أدب الرعب والعام

بنت الجن (1)

بقلم : شيطانة منتصف الليل – كوكب الظلام

بنت الجن (1)
ذهبنا للمقبرة وفتحنا القبر لنجد الجثة مخيطة

عشت حياتي منغلقة ومحافظة على العمل الذي ورثته من ابي. منذ وفاته وانا احمل هذا العبء الثقيل على كاهلي ولكن شاء الله ان يكتب لي مصيراً تقبلته بالرغم من مرارته, لطالما حاربت هذا العالم الذي بالرغم من علمي فيه الذي ورثته عن ابي وشيخي ومعلمي الا انني لا زلت أجهله !! لا زلت تائهة فيه, ارفض ان أكون جزء منه ولكن ما باليد حيله شاء القدر وختم النصيب وعشت فيه كرهاً لا طوعاً…

******

كنت فتاة تقية, ملتزمة جداً بديني , وكيف لا وانا ابنه الشيخ “يادار بن العنس” ومن لا يعرف شيخ الشيوخ وقاهر الوحوش انه ابي الذي تميز بقلب قاهر وعقل راجح وحكمة واعظة وهبها الله عز وجل له, كان والدي مختار قريتنا البسيطة, كان الكل يأخذ بمشورته, كان هو مصدر الحكمة هنا واكتسب ألقاب عديده منها “أسد قرمده ” وقرمده هي قريتنا ولكنه اشتهر بلقب ” قاهر الوحوش ” ورثه لأنه كان شيخ قريتنا فكان آلاف الناس يأتون اليه من كل صوب و حدب ليتعالجوا عنده ,كان يعالج حالات المس المستعصية.

اما انا فكنت محظوظة ,فانا ابنه أسد الأسود وشيخ الشيوخ ونعم الأب, ابي رباني تربيه مستقيمة ,أعطاني خصاله الثمينة ,ملكت عقلاً حكيماً وقلباً وسيعاً وامتلكت حسن الخلق والاخلاق وطيبه اللسان والاهم وقار تهتز له الجبال.
تزوجت اختاي الكبيرتين وانا آخر العنقود, كنت المدللة والغالية لدى والدي ,لطالما راقبته من تلك الفتحة الصغيرة في الباب لأرى أولئك المرضى والممسوسين وهم يتعالجون على يده الى ان بلغت السادسة عشر سمح لي بالدخول معه ومشاركته جلساته ,كنت اناوله ما يحتاج اليه من طلاسم وأواني وماء مقروء , ومن هنا ابتدأ المسار الذي سأسير به.

لم أكن اخاف من تلك المخلوقات الواهنة الضعيفة التي تدعى “جن” ,كنت ارى ابي وهو يصرخ عليهم ويرتل القرآن بصوته العذب حتى يمتلئ البيت بصوته وهو يقرأ, لم اشعر يوماً بالخوف بل لطالما شعرت بالجبروت والقوة, لطالما نصحني والدي وشيخي الجليل ان لا اخاف سوى من الله ربي وان بقية المخلوقات ماهي الا فانية حتى حين.
مرت السنون ومرت كبرت خلالها سنة عن سنة وانا ارى ابي اصبح هزيلاً ,ذلك الأسد قد اصبح مسناً الى ان جاء يوم اصبح طريح الفراش لا يقوى على الحراك مع ذلك لطالما رايته يقوم قيام الليل والنهار, لطالما سمعته يرتل القرآن بصوته الخاشع الندي الى ان حل يوم الفراق وشاءت الاقدار ان ابدأ الطريق الذي ابتدأه جدي وابي…

******

جلست عند قدمي والدي بعد رحيل ضيوفنا الكرام فكل القرية استنفرت لتؤمن الدواء لوالدي الحبيب لكن قدر الله وما شاء فعل …

– كبرت بسرعه يا ابنتي وَيَا تلميذتي المجتهدة وشمعه قلبي, لم أتصور ان هذا اليوم سياتي سريعاً يوماً ما لكنه قدر الله وما باليد حيله.
اسمعيني يا ابنتي لم املك ولداً ذكراً ليكون سنداً من بعد رحيلي لكنك سندي في هذه الحياة وقد ربيتك وجهزتك لهذا اليوم يا ابنتي, اليوم الذي ستكملين انت به من بعدي, سوف تصبحين مختارة القرية ومتأكد انك على قدر المسؤولية يا ابنتي ,انا راضٍ تمام الرضى عنك, نفذتُ وصاياي على مدى سنوات طفولتك لتنفذي الآن آخر وصاياي وهي انت تكملي من بعدي, والآن ان أغمضت عيناي سأسلم روحي وانا مطمئن يا ابنتي.
بعدها أغمض عينيه بكل هدوء واسلم روحه للبارئ.

بعد مراسم الدفن سخرت حياتي وكل طاقتي في عملي وأصبحت انا شيخه القرية. على مدى خمسه وعشرون سنة اكملت عملي بكل اخلاص, اصبحت انا شيخه القرية والراقية الشرعية, لمدى سنوات انجزت عملي بكل يسر وتفاؤل لأنني بذلك احيي ذكرى والدي الحبيب الى ان جاء اليوم الذي خط فيه القدر مصيري وختم القدر به…
كالعادة اتت الي احدى حالات المس المستعصية و كانت بنت صغيرة مربوطة بالحبال لم تتعدَ الرابعة عشر حتى ومعها رجلان من اقوياء القرية وامرأة كبيره بالعمر …

– شيخه شيهانة اتيت إليك من أقصى البلاد لتعالجي ابنتي الوحيدة

– اخبريني بكل ما حدث وان شاء الله تكون لي المقدّرة لأساعدها

– منذ وفاه أمها وهي تلازم المقبرة, لم يستطع ابوها منعها الى ان انتقل الى رحمة الله هو ايضاً ومن وقتها وانا ربيتها …كانت تبكي على قبر والداها الا ان في ليلة من الليالي بدأ به كل شيء
اكملت المرأة بحسرة وهي تبكي ..

– فجأة تتغير عيناها للأبيض وتصرخ بكلام غير مفهوم يحدث هذا معها عند اذان الفجر والمغرب وعند سماع صوت القرآن ,جلبت لها شيوخ كثر ولكن لم تتحسن حالتها بل ازداد الامر سوءاً عليها وهكذا ساءت حالتها لدرجة انها تهرب من البيت لتذهب للمقبرة وتخيلي حاولت اخراج جثة والدها مراراً وتكراراً. ارجوك ساعديها فهي ذكرى من ابني المرحوم

نزلت للأسفل وطلبت ان يأتوا بالفتاة الى الغرفة لنبدأ العلاج, بقيت المرأة مع والدتي لتضيفها وانا بدأت بالقراءة بصوت عالي والفتاة بقيت هادئة لفترة طويلة, أخذت ماء مقروء وظللت ارش عليها لتصرخ بصوت أجش

– اللعنة عليك …اللعنة عليك

– ما اسمك ؟

– يا ابنة هاقليش اللعنة عليك ابنه هاقليش

– قل ما اسمك أيها الملعون, قل ماذا تريد من هذه المسكينة يا عدو الله !!

– يا ابنه هاقليش اثروا عليك البشر المنفيين يا ابنه هاقليش. هل اثر عليك بني آدم بأفكارهم المريضة

– أجبني ما اسمك وماذا تريد ؟

لم يجبني وقتئذ ابداً بل ظل ينعتني بابنة هاقليش ولم يخبرني باسمه

استمرت الجلسات لشهر ونصف بلا نتيجة وحالة تلك البشرية الواهنة بضعف مستمر من كيد ذلك الشيطان اللعين الى ان طلبت شيوخ أفاضل ليساعدوني في حالتها العنيفة. جهزنا غرفه بها طلاسم وربطناها بحبال منقوعة بالخل وبدأنا بالقراءة استمر الشيوخ بالقراءة وانا رششت الملح بشكل دائري حولها ثم وضعت الماء مع الملح وقرأت عليه سوره البقرة وآيه الكرسي بالذات وظللت ارشه عليها حتى ظلت تصرخ وتصرخ الى ان استسلمت

– كفى .. كفى

– ما اسمك ؟؟ قل أيها اللعين ؟

– اسمي هاقادووووووش, هاداقووش

– ماذا تريد من هذه الفتاة ؟ قل يا عدو الله قل !!

سكت طويلاً.. طلبت من الشيوخ اخفاض اصواتهم بالقراءة وتوقفت عن رش الماء والملح فكان يبدو على الجني الإرهاق الشديد

– انا خادم السحر

– سحر ؟؟ اي سحر قل ؟

– انا خادم سحر تم عمله, تم دفنه بجثته

– هل تقصد والد الفتاة ؟ من عمله ولماذا ؟؟؟ من سيدك قل

– اه كم انت قويه يا ابنه هاقليش لكن لن اخبرك فعلاً استهنت بالبشر وبتعليمهم لك, هذا ما لدي فقط وانت تتدبري الباقي

– تكلم !! تكلم

ظللت ارشه بالماء والملح لكن لم ينفع الى ان احرقته ومات بعدها أخذت البنت للمستشفى ونحن ذهبنا للمقبرة الشيوخ الثلاثة معي والدفان , فتح القبر لنا لم يكن هناك اي شيء في الوالد الى ان لاحظنا ان الفم والعينان مخيطتان بشكل دقيق بحيث تبدوا الجثة للعيان انها طبيعية, فتحنا الخيوط كذلك بطنه كان منظراً مخالف للشريعة ومثيراً للاشمئزاز, رأينا العجب في تلك الجثة ؟ كان هناك جلد ضب والكثير من الأسنان والشعر ورأس برص, انه سحر (الألف عرجون) انه من أقوى فنون السحر , الذي يعمله يكون عديم الإيمان كلياً ويكون بلا قلب او شعور, ألهذا الحد وصل كفر البشر  ؟ اي نوع من البشر يفعل سحراً كهذا ؟! بعد ان فككنا السحر ظننت ان الامر انتهى ولكنه لم ينتهي ابداً بل كانت فقط البداية .

يتبع …

تاريخ النشر : 2016-10-09

guest
36 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى