أدب الرعب والعام

برميلي العزيز ج2

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

برميلي العزيز ج2
جلست بعدها مندهشاً لعدة دقائق قبل أن أتذكر ما يحدث معي .. كان الأمر كبيراً جداً لكي يتم استيعابه

ثمة أغنية يابانية تدعى برميلي العزيز .. لا أعرف لماذا تذكرتها في تلك اللحظة بالذات !

***

أعتقد أنني في هذه اللحظة قد تجاوزت العديد من الأشياء ، تجاوزت الدهشة ، و عدم الفهم ، و ربما وقاري كذلك ، في فترة من فترات حياتي كنت أعتقد أن الخوف هي الغريزة المسيطرة أكثر من غيرها على تفكير الإنسان ، أن الخوف أقوى الغرائز الموجودة ، و أن مشاعر الخوف أقوى من أي مشاعر أخرى ، لكنني كنت مخطئاً .. اتضح لي أن مشاعر الغضب قوية حقاً ، أقوى من الخوف حتى ، أدركت هذا في وسط ثورتي ..

كنت قد قررت بالفعل أنني سأقتل الليلة ، الحقيقة هي أنني لم أقتل أحداً ، الحقيقة هي أنني استسلمت قبل أن أصل للباب حتى ، قد كنت حزيناً للغاية ! توقفت للحظة و نظرت لنفسي .. يبدو لي أنني مجنون فعلاً .. من يكون غاضبا و يريد أن يقتل من شدة غضبه و بعدها بثوانٍ يتراجع عن هذا و يبدأ في أداء شعائر الحزن فجأة !! كان الأمر بكامله عجيب ، و غير قابل للتصديق ، و دعوني أحكي لكم هذا العجيب الذي رأيته ، أحكي لكم ما الذي وجدته بداخل البرميل ، و لماذا جعلني هذا غاضباً و بعدها جعلني حزيناً مثل المرضى النفسيين .

***

لم أجد عظام أطفال أو أصابع مبتورة أو أي شيء من هذا القبيل إذا كان هذا هو تخمينكم الأول ، لا دماء و لا قتلى في الموضوع .
ما وجدته حينما رفعت الغطاء كان كتباً !!
كانت كتباً كثيرةً .. و ضخمة كذلك ، كل كتاب يزن خمسة كتب عاديين .. كانت تحمل جميعها إما غلافاً أسود خالي من أي رسومات ، أو غلاف أسود بخط أزرق عريض في المنتصف .

كما أنها كلها كانت قديمة .. كان من الواضح أنها تعود لعصور سابقة ، الورق يمكن أن يعطيك عمراً دقيقاً في بعض الأحيان ، و من وسط الكتب العملاقة هذه و جدت كتاباً جديداً تماماً ، أسود تماماً ، و لا توجد عليه ذرةُ ترابٍ واحدة ، أخذت أقلبه في يدي متفحصاً إياه ، و بعد ذلك فتحت على أول صفحة ، و هذه المرة وجدت كلمات .. وجدت اسمي ! اسمي بالكامل .. لقد وجدت اسم جدي الخامس الذي لم أعرف إسمه حينها !! و هنا بدأت الأمور تأخذ منحنى غير طبيعي في عقلي ، بدأت بعض الخواطر تظهر على السطح و أخذت أخرى بالاندثار ، لكن هذا لم يؤثر على حقيقة أنني سأفتح المزيد من الصفحات .

في الصفحات التالية بدأت أقرأ :

السنة الأولى ..

»» ولد آدم أثناء وجود الشمس في الساعة السابعة و خمس دقائق و سبع ثواني و ثلاثة أجزاء من الثانية ، و هذا حسب معايير و مقاييس الأرض .. في سنة 1989 الميلادية بمقاييس الأرض .
ملحوظة:
الوقت نسبي و لكن يجب تمييزه

***

»»آدم بكى كثيراً لحظة ولادته .. ظل يبكي لساعة كاملة حتى تعب و نام ، لكنه لم يكن يبكي من فراغ .. لقد كان يتألم ««

شعرت بالسخف و أخذت أقلب في الصفحات حتى وصلت للعنوان الثاني ، أو لنقل الفصل الثاني :

السنة الثانية ..

»» كان آدم نائماً حينما بلغ سنتين من العمر ، لم يحدث شيء مهم طوال اليوم ، حتى كانت الساعة السادسة بعد غروب الشمس ، كانوا يحتفلون ببلوغه سنتين ، و لكنه لم يكن يفهم ما الذي يفعلونه ، كان تارةً يبتسم في بلاهة و تارة يخاف و يبكي ««

شعرت بالسخف مرةً أخرى ، و قلبت الصفحات بسرعة حتى وصلت للعنوان التالي :

السنة الثامنة ..

»» حين بلغ آدم سن الثامنة كان يستعد للمدرسة و هو يزفر بغضب ««

قلبت صفحتين و أكملت ..
»» كان آدم يبلي حسناً في دراسته .. كان ذكياً بالنسبة للطلاب ، و لكنه كان خجولاً أكثر من اللازم ««

هنا تذكرت الأمر ، لقد كنت خجولاً جداً بالفعل ، و بالذات في سنواتي الأولى في المدرسة ، و بدأ العرق يحتشد على جبيني ، هذا الكتاب يصف حياتي !

تذكرت أنني في يوم عيد ميلادي العاشر قد ماتت والدتي ، و توجهت بالصفحات حتى وصلت للسنة العاشرة

السنة العاشرة ..

»» حين بلغ آدم سنته العاشرة كان يلبس قميصه كي يستعد للخروج للمدرسة ««
تجاهلت بعض السطور و قلبت الصفحة
»» حين انتهى يوم آدم الدراسي عاد مع زميله ، و حينما دخل المنزل وجد والده جالساً على الكرسي بهدوء و عينين حمراوين ، آدم حينها لم يكن يعلم أن والدته قد ماتت بسبب حادث سيارة ««

في هذه اللحظة رميت الكتاب من يدي في ذهول ، لقد كان هذا هو ما حدث بالضبط ، و قد كانت هذه هي نقطة البداية للتأكد ، قضيت بضع ساعات أتذكر في مواقف مهمة و مؤثرة في حياتي كي أبحث عنها .. و وجدت أن الكتاب كان محقاً في كل كلمة ، بل في كل حرف مكتوب عني !! و كأن هناك من جلس معي أثناء حدوث كل هذ المواقف ، كانت هناك مواقف تؤكد لي بالدليل القاطع أن هذا الكتاب ليس خدعة .

بعد مرور عدة ساعات كنت قد اقتنعت تماماً بالكتاب ، و تأكدت من هذا الكتاب غير قابل لأن يكون خدعة ، لا توجد خدعة بهذا الاتقان ، و لا يوجد مخادع ظل معي 28 سنة طوال فترة حياتي !

***

جلست بعدها مندهشاً لعدة دقائق قبل أن أتذكر ما يحدث معي .. كان الأمر كبيراً جداً لكي يتم استيعابه بثانية أو اثنتين ، و يستحق التأمل و التفكير أكثر من دقيقة بالطبع ، و التفكير قادني إلى أشياء مهمة ، بدأت أفكر في الكتاب نفسه .. و خطر لي أن الكتاب الذي يحمل اسمي أكبر من أن يحتوي على 28 سنة من حياتي فقط.. الكتاب حجمه كبير بالفعل ، بعد ذلك بدأت أفطن لحقيقة مرعبة ، الكتاب لا يحكي وقت حياتي الحالي فقط بل يحكي كل شيء عنها ، باختصار هذا الكتاب به ما سيحدث لي مستقبلاً ! ما أثارني أكثر هو أن هذا الكتب لابد من أنها لأشخاصٍ آخرين .

و بسرعة نظرت للبرميل ثم مددت يدي بداخله و أمسكت بأول كتاب وقع تحت يدي و فتحته.. حينها وجدت الإسم اللطيف.. مكتوب بالألمانية لكن هذا لم يمنعني من قراءته .
الإسم :
»» أدولف أوليس هتلر …………..««
انزعوا عيني من مكانها لو لم يكن هذا هو هتلر ، لو لم يكن هذا الكتاب كنزاً تاريخياً يحكي قصة حياة هتلر الكاملة ، هتلر الذي كاد أن يسيطر على العالم بالكامل حرفياً .. إنه هتلر .. فقط هتلر .

وضعت الكتاب على الأرض و مددت يدي نحو الكتاب الذي يليه.
الإسم :
»»توماس ألفا أديسون ………..««
توماس أديسون المخترع الذي غير العالم باختراعاته .. غني عن التعريف .

الكتاب الذي يليه
الإسم:
»»ويليام جون شكسبير««
شكسبير كذلك هنا.. يا للمفاجآة !!

***

عدت مجدداً للكتاب الذي يحمل إسمي و بدأت أقلب في صفحاته حتى وصلت للعام الذي أردته .. عامي الثامن و العشرين .

السنة الثامنة و العشرون ..

»» يعد هذا العام أهم عام في حياة آدم .. ففي هذا العام عرف آدم العديد من الأشياء عن حياته ««
قلبت الصفحات حتى وصلت للتالي :
»»ظن آدم أن منزله الجديد سيكون منزلاً رائعاً ، لم يكن يعتقد أن البرميل الذي في قبوه سيكون سبباً في العديد من الأحداث التي ستؤثر عليه و على مجرى حياته الذي رسمه لنفسه »

تقدمت صفحتين و أكملت :
»» في هذه الفترة كان البرميل هو كل هم آدم ، كان يفكر به كثيراً لدرجة أن ذقنه نمت بشكل مثير للشفقة ، و أصبح لا ينام سوى سويعاتٍ لا تكفيه لكي يكمل يومه بالشكل المطلوب ، ما كان يقيده حينها هو وعده لسارة بعدم فتح البرميل ، لكنه – الأحمق – لم يكن يعرف الحقيقة وراء سارة التي ظل متماسكاً بسببها .. ففي هذه الأثناء كانت سارة تخونه و تتفق مع شخص آخر لم يكن آدم قد عرفه بعد ««

هنا تعقدت ملامح وجهي و قلبت صفحة ثم أكملت :
»» بحث آدم كثيراً عن الرجل الذي باعه المنزل .. لكنه لم يجد الرجل في أي مكان ، لم يكن يعرف قصة الرجل الحقيقية ، و لكنه في هذه الأيام كان قد هدأ قليلاً ، بمرور الزمن أصبح لا يفكر في البرميل كثيراً ، و ما إن بدأ يهدأ قليلاً حتى سمع من سارة حديثها بصوت خفيض عن الموجات فوق الصوتية ، ظن آدم حينها أن سارة تقدم له خيطاً لتساعده على معرفة ما بداخل الصندوق ، لم يكن يعرف أنها كانت تتحدث عن نفسها ، كانت تريد أن تتأكد من حملها ، و لم يخطر في باله أنها كانت تعني هذا حينما سمعها تهمس لنفسها بهذا ..

آدم سأل صديقه حينها عن الأمر و لكن صديقه أحبطه تماماً بقوله أن هذا خاطئ ، و أنه إن أراد هذا فعليه التوجه للأشعة السينية أو المقطعية ، و هو في جميع الأحوال لن يستيطع لأنه ليس معه المال الكافي لفعل ذلك ، كان آدم يظن أن سارة تقبلت واقعها ، لم يعرف أن سارة لم تتقبل الواقع بهذه البساطة كما كان يظن ، سارة هي الأخرى كانت لديها مشاكلها ، تراكمت عليها الأسباب و لهذا خانته !

لم تتقبل الأمر في صمت كما ظن آدم ، لم تتقبل واقعها بهذه البساطة ، و هكذا خططت مع الشخص الذي عرفه آدم فيما بعد بإسم دكتور نورمان ، كانت سارة تنفذ خطتها للانفصال عن آدم ، آدم كان ضعيف الشخصية بشكل كبير .. دائماً ما يقاطعونه أثناء حديثه ، و لا يستطيع أن يرفض طلباً لسارة ، كانت تتحكم به من دون أن يدرك ذلك ، و لأن آدم كان ضعيف الشخصية فقد بدأ يشك في نفسه فقط من حديثهم ، كان كلام الآخرين يجعله يشك في ما هو متأكد منه ، و كان هذا سبب آخر من الأسباب التي جعلت سارة تنفر منه .. ضعف شخصيته بالإضافة لعدم الإنجاب ««

هنا شعرت بشيءٍ غريب .. سارة التي أعرفها لا يمكنها أن تفكر بهذا الشكل ، أو أن تفعل ما هو مكتوب ، لكنني وجدت نفسي أصدق الأمر ، لا أعرف هل للأمر علاقة بضعف شخصيتي و أنني أصدق أي شيء أم أنني وجدت الأمر منطقياً للغاية !! كل ما أعرفه هو أن هذا الكتاب لم يخطئ في شيءٍ واحد فلماذا سيخطئ في هذا الأمر ؟!

***

»» و في الأيام التالية بدأت سارة تنفذ خطتها ، الفكرة الأساسية كانت اللعب على وتر ضعف شخصية آدم ، سيقنعونه أنه مريض نفسي ، و أن البرميل أزاح بعقله و جعله مهووساً ، و أنه يجب عليه أن يتعالج من مرضه ، و لأن آدم في فترة من الفترات كان مهووساً به بالفعل فسوف يضطر إلى أن يصدقهم .. أو على الأقل يجاريهم فيما يقولونه .

حظ سارة تمثل في أن عشيقها كان دكتور نورمان ، الطبيب بقسم الأمراض النفسية و العقلية ، الدكتور نورمان لم يبذل جهداً كبيراً في محاولة إقناع آدم بالأمر ، كان يعرف كل الألاعيب النفسية اللازمة بحكم أن هذا هو تخصصه و مجال عمله ، كما أن سارة كان تتحكم جيداً في تعابيرها و طريقة كلامها ، كانت ممثلة ممتازة ، و حينما يقتنع آدم بالأمر و يجد أنه لابد من تصديقهم ، حينها سوف تبدأ سارة في الابتعاد عنه تدريجياً متعللة بمرض آدم النفسي ، و في النهاية حينما يتأزم سوف تطلب الطلاق .

آدم ظن دوماً أن سارة تستحق أكثر من هذا ، و هي ظنت هذا أيضاً .. لكن آدم لم يكن يوماً مريضاً ، لم يكن مجنوناً كما اقتنع لفترة من الوقت ، ذنب آدم الوحيد هو أنه لا ينجب ، و سارة كانت ذكية و تمثيلها كان مقنعاً بدرجةٍ كبيرةٍ .. و لهذا لم يشعر آدم بشيء غير طبيعي ، لم يستطع إلا أن يصدقها ، مشكلته هو أنه كان أحمقاً ضعيف الشخصية ««

لم أستطع قراءة المزيد ، أعتقد أن المرء لا يستطيع أن يستمع لمن يعيب فيه بروح صافية ، و الأدهى لو كان المُعيب محقاً ، أنا عرفت هذا دوماً و لكنني كرهت الاعتراف به ، قد عرفت أنني ضعيف الشخصية بشكل مثير للشفقة ، تلك حقيقة كريهة عني تمنيت لو استطعت إزالتها ، لا أستطيع مقاومة ضعف شخصيتي بسبب ضعف شخصيتي .. ياله من أمر !

لم أستطع تكذيب الكتاب كذلك .. و هذا بالرغم من أنه تحدى منطقي و فكرتي عن الأشياء الطبيعية ، و توصلت إلى أنني سواء أحببت هذا أم كرهته ، سواء اندهشت من هذا أو لم أندهش ، فإنني يجب أن أصدق الكتاب ، و كأن ما هو مكتوب به هو أمر حتمي واجب على تصديقه .

***

»» و كانت تلك الليلة التي تركته فيها هي نفسها الليلة التي عرف فيها آدم الحقيقة .. حقيقة خداعها لهو، في هذه الليلة تركته سارة و ذهبت إلى صديقتها و تركت آدم وحده ، تركها له لوحده قد جعله يفكر في البرميل الغامض ، جعله يفكر في فتحه ، فبعد كل شيء هو مجنون حسب رأيهم ، و لن يضيره الأمر شيئاً ««

كان من المفترض أنني سأجد النهاية هنا لكنني كما عرفتم وجدت المزيد .. الكتاب هو تلخيص لفترة حياتي كاملة منذ البداية و حتى النهاية ، مما يعني أن هذا الكتاب يتنبأ بالمستقبل ، لكن تظل الفكرة الحقيقة ليست هي التنبؤ بالمستقبل .. الفكرة الحقيقية هي أنني إذا عرفت المستقبل فسوف أتمكن من التحكم به ، و هذا غير منطقي بالمرة ! قدمت بعض الأوراق و بدأت أقرأ ما هو من المفترض أن يكون مستقبلي .

أحداث بقية حياتي باختصار كانت هي الشجار مع سارة و الركض ورائها من أجل إقناعها بعدم تركي ، و بعد ذلك حالتي السيئة حينما تطلقنا ، و في الأخير موتي حينما أسمع خبر زواجها من المدعو نورمان .

كانت هذه الأسباب التي قادتني لنوبة الغضب و الحزن تلك .. كنت أريد حقاً قتل سارة ، لكنني لم أقوَ على هذا .. و بالطبع بسبب شخصيتي الضعيفة .
لقد أحببت سارة حقاً ، و اغتظت كثيراً لفكرة أنها قد تكون لغيري ، و في نفس الوقت فقدت أعصابي لمعرفتي بتلاعبها بي .. و من ثم و في لحظة الذروة حينما عرفت أنني سأموت حزيناً عليها و بسببها .. قررت قتلها !

لكن بالطبع كان هذا قراراً طائشاً ، و لم أنفذه على أي حال ، كل ما فعلته هو الجلوس حزيناً أندب حظي في ركن من أركان المنزل بعد أن رميت السكين من يدي .

حينما أتوقف و أفكر في الأمر ، أنظر له من بعد آخر و زاوية أخرى ، سارة ليس بيدها شيء ، هي قد تحملتني كثيراً و لكن عدم الإنجاب فهذا ما يفوق قدرتها على التحمل ، ليس للأمر علاقة بعدم قبول الواقع ، بل لأن الواقع أكبر من قبوله ، كل شخص له قدرة تحمل نفسية معينة ، و حين يصل لقمة التحمل فإنه ينهار بكل بساطة ، و من توابع هذا الانهيار هو فعل أي شيء قد يخرجه من هذه الحالة ، و في حالة سارة كان نورمان .. لقد اعتقدت و آمنت دوماً بأن سارة تستحق أكثر من هذا ، سارة تستحق شخصاً أفضل و أغنى مني ، لكن للإسف التفكير شيء و العمل شيء آخر ، لقد لخصوها بامتياز حينما قالوا .. القول أسهل من الفعل .

***

بالطبع الأمر لم ينتهي عند هذا الحد ، لأنني و بالنظر إلى ما لدي كان لدي بعض الحلول الأخرى غير الجلوس مكاني و النحيب ، يمكنني أن أغير المستقبل بما أنني قد عرفته الآن رغم أنني أشك في مدى فاعلية هذا الحل ، أعني ما الذي سأفعله كي أجعلها تغير رأيها ، حل آخر .. هو قتل نورمان و بالتالي لا تجد سارة من تتزوجه ، و هو حل وحشي لا أحبذ و لا أستطيع أن ألجأ إليه ، لن أستطيع أن أقتله ، و لو فعلت فلن أستطيع أن أعيش مع قتلي له .

كانت الحلول كثيرة و لكنها لن تجدي نفعاً ، نصفها يتعارض مع شخصيتي ، و النصف الآخر لن يحقق النتائج المرجوة ، لكن كان هناك حل وحيد لم أجربه بعد ، حل فكرته بسيطة و لن يكلفني شيئاً على الإطلاق .. و بالفعل نزلت للقبو مرةً أخرى كي أنفذ حلي الغريب .

أمسكت بالكتاب و أخذت أفر و أقلب في صفحاته حتى وصلت إلى اللحظة التي ستتركني فيها سارة نهائياً ، حينها سنكون قد تطلقنا بالفعل ، و ستكون هي في المنزل تجمع ما تبقى لها من ممتلكات ، و ستكون هذه هي المرة الأخيرة التي أراها فيها ، مددت يدي بالقلم ثم بدأت بالشطب ، كنت أطمس الكتابة بالحبر ، و بعد أن انتهيت بدأت في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة .. بدأت بالكتابة .

»» لكن سارة توقفت على باب المنزل و بدأت بإخبار آدم بالخدعة التي كان يتعرض لها ، أخبرته سارة أنها كانت تمزح معه مزاحاً ثقيلاً هي و دكتور نورمان ، دكتور نورمان و بحكم عمله كطبيب نفسي أراد أن يعرف ما الذي يمكن أن يفعله الشخص ضعيف الشخصية حينما يفرض الآخرون عليه شيئاً خطيراً مثل اتهامه بالجنون ، كان نورمان يريد أن يعرف هل هذا سيكون محفزاً كافياً من أجل آدم كي يتحرك و يتخذ موقفاً ، أم أنه لن يستطيع ذلك ، و بالطبع عرض مبلغاً مجنوناً من المال مقابل أن توافق سارة على مساعدته .

اتفقا على كل شيءٍ سيفعلانه بآدم منذ البداية و حتى النهاية ، و استمرا في لعب الألعاب النفسية مع آدم و إقناعه بأنه مريض نفسي يهتم بالبرميل أكثر من اللازم ، و أنه أصبح مجنوناً بالفعل ، حتى وصلا للذروة ، و هي ترك سارة لآدم بسبب عدم تقبلها لجنونه .

بعد أن أخبرت سارة آدم بكل هذا توقعت أن يثور غضباً ، لكن آدم لم يفعل شيء و تقبل الأمر بحس دعابة ، و بالطبع أعطى دكتور نورمان المال لسارة و أكمل ملاحظاته عن آدم ، ثم تركهما و رحل .. و عادا ليعيشا معاً مجدداً و كأن شيئاً لم يكن ««

كانت فكرتي بسيطة للغاية .. إذا غيرت ما في الكتاب فسوف يتغير الواقع ، كانت محاولة بسيطة و لن تضرني إذا فشلت ، لكن و يا لشدة دهشتي حينما علمت بأن الأمر قد نجح !! فبعدها بفترة حدث ما كتبته بالحرف الواحد ، لم أحقد على سارة كثيراً و لم أشفق على تلاعبي بمشاعرها كذلك .. فكل ما أردته هو سارة فقط ، كما أنني لم ألم سارة كثيراً ، لقد تعرضت للكثير من الضغوطات من أجل أن تصل لهذا .

لكن قصتي مع الكتاب و البرميل لم تنته بعد .. غلاف الكتاب لم يعد أسوداً بالكامل ، بل بطريقة ما لا أعرفها أصبح الغلاف أسوداً مع خط أزرق عريض في المنتصف ، أيضا تغير مضمونه ، فحينما عدت بالصفحات وجدت كلاماً آخر غير الذي قرأته … و وجدته يتماشي مع ما كتبته ، و السنوات التالية أيضاً تغيرت عن الأصلية ، فكرت كثيراً في الأمر و توصلت لعدة أشياء ، أو لنقل عدة نظريات .

النظرية الأولى هي أن الكتاب الذي يتم التعديل به يصبح غلافه أسود مع هذا الخط الأزرق العريض ، و الكتاب الذي لم يتم التعديل به يظل غلافه أسود فقط بدون أي إضافات ، حينما قرأت الكتب و عرفت أصحابها اتضح لي أنهم جميعهم كانوا شخصيات عظيمة و مؤثرة في تاريخ البشرية.. في البداية ظننت أنه بما أن كل الكتب كانت لشخصيات عظيمة فلابد من أنني سأصبح ذو شأن و سأصبح شخصية تاريخية مثلهم !

لكن بعد التفكير توصلت للنظرية الثانية .. و هي أنهم لم يكونوا كذلك إلا بمساعدة الكتب ، العظماء لم يكونوا عظماء ، و عدلوا في تاريخهم المشكوك به ، و هذا قادني إلى أن وجود هذه الكتب هنا يعني أن أصحابها قد قرؤوها ، هناك منهم من عرف الطريقة و عدل في الكتاب نفسه ، و منهم من استغل معرفته بالمستقبل لكي يعدل في الأمر ، في كلا الحالتين تم التلاعب بالحقيقة ، و بالطبع لابد من أن يكون التلاعب معقولاً و ممكناً ، لا يمكنني أن أكتب في الكتاب أنني قد طرت مثلاً !!

أما عن البرميل فقد استقريت بعد تفكير طويل إلى أنه ليس من كوكبنا .. على الأرجح أنه من كوكبٍ آخر ، لأنني قد لاحظت أنه يبدو و كأنه توثيق لحياة الشخص المعني .. أتخيل بعض المخلوقات الفضائية و قد صنعوا هذا الكتاب بطريقة لا نعرفها من أجل توثيق المعلومات عننا ، لقد تم استخدام جملة “بمعايير الأرض” كثيراً و هذا لا يعني إلا أن هذا البرميل أو هذه الكتب من كوكب آخر ، و عموماً يظل بيت القصيد هو أن الكتاب ليس بشرياً ، و لا يمت للبشر بصلة ، بالطبع هذه كلها نظريات ، فربما أكون مخطئاً و ربما أكون محقاً ، و ربما أنا مجنون بالفعل و أختلق كل هذا.. كمية الربما التي يمكنني أن أقولها هنا يمكنها أن تصيبك بالغثيان حقاً !

لكن الشيء الوحيد الذي لم أفهمه حقاً هو الرجل الذي باعنا المنزل .. الرجل الذي اختفى ، حينما عدت للكتاب وجدت المكتوب عن هذا الرجل أنني تعجبت من اختفائه ، و أنني لا أعرف قصته .. إذن الرجل له قصة أنا لا أعرفها ، أنا عبقري للغاية ، و لأزيد من عبقريتي جربت الأمر .. شطبت على بعض السطور و كتبت بين فراغتها أن الرجل قد أتى لي مجدداً ، لكنه لم يأتِ على أيِّ حال .. الكتاب لا يمكنه أن يجعل رجلاً ميتاً يأتي ليقابلني – إذا كان ميتاً – الكتاب مهما بلغت أهميته فإن له قدرته المحدودة .. لكنه يظل خطيراً للغاية إذا وقع في الإيادي الخطأ ، أعتقد أن هتلر قد أدرك هذا .

و هنا تنتهي قصتي ، صرت بالفعل مجنوناً بالبرميل كما يقولون ، و أصبحت أقضي ساعات هناك بدون علم سارة ، إذا علمت فأنا أعلم ماذا سأفعل كي تنسى على كل حال .

لكن فكروا في الأمر .. هل أنا مجنونٌ حقاً و كل ما حدث هو تخيل في داخل عقلي ؟ أم أنني سليم و ما حدث قد حدث حقاً ؟ .. فكروا بالأمر .

                                         
                               … انتهت …

ملحوظات من الكاتب :

– القصة ليست حقيقية ، و هي خيالية تماماً ، و لهذا فأنا لا أعترف بتاتاً بما هو موجود بها ، فالواقع يختلف عن الخيال .. و ليس المقصود بها أبداً التشكيك في صحة عقيدة أو دين معين بذاته .

– هناك بعض الحديث عن الأشعة المقطعية و الموجات الصوتية لكني لم أدرجه كي لا أسبب الملل للقارئ .

– أعتذر إذا كانت توجد بعض الثغرات التي أغفلتها في القصة .. إذا وجدتموها أنتم القراء فناقشوها في التعليقات معي بشرط أن تكون منطقية ، أيضا فكروا و أخبروني .. هل آدم مجنون أم لا ؟ هذا يعد لغزاً .

تاريخ النشر : 2017-02-08

البراء

مصر - للتواصل: [email protected] \\ مدونة الكاتب https://baraashafee.blogspot.com/
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى