أدب الرعب والعام

قصص الزمن

بقلم : علي فنير – ليبيا  
للتواصل : [email protected]

قصص الزمن
لا شيء في الدنيا يقهر الإنسان أكثر من مرور الزمن

لا شيء في الدنيا يقهر الإنسان أكثر من مرور الزمن ، فبمروره تتغير وجوهنا ، نكبر ونذبل ونحن نري ذلك في انعكاس المرايا وبدون أن نستطيع أن نوقف الأرض عن الدوران وأن نوقف الزمن لكي نظل دائماً في سن الشباب ، يغير الزمن تضاريس المكان ويغير المدن وقد يغير خرائط دول فتتقسم لدويلات أو تختفي من الخارطة نتيجة لكوارث كبرى ، يغير المبادئ والأفكار وحتى الأعراف والتقاليد ، ويغير الأقدار بطريقة عجيبة وهذه بعض من قصص الزمن :

–  حلبة ملاكمة :

الأضواء تسطع على الحلبة ، بطل شاب يعتلي الحلبة في مواجهة منافسه ، تلتهب الأكف بالتصفيق وتهتف الحناجر بحياة البطل الذي لم يخسر مباراة واحدة ، تبدأ الجولة وتنتهي بضربة قاضية كالعادة ، البطل يحمل على الأعناق ، نشوة النصر تبرق في عينيه ، لم يُهزم من قبل أبداً ، تنحسر الأضواء رويداً ، رويداً و تغرق حلبة الملاكمة في ظلام دامس ، ومن جانب الحلبة المظلمة يطل طيف رجل عجوز محطم أحنى الزمن ظهره ينظر تجاه المدرجات ، لا أحد يصفق له أو يهتف بحياته  ولا أحد يعرفه ، يختفي طيف الرجل وهو يجر قدميه ويتلاشى ، لقد وجد من هزمه أخيراً ، أنه الزمن .

– أضواء الشهرة :

يتزاحم المصورون للالتقاط صورة للنجمة الكبيرة المشهورة ، تبتسم في وجه الكاميرات ، الجميع يتابع أخبارها والصحف تنشر صورها وآخر أعمالها ، تصعد على المسرح ، يصفق المعجبون وتنتهي المسرحية تطفأ آخر الأضواء ويسدل الستار ، يفتح الستار من جديد في مسرح خاوي لا أحد فيه ولا أضواء ، فقط أمرأة عجوز تجلس على كرسي على خشبة المسرح وحيدة بائسة بلا مأوى ، تنظر إلى الكراس الخالية ، يُخيل إليها أنها تسمع صدى تصفيق الجمهور تنحني بصعوبة لترد التحية ، ويسدل الستار على آخر فصل من حياتها ، أنه الزمن.

– سقوط السلطة :

أنه الزعيم الأوحد والقائد العظيم ، تمتلئ الساحات عندما يلقي خطاباً ، وكالات الأنباء تتابع أخباره باهتمام  وتحلل كل خطاباته ، يخوض المعارك وينتصر فيها ، بداخله شعور بأنه ملك العالم وصرح لن يهوي أبدا ، يمر الزمن  ويفتح باب القصر على عجوز يجلس على كرسي فخم يرتدي بدله عسكرية مزينة بالنياشين ، وحوله بعض من رجاله الأوفياء.

أصوات الرصاص تدوي خارج القصر ، نظرات الرعب تطل من عينيه ، يتفرق من حوله رجاله الأوفياء ويتركونه وحيداً ، مجموعة من المسلحين تقتحم القصر ،  يجرونه على الأرض وهم يركلونه بقسوة ، يطلق احدهم عليه رصاصة تخترق رأسه ، بريق عينيه يتلاشي ويغرق في الظلام . يُفتح باب القصر على زعيم جديد ، تهتف الحناجر بمجده والولاء له ، أنه الزمن .

– الثروة و الوقت الضائع :

لم يجني في هذه الدنيا شيئاً ، لم يتزوج ، عاش طوال عمره وحيداً وفقيراً معدماً ، جاوز السبعين ولم تعد تعني له الحياة شيئاً ، على سبيل قتل الروتين أشترى ورقة يانصيب ، حدث نفسه قائلاً : انه لن يربح وأن اختفت كل الأوراق وبقيت فقط ورقته ، أبتسم ساخراً ، ولكنه صدم عندما فاز بالجائزة الكبرى ملايين الدولارات ، قرر الاستمتاع بكل دقيقة في حياته ، لم يفكر في مصير بقية أمواله أن هو مات ، وتساءل : لماذا لم يربح الجائزة في شبابه ؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات ؟ متعته ستكون ناقصة ، فلم يعد لديه الكثير من الوقت أنه الزمن يغير الأقدار ، وقد يكون ذلك في آخر دقيقة من حياتنا.

 

 

تاريخ النشر : 2016-12-26

علي فنير

ليبيا
guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى