تجارب من واقع الحياة

عزباء الدفان

بقلم : داليا منصور الهضبى – مصر

عزباء الدفان
اعتدت على صوت العويل والصراخ أصحو عليه دائماً

لن أبدأ موضوعي كالمعتاد ، في بداية نشر القصص التي تحدث لنا مروراً بهذه الحياة إلى أن نصل إلى النهاية المحتومة علينا منذ أن خلقنا الله ، إنما بداية معاناتي كانت من النهاية المحتومة ، فمن أنا ؟ أنا اسمي داليا منصور الهضبى عزباء الدفان و سني الآن هو 34 سنة ، عزباء معروف أصلها بدأت معاناتي منذ الصغر اعتدت على صوت العويل والصراخ أصحو عليه دائماً حتى حين أقيل في نهاري افتح عيناي على طرق وعويل من خلف باب بيتنا الصغير الضئيل المطل على حقلاً صغيراً يراعاه أبي حين يفرغ من عمله الأساسي ألا وهو تجهيز الجنائز ، فأبي يعمل مغسل قرية العيساوية غرب ، ومن يمر على هذه القرية القاطنة في غرب سوهاج حتى يسمع عن أبي وعن مناقبه في من أوصلهم إلى الدار الآخرة بسلام .

لم يحدث أن رأيت أبي اهتز يوماً حين يسمع عويل الثكلى على أبنائهم والأرامل على أزواجهم ، فنحن نحيا في قرية يعلم شرقها غربها وغريبها معلوم وكل طارق على باب بيتنا معروف لدينا اقرانه ، فالحزن حزن القرية ويبدأ من بيتنا ويشاع إلى باقي أهالي القرية ، وحين يصاحب أبي أماً أو أباً أو أقارب مقتول أو مبطون متوفى يعلم من يراهم انه ذاهباً إلى تجهيز جنازة إلى مثواها الأخير يرمقونه دائماً بنظرات الشؤم والبغض كأنه الغراب حين يحط على أبراج الحمام ، يدعونه أحياناً بهضبي الدفان وأحياناً بالشيخ هضبي مغسل العيساوية ، و يبطنون في سرهم ألقاباً يعملها من يقرا ومن يرى أي مغسل كالحانوتي والغابر العابث نزيل الشؤم والفقر والخراب ..

تأثرت كثيراً بسمعه أبي الطيبة ، فأنا بنت الدفان و وريثه البغض والشؤم في مجتمع العنصرية والتمييز ، فلم يأت احد إلى خطبتي إلى اليوم ولقد تناسيت أحلام العروس الصغير وهي تزف إلى بيت زوجها ، كما رتسمته منذ صغرها ولم اعد اختال بين مجالس النساء حتى اقتاد إلى بيتنا ، رجلا يمر بي من صحراء الجنائز إلى خضراء المنازل فالشؤم مطافي والعويل غنائي ، لم اعد احتمل مجالستهم لم تكن لتنبت إلا بنظرات  قاسية وقول قاس لا به رطب كلام ولا إطراء ، صفات على أنثى يتدلى شعرها على كتفها في مجالس أفراحهم ولا تملقاً بجمال كما يتملقون بناتهم يمر عرس يليه عرس وتتنافس العازبات  بإظهار التبجيل والاحترام للسيدات الكبيرات الجالسات يتفحصن كل عزباء لينتقين من تكون زوجه لولدهم وخادمه في بيتهم ، ويا له من شرف أن اختيرت عزباء من قبل أم أعزب حتى تزوجها ابنها الذي ليس له مثيل ولا رهين بين شباب قريتهم انه حاصل على الشهادة الدبلوم ، لا محال وتغتر العزباء بما تسمعه من صفات لا تورث ألا بملائكة كرام عن أدب الأخلاق والشهامة والجمال والأموال وكثره المطارح بسكنها المستقبلي .

وتمر الأمور وتتفاوت النظرات حتى يلقون النظر علي من بين ما ينتقون من العازبات فلا طريق للزواج بقريتنا ألا هذه الطريقة ، فهي تعتبر الأشهر والأضمن والمتعارف عليها إلى يومنا هذا ، وذلك قبل خروج الغفيرات من العازبات إلى تراويح رمضان كل عام وقد لا يعلمون كم من الركعات سيسجدون ولا من آيات القران سيفهمون ولكن يصب اهتمامهن بنحو مرام واحد  يطلبون ، وقد تلاحظ أن حجم مبيعات الصيدليات قد يزيد هذه الأيام حيث أن كثيراً منهم للتراويح  وحين تقوم السيدة أم الأعزب وتتجه نحوى حتى يتمسك بها باقي نسوه القرية ويهمسن بإذنها أنها عزباء الدفان .

لا أريد منكم حلاً ولا أريد منكم مواساة ، بل أريد منكم أن تشكروا الله كثيراً وان تعلموا ما نعانيه من تمييز وعنصرية وان ترحموا أبائكم وان تبجلوا أمهاتكم فلقد ورثوا ما سيورثه لكم من سمعه أو محبه أو ثأر أو دين.

تاريخ النشر : 2016-11-19

guest
41 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى