أدب الرعب والعام

جارتي في القبر 2

بقلم : عاصم – مصر

جارتي في القبر 2
كان عاصم قد فارق شيماء بعض الوقت و قد عاد
حسناً كما تعلمون جميعاً .. أو ربما لا تعلمون ، لا يهم .. فهذا هو الجزء الثاني من قصتي مع جارتي شيماء في القبر المجاور ، أنا عاصم .. بعد أن مت و دفنت منذ سنين عديدة .

كان عاصم قد فارق شيماء بعض الوقت و قد عاد الآن :

– شيماء : عاصم أخيراً عدت ، لقد قلقت عليك كثيراً
– عاصم : شكراً لك شيماء ، ها قد عدت و أين سأذهب ؟! فلا مفر أو مهرب لأحد من هنا ، ثم إن هناك سبباً آخر أيضاً يجبرني على العودة ، فمن غيري سيشاكسك هنا ؟ و أيضاً أنا بدأت أشعر بأني مسؤولاً عنك نوعاً ما ، و لا أدري حقيقةً ما السبب في ذلك !! ربما لإنك قد مت شابة

– شيماء : أرجوك عاصم لا تذكرني فأنا قد بدأت أعتاد حياتي ، أو لأكون أكثر دقة ، قد بدأت التأقلم على قضية موتي و دفني و مفارقتي لكل شيء

– عاصم : أعتذر منك حقاً ، كنت في طريقي أود أن أحضر لكِ شيئاً ، خاصةً لو كان شيئاً تفتقدينه ، و لكن ميعاد الزيارة لم يأتي بعد .
– شيماء : أية زيارة ؟!!

– عاصم : إنها أختي و زوجة خالي و عمتي ، هم من يداومون حتى الآن على زيارة المقابر ، ورلي عندهم معزة خاصة ، و هم أيضاً بالنسبة لي كل أهلي .. المهم ، إنني قبل ميعاد زيارتهم لي بيوم أكتب ما أحتاجه في ورقه ثم أدفعها من تحت باب القبر ، و حين يأتين يأخذن الورقه ويعلمن منها ما أريد ، ثم يحضرون لي ما أمكن في الزيارة التالية و يتركونها أعلى المدفن في هذه الزاوية

– شيماء : لابد أنك تمزح أليس كذلك ؟
– عاصم : لا لا أمزح مطلقاً ، فهذا فعلاً ما يحدث ، و سأخبرك كيف ..

فكما تعلمين إننا كموتى نسمع صوت من يأتون لزيارتنا ، و في إحدى المرات كانت أختى و زوجة خالي و عمتي في إحدى زياراتهن لي ، و قد أطلن الجلوس ، و تكلمن في مواضيع عديدة و متفرقة ، و قد ذكرت عمتي لهما إنها حين تزور قبر زوجها تضع له بعضاً من البن خارج القبر ، لأنها تعلم حبه للقهوة حين كان حياً ، و حين تأتي لا تجده ، طبعاً استغربا هما من الأمر ، و لكنهما قالا نتمنى أن يكون هذا يحدث فعلاً .. و هكذا بدأ الأمر

– شيماء : إممم ، هذا رائع حقاً و يخفف عنا قليلاً ، فأنا أفتقد أشياء كثيرة ، سأفعل مثلك حين يأتي أهلي لزيارتي ، فأنا أفتقدهم حقاً
– عاصم : هل تحبين الشاي ؟ لدي هنا بعضاً منه مع كمية لا بأس بها من أوراق النعناع الجاف .
– شيماء : حسناً و شكرا كثيراً لك
– عاصم : لكن عليكِ أن تصبري قليلاً ، فهذه “السبرتاية ” القديمة الصغيرة تأخذ بعض الوقت ، و لكنها أثرية
– شيماء : عفواً عاصم ، و لكن ما معنى “سبرتاية” هذه ؟

– عاصم : آها .. هكذا !! يبدو أنكِ كنتِ من الطبقة الأخرى ، حسناً لا تقلقي ، لن أسخر منك فليس عيباً أن يكون المرء غنياً مرفهاً ، و بالطبع سيجهل كثير من الأشياء التي تخص الفقراء و الكادحين .. عموماً هي عبارة عن وعاء من الصفيح و به فتيلة ، و يملأ بالكحول ، كنا نصنعها بأنفسنا أيام الجيش و العزوبية ، فهي أيضاً تعطى الشراب نكهة خاصة

– شيماء : حسناً ، هل تستطيع أيضاً أن تدبر هنا هاتف ؟ فقد اشتقت كثيراً لقراءة كتبي المفضلة
– عاصم : عفواً !! أسمعيني مرة أخرى ما قلتِ ، فربما أنا أتوهم
– شيماء : ما الأمر ؟ هل هذا طلب كبير ؟
– عاصم : ليس لأننا نستطيع توفير بعض الأشياء فهذا يعنى أن كل ما نتمناه هنا متاح ، فربما إن لم تلاحظي فمقابرنا وسط الزراعة ، و لا توجد شبكات و لا أي مصدر للطاقة ، فضلاً عن أن بعض الميتين هنا ينظرون لبعض ، و البعض يطمع و هذا ذكرني حقاً بوضعنا معاً .. أقصد أنا و أنتِ

– شيماء : ماذا تقصد ؟
– عاصم : حسناً شيماء ، و لكن لا تغضبي فأنتِ فتاة شابة و عزباء ، و بالطبع جميلة ، و قد رآكِ بالطبع بعض جيراننا في القبور المجاورة و المقابلة و أنتِ تترددين على قبري ، و يعلمون أيضاً أنني رجل أعزب و بمفردي في هذا القبر

– شيماء : هل حقاً تراني جميلة ؟
– عاصم : ماذا ؟
– شيماء : أاا .. أقصد يعني أنك ذكرت أنني جميلة
– عاصم : تباً للنساء .. هل هذا فقط هو ما التقطتيه من كلامي كله ؟!
– شيماء : اللعنه عليك أنت … أنت حقاً وغد ، و لا تعرف كيف تعامل الأنثى
– عاصم : حسناً حسناً ، مهلك .. لا تغضبي ، أنا فقط كنت أمازحك ، أقسم لك و جواباً على سؤالك ، أنتِ حقاً جميلة جداً ، و رقيقة ، و تأسرين العين ، و تدخلين القلب ، و لولا أننا ميتين بالفعل لكنت سألتك الزواج

– شيماء : “ميرسي” جداً ، شكراً لك حقاً ، كلماتك لطيفة و قد أسعدتني
– عاصم : هل ستكونين بخير في النوم بمفردك في قبرك ؟ فأنا أعلم أنه قبر جديد ، و لم يدفن فيه أحد بعد غيرك
– شيماء : ليس أمامي حل آخر ، سأتدبر أمري و أعتاد النوم بمفردي ، مع أني أكره الظلمة ، و لكنك حقاً تهون علي و تؤنسني كثيراً فالوحدة فعلاً قاتلة ، و هذا السكون الرهيب ..

عموماً لا بأس .. مادمنا مع بعض معظم الليل ، فأنا أنام نهاراً مثلك ، و أصبحنا نقضي سوياً ما يقارب الخمسة عشر ساعة يومياً ، أتمنى فقط ألا تمل مني .
– عاصم : أنا !! مطلقاً ، لا تقولين هذا ، فأنا اعتدت على وجودكِ معي أيتها القطة
شيماء : ماذا ؟ قطة !
عاصم : آها … حسناً أرى أن حالتك النفسية قد تحسنت كثيراً

– شيماء : نعم الحمد لله كثيراً ، وددت فقط أن أعود إلى الحياة يوماً واحداً فأعتذر من أي شخص قد آلمته يوماً ، و أطلب الصفح من أمي و أبي من غضبي أحياناً عليهما ، و وددت حقاً أن أصرخ في الأحياء ليتركوا الكذب و الحقد و الحسد و الظلم ، فما ينتظرهم و ينتظرنا مجهول و مخيف و لا يستحق أن يفعل أحد بأخيه ما يفعله البشر و ….. لا .. عاصم .. ما هذا ؟ لا لا أمي أبي ..

تاريخ النشر : 2016-12-25

عاصم

مصر
guest
49 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى