أدب الرعب والعام

صباح رمادي

بقلم : سارة – فلسطين

صباح رمادي
بقيت في غرفتي تلك الليلة و لم أتحدث مع أحد

في صباح رمادي عاصف استيقظت على صوت الرياح تضرب زجاج نافذتي ، اقتربت من النافذة فبدت الغيوم تصارع الرياح حتى يمر المطر .
سمعت صوت أختي و أمي تتحدثان في الطابق السفلي ، نزلت الدرج بهدوء ، اقتربت من باب المطبخ .. قالت أمي بصوت غريب : 
– اقتربي ، الفطور جاهز . 

كانت الساعة قرابة السادسة حسب تقديري ، بدأت بتناول الفطور .. بدت أختي و أمي في حالة غريبة ، في البداية لم أرد أن أسأل لأني متأكدة أن أختي ستجيبني كالعادة (لا شأن لكِ بالكبار ) لكن الأمر لم يكن طبيعياً ، فسألتها عن سبب غرابتها اليوم .. مسحت على رأسي و قالت : 
ـ جدتي متعبة و علينا الذهاب إلى بيتها في أسرع وقت .

كنت أعلم معنى هذا ، كنت أعلم أن هذا اليوم سوف يأتي ، لم أكن أجرؤ على التفكير بأن جدتي سوف ترحل و تتركني بهذه الطريقة ..

ارتديت معطفي و خرجنا في السيارة ، و عندما و صلنا إلى بيت جدتي دخلت الغرفة كالمجنونة ، كان المكان مليئاً بالنساء و الرجال ، رميت نفسي على صدر جدتي .. أنفاسها تتسارع ، المشهد نفسه عندما فقدت والدي ، لم أتمالك نفسي و بكيت بحرقة ، ثم شهقت جدتي شهقة الموت فأجهشت بالبكاء ..

مر على ذلك اليوم ثلاثة أشهر ، لم يمحو صورة جدتي من مخيلتي أي شيء ، رحلنا إلى بيت أهل أمي ، لم أمانع ذلك و لكن كان شبح جدتي يزورني طوال الأسبوع ليطلب مني عدم الرحيل .

**

هناك في المدرسة تعرفت على جميلة و هناء ، كانتا الدواء الذي شفا جرح قلبي .. صرت أسابق الأيام حتى وصلت إلى الجامعة .

كنا جالسين إلى العشاء ، تنحنح جدي ثم قال : 
– لطالما كنت طالبة مجتهدة يا ملك و لكن للأسف لن أستطيع أن أوفر لك أقساط الجامعة لقد حاولت لكن ….

بقيت في غرفتي تلك الليلة و لم أتحدث مع أحد ، مرت أيامي متشابهة حتى ذلك اليوم .. كنت أقوم ببعض الأعمال في المطبخ فلفت نظري برنامج يعرض على التلفاز اسمه (صباح رمادي ) ، تركت عملي و جلست إلى جانب جدي و سألته عن البرنامج فقال : 

– هذا البرنامج يتحدث عن أناس كانوا يعيشون حياةً مستقرةً و لكن في صباحٍ انقلبت حياتهم رأساً على عقب .

جذبني هذا البرنامج ، كنت أشعر بكل من تروى قصتهم فيه ، و في إحدى الحلقات كانت القصة مطابقة لقصتي أثناء حوار البرنامج ، شعرت بدموع تنزلق من على خدي ، ذهبت إلى غرفتي مسرعة ، لقد أثرت فيَّ هذه الذكرى التي مرت على عجل ، كانت ليلة طويلة غفوت ثم استيقظت و أختي تهزني صحت بها : 
– ماذا تريدين ؟!
قالت و هي تبكي : 
– لقد ورد جدي اتصال أن الشركة التي عمل عندها أبي لسنوات حققت أرباحاً هائلةً بسبب ابتكار أبي ، لذلك هي مدينة له بالكثير ، هيا انهضي سوف تكملين دراستك !

و بالفعل أكملت دراستي ، و بعد تخرجي عملت معلمة في إحدى المدارس .. عندها شعرت أن الإنسان لا يجب أن يكره ماضيه الحزين ، لأنه إذا مرت أيام صعبة فإن أيام الفرح ستكون تاليها ، و إنَّ كل صباح يحمل هدية جديدة  … و لا يعرف الإنسان متى يكون صباحه الرمادي .
 

تاريخ النشر : 2017-05-14

سارة

فلسطين
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى