أدب الرعب والعام

و قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا

بقلم : الفراشة الحالمة – الجزائر

و قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
بين ليلة و ضحاها أصبحت لا أقوى على النهوض من سريري ، لا آكل و لا أشرب و لا أنام بسبب الكوابيس التي تلاحقني
أسماء هي إحدى صديقاتي تعرفت عليها أثناء الدراسة في الجامعة حيث كانت تدرس معي في نفس الفصل ، التقيت بها بعد غياب دام ثلاثة سنوات أثناء زيارة لي للجامعة بعد تخرجي .

درست أسماء معي عاماً و نصف ، كانت فتاة جميلة و مؤدبة تحب الخير لكل الناس ، كما كانت متفوقة في دراستها ، كنت دائماً أراها تتمشى برفقة توئم روحها و صديقتها الوفية عفاف ، و عفاف أيضا كانت اسم على مسمى ، جميلة و متدينة و متسامحة مع الجميع و طيبة القلب .

تبادلت معها أطراف الحديث بعد أن التقيتها بعد طول غياب و سألتها عن صحتها و عن مرضها الذي فاجأ الجميع بعد أن دعوتها لتناول الغداء معي في أحد المطاعم القريبة من الجامعة و بعد أن أنهت كل منها عملها أخبرتني أسماء التي لم تعد أسماء التي أعرفها فهي بدت شاحبة و حزينة عما مرت به من مصاعب ..

فقالت :

مرضت مرضاً شديداً لا أعرف سببه ، بين ليلة و ضحاها أصبحت لا أقوى على النهوض من سريري ، لا آكل و لا أشرب و لا أنام بسبب الكوابيس التي تلاحقني ، أصبحت أخاف من النوم ، ذهبت لأكثر من طبيب وتنقلت من مشفى إلى أخر دون أن أتحسن ، وأجريت العديد من التحاليل لمعرفة العلة دون نتيجة ، الكل اتفقوا على كلمة واحدة أنت في أتم الصحة و العافية لعل العلة نفسية و ليس عضوية ، فذهبت إلى طبيب نفسي صديق للعائلة ، و بعد جلستين أو ثلاث سألني خلالها عن تفاصيل حياتي كلها ، و عما يقلقني و إن كنت أواجه أي مشكلة أثرت علي نفسياً فأجيبه بالنفي ، و في النهاية رفع راية الاستسلام و أخبر والدي أنني لا أعاني من أي خطب و سيحاول التواصل مع زملائه لعله يكتشف شيئاً غاب عنه .

و بعد أن أُقفل في وجهي باب العلم أخذني أبي إلى راقي ثم آخر ثم آخر على أمل .. كنت أتحسن قليلاً بعد الذهاب إلى الراقي ثم أعود كما كنت أو أسوأ حتى فقدت الأمل ، و لكن والدي حفظه الله لم يفقد الأمل و كان كل يوم يدعوا لي و يأخذني من طبيب إلى آخر و من راقٍ إلى آخر ..

و في يوم من الأيام في شهر رمضان الكريم كان والدي عائداً من صلاة التراويح ، حزيناً مطأطئ الرأس مما وصل إليه حالي و حاله ، فقد أفلس تقريباً و أصبح يستدين بعد أن كان يدين ، و التقى بمجنون مشهور في قريتنا يقال له عبد القادر ، و كان عبد القادر مجنوناً و لكنه مبارك ، يستطيع أن يخبرك ما في جيبك من نقود على الرغم أنه لا يعرفك ، ورما طبخ أهل بيتك ، و حتى ما تفكر به ، كان يأخذ أي شيء تقع عليه عيناه من المراكز التجارية دون استئذان و الغريب أن أصحاب هذه المراكز لا يقولون له شيئاً خوفاً من أن يدعو عليهم فهو مستجاب الدعاء ، لكن الأغرب أنه لا يأخذ شيئاً لنفسه بل لغيره ، فمثلاً يأخذ ثوباً لطفل يتيم في العيد ، أو طعاماً لامرأةٍ مطلقة بات أطفالها جياعاً .

التقى والدي به فاقترب منه و قال له: ليست هي .. فانتبه والدي من غفلته و قال له: من تقصد؟ فأجابه: من أو كيف ؟ نظر إليه والدي مستغرباً راداً عليه: ماذا ؟ و عبد القادر يكرر : من أو كيف ؟ من أو كيف ؟ من أو كيف ؟… فأجابه والدي : كيف؟ فقال : بالدعاء … و رحل ورهو يضحك .

عاد والدي متعباً حائراً مما سمع ، فأخذ يقرأ القرآن و يدعو الله لعل هذه المحنة ستفرج ، في الصباح استيقظت وأحسست بأنني بخير و أن صحتي تحسنت ، ففرح أبي و احتفلت معهم بالعيد و صحتي في تحسن مستمر ، و عدت إلى الجامعة بعد غياب عامين ، و الوحيدة التي تسأل عني هي صديقتي عفاف و التي منعني أبي من الحديث معها لأنه شك بأنها سحرتني ، و أنها السبب في ما أنا فيه ، و لكن قلبي لم يصدق فهي قطعة من روحي ، كما أنه سمع عنها أشياء سيئة ، و قالها بالحرف الواحد : هي فتاة ذات سمعة سيئة ..
و لكن كيف ؟! فهي تخبرني بكل تفاصيل حياتها ، من لحظة استيقاظها حتى نومها ، حتى أحلامها تذكرها .

كانت فرحة عفاف كبيرة برجوعي ، نعم لقد كنت أكلم عفاف خفية عن والدي ، و بعد أيام من الدخول الجامعي كان عيد ميلاد عفاف في 22 نوفمبر فأحضرت لها زميلتها بالسكن سوده هدية ، و كانت عبارة عن شيكولاتة من أفخر الأنواع في علبة كل حبة مفصولة عن أخرى و مغلفة لوحدها في علبة على شكل قلب ، صديقتي عفاف تحب الشيكولاتة كثيراً و في عيد ميلادها كلمتها لأهنئها فأخبرتني بالهدية و أحببت رؤيتها فأنا لم يسبق لي أن اشتريت هذا النوع ، كما أنها غالية فوعدتني أنها لن تتناولها حتى تريها لي على الرغم أن هذا صعب عليها ..

و فعلا في الصباح أتت عفاف و قدمت الشيكولاتة لي و لبعضٍ من زميلاتي ، وفي ذلك اليوم كانت عفاف صائمة فخبأت الحبة حتى المساء ، ذهبت و تركت عفاف تحضر محاضرتها ، و حضرت محاضرتي و في منتصف الحصة أحسست بألم لا يحتمل و بأن أحشائي تتمزق فصرخت من شدة الألم ، و سقطت وسط الحجرة أتلوى ، فقام الأستاذ بطلب الإسعاف و بعد ساعتين استفقت و وجدت والدي فوق رأسي يسألني عما حصل لي ، ثم دخل ضابط من الشرطة و سألني عما أكلت ، ورعن صديقتي عفاف ، و عن إن كان هناك مشاكل بيني و بينها، لم أفهم مما قال شيئاً و لكن أبي أخبرني بأن عفاف حاولت تسميمي و تسميم 10 طالبات ممن أكلنا الشيكولاتة في الصباح ، بعد أن أسمعني وابلاً من الشتائم ، فهو من البداية حذرني منها ، لم أصدق ما أخبرني به ، كنت مصدومة ..

أخبرت والدي بأن الشيكولاتة هدية من صديقتها سودة ، و لكن والدي صرخ بي قائلاً أتصدقين كذب هذه الفتاة ؟ و لكن ضابط الشرطة سألني عن هذه الفتاة و عن كيفية إيجادها ،
و بنفس الوقت كانت صديقتي عفاف في مركز الشرطة تعاني الأمرين بسبب اتهامها بمحاولة تسميم 10 من زميلاتها ، المسكينة كانت تبكي بحرقة فهي من جهة ليست مسؤولة عما حصل و من جهة أخرى لا تصدق بأن زميلتها بالسكن تفعل هذا .. ماذا تستفيد من كل هذا ؟ لابد أن الشيكولاتة انتهت صلاحيتها لهذا فسدت ، و لكن الضابط صرخ في وجهها و حاول الضغط عليها لتعترف ، و بسبب الخوف و التوتر و أنها صائمة طوال اليوم (و هذا ما زاد من التهم الموجهة لها ) فقدت وعيها فنقلت على جناح السرعة إلى المشفى .

ذهب ضابط الشرطة المسؤول عن القضية للبحث عن سودة و التي قررت الذهاب إلى منزلها لأن جدتها مريضة ، بحث رجال الشرطة عن منزلها وأخيرا وجدوها ، و أخذوها إلى المركز و بدؤوا في استجوابها فسألوها عن عفاف و عن علاقتها بها فبدأت في البكاء و قالت هل حصل لها شيء ؟ هل ماتت ؟ صحيح أنها مجرد زميلة و لكنها عِشْرَة ثلاث سنوات ، و العشرة لا تهون إلا على الكافر ، و لما سألها عن الشيكولاتة أنكرت بأنها قدمت لها الهدية ، و قالت : بأن من قدم لها الهدية هو سمير حبيبها ، فأعطتهم عنوانه و أخذ رجال الشرطة في البحث عنه و أحضروه إلى المركز لاستجوابه ..

أصبح لدى رجال الشرطة ثلاثة مشتبه فيهم واحد منهم حتماً هو من قام بتسميم الفتيات ..

***

قام ضابط الشرطة باستجواب سمير ، فسأله أولاً عن معرفته بعفاف فقال بأنه لم يسمع بهذا الاسم من قبل ، كما سألوه عن علبة الشيكولاتة فأنكر الأمر ، حاول الضابط الضغط على سمير حتى يخبرهم بأي شيء لكنه ظل مصراً على أقواله ، و من جهة أخرى سألوا عفاف عنه فقالت بأنها تعرفه هو خطيب سودة السابق ، لقد انفصلا بعد أن خانها و قام بإهانتها بشكل بشع ، و لما سألوها عن علاقتها به قالت بأنها لم تره من قبل و لكنها كلمته بالهاتف و خاصة في الفترة التي ترك فيها سودة .

أما سودة فظلت تغير أقوالها كل مرة ، فتارة تقول بأن سمير خدعها و تارة تقول بأنه بريء و أن عفاف هي التي أغوته ، و هي المسؤولة عن كل شيء .

احتار ضابط الشرطة من يصدق فالأقوال كلها متضاربة ، ماذا يفعل ؟ ما هذه القضية الغريبة ؟ و في الأخير قرر جمع الثلاثة معاً ، و من ملاحظته لهم سيقرر ماذا يفعل؟

نظر الثلاثة إلى بعضهم البعض ، خاصة سمير و عفاف و الذي بدا للعيان أنهما يلتقيان للمرة للمرة الأولى ، التفت سمير إلى سوده و ابتسم لها ثم ظل ينظر إلى عفاف التي بادلته الابتسامة و تنهدت و نظرت في الجهة المقابلة .
أما سوده فقد ظلت تتنقل بنظراتها بين الاثنين و هي تصك أسنانها ثم هجمت على عفاف و هي تصر خ و تقول: لماذا أيتها اللعينة ؟ لماذا فعلت هذا بي ؟ لماذا كذبتِ ؟ لماذا ورطتني؟

حاول رجال الشرطة الفصل بينهما ، أما عفاف فكانت تبكي و تقول أنها لم تكذب و لم تخدعها ، أما سمير فكان مصدوماً مما رأى و حاول سحب عفاف من بين يدي سودة التي جن جنونها و حاولت مهاجمة عفاف و ضربها قائلة: أنت السبب .. أنت من أخذه مني ، أنت من دمر حياتي ، سأقتلك أيتها الملعونة .

بعد أن فصل رجال الشرطة الثلاثة عن بعضهم حاولوا معاودة التحقيق من جديد و بدؤوا بسودة ، فهي غاضبة و منهارة و يسهل أخذ المعلومات منها .
في البداية وجدوا صعوبة في التعامل معها و لكن بسبب ضغطهم اعترفت بكل شيء…

قالت سودة : لقد أحببته و حاولت الوصول إليه بكل الطرق ، قدمت له كل شيء لكنه لم يحب سواها عفاف ، عفاف هو لم يرها كيف أحبها ؟ حاولت أن أجعله يعود و لكنه أهانني و هددني بأن يفضحني ، و تلك العاهرة فرقت بيننا ، لقد أغوته ثم تركته ، و كانت تتظاهر بأنها تواسيني ، تلك العاهرة تقتل الميت و تمشي في جنازته ، لم يكن لدي أي خيار لذا سحرتها فأنا ساحرة ، صحيح أنا لست جميلة و لا ذكية و لا محبوبة مثلها و لكنني ساحرة ، و راحت تقهقه و أكملت :

نعم أنا ساحرة .. لقد وضعت لها تعويذة في أحد ثيابها يجعلها عاجزة و مريضة ستبقى في السرير و لن تغادره حتى تموت ، و لكن الغبية أعارت ثيابها لصديقتها ، و لم تستردها أبداً لذا لم يكن لدي أي خيار لذا قمت بتسميمها ، وضعت السم في علبة الشيكولاتة فهي تحبها و لكنها مرة ثانية نجت ، لقد كانت صائمة .. حاولت أن أنسى و لكنها كانت تتواصل معه ، نعم لقد رأيتها هي و المغفلة صديقتها تخرجان من المطعم الذي يمتلكه و هو كان ينظر إليها بكل بلاهة ، لست من بدأ هي من بدأت .

***

هكذا عرفت سر ما أصابني كان بسبب غيرة سودة من عفاف ، رغم أنه لا يوجد علاقة بين عفاف و سمير إلا أن سودة بسبب غيرتها و حسدها توهمت ذلك ، و اتهمته بالخيانة و صارت تترصده مما دفعه لتركها ، و ذات يوم رآها في منتصف الليل أمام مطعمه ترش شيئاً كريه الرائحة و تتمتم بشيء غريب فنهرها ، و أخبرته بأن عفاف هي التي أشارت عليه بذلك ، و أخذت تنشر عنها الأكاذيب و الأقاويل ، و بأنها سيئة السمعة .

و سمير أيضاً لم يسلم من بطش سودة فهو أيضاً عانى من الكوابيس و الأرق و بدأ يشعر بأن هناك من يراقبه و يقوم بملاحقته ، لقد تدهورت حالته فأصبح يكره الناس و الجلوس معهم و قرر السفر أخيراً خارج البلاد لتغيير الجو و العلاج ، بعد سفره أخذت حاله تتحسن تدريجياً .

أما عفاف فبعد انفصال سودة عن خطيبها قامت بمواساتها ، كما حاولت إرجاع المياه إلى مجاريها ، و ذلك أنها كلمت سمير بالهاتف لكنه رفض الرجوع إليها و وصفها بالمسخ و المجنونة ، و أنه سيفضحها إن حاولت الاقتراب منه ، فأخذت عفاف نظرة سيئة عنه و ظنت أنه مخادع ، وحاولت أن تشجع صديقتها على نسيانه و مواصلة حياتها ، إلا أن حال صديقتها أصبح مخيفاً فهي لا تنام و تنظر إليها بطريقة غريبة و مخيفة، و دائما ما تقارن بين بياض بشرة عفاف و سواد بشرتها ، و بين كل شيء تمتلكه عفاف و ما تملكه هي ، ظنت عفاف في البداية أنها مازالت تحت وقع الصدمة لذا أخبرت أهل سودة أن يصطحبوها إلى المنزل حتى تهدأ أعصابها .

ذهبت سودة لجدتها و التي علمتها بعض فنون السحر حتى تعيد حبيبها و تتخلص من عفاف ، و لكن سمير سافر قبل أن تنال منه ، أما عفاف فقد وقع السحر الذي مارسته عليها برأسي أنا ، وصدق من قال لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، سوده الآن في مشفى الأمراض العقلية .. الحمد لله على كل شيء .

تناولت الغداء مع صديقتي أسماء و أنا أتعجب من القصة التي سمعتها ، حقيقة وجود أشخاص مثل سودة لا شيء يقف في طريقهم يفعلون أي شيء للحصول على ما يريدون حتى و لو عنى ذلك تدمير حياة الآخرين مخيفة جداً .

تاريخ النشر : 2016-11-08
guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى