أدب الرعب والعام

حياتي كساحر( الجزء الثاني)

بقلم : علي النفيسة – السعودية
للتواصل : [email protected]

حياتي كساحر( الجزء الثاني)
الكتاب يوسع نطاق مداركي في التعرف على أسرار العالم الآخر

إذاً الكتاب يضم مستويات ودرجات في السحر ينتقل بها الساحر من مستوى إلى مستوى من خلال التعويذات ، فكما قلت فإن التعاويذ التي تحتاج بعض الأعمال هي أعلى في المستوى من تلك التي يكتفي بذكرها فقط.

قرأت الكتاب كاملاً  ثم قرأته مرة أخرى بعد أيام ، فقد أحسست هذا الكتاب يوسع نطاق مداركي في التعرف على أسرار العالم الآخر ، وقد استعملت التعاويذ التي في الكتاب على نحو الصدفة في عدة موافق حدثت لي ، لم أكن أنوي من الأساس استعمالها ، فمثلاً في أحد الأيام خرجت مع والدي إلى سوق للمواد الغذائية في حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهراً وكنّا في ركن الفواكه والخضار التي كانت بالقرب من قسم المحاسبين وعندما كنا في ذلك الركن داهمنا لص مقنع ومسلح بسلاح ناري وأشهر السلاح في وجه المحاسب طالباً منه يعطيه كل ما لديه من أموال  ولقد أخذ اللص الأموال وفر هارباً ، وأثناء فراره في جالت بخاطري فكرة تعويذة الضحك ، وكنت أتذكر نصها ، فقلت في نفسي لماذا لا أجربها ؟

تلوتها ثلاث مرات ، بعدها مباشرةً وعندما كان لا يغيب عن نظري ، وجدت ذلك اللص ساقطاً على الأرض يضحك بطريقة هستيرية تكاد أن تتقطع أنفاسه من قوة الضحك ، والأموال متناثرة على الأرض أمام ذهول جمهور الناس، وقد تعجبت أنا وأبي من هذا الموقف  وراودني الشك بأن الذي حصل له علاقة بالتعويذة والغريب في الأمر أن اللص مازال مستمراً في الضحك وهو في قبضة رجال الشرطة غير مبالي لما حصل له.

وبالنسبة لتعويذة التجميد فقد استعملتها في أحد الأوقات عندما كنت مع صديقي سعد عند حضورنا لعرض تفحيط السيارات في أحد شوارع المدينة وسط تجمهر المراهقين والشباب ، وكانت أحد السيارات التي تمارس التفحيط والتي كانت تترنح يميناً وشمالاً ن إلا أن سائقها المراهق فقد السيطرة عليها، وبدأت بالانحراف والزحف باتجاهنا أنا وصاحبي سعد بسرعة هائلة ، فطرأت في بالي فكرة تعويذة التجميد لأني أتذكر عندما قرأت عنها بأنها توقف أي شيء في الوجود مهما كانت سرعته من جماد أو حيوان أو أي مخلوق بسرعة هائلة أسرع من الضوء نفسه ، فأغمضت عيني من حالة الهلع التي أعشيها وتلوتها بشكل سريع ، ثم فتحت عيناي فوجدت الدنيا فجأة متصلبة كل ما فيها متصلب ومتجمد من جمهور المئات من الناس والسيارات وحتى الطيور وأتربة متناثرة وأوراق الخ.. أي كل ما في الوجود دون حراك ..

وألتفت إلى صديقي سعد وجدته في نفس الحالة دون حراك وحاجباه ممدودتان إلى الأعلى من هول الموقف ونظراته باتجاه السيارة ، الأمر كان أشبه بجهاز الفيديو عندما تضغط عليه على زر الإيقاف المؤقت لتقف الشاشة عن الحراك ، بعد ذلك سحبت صديقي من مكانه ونقلته إلى مكان آخر حتى لا يكون في موجهة السيارة، ثم تلوت التعويذة مرة أخرى وعادت الأمور إلى ما كانت عليه طبيعية.

وأما التعويذة رقم (13) والأخيرة فلم استعملها على نحو الصدفة بل قصدت استعملها، وهي تعويذة الخادم هتّاف وهو مارد شيطاني من المردة الشياطين الذين كانوا خُدّام للزعيم الأكبر لقبيلة الغرمان ” محار”.

بموجب هذه التعويذة يصبح للساحر خادم وحارس شخصي من عالم الجن والذي هو “هتّاف”، وطبعاً هذه التعويذة تتطلب جهداً كبيراً للقيام ببعض الأعمال السابقة لتلاوتها ، فضلاً على ذلك أنها تحتاج مساحة أكبر.

ودون الخوض في تفاصيل تلك الأعمال والمتطلبات السابقة التي قمت بها من ديك باهت اللون وشموع ونجمة خماسية وطلاسم الخ..، تلوت بعدها هذه التعويذة ، وبعد تلاوتي لها أحسست بهزة أرضية أقرب ما تكون كزلزال ، والمكان الذي أنا فيه (حديقة المنزل) لأصبح يعُج بالدخان الكثيف الذي كاد أن يحجب الرؤية  وبعد ذلك ظهر لي رجل ضخم البنية بلباس قديم أشبه بالبشر، وكانت ملامحه وملامح عينيه لم تعجبني، أشبه بالقطة، و أحدب الظهر، والذي لفت انتباهي أكثر هو قدميه التي تشبه حوافر الماعز.

أرتعتُّ خوفاً وهلاعاً أثناء تقدمه باتجاهي ، أصبح العرق يتدفق في جبيني من هول الموقف ، أحسستُ نوعاً ما بندم في داخلي في استعمالي لهذه التعويذة وضع نفسي في هذا الموقف المحرج ، فقلت في نفسي : ماذا فعلت ؟ لقد تماديت في استعمالي كل ما يوجد في هذا الكتاب ، فعندما تقدم إلي هذا الشيطان والذي هو بهيئة رجل بشري باستثناء عينيه وقدميه طبعاً ، خاطبني بعبارة أراحتني نوعاً ما ، وأحسستُ من خلالها بأني في موقف القوي .

– بماذا أخدمك يا سيدي ؟

هذا الشيطان المارد أصبح فعلاً خادماً لي ، أسخره كيف ما أريد ، فإذا أردتُ المال يحضره ، وإذا أردتُ سيارة فخمه أحضرها لي ، وإذا أردتُ أسئلة امتحانات الجامعة أحضرها لي ، و تذاكر سفر إلى أوربا يحضرها لي الخ….، باختصار يلبي طلباتي كلها سواءً في الخير أو في الشر، لكنني لا أطلب المزيد وخصوصاً المال حتى لا يضعني في شُبهة أمام أهلي وأصحابي.

أصبحتُ أعتاد على “هتّاف”، يظهر لي أي مكان أريده في السوق في الشارع في الجامعة الخ… كنت في البداية أغتاظ منه إلا أنني مع مرور الوقت أصبحت أعتاد عليه، أحسستُ فعلاً بأنه كخاتم في أصبعي وكل ذلك يرجع إلى فضل التعويذة رقم (13).

انتهيت من انشغالي من هذا الكتاب ومن الأمور الغريبة التي فيه وبسبب ذلك لم أرى جدي قرابة شهر ونصف ، حيث مرض جدي فجأة وأصبح طريح الفراش، وعند زيارتي له في غرفته بعد صلاة المغرب، طلب مني أن أقفل الباب حتى لا يدخل علينا أبي وفهمتُ من ذلك أن جدي يردي أخباري بسر معين ، وعندما جلست بجانبه تبسم لي رغم آثار الإعياء والتعب وسيطرة الحمى الشديدة عليه وقال لي :

– كيف كانت الكتب يا سامي ؟

– أعجبتني كثيراً ، شكراً لك يا جدي .

– أنا أعرفك يا سامي بأنك مولع بالقراءة ، فأنا أعرف حفيدي حق المعرفة .

– هذا ما تعلمته منك يا جدي .

فأطلق جدي جراء جملتي الأخيرة ضحكةً مصحوبة بكحة شديدة ، مما اتضح لي بأن الضحكة خرجت بصعوبة بسبب هيمنة المرض عليه ، ثم ناولني وهو مستلقي في فراشه كتاب قديم ضخم جداً.

فلما استلمت الكتاب وجدته بعنوان كتاب الظلام ، وقال لي:

– عدني بأنك ستحفظ الكتاب أمانةً عندك ، ولا تخبر به أحداً .

واستغربت من جدي هذا التصرف ، وأجبت:

– أعدك .

فوافقت على ذلك بكل جدية وعدت إلى غرفتي وخبأته.

هذا الكتاب مألوف بالنسبة لي، فقد وجدته مذكور في كتاب دليل التعاويذ السحرية للمبتدأين.

مرت ثلاث شهور والكتاب ما زال عندي مخبأً في غرفتي ، إلى أن أتت المصيبة التي أحزنتنا أنا وعائلتي حزناً جمّاً وهي وفاة جدي رحمة الله عليه.

وبعد تجهيزنا لمراسيم العزاء وأثناء استقبالنا للضيوف في مجلس بيتنا ، كان من بين الضيوف الحاضرين لتقديم التعزية لنا شخص كبير في السن ، كانت بشرته تميل إلى البياض خفيف الدقن ، يبدو لي أنه في العقد السادس ، من لباسه تيقنت أنه ليس من بلادنا وإنما من إحدى دول الخليج ، كنت على حق فعندما استقبلني قدّم نفسه قائلاً:

– أنا أبو سراج من عمان، صديق المرحوم عظم الله أجركم ، أسأل الله أن يلهمكم الصبر والسلوان على فقدناه.

– آمين جزأك الله خيراً .

ثم ابتسم واقترب مني حتى همس في أذني قائلاً:

– إني أعلم بشأن الكتاب .

تقلصت عضلات جبهتي بين الحاجبين جرّاء جملته الأخيرة ، لا أعلم ماذا يقصد بها ، ولم أعرف كيفية الرد عليه ؟ ثم تبسم لي مرة أخرى ابتسامه أكثر بشوشةً جالت أسنانه من خلالها، وغادر المجلس بعد ذلك.

أبو سراج للأسف بدأ يزعجني كثيراً ، لا ادري هل ذلك على سبيل الصدفة أم لا، فقد كان يظهر لي في أي مكان ، وأشاهده بشكل شبه يومي ، يظهر لي في الجامعة أو المسجد أو المطعم الخ.. حتى في أحد المرات عندما كنت أتسامر مع أصحابي الثلاثة وكان من ضمنهم صديقي سعد في أحد المقاهي ، ظهر لي أبو سراج وكان جالساً في الطاولة التي أمامنا مبتسماً كأنه يريد شيئاً ، فاستأذنت أصحابي بضع دقائق لأقابله على انفراد خارج المقهى ، وعندما قابلته على انفراد ، قلت له :

– ماذا تريد مني ؟

ابتسم لي ابتسامته المزعجة تلك ، وقال لي:

– أريد الكتاب.

– أي كتاب ؟

– كتاب الظلام .

– عن ماذا تتحدث ؟

أنت تعلم عن ماذا أتحدث ، كتاب الظلام ذلك الكتاب الذي أهداه لك جدك المرحوم.

– لم يهديني شيئاً .

– لا تراوغني يا سامي .

– قلتُ لك لم يهديني شيئاً ، ثم ما شأنك في ذلك ؟

ثم صمت أبو سراج موجهاً لي نظراته الحادة قائلاً:

– سامي أعلم جيداً أن المرحوم طلب منك إخفاء الكتاب ، صدقني إن هذا الكتاب يشكل خطورةً عليك، كان يفترض على جدك أن يسلمني إياه بدلاً منك ولكنه لم يستطع بسبب مرضه وسلمه لك .

مع كل ذلك ما زلت أنكر الأمر بكله ، وبعدها قلت له:

– أنت تعرف جدي.

– نعم .

– ولكنني لا أذكر أنه تحدث عنك .

– تعرف أن جدك له أصدقاء كثر، لعله نسي ذلك.

فأردت أن أضع حداً للحوار حتى انهي اللقاء ، لذا قلت له:

– نراك على خير أبو سراج..سلام .

وأثناء استدارتي لمحاولة دخول المقهى ، أمسك أبو سراج بيدي قابضاً عليها بشدة:

– يجب أن تسلمني الكتاب وإلا..

– وإلا ماذا ؟

– ستلقى أمراً لن يسرك ، أعذرني فأنت لن تترك لي خيار.

– من أنت لكي تهددني ؟

تغير بعدها أسلوب أبو سراج أصبح أقل حدة:

– سامي إن المرحوم جدك للأسف انحرف وأصبح ساحراً وهو ألآن انتقل إلى رحمة لله بسبب هذا الكتاب، لذا يتوجب عليك أني تسلمني إياه حتى أتخلص منه.

– جدي لم يكن ساحراً .

فضحك ذلك المزعج رغم أنه مازال ممسكاً بيدي، فقلت هذه الجملة الأخيرة وسحبت يدي، وسفهته ، ودخلت المقهى بمضض.

يتبع ……

تاريخ النشر : 2016-11-06

علي النفيسة

السعودية
guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى