر وجدت نفسها تعود إلى بيت أمها و ترتمي في حضنها و هي تبكي
أخذتها أمها في حضنها و هي تقول لها :
– ما بك ؟ كمال أغضبك ؟ و لا يهمك ، اتركي له كل شيء ، منزل أمك مفتوح لك للأبد .

جلست هالة و بالطبع لم تخبر أمها بالحقيقة بل أخبرتها بأنها تمر بحالة نفسية سيئة منذ اختفاء فاتن و أنها فضلت أن تمكث بعض الأيام عندها حتى يعود كمال من السفر ،
فرحبت بها أمها و قامت لتعد لها العشاء ، أما هالة فدخلت غرفتها لتغير ملابسها و بعد قليل دخلت عليها أمها بصنية عليها عشاء خفيف ، فأخذتها منها هالة و قبلت يديها
و دون أن تشعر انفجرت مرة أخرى في البكاء ، فحاولت أمها أن تعرف سبب بكائها إلا أن هالة طلبت أن تتركها تنام الآن و في الصباح ستخبرها بكل شيء فتركتها أمها مرغمة و دعت لها بأن يهديها الله و يكشف عنها كربها .

وقفت هالة في غرفتها و هي تتأمل المكان ، هذا البيت الطاهر ، البيت الذي عاشت فيه و تربت فيه على القيم و الأخلاق ، عالمها الجميل و الحقيقي الذي لم تشعر بجماله و طهارته و قيمته إلا عندما فقدته … عالمها الذي ضحت به من أجل غرورها !! نعم غرورها بجمالها و حسنها جعلها تنسى أنه من عند خالقها و أنه بيديه فقط يمكن الحفاظ عليه ، بل أنه مؤكد أنه سيزول يوماً ماً ، كل هذا نسيته و اعتقدت أنها كنز لا يمكن إن يأخذه إلا شخص يستحقه ، و في سبيله ضحت بكل شيء جميل و بريء في حياتها .. بأمها التي ضحت في سبيل تربيتها بجمالها و شبابها و كل ما تملك ، بالناس الفقراء البسطاء – لكن شرفاء و طيبين – الذين يملأ قلوبهم الحب و الخير … بباسم الذي كان يحبها و لكن غرورها كان أكبر من حبه لها .

إنها النهاية … هذا كان اختيارها منذ البداية و لم يجبرها عليه أحد ، و كما أنها رسمت لنفسها البداية يجب أن ترسم لنفسها النهاية .

مدت يديها في جيبها و أخرجت علبة دواء مهدئ كانت قد اشترتها و هي عائدة من عند فاتن ، و وقفت أمام مرآة الغرفة تفرغ الأقراص في قبضتها ثم تقذف بها في فمها و تبتلعها بكوب ماء ، هكذا تموت موتة بلا ألم … غيبوبة سريعة ثم ينتهي كل شيء .

يتبع …

تاريخ النشر : 2016-10-04

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى