أدب الرعب والعام

منزل اللانهاية

بقلم : DarkAxe – الجزائر
للتواصل : [email protected]

منزل اللانهاية
منزل اللانهاية هو المنزل الأكثر إثارة للرعب على مستوى البلد

كان اليوم ما قبل عيد الهالووين عندما سمعت لأول مرة بـمنزل اللانهاية من صديق لي ، لقد أخبرني بأنه كان منزلاً مسكوناً ذو تجربة أسطورية , و يقال بأنه كان الأكبر والأكثر إثارة للرعب على مستوى البلد ، كان الجميع قد سمع بأمر هذا المنزل , لكن لم يبدُ أن أحداً يعرف مكانه ، صديقي أخبرني بأنه عثر عليه ، كانت القوانين جد بسيطة : تدفع عشرين دولاراً لتدخل التجربة ! للمنزل تسع غرف , إذا نجحت في الوصول لآخر غرفة تحصل على خمسمائة دولار ، المشكلة الوحيدة تكمن في أنه لم ينجح أحد أبداً في الوصول للنهاية , لهذا السبب يدعونه بـمنزل اللانهاية .

أخبرني صديقي بأنه حاول إكمال التجربة لكنه فشل بشكل فظيع ، قال أن مبنى البيت المسكون كان يبعد عن البلدة بأربعة أميال ورسم لي خارطة ، لقد أثار اهتمامي حقاً وأخبرته بأني سأتفقد الأمر في الليلة التالية ، وعندما هممت بالمغادرة أمسك بيدي وحاول إقناعي بألا أذهب ، قال إنه ليس طبيعياً وبأن الأشياء التي يحتويها هذا المنزل كثيرة على أي شخص ليستطيع تحملها ، أنا لم أصدقه ولم أهتم بمحاولاته المستمرة لمنعي من الذهاب هناك , عقلي كان مستعداً ، الفوز بخمسمائة دولار لإنهاء تجربة بيت مسكون بدت جيدة جداً لتكون صحيحة .

في الليلة التالية , اتبعت الخارطة التي كان قد رسمها لي ووصلت إلى منزل اللانهاية تماماً عند بزوغ الشمس ، شعرت على الفور بأن هناك شيئاً ما غريباً بخصوص المبنى ، هو لم يكن مرعباً لتلك الدرجة من الخارج , لكن لسببٍ ما , أرسل قشعريرة باردة لعمودي الفقري ، والشعور بالاضطراب صار أقوى ما إن اقتربت من البيت وفتحت الباب الأمامي .

خطوت للداخل مطلقاً تنهيدة ارتياح ، رواق المدخل بدا طبيعياً , مثل ردهة فندق مزينة لعيد الهالووين ، كانت هناك ملاحظة على الحائط تقول ضع عشرين دولاراً على الصينية أسفله وتوجه للغرفة الأولى ، تابع مسيرك إلى الغرفة الثامنة ، ابلغ النهاية وستحصل على خمسمائة دولار ! بابتسامة غير مستقرة , وضعت العشرين دولاراً على الصينية أسفل الملاحظة ومشيت إلى باب الغرفة .

دخلت الغرفة الأولى وكانت خيبة أمل بالفعل ، كانت مضحكة تقريباً ، كانت تشبه غرفة زينها طفل صغير , مع أشباح ورقية متدلية من السقف وزومبي ميكانيكيين يتمايلون ويصدرون أنيناً غير مقنع إذا مررت بجانبهم . 
قمت بتنحية شبكات العنكبوت المزيفة جانباً ومشيت إلى الباب في آخر الغرفة متوجها للغرفة الثانية ، عندما كنت على وشك دخول الغرفة الثانية , حياني ضباب كثيف , عندها , تدلى خفاش مطاطي من السقف وطار حول الغرفة بشكل دائرة كاملة ، نوع من موسيقى الهالووين شُغّل على الخلفية ، خطوت على فئران لعبة كانت تتسابق ذهاباً وإياباً حول الغرفة , وفتحت باب الغرفة التالية .

من اللمحة الأولى , بدت الغرفة الثالثة كمجرد غرفة عادية ، كانت مفروشة قليلاً , مع كرسي خشبي في وسط الغرفة ومصباح واحد في الركن الذي قام بالكاد بإنارة المنطقة .
أخذ مني الأمر دقائق معدودات لأدرك أن هناك شيئاً ما ليس صحيحاً تماماً بشأن الغرفة ، قام النور بصب ظلال في الغرفة , على الأرضية والحائط , لكن المشكلة كانت أن الظلال كثيرة جداً .

تمكنت من رؤية ظل الكرسي ينعكس على الحائط , وكانت أمامه ظلال لم يكن من المفترض وجودها هناك , عندها , نظرت لأسفل , إلى قدميّ .. ظلي لم يكن هناك !

في تلك اللحظة , شعور غامض ينذر بأن الهلاك وشيك سيطر على قلبي والشجاعة هجرتني ، استدرت خلفي محاولاً فتح الباب الذي أتيت منه لتوي ، تخيلوا دهشتي حين وجدت الباب مغلقاً ! لم أمتلك خيار التراجع .. الشيء الوحيد الذي استطعت فعله هو أن أسير خلال الغرفة إلى الباب الموالي وأفتحه , أن أغوص أكثر بالمنزل .

الغرفة الرابعة كانت الأكثر إزعاجاً ، لم يكن هناك نور ، الباب خلفي أُغلق من تلقاء نفسه , وتُرِكْت أنا واقفاً هناك في الظلمة الحالكة ، كانت سوداء تماماً ولم أستطع رؤية شيء ، كنت خائفاً أن أمشي .. أنا لا أخشى الظلمة , ولم أخشها من قبل , ولكن هناك شيء معين في أمر هذه الظلمة قطعاً قد روّعني .
الظلام لا يصفه كليّاً , لقد كان انعدام وشرود كل شيء .. لم يكن هناك سوى صمت مميت .. لم أستطع سماع شيء , لم أستطع حتى أن أسمع تنفسي , كان ذلك صوت الموت …

في تلك اللحظة , كُسر الصمت بهمهمة منخفضة جعلت الشعر في مؤخرة رقبتي يقف من الرعب وشعرت بشيء مر من ورائي ، استدرت بأسرع ما يمكن , ولكن كان من المستحيل رؤية شيء في تلك الظلمة الحالكة ، الهمهمة صارت أعلى وأشد , وبدا ذلك الصوت كأنه يحاصرني .. علمت بأن شيئاً ما كان هناك , مترصداً في الظلام , وعلمت بأنه كان يقترب مني تدريجياً …

لم أشعر في حياتي كلها بهذا الخوف الخسيس قبل الآن . لم أكن خائفا أن أموت , بل كنت خائفاً مما قد يحدث لي إذا عشت .. كنت خائفاً مما يحمله الشيء المترصد في الظلمة في جعبته من مفاجآت لي ، صوت الهمهمة كان يعلو أكثر فأكثر , وصار من الصعب علي تحمل الرعب .. عندها , ولثانية وجيزة , شق الظلامَ وميض قوي قبل أن تغوص الغرفة في سوادها من جديد ..
تحت ذلك الوميض الخاطف , استطعت أن أرى أن الغرفة كانت خالية تماماً ، لم يكن شيء هناك , عندها صارت الهمهمة أشبه بصياح وحشي , فكان علي أن أغطي أذنيّ وأركض للأمام ، بعد لحظات من الركض الأعمى مددت يدي , وأنا لا أرى شيئاً , إلى مقبض الباب وعندما وجدته دفعت نفسي بقوة , وسقطت داخل الغرفة الخامسة .

بينما كنت مستلقياً على الأرض , نظرت لأعلى , إلى السقف , مصدوماً عندما أدركت أن الغرفة مغلفة بالأشجار ! ارتفعت أغصانها فوق رأسي وبدت الغرفة شاسعة للغاية , كما لو أنني كنت في وسط غابة ضخمة ، الأرضية كانت مبطنة بشجيرات طويلة , فكان من المستحيل تقريباً تمييز مكان المخرج .
عندما خطوت أعمق في الغرفة , بدأت بسماع تغاريد العصافير , وصرير الحشرات طول الطريق , خلال التعاريش المتشابكة ، استطعت سماعها , لكني لم أستطع رؤيتها .

واصلت مسيري ، آملا بأن أجد الباب خلف الشجرة التالية التي سأقطعها ، بعد لحظات قصيرة , سمعت صوت أزيز , وشعرت بشيء يحط عند ذراعي , هززت يدي مبعداً إياه وتابعت المشي ، لكن بعد ثوانٍ , شعرت بحشرات أكثر تحط على جسمي , وقد كانت تزحف صعوداً ونزولاً على ذراعيّ وقدميّ , حتى إن البعض منها قفزت ناحية وجهي .. هززت ذراعيّ بعنف , محاولاً إبعادها , ولكنها واصلت زحفها غير متأثرة بالضرب ، نظرت لأسفل , فلم أرَ ولا حشرة واحدة , لكني كنت أستطيع الشعور بها على بشرتي .. ألقيت بنفسي على الأرض متدحرجاً , محاولاً سحق الحشرات , لكن ذلك لم يجدِ نفعاً على الإطلاق .

شرعت بالزحف , رغم أني لم أكن أعرف إلى أين أنا ذاهب .. لم يكن المدخل في أي مكان لأستطيع رؤيته , والآن قد صار علي إيجاد المخرج ، لذا تابعت الزحف فقط , بينما كانت الحشرات غير المرئية تلدغ بشرتي .. بعد ما بدا كساعات , جسدي صار منهكاً وبدأت أتخلى عن كل الأمل .
عندها فجأة , سمعت همهمة منخفضة ومتكاسلة كانت نفس التي سمعتها في الغرفة السابقة , وبدت كأنها تصدر من مكان ما أمامي ، سحبت نفسي لأعلى عبر الإمساك بغصن شجرة لأسند جسدي عليه , وأخذت بضع خطوات متزعزعة ، عندها لاحظت الباب , كان على بعد بضعة أقدام مني , لكنه كان مغطى باللبلاب الذي جعله خفياً تقريباً .. ضغطت برأسي الباب الذي كتب عليه الرقم ستة , مددت يدي المهتزة محاولاً الوصول لمقبض الباب . الهمهمة كانت عالية جداً لدرجة أني لم أتمكن من سماع أفكاري .. لم يكن هناك شيء أستطيع فعله غير التقدم للأمام .

الغرفة السادسة كانت التالية , والغرفة السادسة كانت جحيماً …
دخلت الغرفة السادسة وأغلقت الباب ورائي , عيناي مغلقتان وأذناي ترنّان ، الهمهمة كانت محيطة بي ، وما إن أقفل الباب , ذهبت الهمهمة كلياً ، فتحت عينيّ متفاجئاً لأجد أن الباب الذي أتيت منه قد اختفى , الآن لا يوجد سوى جدار ورائي ، نظرت حولي مصدوماً , الغرفة السادسة كانت مطابقة للغرفة الثالثة ـ نفس الكرسي الخشبي والمصباح عند الزاوية ـ ولكن بعدد صحيح من الظلال هذه المرة , الفرق الوحيد كان أنه ما من مخرج أو مدخل .
مثلما قلت سابقاً , طوال حياتي لم أعاني من مشاكل عقلية , لكن في تلك اللحظة , سقطت , في ما أعرف الآن , أنه كان جنوناً ! لم أصرخ .. لم أصدر أي صوت ..

في البداية خدشت الحائط برفق ، كان متيناً , لكني علمت بأن الباب كان هناك , في مكان ما . أجل , علمت أنه هناك فحسب .. حككت البقعة أين كان مقبض الباب , خدشت , بكلتا يديّ , الحائط بقوة جعلت أظافري تنضغط على جلدي بسبب الخشب المتين , جثوت بصمت على ركبتي .. الصوت الوحيد المتواجد في الغرفة كان صوت الخدش المستمر على الحائط الخشبي ..علمت بأنه كان هناك ، الباب كان هناك ! أنا أعلم , فقط أعلم .. بأني سأجد الباب .. إذ أني عبرت لتوي هذا الحائط !

ـ”هل أنت على ما يرام ؟”

قفزت عن الأرضية واعتدلت بحركة واحدة .. استدرت ورائي لأرى ماذا كان ذلك الذي تحدث إلي .. حتى الآن لازلت نادماً لأني استدرت ، رأيت فتاة صغيرة , كانت ترتدي فستاناً أبيض ناعماً يصل إلى كاحليها .. تملك شعراً أشقر طويلاً يبلغ منتصف ظهرها , وبشرة بيضاء وعينين زرقاوتين ، كانت أكثر شيء إخافة رأيته في حياتي , وأنا أعلم أني لن أرى أبداً شيئاً يثير قشعريرة كتلك التي أثارتها في جسدي .

بينما كنت أنظر إليها , رأيت شيئاً آخر .. في المكان الذي كانت تقف فيه , رأيت ما بدا نوعاً ما كوحش ، كان يمتلك جسد رجل , فقط أضخم من الجسد العادي ومغطى بالشعر , لكن رأسه لم يكن بشرياً ، كان يمتلك رأس خروف وخطم ذئب ، كان عارياً من الرأس لطرف القدم , وكانت أطراف أقدامه على شكل حوافر سوداء .، هو على الأرجح ليس الشيطان .. لكن في تلك اللحظة , أظنه كان كذلك ..

كان منظراً مرعباً ! الرجل الوحش والفتاة الصغيرة أمامي …
لا أستطيع أن أشرح ذلك حقاً , لكني رأيتهما في نفس الوقت … أخذا نفس المساحة من الغرفة , نفس المكان , نفس البقعة , كأنهما كيان واحد .. لكنهما اثنان مختلفان , إذا نظرت إلى الوحش رأيت الفتاة , وإذا نظرت إلى الفتاة رأيت الوحش ، لم أستطع الكلام , بل بالكاد تمكنت من الرؤية ،  عقلي كان مشمئزاً , محاولاً معاينة الشيء الذي أنظر إليه ، كنت خائفاً من قبل في حياتي لكن لم أكن أبداً خائفاً بقدر ما كنت في الغرفة الرابعة .. حسناً , كان ذلك قبل الغرفة السادسة …

لقد وقفت هناك فحسب , محدقاً إليه .. لا مخرج ، كنت عالقاً معه ، عندها تحدث ثانية :
ـ” ديفيد , كان يجدر بك الاستماع ..”
عندما تكلم , سمعت كلمات الفتاة الصغيرة , لكن الشكل الآخر تحدث خلال عقلي بصوت لن أحاول وصفه حتى .. لم يكن هناك صوت آخر , فقط ذاك الصوت واصل تكرار العبارة في عقلي مرة تلو الأخرى وأنا وافقت .. لم أعلم ماذا أفعل ، كنت أنزلق نحو الجنون , غير قادر على إزاحة عينيّ عما كان أمامي .. دنوت إلى الأرض , ظننت أنه قد أغمي علي , لكن الغرفة ما كانت لتتركني ! أنا فقط أردته أن ينتهي .. كنت على جانبي , عيناي مفتوحتان على آخرهما والشكل المرعب ينظر لأسفل , إلي .. 

بينما كنت أهرول عبر الأرضية رأيت جرذاً مزوداً ببطارية مثل الجرذان من الغرفة الثانية .. المنزل كان يعبث معي , لكن لسبب ما , رؤية ذلك الجرذ أعاد سحب عقلي من العمق الذي كان يسبح فيه ونظرت حول الغرفة .. عقدت العزم أن أخرج من هذا البيت , أن أعيش وألا أفكر بهذا المكان ثانية ! كنت أعلم بأن هذه الغرفة جحيم ولم أرد أن أشترك بإقامة هنا .

في البداية , كانت فقط عيناي هما اللتان تحركتا باحثتين في الحائط عن أي نوع من الفتحات للخروج .. الغرفة لم تكن كبيرة لتلك الدرجة , لذلك لم يأخذ مني وقتاً طويلاً لمعاينتها .. استمر الشيطان بالسخرية مني , الصوت يزداد شدة بينما الوحش لا يزال متجذراً في البقعة الواقف عليها ، وضعت يدي على الأرضية ورفعت نفسي لأعلى , ثم استدرت لتفحص الحائط خلفي …
عندها رأيت شيئاً لم أستطع تصديقه !

الوحش خلفي مباشرة الآن , هامساً نحو عقلي أنه لم يكن علي فعل هذا … شعرت بنفسه في مؤخرة عنقي , لكني رفضت أن أستدير ..
ما رأيته كان مثلثاً ضخماً محفوراً على الخشب , مع تجويف في وسطه . تحديداً أمام عيني , رأيت رقم سبعة الذي كنت طبعته دون وعي مني على الحائط .. عرفت ماكان ذلك : الغرفة السابعة كانت خلف الجدار تماماً , نفس الجدار الذي كانت خلفه الغرفة الخامسة قبل لحظات من الآن …

لا أعرف كيف فعلت ذلك ـ ربما كانت فقط عظمة عقلي قد ظهرت في الوقت المناسب ـ ولكني قد خلقت الباب ! عرفت ذلك .. أني كوّنته أثناء اللاوعي , قمت بحفر أكثر ما أردته في الحائط : مخرجاً للغرفة التالية .. 

الغرفة السابعة كانت مغلقة .. كنت أعرف أن الشيطان خلفي تماماً , ولكن لسبب ما هو لم يستطع لمسي .. أغمضت عينيّ ووضعت كلتا يديّ على السبعة أمامي ، دفعت .. دفعت بأشد ما أمكن .. الشيطان الآن كان يصرخ في أذني ، أخبرني بأني لن أغادر مطلقاً ، أخبرني بأنها كانت النهاية لكني لم أكن سأموت ; بل كنت لأعيش هناك في الغرفة السادسة معه .. كلا ! استمررت بالدفع وأنا أصيح بأعلى ما يمكن .. علمت بأني سأمر خلال الحائط في النهاية .

أحكمت إغلاق عينيّ وصرخت , الشيطان كان قد رحل .. تُركت في صمت .. استدرت ببطء خلفي ناظراً إلى الغرفة تماماً كما كانت عندما دخلت : فقط كرسي خشبي ومصباح .. لم أستطع أن أصدق ! لكن لم أمتلك الوقت للاحتفال ، استدرت مجدداً لرقم سبعة وقفزت للخلف قليلاً .. ما رأيته كان باباً ، لم يكن الباب الذي قمت بالحفر خلاله , بل باباً عادياً كُتب عليه رقم سبعة كبير .. كان جسمي يرتجف بالكامل , فأخذ مني وقتاً قبل أن أدير المقبض .. وقفت هناك فحسب , محدقاً إلى الباب ، أنا لم أستطع .. لم أستطع البقاء في الغرفة السادسة ! لكن إن كانت تلك الغرفة السادسة فقط , فماذا يمكن أن تخبئه لي السابعة يا ترى ؟
لا بد من أني وقفت هناك لساعة , محدقاً إلى الباب . وأخيراً , وبنفس عميق , لففت المقبض وفتحت الباب إلى الغرفة السابعة .

 

مررت عبر الباب مرهقا عقليا وضعيفا جسديا . أُغلق الباب خلفي وأدركت أين أنا . كنت بالخارج . لم أكن بالخارج مثلما في الغرفة الخامسة ـ الغابة ـ بل فعلا خارج البيت . صُدمت عيناي . أردت البكاء . جثوت على ركبتي وحاولت لكني لم أستطع . كنت أخيرا خارج هذا الجحيم ! لم أهتم حتى بالجائزة الموعودة , استدرت ورأيت أن الباب الذي عبرت منه للتو كان المدخل الخاص بالبيت . مشيت إلى سيارتي وقدتها نحو المنزل . مفكرا في كم سيكون الاستحمام رائعا !
مررت عبر الباب مرهقاً عقلياً وضعيفاً جسدياً .. أُغلق الباب خلفي وأدركت أين أنا ، كنت بالخارج ! لم أكن بالخارج مثلما في الغرفة الخامسة ـ الغابة ـ بل فعلاً خارج البيت .. صُدمت عيناي ، أردت البكاء ، جثوت على ركبتي وحاولت لكني لم أستطع ، كنت أخيراً خارج هذا الجحيم ! لم أهتم حتى بالجائزة الموعودة , استدرت ورأيت أن الباب الذي عبرت منه للتو كان المدخل الخاص بالبيت .. مشيت إلى سيارتي وقدتها نحو المنزل مفكرا في كم سيكون الاستحمام رائعاً !

ما إن صعدت السلالم المؤدية للمنزل حتى شعرت بعدم ارتياح .. فرحة مغادرة منزل اللانهاية تلاشت وتسلل الفزع ببطء لمعدتي .. أبعدته كـ”بقايا” من منزل اللانهاية وسرت إلى الباب الأمامي ، دخلت واتجهت مباشرة لغرفتي ، هناك على سريري كان قطي , باسكرفيل ، كان أول شيء حي رأيته طوال الليل فذهبت لملاعبته ، قام بالهمس والضرب برأسه على يدي ، تراجعت مصدوماً , فهو لم يتصرف من قبل هكذا ! فكرت : ” لا يهم , فهو قط عجوز ” .. ذهبت لأستحم استعداداً لما توقعت أنه سيكون ليلة بيضاء .

بعد أخذ الحمّام , توجهت نحو المطبخ لأحضر شيئاً آكله ، نزلت الدرج متجهاً لغرفة العائلة ; ما رأيته سيبقى للأبد محفوراً في ذاكرتي .. والداي كانا مستلقيين على الأرض , مجردين من الملابس وغارقين في بركة من الدماء ، كانا مشوهين تماماً .. أطرافهما نُزعت ووُضعت بقرب أجسادهما , ورأساهما وُضعا على صدريهما يقابلاني .. الجزء الأكثر إثارة للقلق كان تعابير وجهيهما ، كانا مبتسمين , وكأنهما سعيدان برؤيتي .. تقيأت وبكيت هناك في غرفة العائلة ، لم أعلم مالذي جرى ; هما لم يعيشا معي حتى .. كنت في فوضى … عندها رأيته : باب لم يكن هناك من قبل , كُتب عليه رقم ثمانية كبير بالدماء .

لازلت في منزل اللانهاية .. كنت أقف في غرفة العائلة ولكني كنت بالغرفة السابعة ، أصبحت ابتسامتا والديّ أعرض ما إن أدركت ذلك ، هما ليسا والديّ ; لا يمكن أن يكونا , لكنهما كانا يبدوان تماماً مثلهما ، باب الغرفة الثامنة كان على الجانب الآخر من الغرفة , خلف الجسدين المشوهين أمامي .. علمت أنه علي التحرك والمتابعة , ولكني في تلك اللحظة استسلمت ، نهش الوجهان المبتسمان عقلي ; ألقياني على الأرض أينما كنت أقف ، تقيأت مجدداً وكدت أنهار .. عندها , عادت الهمهمة ، لكنها كانت أعلى بكثير هذه المرة لدرجة أنها هزّت الجدران .. الهمهمة أجبرتني على المشي .

بدأت السير ببطء , جاعلاً المسافة أقصر بيني وبين الباب , والجثتين .. بالكاد استطعت الوقوف , ناهيك عن المشي , وكلما اقتربت من والديّ كلما زادت رغبتي بالانتحار ، الجدران الآن تهتز بقوة ما بدا أنها ستنهار , لكن الوجهين استمرا بالابتسام لي .. وما إن اقتربت , بدأي عيناهما بتتبعي . صرت الآن في وسط الجثتين , على بعد خطوات من الباب .. أشارت الأيادي الممزقة بمخالبها إلى السجاد تجاهي , وطوال الوقت استمرت الوجوه بالتحديق .. رعب جديد تدفق إلي , فسرت أسرع ، لم أرد أن أسمعهما يتحدثان ، لم أرد أن تطابق تلك الأصوت صوتي والديّ ، فتحا فكيهما وأياديهما كانت على بعد إنشات من قدمي .. وفي اندفاع من اليأس , فتحت الباب بقوة وعبرته إلى الغرفة التالية .. الغرفة الثامنة !

 

انتهيت . . بعد ما اختبرته لتوي , علمت أن هذا المنزل لن يلقي علي مفاجآت لن أستطيع تجاوزها , أنا مستعد لأية نيران جحيم ستواجهني … مع الأسف , لقد استخففت بإمكانيات منزل اللانهاية لأن الأشياء في الغرفة الثامنة كانت أكثر إزعاجاً , أكثر إرعاباً , لا يمكن وصفها لحد كبير …
لازلت أملك مشكلة في تصديق ما رأيته في الغرفة الثامنة .

مجدداً , الغرفة الثامنة كانت نسخة فحمية عن الغرفة السادسة والثالثة , لكن هذه المرة , كان يجلس على الكرسي الخشبي المعتاد رجل .. وبذلك الرعب , أدركت تدريجياً أن الرجل الجالس على الكرسي الخشبي كان أنا .. لم يكن شخصاً يشبهني ; بل أنا : ديفيد ويليامز .. اقتربت منه ، كان علي أن أنظر عن كثب رغم أني كنت متأكداً من أنه أنا .. رفع رأسه إلي فلاحظت أن عينيه تدمعان .

– “أرجوك” همس لي … “أرجوك لا تفعلها , لا تؤذني !”
– “ماذا ؟” سألته : “من تكون ؟ أنا لن أؤذيك ..”
– “بلى , ستفعل ..” هو يبكي الآن .. “أنت ستؤذيني وأنا لا أريدك أن تفعل !”

جلس رافعاً قدميه إلى الكرسي وبدأ يهتز جيئة وذهوبة ، كان منظره مثيراً فعلاً للشفقة , خصوصاً وأنه كان أنا , مطابقاً في كل شيء .

ـ”اسمع .. من أنت ؟”
الآن أنا على بعد خطوات من شبيهي , كانت أغرب تجربة حتى الآن , أن أقف هناك محدثاً نفسي .. لم أكن خائفاً , لكني سأكون كذلك قريباً .. قلت :
ـ”لماذا أنت …”
ـ”ستقوم بإيذائي , ستقوم بإيذائي إذا أردت المغادرة أنت ستقوم بإيذائي ..!”
ـ”لماذا تقول هذا ؟ فقط اهدأ , حسناـ ؟ دعنا نحاول إصلاح ..” عندها رأيت ذلك . ديفيد الذي يجلس على الكرسي يرتدي نفس ملابسي تماماً , عدا تلك البقعة الحمراء على قميصه بشكل الرقم تسعة .
ـ”ستقوم بإيذائي , ستقوم بإيذائي , لا تفعل ذلك رجاءً , ستقوم بإيذائي ..”

عيناي لم تكفّا عن النظر إلى رقم تسعة الصغير على صدره ، وقد علمت تماماً ما كان ذلك .. الأبواب القليلة الأولى كانت بسيطة , لكن بعد مدة أصبحت أكثر غموضاً ، السابع كان محفوراً في الحائط , لكن بيديّ .. الثامن كان مطبوعاً على الحائط بالدماء أمام جثتي والديّ .. لكن التاسع ـ هذا الرقم مطبوع على إنسان , إنسان حي . والأسوأ أنه مطبوع على شخص بدا تماماً مثلي .

ـ”ديفيد ؟” كان علي سؤاله ..
ـ”أجل .. ستقوم بإيذائي , أنت ستقوم بإيذائي …”

استمر بالنواح . لقد كان أنا , حتى صوته . ولكن رقم تسعة ذاك .. ! مشيت بخطى سريعة حول الغرفة لدقائق بينما استمر هو بالنواح .. لم يكن في الغرفة أي مخرج , وتماماً كالغرفة السادسة , الباب الذي أتيت منه قد اختفى ، لسبب ما , افترضت أن ذلك الحفر والخدش لن يأخذني لأي مكان هذه المرة .. تمعنت في الجدران والأرضية حول الكرسي , ملصقاً رأسي تحته لأرى ما إذا كان هناك أي شيء أسفله ..

مع الأسف , كان هناك .. تحت الكرسي , وجدت سكيناً مع ملحوظة أمامه تقول: 
“إلى ديفيد , من إدارة منزل اللانهاية”

الشعور في معدتي بعد قراءتي لتلك الملحوظة كان مشؤوماً ، رغبت في التقيؤ .. كان آخر ما أريده هو حمل ذلك السكين من تحت الكرسي .. ديفيد الآخر كان لا يزال يبكي . عقلي كان يدور في دوامة من الأسئلة التي ليس لها إجابة ، من وضع هذا هنا وكيف حصلوا على اسمي ؟ جثوت على الأرضية الخشبية الباردة وشاهدت نفسي جالساً على الكرسي , باكياً في أسى متوسلاً أن أرحم نفسي ..

كان كل ذلك كثيراً على المرء أن يتحمله .. المنزل والإدارة كانا يعبثان معي طيلة هذا الوقت ، تفكيري لسبب ما توجه نحو صديقي وتساءلت ما إذا كان قد نجح في الوصول لهذا الحد .. إذا نجح فعلاً , هل قابل نفسه جالساً على هذا الكرسي بالذات , ينوح ويهتز جيئة وذهوبة … أبعدت تلك الأفكار عن رأسي ; لم تكن مهمة .. حملت السكين في يدي , ومباشرة ديفيد الجالس على الكرسي صار هادئاً .

ـ”ديفيد ..” قال بنفس صوتي ” ماذا تظن أنك فاعل ؟”
رفعت نفسي من على الأرضية وأحكمت قبضتي على السكين..
ـ”أنا سأخرج من هنا ..” أجبته .

ديفيد لا زال جالسا على الكرسي , رغم أنه هادئ جداً الآن ، رفع رأسه نحوي بابتسامة طفيفة .. لم أستطع أن أعرف ما إذا كان سيضحك أم يخنقني ، نهض من على الكرسي ببطء , مقابلا إيّاي .. كان ذلك غريباً ، وزنه وحتى طريقة وقوفه طابقت خاصتي ! شعرت بالمقبض المطاطي للسكين وأمسكته أشدّ .. لا أعرف ما كنت أخطط لأفعله به , لكني شعرت بأني سأحتاجه .

-“الآن” صوته أعمق من صوتي هذه المرة ..”أنا الذي سيؤذيك .. سوف أؤذيك وسأبقيك هنا”

أنا لم أرد .. اندفعت فحسب وألقيته على الأرضية ، جلست عليه مخضعاً إياه ناظراً لأسفل , السكين مستعد .. نظر إلي , مروَّعاً وكأني كنت أنظر في مرآة .. عندها عادت الهمهمة , منخفضة وبعيدة , رغم أني شعرت بها عميقاً في جسدي . كان ديفيد ينظر إلي , بينما أنا أنظر لنفسي .. الهمهمة أصبحت أعلى وشعرت بشيء ينفجر في داخلي ، بحركة واحدة سريعة , أنزلت السكين , لكن قبل أن يخترق صدري , اجتاحت الغرفة ظلمة عاتمة واستطعت أن أشعر بنفسي أسقط .. وأسقط .. وأسقط …

الظلام الذي حولي لم يكن كأي شيء شهدته من قبل .. الغرفة الرابعة كانت مظلمة , لكنها لم تقترب حتى من الظلام الذي يغلفني تماماً الآن ، بعد مدة لم أعد متأكداً حتى من أني كنت أسقط ، شعرت كأني من دون وزن , غارقاً في الظلام ، عندها شعرت بحزن عميق . شعرت بأني ضائع , مكتئب ووحيد .

مشهد والديّ دخل عقلي .. علمت بأنه ليس حقيقياً , لكن العقل يملك مشكلة في التفريق بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك ، الحزن تعمق .. ظللت في الغرفة التاسعة لما بدا كأيام .. الغرفة الأخيرة , هذا تماماـ ما كانت عليه : النهاية .. منزل اللانهاية امتلك نهاية وقد بلغتها ، في تلك اللحظة استسلمت , علمت أني قد أبقى في تلك الحالة للأبد ، غارقاً في لا شيء سوى الظلام , ولا حتى الهمهمة كانت هناك لتبقيني عاقلاً .

فقدت كل الحواس .. لم أستطع الشعور بنفسي ، لم أستطع سماع شيء ، لم أستطع رؤية شيء ، بحثت عن مذاق بفمي فلم أجد شيئاً ، شعرت بأني بلاجسد وضائع كلياً .. علمت أين أنا : هذا هو الجحيم .. الغرفة التاسعة كانت الجحيم .

عندها حدث الأمر , نور انبثق من اللاشيء .. واحد من تلك الأنوار التي تقبع بنهاية النفق ، شعرت بالأرضية أسفل قدمي وكنت واقفاً ، بعد لحظات من تجميع حواسي وأفكاري , مشيت ببطء تجاه ذلك النور …
اقتربت منه , أدركت أنه كان شقاً عمودياً من النور ينبعث من ستارة ثقيلة ، عبرت ببطء الطريق داخل الشق ووجدت نفسي قد عدت لنقطة البداية , في رواق مدخل منزل اللانهاية .. كان تماماً كما تركته من قبل , لازال فارغاً ولازال بنفس زينة الهالووين الطفولية .. بعد كل ما حدث في تلك الليلة , كنت لاأزال متحفظاً وحذراً بشأن المكان الذي أنا فيه .

نظرت حول المكان محاولاً إيجاد أي شيء مختلف .. على المكتب كان هناك ظرف أبيض عادي مكتوب عليه اسمي بخط يدويّ .. بفضول كبير , وبحذر كذلك , جمعت شجاعتي لأفتح الظرف ، كانت هناك رسالة داخله تقول :

“عزيزي السيد ويليامز , تهانينا ! لقد نجحت في الوصول إلى نهاية منزل اللانهاية ! رجاء تقبل هذه الجائزة كعلامة على الإنجاز العظيم .. مع كل احترام , إدارة منزل اللانهاية”

كان يحمل الظرف بداخله خمس أوراق من فئة المائة دولار ! أطلقت ضحكة عالية هستيرية بينما توجهت خارجاً إلى سيارتي , ضحكت بينما قدتها طول الدرب إلى المنزل ! ضحكت عند وصولي , ضحكت عند صعودي السلالم المؤدية إلى المنزل , وضحكت عندما رأيت رقم عشرة محفوراً على باب بيتي الخشبيّ !
 

تاريخ النشر : 2017-05-12

DarkAxe

الجزائر
guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى