أدب الرعب والعام

XIV 1

بقلم : Roxana – Wonderland

XIV 1
يبدو أنها لم تستطع أن تعرفتي بسبب القناع .. اقتربت منها و سألتها مازحا : كيف حال الأرنبة ؟

– مرحباً سيد دانتي سلفاتور ! تسرني كثيراً رؤيتك ..  قال السيد فرديناند رودريغو مساعد المدير التنفيذي للإستخبارات الإيطالية بعد أن قدم لي القهوة .
– من دواعي سروري..لي الشرف أيضاً..

بدأت أحرك كرسيي ببطئ يميناً و شمالاً ، من الأفضل أن يفهم بأني على عجلة و أني لا أريد الاستماع إلى ثرثرته .

– حسناً سأدخل صلب الموضوع لأني أعلم أنك تكره المقدمات هل ستقبل القضية أم لا ؟
– أخبرتك أني لا أستطيع ، لقد أوكلت إلي مئات القضايا ، سأقبلها بسرور إذا كانت بعد عطلة رأس السنة ، أنت تعلم بهذا مسبقاً .
أطلق نفسه بحسرة و ثبت نظره علي ، حيث كنت ألهو بكرات البندول على مكتبه ، صورة جميلة من هذا الذي يجلس بجانب البابا فرنسيس؟
– سيد سلفاتور؟؟
– ماذا ؟
– أرجو أن تفكر ملياً بالموضوع ، أنت أملنا الوحيد و أنا أعلم أنك ستنجح ، إنها قضية حساسة جداً و يجب أن تتم تحت غطاء كامل السرية ، لقد فقدنا نخبة من عملائنا في العملية السابقة و لا أستطيع المجازفة أكثر بكشف القضية .
يا إلهي ..كم هو عنيد
– لن أخوض معركة غيري و هذا خصم الموضوع .
انتفض رودريغو من مكتبه و وقف أمام النافذة
– حسناً .. لكن منذ متى و أنت تهتم بالمناسبات ؟
– منذ أن فقدت الإحساس بالحياة و قضيت ردحاً من حياتي في السجن .
في الواقع لم أكن أهتم بها حقاً ..أردت أن أقول ..منذ أن قررت ايفا الذهاب إلى الحفلة .

نهضت و حملت سترتي فوق ظهري
– فرصة سعيدة ، أظن أن علي الرحيل الآن .
– مهلاً ! انتظر سيد سلفاتور ، نسيت أن أسئلك هل اطلعت على الأخبار الجديدة ؟
استدرت و قلت له : أجل ، أثار الموضوع اهتمامي كثيراً .
– لقد استحقا هذا بالفعل فهما في النهاية على رأس قائمة المطلوبين ، لقد أسدى السفاح الذي قتلهما إلينا بخدمة كبيرة ، لا أعتقد أن هنالك داعي لمتابعة التحقيق في القضية ، أترك موضوعهما إلى غيرك و خذ القضية
التي عرضتها عليك بدلاً عنها ، ما رأيك ؟
من يظن نفسه ؟ عليه أن يكون أذكى لإقناعي..
– لقد قلت كلمتي و لن أتراجع عنها ، على العموم لا تصغر من حجم الموضوع لأن أمرهما يتعدى مسألة تصفية الحسابات بين المافيا .. أؤكد لك .
لدي إحساس بأنه سينفجر من الغضب.. أستطيع سماع صوت غليان دمه .

كنت على وشك المغادرة قبل أن يبادر :
– قبل أن تذهب نسيت أن أخبرك بأنه تم تعيين سكرتيرة جديدة لك لتحل محل مساعدك لوسيان
استوقفني كلامه و نظرت إليه بحدة :
– أوه حقاً ؟ منذ متى أصبحت تهتم بمصلحتي؟ أنا لا أثق بأحد و لن أفعل مطلقاً ، بأمكانك إخبارها بالرحيل أو أنها تستطيع جلب القهوة و تنظيف المكتب فقط .
أدرت مقبض الباب و سمعته يتمتم بغضب ثم نادى من ورائي
– إنها تنتظر في مكتبك الآن..

خرجت من غرفته و توجهت إلى المصعد ، سلم علي بعض الموظفين و أنا في الطريق ، وقفت أتأمل في جدار المصعد الزجاجي و الذي يطل على شوارع روما الجميلة ..
من يظن نفسه ؟ أنا لا أعمل لدى الاستخبارات لكي أصفي حساباتهم الشخصية ، بإمكانهم محاكمة المدعو سيزار فابيو بدلا من محاولة اغتياله ، فهو خائن بالنهاية و لن ينجو بفعلته بهذه السهولة ، أعتقد أنهم خائفون من امتلاكه لأجندات خارجية متواطئة مع المافيا ، إضافة لخوفهم من المنصب الذي يشغله في الحكومة ، لهذا عرض علي رودريغو القيام بتصفيته من الوجود .

فتح باب المصعد و توجهت إلى مكتبي لأجد السكرتيرة الجديدة صوفيا بانتظاري ، كانت واقفة بجانب مكتبي و في يدها بعض الأوراق ، أعطيتها القليل من التعليمات و أمرتها بعدم التنويه عن مكاني ثم خرجت قاصداً متجر المجوهرات من أجل  في الحفلة التي سيقيمها ليوناردو في عطلة رأس السنة بمناسبة خطوبته على باتريشيا- زميلته في العمل سابقاً – و قرر جعلها حفلة تنكرية…
إن من عادة الإيطاليين إقامة الحفلات التنكرية في الأعياد ، فلم يرى ليو مانعاً من إقامتهن معاً بمناسبة خطوبته .

**  **  **
حان يوم الخطوبة وتوجهت بكامل أناقتي إلى الحفلة ، نزلت من سيارتي البوغاتي و دخلت القاعة ، كانت مزينة على الطراز الفكتوري -كما كانت أغلب أزياء الحاضرين – حيث تدلت ثريات الشموع التقليدية من السقف و علت الجدران الزخارف المذهبة .

وقفت لأحتساء بعض النبيذ و ما لبثت حتى لمحني ليوناردو ، أعتقد أنه استطاع تمييزي فقط لأن وجهي كان ظاهراً و لم أرتدي القناع ..
– كيف حالك يا رجل !  قال ليو بسعادة و قد عانقتي
– لا تظن أني هنا لأني مشتاق إليك ، جئت فقط لأنها فرصة مجانية لإحتساء التكيلا و تناول الكافيار -خاطبته مازحاً –
بالمناسبة ، تهانيي الحارة لك .. أنت تستحق الأفضل ، قلت هذا و أخذت رشفة من مشروبي في نفس اللحظة لمحت ايفا على مقربةٍ منا ، كانت تبتسم و تقف مع فتيات حيث كن يبادلنها الحديث ..

تذكرت أني نسيت وضع القناع و أحببت أن أفاجئها مما سبب لي الغصة و كدت أن أنفث الشراب من فمي .
– آه.. حقاً ؟؟ هل هذا سببك الوحيد؟ قال ليو مازحاً لكنه تبع نظراتي بعد أن رأى ردة فعلي حتى وقع بصره على ايفا…أخته .
حسناً لم أتوقع أن أجد نفسي في هذا الموقف ..
نظر بصمت و تراقصت عيناه بيني و بينها بينما تبدلت ملامح وجهه إلى شيء يشبه العبوس ، بادرت قبل أن ينجرف تفكيره إلى شيء آخر… أقصد الشيء الذي أفكر فيه
– آه هلا ناولتني القناع ؟ قمت بسحب قناعه و وضعته على وجهي ، ضحك ليو من تصرفي بعد أن أزاح تلك الأفكار عن رأسه
– إنه يلائم شعرك الذهبي ، على العموم أنا لا أمانع مطلقاً إذا  استطاع هذا القناع إخفاء جزءاً من وسامتك ، فكما تعلم لا أريد أن يخطف أحد الأضواء مني و أنا في حفلتي .
– آه لا أعتقد هذا ، لأنه ما زال عليك وضع القناع ، فبالنهاية أنت الذي اقترحت عمل الحفلة التنكرية.
– بالمناسبة ، لقد وعدتني بأن تخبرني عن قضية الضابط برايس .
– أجل .. الضابط الذي قتله آدم و ألصق تهمة قتله بي ، لا عجب من أن غرض قتله تعدى مسألة الإيقاع بي حيث رمى آدم عصفورين بحجر واحد .
– ماذا تقصد ؟

كنت لا أزال أشاهد ايفا بحذر ، حيث اقترب منها شاب ما ، لم أستطع معرفته لأنه يضع القناع ، إلا أن شكله كان مألوفاً لي .

– أقصد أنه تخلص منه لأنهما متورطان معا بالقضية ، و ربما خاف أن ينقلب ضده..

ماذا يظن نفسه فاعلاً ! رأيت الشاب ذو القناع البني يحاول أن يمسك بخصر ايفا و هي تدفعه – أعتقد أنه يحاول دعوتها للرقص- لحسن الحظ اقتربت باتريشيا في هذه اللحظة و استغليت الفرصة لأنصرف بعد أن بادلتها التحية و التهاني ، رأيت يد ذو القناع البني اليسرى تحوم بالقرب من جيبه و كأنه يخشى على شيء ما أن ينزلق من منه ، أنا أعرف هذه الحركة و هذا لا يبشر بخير إطلاقاً ، شققت طريقي بين حشود الزوار لأبعد وجه البطاطا هذا عن ايفا .

عندما اقتربت رأيته ينظر باتجاهي و ما إن وصلت حتى بادر بالانصراف ، لم تحن الفرصة حتى للكلام .
نظرت إلي ايفا بنوع من الإرتياح ، كانت عيناها الفيروزيتان تتطلعان إلي من خلف القناع الذي عجز هو الآخر عن إخفاء جمالها ، وقفت أعاينها لبرهة ، كانت ترتدي ثوباً ذهبياً ، لكني انتبهت إلى أني أقف أمامها كالأبله و بدأت بالكلام ..
كانت تبتسم إلي بغرابة ، أعتقد أنها لم تستطع تمييزي لكنها عرفت بأنني أعرفها ..
– كيف حال الأرنبة الصغيرة ؟ سألتها مازحاً
هنا تبدلت ملامح وجهها البريء 180 درجة و أدركت هويتي ، ضحكت باستغراب ثم نظرت إلي من بين رموشها الكثيفة
– عليك أن تتوقف عن هذا فلم يعد الأمر مضحكاً ، كيف استطعت معرفتي ؟ و قطبت حاجبيها قليلاً بتساؤل

– عليك أن تتوقفي عن العبوس و إلا ظهرت لديك التجاعيد مبكراً ،  قلت لها ضاحكاً ثم أخذت رشفة أخرى ، بعدها لم أشعر إلا بصفعة على مؤخرة رقبتي أفقدتني القدرة على التنفس ..

استمرت الحفلة لوقت طويل ، كانت أول حفلة أستمتع بها بعد الظروف التي مررت بها ، بين الحين و الآخر ألقي الدعابات أو أستمتع برؤية إحمرار وجها لأبسط التعليقات ، إلى أن حان وقت رقصة الفالس ، ذهبت باحثاً عن ايفا من جديد بعد أن اختطفتها إحدى الفتيات الثرثارات ، حتى بدأ الموسيقيون بالعزف ، رقص الحاضرون على الأنغام الجميلة ولم يبقَ أحد في القاعة إلا ووجد شريكاً له بأستثنائي .

حسنا لم أكن وحيداً بمعنى الكلمة ، فقد كانت هناك مجموعة شابات ينظرن إلي ، نظرت بأتجاههن علّي أجد أيفا لكن لسوء الحظ ظنن أني أحاول انتقاء واحدة للرقص معها ، وبدأن بالضحك ، قلبت إحداهن شعرها إلى الجهة الأخرى ، آه سيكون يوماً طويلاً .. تباً ! أين يمكن أن تذهب ؟
في هذه الأثناء كنت أحس بأن هناك أحدا ما يراقبني – غير الفتيات اللواتي حاولن التودد إلي – استدرت باتجاه المنصة و إذا بأيفا تجلس مع العازفين و تعزف بالبيانو .

كيف نسيت هذا ؟ بالطبع لن تغفل ايفا عن فرصة كهذه ! شعرت بالخيبة في داخلي ، كانت تنظر إلي بعفوية ، بادلتها ابتسامة طفيفة و قررت الخروج إلى الحديقة لاستنشاق بعض الهواء ، في طريقي إلى الخارج اصدمت بشخص ما 
– آه المعذرة .. قال الرجل و اختفى بين الحشود 
و ما كادت قدمي أن تخطو إلى الخارج حتى انقطع التيار الكهربائي و عم المكان الظلام الدامس ، بالطبع أثار الأمر انزعاج الحضور أما بالنسبة لي فعدت أدراجي لأرى ما الذي يجري ، و ما إن وصلت إلى منتصف القاعة حتى عاد التيار من جديد .

– إذا كنتم تريدون البقاء على قيد الحياة فمن الأفضل أن
تلتزموا الهدوء … صدح الصوت في أرجاء المكان و انتشر الرعب بين صفوف الحاضرين ، إذاً كان انقطاع التيار الكهربائي مكيدة .

كان هناك ما لا يقل عن 20 رجلاً مسلحاً يقفون على حدود القاعة حيث أوصدوا الأبواب و حاصروا الناس في حلقة ،
مددت يدي تحت سترتي ببطء لأسحب مسدسي البيرتا من حامله الجلدي تحت كتفي ، لكن أحدهم لاحظني و شهر سلاحه صوبي .
– ليتوقف الجميع عن الحركة و إلا أطلقنا النار ! صرخ الرجل المقنع
– ما الذي تريدونه ! صرخ ليو بوجهه و هو يحتضن خطيبته باتريشيا و التي بدأت بالبكاء
– حسناً الأمر بسيط ، نحن هنا لنأخذ شخصاً واحداً  فقط ، و الخيار عائد إليكم ، إما أن تضحوا بأحد منكم أو نضطر إلى الإنتقاء بأنفسنا ، قال الشخص الذي كان يتقدمهم ببرود..

بدأت جبهتي بالتعرق ، ما الذي يريدونه ؟!

اضطرب الناس اضطراباً شديداً و عجزوا عن اختيار أي أحد ، من يرغب بالتضحية بنفسه على أي حال ؟
– حسناً ..إذاً دعوا الأمر لنا .
ارتسم الرعب على وجوه الرجال و بدأت النساء بالبكاء ، سحقا ! لقد خططوا للأمر جيداً ، أخذ الناس يلتفتون بوجوه ملأتها الرعب و هم يتساءلون من منهم سيصبح الضحية ؟و لماذا ؟! ذرع قائد العصابة القاعة يميناً و شمالاً ثم توقف و ولاني ظهره ، استدار وثبت نظره على المنصة ثم بدأت ابتسامة خبيثة بالإرتسام على وجهه ، أغمضت عيني ، يا إلهي ساعدني ! نظرت ورائي وتحققت أسوأ مخاوفي ،
لقد كان ينظر إلى ايفا و التي تسمرت بمكانها بجانب البيانو كأنها قطعة خشبية ، كانت ملامحها خالية من المشاعر ، أحسست بسكين تغرز في أحشائي ، لن أسمح لهم بإيذائها و أنا هنا ! تقدمت باتجاهه .
ـ بأستطاعتكم أخذي .. قلت له بثقة
نظر الي باستخفاف و هز رأسه ، اعذرني لكنك متأخر ، لقد اخترت من أريد

تمنيت أن أقتلع عينيه في هذه اللحظة و بدأ دمي بالغليان
ـ أنتِ … نعم التي بجانب البيانو ..تعالي إلي
– دع ابنتي و شأنها ، صرخت السيدة دي لورينتس و عيناها ممتلئتان بالدموع ، كانت تحاول الإفلات من قبضة ليوناردو الذي حاول تهدئتها لأن انفعالها جعل أحد المسلحين يتقدم صوبها .
– اخرسي يا امرأة ! نادى عليها الرجل
– أصمت أيها النذل ، ماذا تريد من أختي؟! زأر ليو بحدة و هو يحتضن أمه .
لم يعرهم الرجل اهتمامه و خاطب ايفا قائلا : هيا تقدمي و إلا أذينا والدتك .
وجهت ايفا نظرات يائسة إلينا ، كسرت قلبي بها ، فهذه ليست أول مرة تتعرض للتهديد .

مشت بخطوات خجولة مثل حورية تتعلم السير من جديد ، كانت أعصابي تعتصر مع كل خطوة تخطوها ، حتى أحسست بشيء يسيل من راحة يدي ، نظرت و إذا بالقدح الزجاجي كسر بقبضتي و بدأت يدي بالنزيف ، لم أشعر بالألم الذي في يدي بقدر مرارة الموقف ..علي أن أفعل شيئاً ما .

لن أقف مكتوف اليدين ! نظرت بحدة إلى الرجل الذي كان يصوب سلاحه علي ، رأيته يجفل للحظة ثم رفع سلاحه أكثر بحذر ، لا أعلم ما الذي حصل لي ، لم يعد دماغي قادراً على التفكير ، كان الشيء الوحيد الذي يدور في بالي هو أني يجب أن أفعل شيئا لإنقاذ أيفا ، لذا تجاهلت كل التحذيرات و اندفعت باتجاهها .

إيفا ..لا تتحركي ، نظرت إلي باستغراب و لمعت عيناها ببريق أمل صغير ..صرخ بي أحد المسلحين مهدداً لكني تجاهلت تحذيراته ، سمعت أصوات هرولة ورائي و إطلاق نار ، بدأت أعدو نحوها بكل سرعتي ، مرت إحدى الطلقات بجانب ساقي و أصابتها بخدش لكنه لم يكن عميقاً ، تابعت حتى وصلت إلى جانب ايفا ، بعدها حدث كل شيء بسرعة خاطفة ، مددت يداي نحوها و احتضنتها ، في نفس الوقت أحسست بأشياء تغرز في داخلي ثم سمعت أصوات إطلاق نار و صراخ ، بدأ جسدي بالانهيار و رأيت ايفا تبكي و يداها قد اصطبغتا بالأحمر ، حينها علمت بأنني مصاب .

حاولت فتح فمي لكني فشلت و سقطت أرضاً ، سمعت أصوات صراخ كثيرة و أصوات إطلاق نار لكني بدأت بفقدان الإحساس بأطرافي و من حولي ، كانت الرؤية ضبابية بالنسبة لي لكني جاهدت نفسي للنظر بجانبي ، رأيت زوج من العيون الفيروزية يسبحان بالدموع و يحدقان بي ، كانت مستلقية بجانبي ، أعتقد أن إحدى الطلقات نفذت من خلالي و أصابتها ، تمنيت أن أستطيع رفع يدي لأمسح دموعها لكن إرادتي خذلتني ، ابتسمت بوجهها قليلاً لأني لم أرد رؤيتها هكذا ، لكنها بكت بحرقة أكثر ، بدأت أنفاسي بالتقطع و فقدت سمعي لكني ابتسمت في داخلي بيأس عندما أيقنت أن وجهها سيكون آخر شيء أشاهده قبل مفارقة الحياة..

أردت أن أنظر إليها و لو لمرة واحدة أخيرة لكي أدرس وجهها من جديد ، و أستطيع تذكر معالمها ، استدرت مرة أخيرة لأسترق نظري إليها على رغم من رؤيتي المشوشة ، لكن دعواتي لم تقابل بالاستجابة و رأيت جزمات سوداء محاطة بجسدها و أذرع غليظة تلتقطها من الأرض كدمية خيوط بالية ، حينها تذكرت أنني لم أعطها القلادة و غط كل شيء في ظلام دامس .

**  **  **

كنت في حالة سقوط مستمرة ، كأني في هاوية عديمة القرار ، سمعت أصوات طنين مزعجة و أشخاص يتحدثون بقربي ، فتحت عيني لكن الضوء الساطع أعماني عن رؤية من حولي ، كانت الرؤية مشوشة و الضوء القوي يلمع بشكل مزعج في عيني ، كنت مستلقياً على فراش ما ، لكني أحسست و كأن دبابة قد دهستني للتو ، لم أكن قادر على تحريك إصبعٍ واحد ، شعرت بوجود أشياء تتدلى مني ،
أعتقد أنها أنابيب و حقن موصولة بي أو ما شابه .

ظهر شخص بجانبي و عرفت أنه فتاة من صوتها لأن رؤيتي ما زالت ضعيفة ، قربت رأسها إلي و همست في أذني ..
–  حمداً لله على سلامتك سيد سلفاتور ، عندما تستيقظ جيداً أرجو منك إجراء مكالمة هاتفية .
ثم أحسست بها و هي تدس شيئاً ما تحت وسادتي و أكملت .. حسناً علي الذهاب الآن ، لا تنسى أن ترفع وسادتك و تنظر تحتها.. إلى اللقاء .

سمعت صوت حذائها و هو يتلاشى بعيداً في أروقة المشفى و أغمضت عيني قليلاً لأستجمع قواي ، حاولت رفع جسدي إلى وضعية الجلوس لكن الأمر بدا مستحيلاً ، تهيج جسدي بألم قاتل و أحسست بحرقة في داخلي ، أعتقد بأن بعضاً من أضلاعي كانت مكسورة ، لكني استجمعت قواي و اعتدلت في جلستي مسنداً ظهري على الوسادة ، نظرت إلى جسدي و رأيت نفسي أرتدي بذلة العمليات ، و قد وصلت بي الحقن من شتى الأنواع ، مددت يدي تحت الوسادة و استخرجت قصاصة صغيرة كان مكتوب فيها رقم هاتف و تحويلة بجانبه ، لقد كانت هذه تحويلة سرية يستخدمها منتسبي جهاز الاستخبارات لغرض وصل المكالمة بخط أمين غير مراقب من قبل شركات الاتصالات أو أي جهة أخرى .
استخدمت الهاتف الأرضي الذي كان بجانبي و قمت بإجراء المكالمة ، تحدثت إلى عاملة الهاتف و طلبت منها تحويلي إلى الخط الآمن بعد أن أعطيتها رمز التحويلة ، رن الهاتف عدة رنات إلى أن رفعت السماعة :

– مرحباً عميل XIV ،  أنت موكل بتنفيذ ما أمرت به حال سماعك للرسالة ، أنا آسفة لأني سأزف إليك الخبر هكذا لكن ما باليد حيلة 
أحسست بقلبي يريد الخروج من بين أضلاعي ، و أخذت نفساً  عميقاً ، أكمل الصوت قائلاً ..
– حتما أنت تتساءل ما الذي حل بك و لماذا أنت هنا ، لقد قتلت العصابة التي هاجمتكم في الحفلة صديقتك ايفا ، و أصبت بثلاثة طلقات في جسمك أثناء الهجوم ، لقد مرت ثلاثة أسابيع على تواجدك في المشفى ، من حسن حظك لم تصب الطلقات أياً من أعضائك الحيوية ، إنها مسألة أسبوع حتى تستعيد عافيتك من جديد .

لقد وضعنا أمهر الجراحين لعلاجك فلا تقلق للموضوع ، نحن نعتقد أن المافيا هي من خططت لهذا لأسباب كثيرة ، منها أن العصابة في الآونة الأخيرة قامت باصطياد أعضائها المطلق سراحهم من السجن ، لا نعلم ما السبب الذي دفعهم إلى اقتحام الحفلة لكننا نعلم أن المافيا هي من كانت وراء العملية ، ربما أرادوا اصطيادك بدلاً عنها لأنهم عرفوا بنيتنا لأغتيال أحد قادتهم و هو سيزار فابيو ، و نعتقد أنه كان مسؤولاً عما جرى .

لقد قمنا بتزوير شهادة موتك لتعمل تحت هذا الغطاء بحرية ، إحذر من كشف هويتك لأي كان ، فجميع من تعرفهم يظنون أنك ميت ، أنت الآن مصنف ف.ف.س.ق ، لقد أقمنا جنازتك و حفلاً تأبينياً أيضاً على شرفك .

أنت موكل بالمهمة حال خروجك من المشفى ، عليك باغتيال سيزار فابيو ، تصنيف عملية الاغتيال هو : “محمي-أمين-مفتوح” ستتلقى الإرشادات و التعليمات مني فقط ، في هذه الفترة لا يحق لك بالاتصال بأي أحد من معارفك أو من الدائرة نفسها ، إذا كان لديك أي استفسار بأمكانك طرحه علي ، لا يسمح لأي أحد بالإطلاع على هذا الموضوع ، فهو سري للغاية و لهذا السبب لن يزودك قسم التحليل في الدعم اللوجستي بجميع المعلومات الطلوبة الآن ، ملاذك الوحيد الآن هو المنزل الذي اختاره فريق الدعم في الضاحية الغربية من المدينة .

انقضت الفترة المقررة لي في المشفى و حان موعد إطلاق سراحي كما أحب أن أسميه .

على الرغم من تعافي جروحي بشكل ملحوظ جراء العناية الفائقة التي تلقيتها في المشفى ، إلا أن الجروح التي في داخلي تأبى أن تندمل ، أنا الآن كالميتين الأحياء ، بالنسبة إلي أصبحت الحياة و كل ما عليها هراء ، هدفي الوحيد الآن هو قتل اللعين سيزار فابيو و إرساله إلى الجحيم هو و كل من تسبب بهذا ، لايهمني إن استخدمتني الاستخبارات لتصفية حساباتهم أم زوروا موتي لأجل هذا ، أكره أن أنصاع لهم ، لكني الآن عزمت أن أنهي فابيو و أتباعه عن بكرة أبيهم ، هذا ما أرادوه مني منذ البداية ، و ها أنا ذا أقرره بنفسي .

خرجت إلى مرآب المشفى تاركاً قلبي ورائي ، لم أعرف أنني أكن كل هذه المشاعر لأيفا إلا بعد رحيلها !! مخلفة فراغ قاتل لن يمتلئ ، سمعت صوت عجلات سيارة ، التفت و رأيت صوفيا تنزل من سيارتها ، لقد قامت بتغيير هيئتها جذرياً ..لسبب ما .
– كيف حالك سيد سلفاتور ؟ جئت لك أقلك .
لم أنظر إليها و توجهت نحو السيارة ، ثم ابتسمت و قلت لها :
– صوفيا ، من حقك أن تشعري بالخوف مني عندما قررت إعطائي الأوامر بالهاتف بدلاً عن إخباري مباشرةً و إلا لكنت مت خنقاً بيدي ، يبدو أن الدائرة كانت ذكية جداً لإرسال عميلة مبتدئة إلي و لا تجيد الإيطالية كثيراً ، فمن الواضح أنك لا تعرفيني جيداً و لم تفكري بالإطلاع على سجلي أيضاً ، و إلا لعرفتي أنني أستطيع أن أميزك مهما غيرت ملامحك حتى لو رأيتك لمرة واحدة سواء قبل عدة أشهر أو سنة .

بدأت صوفيا بالتعرق ، و اتسعت عيناها .. فأكملت :
–  على العموم عليك أن تحذري ، فلعبتك أخطر مما تظنين . لاحظت ارتباكها و دخلت مسرعة إلى السيارة ، صعدت بجانب مقعد السائق و تحركت السيارة خارج المرآب .
– أنا .. آه .. كيف عرفت أن هذه أول مهمة لي؟ سألتني باستغراب واضح .
– هذا واضح من ارتباكك و لغة جسدك ، لكن لا تقلقي فإن دافع قتلك قد زال عني لمجرد استعادة وعيي ، أوصليني إلى المنزل و حسب ، ثم بإمكانك بعدها أن تعودي إلى عشيقك رودريغو بسرعة .
نظرت إلي و كأن رأسا ثانياً خرج من رقبتي !
– لكن ما هذا الكلام ! كيف لك أن تعرف كل هذا ؟ نعم لقد كنت عند رودريغو، ما أدراك أننا على علاقة ؟!
لم أنظر إليها و ركزت نظري على الطريق :
– أنت ترتدين خاتم ماسي ، لدى رودريغو هواية غريبة بإعطاء حبيباته نفس نوعية الخاتم .
ساد الصمت الطريق ثم ضغطت على دواسة البنزين بقوة إلى أن وصلنا إلى المنزل المطلوب ، بدت صوفيا غاضبةً جداً من كلامي ، لكن لم أكن لأهتم بهذا على أية حال ..
– لقد وصلنا سيد سلفاتور ، من الأفضل لك أن تطبق التعليمات بحذافيرها و إلا لن تتهاون الدائرة عن معاقبتك لعدم التزامك بالأوامر .

كانت تمسك عجلة القيادة بقوة ، نظرت إليها بحدة و قلت :

ـ لن أكرر كلامي مرة أخرى ، لذا أنصتي جيداً ، كما تعلمين فأنا لا أملك عصا سحرية لهذا أحتاج إلى شخص واحد على الأقل لمساعدتي في العملية التي فشل بها العشرات ، سأختاره بنفسي و لن أسمح لأي كان بالتدخل في هذا ، من الآن فصاعداً ستطيعين أوامري بالحرف الواحد ، لا أريد أن يعلم أحد بوجود شريك لي في العملية ، هل هذا واضح ؟
اكتفت بالحملقة في وجهي لذلك تابعت ..
– حسناً إذاً لن يكون سرك بأمان معي في هذه الحالة ، قد تفكرين في استخدام أسلوب أكثر احتراماً بعد هذا .

كانت يداها ترتجفان على المقود ، نزلت من السيارة و تغيرت ملامحي إلى قناع البوكر من جديد ..
حسناً ..لك هذا .
سمعت صوتها قبل أن تنطلق بسرعة بسيارتها 

**  **  **

اتصلت بمساعدي السابق و صديقي لوسيان و طلبت منه المجيء إلى المنزل الجديد ، لقد استقال لوسيان منذ فترة من الدائرة بعد حصول خلافات بينه و بين بعض المنتسبين المتنفذين ، و ذهب لتكوين حياة جديدة حيث تزوج و أصبح لديه الآن طفلة صغيرة ، تحدثنا قليلاً ثم عرضت عليه مساعدتي بالعملية .
– أنت تمزح فعلاً !! أنا و أنت فقط نغتال فابيو ؟ هذا مستحيل أن لوسيان ذكي و طيب للغاية ، لكن تردده يوقعه بمشاكل و عقبات كثيرة
– هدئ من روعك يا رجل ، لا تفقد أعصابك قبل سماعك التفاصيل ، فلدي خطة محكمة .
نظر إلي باضطراب و بدأ بهز ساقيه ، أكملت قائلاً :
لقد انتقل فابيو إلى منزل جديد ، معي كل الإحداثيات المطلوبة ، إن دورك بسيط و آمن لكنه يحتاج إلى دقة أيضاً -هز رأسه فتابعت – كل ما أحتاجه هو بذلة عامل صيانة و سيارة إطفاء .. ستعرف السبب لاحقاً لأن علي الاتصال بصوفيا لتأمين بعض الحاجيات .
– لكن لحظة ..إن إقدامك على قتله و هو في منزله أمر خطير جداً ، أنت تعلم أن أعضاء المخابرات لديهم حماية من الخدمة السرية ، سنقع بمشاكل كثيرة حتى و إن خططنا للذهاب بسرعة تحت الخفاء .
– هه .. لا تقلق لم أفكر في طريقة اغتياله بعد ، علي جمع بعض المعلومات قبل الشروع بالعملية الأصلية ، فالبيانات التي زودني بها المركز غير كافية و لا تشبع فضولي .

قمت بإجراء الإتصال بينما سمعت لوسيان يتمتم بشيءٍ ما عن تفاجئه بعدم وضعي لخطة بعد ، و تهوري وهو في طريقه إلى المطبخ..

– إسمع يا لوسيان ، ستذهب معي بصفتنا عمال صيانة تابعين لشركة أهلية تختص بالديكور و الترميم ، لا تتعب نفسك بمعرفة طرق و ممرات قصره أو المداخل و المخارج ، ستقوم بعملك فحسب و ما أمليه عليك ، إتفقنا ؟
– إتفقنا..  لم يبدو لوسيان متأكداً من كلامي فقال :
– توقعت أنه علي القيام بدحرجة ما داخل فتحات التهوية أو ما شابه.. قال مازحاً ثم أكمل..لم لا تخبرني الآن وحسب ، فالفضول يقتلني !
اضحكني كلامه و قلت : عليك أن تقلل من مشاهدتك للتلفاز ، ستعرف كل شيء في أوانه .
بدأت بتحضير قنبلة النابالم بنفسي ، لأن المركز رفض تسليمي هذا ظنا منهم أني قد أستخدمه للإغتيال وهي آخر ما أفكر به لأستخدمه في الأغتيال.

صعدت إلى السطح و وضعت إنائين معدنيين مختلفي الحجم على النار  ، وضعت في الأكبر الماء و ما إن بدأ بالغليان حتى أطفأت النار ، و وضعت في داخله الإناء الأصغر و الذي يحوي على قشور الصابون النابلسي و البنزين ، بدأت بتحريك الخليط إلى أن تجانس الصابون مع البنزين مكوناً مادة هلامية ، رفعت الخليط و صببته في قوالب و بهذا انتهيت من صنع قنابلي الصغيرة .

نزلت و أخذت بقية المعدات المطلوبة : كلوريد الكاربيد -صاعق – جهاز changeover – أدوات قطع الأسلاك -مسامير ، مع بقية تلمعدات التي يستخدمها الكهربائي و النجار .
كان لوسيان يحدق بي بريبة و أنا أقوم بلبس بدلة العمل و حزم معداتي
– يبدو أنك ستسبب له الكوابيس ، ماذا تفعل بالنابا… قاطعته قائلا : سأجعله يلعن أمه لأنها جاءت به إلى الحياة .
أغمضت عيني و لمعت في ذهني شرارة ذاكرة من الحفلة حين كنت مع أيفا
– دانتي.. هل أنت بخير؟ جرفني صوت لوسيان إلى الواقع فأومأت رأسي ..أحسست بسائل دافئ ينحدر على وجنتي فأدرت رأسي بسرعة و مسحته .
– دانتي ! انت تبكي؟! سحقاً …إنها المرة الأولى التي أبكي فيها هكذا ، وضع لوسيان يده على كتفي و عيناه يشع منهما الإهتمام ، لكني تجنبت نظراته و أبعدت يده لكنه قال لي :
– أنت تعلم أنك تستطيع إخباري بما يزعجك..
– لا شيء..إنها حساسية لا أكثر ، هاك خذ بطاقتك ..  ناولته بطاقة الاسم المزورة الخاصة بالعمال ، و علقت خاصتي على جيب الصدر في بدلتي ، تناولت سترتي الأرماني التي لبستها في الحفلة و استخرجت منها قطعة معدنية صغيرة ، رفع لوسيان حاجبه استفهاما لكني تجاهلته ، لا داعي بأن يعرف كل التفاصيل..
– هيا.. حان وقت العمل ، قلت له بعد أن وضع كل منا شاربين اصطناعيين و أكملنا التحضيرات المطلوبة .

**  **  **

– حسنا XIV .. لقد قمت بما أمرتني به ، سيقوم رئيس الندل
بالإتصال بالطوارئ عند إشارتك.. قالت لي صوفيا عبر الهاتف و نحن في إحدى السيارات التابعة لشركة الترميم و الديكور مع بقية أفراد طاقمها من الموظفين العاديين .

وصلنا إلى وجهتنا و كما توقعت ، فأن قصره كان محاطاً بسور كبير و بوابة يوجد عندها اثنان من حراسه ، قاموا بفحص العجلات و تفتيش المركبة ، لم يشعروا بالريبة من حملي للنابالم فقد صببته في قوالب و أصبح كالصابون ، كما لم يعرفوا بمركب كلوريد الكاربيد الذي أحمله معي
فحراسه عبارة عن كتل من اللحم خالية من الدماغ ،
إلا أن أحدهم استوقف عاملاً و طرح عليه بعض الأسئلة ، نظر العامل إلي لأجيبه فأخبرتهم أنني أحتاج هذه الأشياء لغرض إزالة الحشرات و بعضها تستخدم لصيانة اللوحات الفنية ،
دخلنا المكان الفخم و أحسست برائحة غريبة .

– هل تشعر بهذه الرائحة ؟ سألت لوسيان الذي كان يحدق في قاعات القصر و التحفيات المعروضة 
– أجل تبدو كالرائحة التي توجد في المتاحف أو صالات المشفى؟؟
– أجل لقد أصبت ، إنها عبارة عن خلاصة جافة غير متأينة تحمل مقداراً ضعيفاً من الكاربون .. هذا الهواء يأتي من أجهزة صناعية تعمل على إزالة الرطوبة ذات فلاتر من الفحم تعمل على مدار الساعة لإبطال الأثر الحاد لثنائي أوكسيد الكاربون الذي ينتج من الزفير أو عمليات الإحتراق .

– إن هذا الرجل يحب البذخ فعلاً .
– ربما.. إن غالبية حمايته كانوا أعضاء سابقين في شرطة الانتربول ، و صدقني أنا أعرف هؤلاء القوم ، إنهم مدخنين درجة أولى ، خاصة غالبيتهم العظمى من الإيطاليين .
– و هل يفيدنا هذا في شيء ؟
ابتسمت و قلت له : أجل…كثيراً ، و يبدو أنه يمنعهم من ذلك أثناء تواجدهم في المكان ، لهذا تراهم ينسلون خلسة للتدخين في دورة المياه كما يحاول ذاك الرجل القيام بهذا . و أشرت إلى أحد أفراد الحماية اللذين ملؤوا المكان حال دخولنا و الذي كان يبحث في جيبه عن ولاعة و هو يقف بجانب دورة المياه..
قلت للوسيان :
– هل ترى تلك اللوحة التي أمامك ؟
– تقصد اللوحة التي رسمت فيها روكسانا زوجة الاسكندر المقدوني؟
– أجل ..قم بتعليقها وثبت هذه المسامير على زوايا الإطار ، سأطلب منك نفس الشيء مع بعض اللوحات لكن في غرف مختلفة ، و استخدم هذه المسامير لا غير ، و ناولته علبة المسامير
– لكن لماذا ؟
– إنها مسامير خاصة سترى عملها لاحقاً ، سأذهب لإتمام بعض المهام بينما تنتهي من هذا .
أراد لوسيان أن يطرح علي الأسئلة لكني أسرعت بالذهاب ، لا أريد أن يسمع أي أحد ما أخطط له .

ذهبت إلى السرداب أو القبو حيث تتواجد لوحات الصيانة الكهربائية -الميزانية أو البورد- و قمت بتأسيس أسلاك كهربائية إضافية سالبة التيار ، و نشر الأسلاك اإلى غرف معينة من البيت الكبير  ، و من ثم قمت بربط جهاز changeover المختص بقطع و تحويل التيار الكهربائي حيث ينظم كمية الكهرباء المتدفقة و يعمل كجهاز حماية أيضاً ، أدخلت الأسلاك السالبة إلى الجهاز من دون وصلها فعلياً ، لأن غرضها هو التمويه و حسب .

ثم انتقلت إلى أجهزة فلترة الهواء ، قمت بأخذ تردد جهاز التحكم عن بعد لهذه الاجهزة و خرجت من القبو بسرعة ، طبعاً لم يشك أحد بهذا فأنا عامل صيانة كهرباء ، ذهبت لوصل بعض الأسلاك لغرض وضع ثريات جديدة ، كانت هذه حجتي .

استغرق العمل بضع ساعات بعدها قرر العمال أخذ استراحة ، قررت الخروج بحجة جلب بعض المستلزمات و أخذت لوسيان معي حيث ابتعدنا عن المكان و جلسنا في سيارتي البوغاتي .
– هلا شرحت لي ما يجري هنا ! و نفد صبر لوسيان من جديد .
قمت بإخراج حاسوبي المحمول و تشغيله ، بعدها عرضت الشاشة لنا تصوير من داخل بيت سيزار ، فقال لوسيان مستغرباً : كيف فعلت هذا ؟! فأجبته : إن المسامير التي قمت بتثبيتها تحتوي على كاميرات صغيرة و لاقطات للصوت .

فجأة لمحت في إحدى الكاميرات فابيو و هو يدخل مكتبه ،
كان معه في الغرفة رجلان ، وكان يقوم بإجراء اتصال هاتفي ، أسرعت و أوصلت سماعة الأذن ، أشرت بيدي للوسيان كي ينتظرني للحظة حتى أسمع بوضوح ما الذي يجري في الداخل ، نقرت على أيقونة الكاميرا اللتي ثبتت على لوحة روكسانا و بدأت بسماع مايدور هناك ..

– أجل.. سأذهب بعد أسبوع إلى باريس لحضور مزاد Drouot بإمكانك الحضور معي .
فجأة سمعت شيئاً ما أفقدني صوابي و بدأت أحدق بالشاشة كالمجنون و أنا فاغر الفم ، تسارعت الأفكار لكي تتصارع في رأسي و لم انتبه للوسيان و هو يلوح بيده أمامي
– ما بالك يارجل ! تبدو و كأنك شاهدت ملك الموت .
ألتفت الى صاحبي و أنا في حيرة من أمري ، هل أرقص أم أذهب لأحراق القصر و من فيه ؟! بدأ قلبي ينبض بسرعة جنونية و عانقت صديقي المذهول بقوة ..
– أنت تخيفيني حقاً .
ضحكت و قلت : آسف على إخافتك لكن ينبغي إكمال خطتنا بسرعة ، انتظرني في سيارة الإطفاء التي جهزتها لنا صوفيا ، و ما إن أخرج و ألبس بدلة الإطفائي حتى يحين دورك و تأتي بالسيارة و تقوم بعمل الإطفائي ، سيحترق الطابق الثاني ، المكتب و غرفة الاجتماعات و غرفة نوم فابيو بالتحديد  ، لقد زودت السيارة بالباودر بدلاً عن الماء ، لقد قمت بحساب وقتي ، انتظرني لمدة ثلاثين دقيقة بعد أن أدخل ، إن تأخرت فإذهب و لا تستخدم سيارة الإطفاء و لا تعد إلى هنا مجدداً ..أهرب 
– أنا خائف حقاً الآن … هل ستكون بخير ؟
– آمل أن يكون الحظ حليفي 
– ليكن الرب معك .

أسرعت و ضبطت جهاز التحكم بفلاتر الهواء ، كنت قد اشتريته من نفس النوعية بنفس تردد الجهاز الذي في المنزل ، و دخلت المبنى من جديد ، تحققت من وضع النابالم و الصاعق في سلات المهملات و ذهبت إلى دورة المياه حيث وضعت كلوريد الكاربيد في قنينة مثقبة و أنزلتها إلى المرحاض ، بعدها صادفني أحد أفراد الحماية بادلته ابتسامة بريئة و سألته إن كان بإمكاني التدخين..

– لا يسمح لك بالتدخين هنا 
أخذ السجائر من يدي و دسها في جيبه ، لقد كان نفس الشخص المدخن الذي رأيته بالبداية ، لذا فكرت باستدراجه ليكون الطعم ، ذهبت إلى الحديقة الخارجية و قد حان وقت عرض المفرقعات النارية .

ما إن سمعت صوت الانفجار و صوت صراخ الحارس من خلال سماعات البلوتوث حتى قمت بضبط جهاز فلترة الهواء بوضع يسمح له بضخ أوكسجين أكثر ، ثم أخرجت جهاز التحكم بالصاعق و قمت بتشغيله ، تصاعدت أعمدة الدخان من الطابق الثاني ، فاتصلت برئيس الندل و أخبرته بحصول حريق و الذي قام بالإتصال بالطوارئ حالاً -لوسيان –

لقد حصل ما خططت له بالضبط فبعد أخذي للمعلومات التي أرغب بالحصول عليها من خلال الكاميرات المثبتة على اللوحات بشكل مسامير ، قمت بعمل خطوة أخرى و هي محاولة أخذ الوثائق السرية التي يحتفظ بها ، لكن ليس من السهل تفتيش قصر بكامله بحرية بحثاً عن وثائق سرية مع وجود حراس يقظين ، لذا فكرت في افتعال حريق .. إنها فكرة تقليدية لكن أثبتت نجاحها في مواقف عديدة .

ففي حالة حصول حريق أول ما يفكر به الشخص بعد الهروب سالماً هو أخذ أغلى ما لديه معه ، فترى الأم تحتضن طفلها و قد يذهب البعض لاستخراج أمواله و الهرب بها ، أما بالنسبة لفابيو فإن أهم شيء لديه حالياً هي هذه الوثائق ، فبسببها قد تصبح حياته على المحك ، فهو ليس بحاجة لتفقد أمواله لأن أغلبها موجود في مصارف سويسرية ، و ما قد يخسره يستطيع تعويضه بفترة قصيرة لقاء تعاونه مع المافيا ، لذا فلابد من ذهابه لاستخراجها .

لقد وقت لحدوث هذا بعد ذهابه للطابق الأول ، فخططت لحصول حريق ضخم و مسيطر عليه في نفس الوقت ، فالمادة الزيتية الموجودة في النابالم تعمل على اشتعال النار بسرعة عند تعرض القنبلة للنار أو صعقة كهربائية ، و تعمل المادة اللزجة على استمرار الحريق لوقت أطول من المعتاد و يصعب إطفاءها بالماء ، أما بالنسبة لكلوريد الكاربيد الذي وضعته في المراحيض ، فعند تفاعله مع الماء يقوم بإنتاج غاز قابل للإحتراق إذا تعرض للنار ، و هذا ما حصل حين أغريت الحارس بالتدخين فدخل المرحاض و أشعل السيجارة ، طبعاً لم يكن الانفجار قوياً إلا أنه يسبب بعض الحروق ، إن الغرض منه هو تشتيت الحراس لا أكثر .

أما جهاز changeover فقام بعمله حين زودته بتيار كهربائي قوي ، مما أدى إلى احتراق المنصهر و قطع التيار الكهربائي ، و الغرض من هذا هو التمويه مؤقتاً على أن الحريق سببه حدوث تماس كهربائي ، و ساعد على هذا استخدامي لنوعية جهاز رديئة تحترق بسرعة و الأسلاك المقطعة المزيفة .

ارتديت بدلة الإطفائي و كممت وجهي ثم قمت بإطفاء أجهزة الفلترة ومنعها من ضخ المزيد من الاوكسجين ، توجهت إلى الداخل حين وصول سيارة الإطفاء بقيادة لوسيان ، و أسرعت و دخلت مكان الحريق و معي عبوة الباودر ، كان الحراس قد أصابهم الهلع الشديد و أخذوا يتطايرون حول المكان كالذباب حول نار المخيم ، ذهبت بحجة إخراج فابيو من المكان لكنه رفض الذهاب معي و أراد الدخول إلى مكتبه
– علي الذهاب إلى مكتبي حالاً ! لدي أغراضاً مهمةً لا بد من جلبها معي .
– أنس الأمر يا سيدي ! لا شك في أنها أصبحت رماداً الآن .
-أرجوكم أن تخمدوا الحريق بسرعة قبل أن تلتهم النار خزانتي ..
بدا فابيو مقتنعاً بكلامي و أبعدته عن المكتب ، بعدها صادفنا أحد الحراس و قام باصطحاب فابيو إلى الخارج بينما أخبرته أن علي الذهاب لأنقذ الناجين ، في هذه الأثناء كان لوسيان يقوم بإطفاء المكتب من الخارج  ، أسرعت و اقتحمت المكان بعد أن سهلت خروج بعض الموظفين ، كان الحريق في مكتبه قد انطفئ جزئياً ، ذهبت إلى خزانته و التي كانت عبارة عن مجموعة أدراج مصنوعة من الألمينيوم ، و أخيراً لقد وجدت ضالتي !

كانت الوثائق عبارة عن شريحة خزنت فيها البيانات ، لقد عرفتها من خلال وصف صوفيا لي حين وجهتني للعثور عليها و إتلافها ، و بينما أنا أتفحص الشريحة و أفتش بين أغراضه رآني اثنان من حراسه ، لابد من أن فابيو فكر بإرسالهما لأخذ شريحته الثمينة .
– أنت ! ما الذي تبحث عنه ! إرفع يديك و إلا !
لقد قبض علي بالجرم المشهود ، ففكرت أنه ليس من الحكمة ترك دليل ورائي ، تسمرت في مكاني و رفعت ذراعي في الهواء ، قام أحدهم بأخذي إلى الخارج بينما قام الآخر بالبحث بين الأغراض المبعثرة ، لحسن الحظ أني أخفيت الشريحة معي قبل أن يلاحظاني .

و قبل أن أخطو خارج المكتب قمت بالإلتفاف بسرعة و توجيه لكمة قوية وسط وجه الرجل الذي كان يضع سلاحه في ظهري بعد أن أمسكت يدي الأخرى يده التي تحمل السلاح بسرعة ، تراجع إلى الوراء و بدأ أنفه بالنزيف لكني سحبته من يده التي تحمل السلاح مرةً أخرى ، و قمت بثني كوعه خلف ظهره و أنا أدفعه نحو الحائط بقوة ، ثم أمسكت برأسه و قمت بكسر رقبته بسحبه إلى الوراء ، و فرك رأسه بالإتجاه المعاكس .

نظرت بداخل الغرفة و رأيت الحارس الثاني يندفع باتجاهي ، قام بإطلاق عدة طلقات نحوي لكني استترت بالحائط ، ساد الهدوء ثواني معدودة ، قمت بخفض جسمي و أمسكت بعبوة الباودر و ما إن خرج الرجل لمفاجأتي قمت بضرب ما بين ساقيه بالعبوة مما أدى إلى سقوطه أرضاً و إفلات مسدسه ، إن إرتفاعي المنخفض ساعد على تجنب طلقاته التي أطلاقها فجأة حين ظهوره من خلف الحائط ، انقضضت عليه في الحال و تخلصت منه بضربة على رأسه بعقب مسدسه ، قمت بمسح المسدس وجعلت أحدهما يمسكه و يطلق النار على الآخر ، بعد من إتمام السيناريو حملت الرجل الميت بدون طلق ناري و نزلت به بحجة إنقاذه .

كان أفراد من طاقم الإطفاء الفعلي و الطوارئ قد وصلوا في هذه اللحظة و شرعوا بإطفاء الحريق في بقية أجزاء المنزل ، أسرعت و ركبت سيارة الإطفاء بحجة الرجوع إلى المركز للتزود بالباودر بعد أن سلمت الجثة للرجال ، قام لوسيان بركن سيارة الإطفاء في مكان اخترناه قرب سيارتي البوغاتي ، ثم نزلنا و استقلينا السيارة الأخرى ، قمت بالقيادة بسرعة جنونية ، و نحن في الطريق رأينا عدداً من سيارات الإطفاء و الإسعاف متوجهة إلى موقع الحريق ، قمنا بتبديل ملابسنا بالطريق و توجهت إلى منزلي الجديد .

**  **  **
– يا إلهي ! أنت مجنون حقاً يا دانتي !!
أطلق لوسيان نفسه بعد أن أخبرته ببقية التفاصيل ، كنا قد نجحنا في إحكام غطائنا و الهروب من موقع الحادث .
و لم يتوقف لوسيان عن طرح الأسئلة ..
– ماذا لو اكتشف فابيو أننا وراء العملية ؟ ماذا سنفعل لو قبض علينا ؟ إن افتعال الحريق سيجعل فابيو يشكك في أن أحداً ما يريد به سوءاً مما سيقلص فرص نجاح عملية الإغتيال ، و سيثير شكوكه خاصة بعد اكتشافهم لجثث الحارسين اللذان قتلتهما ، ماذا لو قادتهم التحقيقات إلينا ؟ فهو يعمل لدى الحكومة فضلاً عن تملكه لطاقم محترف من المحققين و شبكة واسعة من الجواسيس ، أتساءل ماذا سيكون موقف الدائرة عند علمها بالموضوع ، لقد انتهى أمرنا بلا شك ..

نظرت إليه من وراء جفني النصف مفتوحين ، لقد كنت أشعر بالإرهاق النفسي أكثر من الجسدي ، و لم أرد إطالة الحديث معه ، لكنني أعلم إذا لم أجبه الآن فلن يتوقف عن التشكيك و طرح الأسئلة حتى حلول الصباح ..
– هل انتهيت؟ لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام ،
حسنا… في الوقت الراهن لن يعلم فابيو أن الأمر له علاقة بنا أو بالدائرة نفسها لأسباب منها أن التحقيقات ستقودهم إلى وجود خيانة بين أتباعه ، لقد خططت للموضوع لكي يبدو هكذا ، سيعرفون أن سبب مقتل الحارسين هو مشادّة وقعت بينهم بعد أن أرسلهم فابيو لاسترجاع الشريحة ، إن اختفاء الشريحة سيؤكد هذه النظرية ، و لهذا حرصت على قتل أحدهم رمياً بالرصاص بوضع مسدسه في يده و الضغط على الزناد ليطلق النار ، أما الحريق فأعطيتهم سببان لأفتعاله : الأول جعلته يبدو كتماس كهربائي و الثاني قد يكون مسببه أحد حراسه 

– و لمَ قد يفكرون أن الفاعل هو أحد الحراس؟
– هل تذكر الرجل المدخن الذي انفجرت عليه قنبلة كلوريد الكاربيد في المرحاض ؟ سيظنون أنه كان ينوي سوءاً بفابيو ، لأن المرحاض الذي انفجر كان مجاوراً لغرفة نوم فابيو ، سيلقون القبض عليه -بعد خروجه من المستشفى بسبب حروقه – و يحققون معه ، و هذا يدعم السيناريو الذي خططت له حيث سيقتعدون أن هناك خيانة بينهم و سيؤدي هذا لكسبنا بعض الوقت و إبعاد فابيو عنا بينما نعد العملية التالية .
-لكن هل نسيت أن جثة الحارس الذي تظاهرت بإنقاذه مات بكسر في رقبته ؟ كيف سيعتقدون أنه تخاصم مع زميله و قتله إذا كان ميتاً أصلاً بكسر في الرقبة ؟ متى حاول زميله كسر رقبته قبل أن يموت ؟!
-هذا سهل ، لقد أخبرت المسعفين أنني وجدت الرجل ممداً تحت دولاب حديدي سقط بفعل الحريق  ، يعني أن الدولاب كسر رقبته ، و بجانبه شخص ميت بطلق ناري ، سيرون أن البصمات التي على المسدس تعود لصاحب الرقبة المكسورة .
– لا بد من أن يلاحظ عمال الشركة اختفائنا ، و قد يقوم المحققون بربط كلام الحارس محب السجائر بالتفجير ، لأنك ناولته سيجارتك ، هذا فضلاً عن سيارة الإطفاء الخاصة بنا التي تركناها خلفنا .

تناولت بندقيتي القنص “دراغونوف وستونر” و بدأت بتلقيمهما و تتظيفهما بينما تابعت كلامي :
-حتى و إن تم استجواب طاقم الشركة فإن الجهة المسؤولة عن التحقيق هي دائرة الاستخبارات – بما أن أحد أفرادها كان ضحية الاعتداء – سيقومون بالتغطية علينا ، أما بالنسبة للسجائر فكانت عادية و لا تحتوي على مواد متفجرة لذا لا تفكر فيها ، قامت صوفيا بأخذ سيارة الإطفاء خاصتنا و التخلص منها بعد هروبنا .
– بالحديث عن صوفيا ، هل تظن أنها أهلٌ للثقة ؟ فأنا لا أرتاح لها إطلاقاً .

رفعت بصري عن البندقية وونظرت إليه ، كان يتجنب النظر إلى عيني ، إن عدم النظر مباشرة إلى العين يعني أحد الأمرين : إما أن يكون الشخص واقعاً في الحب ، أو أنه يكذب .
– إن الأمر معقد ، لكننا الآن نحتاج إليها لسير العملية ، لقد اتصلت بها قبل قليل و أخبرتها بتنسيق ذهابنا إلى باريس ووالحجز لنا في أقرب رحلة ، لقد هيأت لنا مسبقا هويات مزورة ، أنت مغني بوب “فرانسيس” و أنا عازف الغيتار ” مايكل نايت”
لقد تذكرت شيئاً ! هل كنت مدعواً في حفلة ليوناردو ؟
– لا … لم تسأل؟
– لا شيء لقد توهمت أنني رأيتك هناك .
أحسست بأن صوتي بدأ بالأختناق عند تذكري الموضوع و أخذ لوسيان يرمقني بنظراته ، أعتقد أن علي أخذ حمام دافئ لأبعد هذه الأفكار عن رأسي
– لقد أتممنا المرحلة الاولى من العملية ، جهز حاجياتك لأننا سننطلق بعد غد إلى باريس ، أنا ذاهب للاستحمام .

مهما كانت برودة الماء الذي ينهمر على رأسي إلا أنه لم يستطع إطفاء نيراني ، ليتهم أنقذوا ايفا و لم ينقذوني ، كيف لي أن اتوقع الخيانة من الشخص الذي يفترض أن يكون إلى جانبي؟! الناس تبحث عن مفسري أحلام و أنا لا أجد من يفسر لي الواقع !
ما دخل ايفا بالموضوع ؟! ما مصلحتهم من وراء عمليتهم هذه ؟ و لماذا المراوغة؟ إذا أرادوا قتلي لمَ لم يقتلوني ؟! أسئلة محيرة تصارعت في رأسي ، إلا أنني لم أعد ضحية لها بعد الآن ..
لقد عرفت كل شيء..
و سأتمسك بخيط الأمل الرفيع الذي حصلت عليه ، لن أدعهم ينفذون مخططهم .. سأنقذها و لو على جثتي .

يــتــبــع …

ملاحظات من الكاتبة :
– ف.ف.س.ق هو مصطلح عسكري و يعني (فقد في ساحة القتال ) يقابله مصطلح M.I.A باللغة الأنجليزية أي missing in action و يطلق على المجندين اللذين أرسلوا في مهمة و لم يعودوا منها لأي سبب كان .

– محمي – امين – مفتوح .. هو وصف لتصنيف عملية الإغتيال ..محمي : يعني أن الهدف لديه حراس ، أمين : من شروطها عدم قتل أو وفاة منفذ عملية الإغتيال أي ليست عملية انتحارية ، مفتوح : تعني أن عملية الاغتيال تتم على مرأى من العامة لأغراض سياسية و عدم جعلها تبدو كحادث .

– تنويه : لا تجربوا صنع النابالم في المنزل .
 

تاريخ النشر : 2016-10-07

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى