تجارب من واقع الحياة

تجربة غيرت حياتي

بقلم : نسيمة البردي – المغرب
للتواصل : [email protected]

تجربة غيرت حياتي
الآن أنا أستمتع بوقتي ، و الأهم من هذا أنني أعيش إنجازاً أنا في طور تحقيقه

السلام عليكم .. قبل أن أقول ما أردت قوله فكرت أنه ربما هذه مساحة لتفريغ جميع المشاعر من أحزان أو رغبات من أجل ضمير مرتاح و قلب صافي ، لذا سأحكي لكم عن نفسي ما يكفي لتعرفونني جيداً ثم أقول رسالتي للقراء .

أولاً اسمي الكامل هو “نسيمة البردي” شابة بعمر 19، و طالبة جامعية بالكلية العليا للعلوم الهندسية .
إن طلبتم أن أصف نفسي في عبارة فسأقول فتاة تسعى لتحقيق أحلامها و تجاهد لتكون على أحسن تقويم .

ولدت و ترعرعت بمدينة ورززات ، مدينة متوسطة الكبر ، بسيطة للغاية و تمتاز بمناخها الصحراوي الحار و هدوئها المريح ، أنا الابنة المتوسطة لعائلتي ، لدي أخت كبرى تدعى “آمال” و أخ يصغرني بأربع سنوات اسمه “مهدي”… ذات جمال متوسط و ربما عادي ، شعر مجعد و بشرة شاحبة قريبة من السمرة حسب المناخ .

خلال سنوات دراستي بالابتدائية أتذكر انني كنت تلك الفتاة المتمردة ذات الشعر القصير المنكوش و القميص الرياضي القصير و التي تتسابق مع فتيان الحي و تتصارع معهم ، تشاركهم لعب الكرة و الفميضة ، فلم أكن أفضّل الاحتكاك بالفتيات كثيراً ، خصوصاً و أن أغلب جيراننا أولاد بمثل سني .

بعد بلوغي و أنا في الحادية عشر من عمري بدأت أمي تمنعني من عدة أشياء كنت قد اعتدت عليها سابقا ً، و بدأت تفرض علي الصلوات التي لم أكن ملتزمة بها سابقاً ، و لكثرة تشبّهي بالأولاد كانت عاداتي همجية و كان يلزمني اعادة برمجة فعلية .
كان مستواي الدراسي متوسطاً و ربما متدنياً لأنني لم أكن أبذل أي جهد في المذاكرة ، بل لم أكن مهتمة بالدراسة من الأساس ، لكن و خلال فصل للصيف للسنة الثالثة من الاعدادي سافرت و أختي الى مراكش حيث تقطن عمتي و أبنائها لأحظى بعطلة ممتلئة .

كان لدى عمتي ابنتان ، الكبرى متزوجة و الأخرى تدرس بكلية الصحافة ، ثم ابن يكبرني بحوالي الأربع سنوات و قد كان وسيماً كأي شاب بعمره ، اسمه “اسماعيل”
*لا تتصوروا قصة حب ساذجة من طرفي اكرمكم الله* ما حدث أن اسماعيل هذا كان سبباً في تغيري تغيراً جذرياً ، أتذكر ذلك اليوم جيداً ، يوم بارد من أيام شهر رمضان ، كنا قد استيقظنا لنتسحر عند الساعة الرابعة و الربع ، و بعد ذلك عاد الكل الى النوم إلا أنا .. كنت أشاهد التلفاز ، و بعد مرور حوالي النصف ساعة ربما ، رأيت اسماعيل و قد ارتدى ملابسه متجهاً نحو الأسفل ، أوقفته متسائلة عن مقصده فأخبرني أنه ذاهب إلى الكلية – كان يدرس بذات الكلية التي أدرس بها الآن – فليس لديهم عطلة ، و قد كان الأمر غريباً ، أعني أي دراسة هي مع الفجر ؟

محاولةً أن أتصنع تصديقه سألته عن الساعة التي سيبدأ بها دوامه فأخبرني أنها السابعة لكن يجب أن يخرج الآن لأن الحافلة(الباص) قد تتأخر فيضطر للانتظار ، و هناك حافلة أخرى يجب عليه أن يستقلها لذا لا مجال للتأخر و لا يستطيع تحمل تكاليف سيارة الأجرة ، لأن الكلية بعيدة و قد يساوي ثمنها ثمن ثلاث حافلات في الاسبوع .

تعجبت لأمره، و تفاجأت حين سألني هل أود مرافقته ، ربما اقترح الأمر مازحاً لكنني استغللت الفرصة و واقفت بحجة أنني أشعر بالملل عند بقائي بالمنزل ، لم يستطع رفض الأمر فتجهزت و رافقته ، كان الطقس بارداً رغم أنه فصل الصيف ، كانت أنفاسنا تنبثق كبخاخ ، و اضطررنا للانتظار وقوفاً لمدة ساعة و نصف ، كنت أمزح معه قائلة أنني يجب أن أصنع برنامجاً وثائقياً أصوره فيه تحت عنوان : “معاناة طالب”

بعد استقلالنا للحافلة طلب مني أن أتذكر الطريق جيداً في حالة أردت ان أعود للمنزل قبل المساء ، بعد استقلالنا للحافلة الثانية كانت الساعة قد قاربت السابعة و هذا ما صدمني فقد مر الوقت بسرعة عكس ما يمر بالمنزل .
وصلنا للكلية و دخلت رفقته مترددة ، كنت أسأله كل حين بخشية ، ماذا إن كشفني الأستاذ ؟ ماذا إن طلب مني أن أجيب عن سؤال ؟
لكنه كان يطمنني قائلاً أن القسم ضخم ، و هناك حوالي المائة طالب ، و الأستاذ لا يمتلك ذاكرة من حديد كي يتذكر كل واحد ، ثم إن الحصة ليست تطبيقية لذا لا يسجلون الحضور .

دخلنا إلى القاعة و كم كانت ضخمة فعلاً ، لم أكن أتوقع ذلك بتاتاً ، جلست بقربه و كان خوفي لم يتلاشى بعد ، ثم قدم بعدها زملاؤه و أصدقاؤه و باقي الطلاب .. عرفني على أصدقائه و أسمائهم ثم حضر الأستاذ .
أتذكر أن الحصة دامت ساعتين ، و كنت مشدودة بالهدوء التام الذي يعم القاعة ، ناهيك عن المعادلات و الكلمات المعقدة التي لم أفقه فيها شيئاً .

انتهت الساعتين و خرجنا الى الكافيتيريا و تناولنا طبقاً سريعاً ، تحدثت مع شلته و كان يمزحون معي و يعاملونني بلطف ، و قد أدركت أن كلاً منهم ينتمي لمدينة مختلفة و قد جمعتهم الدراسة ، فمنهم من اضطر للانتقال و عائلته إلى هناك ، و منهم من استأجر شقة ، و منهم من يعيش مع أفراد عائلته ، و رغم هذا كان كل منهم متفائلاً و سعيداً بدراسته ، لديه طموح و أحلام يأمل تحقيقها .

أمضيت باقي اليوم معه ، و قد عرفت المزيد عن شخصية كل واحد من أصدقائه ، بل إنهم أخبروني بتفاصيل قبولهم بالكلية و كيف أمضوا السنة الثالثة من الثانوية .. السنة الذهبية كما سموها ، كم عانوا من قلة النوم عند الاستعداد لاختبارات القبول و كم عانوا من الضغط و الخوف و الجوع ، كم كان ذلك عصيباً ، كما نصحوني و شددوا على أهمية الاهتمام بدراستي و كيف أن تخصصي و نطقتي هما من يحددان نصف مساري .

تلك الكلمات و تلك التحفيزات و تلك الإشارات لازلت أتذكرها جيداً ، و قد حفرت طريقها في ذاكرتي كأنها أمس .

بعد عودتي تلك الليلة لم أفترق عن اسماعيل ، كنت أسأله و يجيبني طوال الطريق حتى عودتنا للبيت ، أقنعني أنني أستطيع الوصول و تحقيق كل ما أريده ، لكن فقط عندما أقرر أنا ذلك ، أخبرني أنني أستطيع الاستمتاع و النجاح في نفس الوقت إن نظمت أموري ، أخبرني أن الامتياز يأتي من الاجتهاد ، و ألا دخل للذكاء الفطري بالأمر .

كانت نظرتي له تكبر شيئاً فشيئاً ، و رغبتي للتميز تتضخم أكثر ، و لأكون صريحة غيرني ذلك اليوم كلياً !

بعد انتهاء العطلة و عودتنا إلى البيت دخلت الثانوية و قد شعرت و كأن الحياة منحتني فرصةً ثانية بعدما نظرت إلى المستقبل عبر عدسة ، لم أعد نسيمة السابقة قط ، و كأنني شخص جديد بأفكار جديدة و شخصية مختلفة !! حاولت تطوير ذاتي ، بدأت أقرأ القصص و الكتب لتحسين لغاتي ، استغللت أوقات فراغي لكي أطلق العنان لنفسي و أطور مواهب جديدة ، حاولت أن أتعلم الرسم ، و تعلمت العزف على الغيتار نوعاً ما .. شاركت في مسرحية و نلنا جائزة ، كما أحرزت المرتبة الثانية في الثانوية .

و هكذا مرت ثلاثة سنوات من الكفاح ، و تماماً كما أخبرني عمر و حاتم و اسماعيل ، مرت أيام بدون نومٍ كافٍ ، ذهبت أحياناً ببطن فارغ و معدة تقرقر جوعاً ، هالات سوداء ارتسمت تحت عيناي ، و تشجيعات العائلة و دعواتها و هدفي كانت تثبثني ، قبلت بأغلب الكليات التي تقدمت لها ، و الأهم من ذلك ، قبلت بالكلية العليا للهندسة ..

التقيت باسماعيل هناك ، و الآن هو يدرس بالسنة الرابعة و لا زالت أمامه سنة قبل أن يتخرج ، استطاع اجتياز هذه السنوات دون إعادة عام واحد ، كما استطعت أن أكمل دراستي و أحقق هدفي .

تعرفت على أصدقاء كثر ، و الآن أنا أستمتع بوقتي ، و أدرس و أنظم وقتي ، و الأهم من هذا أنني أعيش إنجازاً أنا في طور تحقيقه ، و ربما أعتبر نفسي حققت نصفه .

عندما اقرأ سير الناجحين و أسمع تحفيزات أشخاص ، أشعر برغبة كبيرة للصراخ مؤكدة على ما يقولون ، صارخةً بكل ما لدي أن هذا صحيح ! و ليس كما يظن البعض مستحيل ..

قد يكون العالم يعاني لكن هي حياة واحدة نحياها ، عيب أننا في الخراب و الضياع نقضيها ، و كما يقولون ” لا تحلم بذلك بل اسعى لتحققه ” و شكراً لكم .

تاريخ النشر : 2017-02-08
guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى