أدب الرعب والعام

صداع الضمير

بقلم : مريم – مصر
للتواصل : [email protected]

صداع الضمير
كان عليه أن يجد القاتل ..

ترن .. ترن … (رفع السماعة ) :
ـ سيدي أرجوك أنا في ورطة ، أحدهم يتجول في المنزل .. إن خطواته قريبة من غرفتي .
المفتش : أخبريني ما المشكلة بالضبط ؟
ـ أقول لك هناك شخص اقتحم منزلي وهو ي…. (صراخ) .. صوت انقطاع الخط .

***

في مكتب صغير ، كان يجلس رجلان أحدهما شاحب الوجه حاد الملامح أشيب الشعر كثير الشرود وذاك هو المفتش جو ، أما الآخر فقد كان الشرطي دميان اليد اليمنى للمفتش جو ، كان رجلاً متوسط الطول وسيم الملامح ، سريع البديهة يبدو عليه الذكاء .

**

المفتش : أخبرتك أني قد طلبتك لأمر مهم ، صحيح ؟!
أومأ دميان برأسه فتابع المفتش متنهداً بعمق :
ـ جاءني اتصال بالأمس في منتصف الليل ، صوت امرأة تطلب مني المساعدة ، وكان صوتها مرتجفاً بعض الشيء وتقول بأن أحدهم يتجول في منزلها وهو يقترب من غرفتها ، وبعدها سمعت صرخة مفزعة ثم أغلق الخط .. والمقلق في الأمر أنها لم تتصل بي اليوم .

قال دميان وهو ينظر لأعلى وكأنه يفكر :
ـ أعتقد بأنها السيدة ماربل وهي تعيش في هذه القرية .. جاءني بلاغ من جيرانها بأنهم اكتشفوا اختفائها في صباح هذا اليوم .. أخشى أن مكروها أصابها .

نظر المفتش إلى باب مكتبه بشرود .. ثم قال بيأس :
ـ أتمنى بأن ترسل مجموعة من رجالنا للبحث عنها ، لا أرغب بأن تقال عنا الأقاويل والشائعات فأنت تعلم أهل هذه القرية ثرثارون جداً .
وقف دميان وقفة ثابتة ثم قال بحزم :
ـ لن يمضي يومان حتى نعثر عليها ، لا تقلق سيدي .

***

قال المفتش بأسف :
ـ العثور على جثة محروقة وممزقة لامرأة ثلاثينية ملقاة في الغابة المجاورة للقرية ، هذا مكتوب في الخبر نصاً ، أعتقد بأنها تلك السيدة التي اتصلت بي .. يا إلهي سيصلني الخبر قريباً من الشرطي دميان .

أمسكت زوجته بالصحيفة وألقتها بعيداً .. ثم قالت بعطف وحنان وهي تربت على كتفه :
ـ عزيزي لا تشغل بالك كثيراً ، كم تمنيت أنك لم تكن مفتشاً .. إنه عمل مرهق ويشغلك عني كثيراً .
ـ لكنها يا عزيزتي مهنة شريفة تخدم الناس وتوفر لهم الأمن .. أتساءل ماذا سيحث لو لم يكن هناك وجود لرجال الأمن ..
ثم شرد ببصره إلى الفراغ ، كانت حادثة تلك السيدة تؤلمه وتسري القشعريرة في جسده كلما تذكر كلماتها المستغيثة .

***

ـ سيدي الوضع لم يعد يحتمل ، 5 ضحايا خلال أسبوع واحد فقط .. وليس هناك تقدم أو أدلة .
نظر المفتش إلى دميان بصرامة وكأنه يكبت نفسه عن الغضب ، لكنه سرعان ما انفجر قائلاً بغضب :
ـ أيها الشرطي عديم الفائدة ، ألم أقل لك كثِّف البحث و الحراسة ، القرية صغيرة وأنتم لم تمسكوا بذلك القذر ، اخرج من هنا ولا ترني وجهك حتى تمسكوا بالحقير الذي يفتعل كل هذا .
نكَّس دميان رأسه ثم غادر المكتب وقبل أن يغلق الباب قال بنبرة غريبة :
ـ كلنا تحت أمرك سيدي .

***

كان هناك هاجس يعتريني .. هاجس مخيف يلح على قلبي ، ذلك الهاجس جعلني أتبع دميان لا شعورياً ، كانت نبرته الغريبة تبث الرعب في قلبي .. وقد خرج من مكتبي فخرجت أنا خلفه دون أن يشعر ، لكنني كنت قد خلعت بدلة العمل الرسمية واستبدلتها بمعطف وقبعة وكمامة طبية ، كان ذلك تنكراً بدائياً حتى لا يعرفني دميان .. استقل سيارته و ركبت أنا سيارتي السوداء المظللة .. وصل إلى منزله فتوقفت بالقرب منه وأطفأت أضواء السيارة حتى يظن بعدم وجود أحد ..

نزل دميان من سيارته وقام بفتح باب منزله ثم ولج إلى الداخل وأغلق الباب خلفه .. خطرت ببالي فكرة فنفذتها في الحال ، فبما أن نوافذ منزل دميان منخفضة وهو يعيش وحيداً فكان بإمكاني التسلق والدخول منها .. وبالفعل تسلقت إحدى النوافذ وأطللت منها بحذر حيث كانت غرفة المعيشة .. كانت فارغة تماماً وكان الوضع آمناً إلى الآن .. شعرت بذلك الوقت بأني لص ولست مفتشاًً ، لكن ذلك في سبيل إطفاء شكوكي الملتهبة وفي سبيل العدالة .

دخلت إلى غرفة المعيشة ثم نظرت إلى ساعتي وقد كان الوقت متأخراً بحق ، فقد كانت الساعة الثانية في منتصف الليل .. كان كل شيء هادئاً وكأن دميان ليس بالمنزل ، خرجت من غرفة المعيشة متسللاً وتجاوزت الردهة ببساطة حتى أوصلتني قدماي للمطبخ ، اختلست النظر إلى المطبخ ، وكما توقعت فقد كان دميان هناك يقطع شيئاً ما لا أعرف كنهه ، وقد نحى بظهره للباب ، لكنه قال شيئاً ثبتني في مكاني وجعل الدماء تغلي في عروقي :
ـ مرحباً مفتش جو ، أتمنى أن منزلي قد أعجبك .

صحيح حينها كدت أسقط من الخوف ,, لكنني تمالكت نفسي وقلت له بحدة :
ـ دميان إن لم تعترف بكل شيء لأرسلنك إلى المشنقة .

***

قال دميان بنبرة باردة :
ـ إذن أنت تشك بأنني القاتل ، حسناً سأخبرك بكل شيء ، لكن هل لك بمساعدتي في التقطيع قليلاً ؟ لقد مللت تقطيع كل هذه القذارة .

لم يرغب المفتش جو حقاً بمساعدته لكنه اقترب قليلاً ليرى الشيء الذي أتعب دميان في التقطيع ، لكن فضوله جعله يرى مالم يرغب برؤيته طيلة حياته ، فقد كان الشيء الذي يقطعه دميان هي رأس بشرية ، لكنها لم تكن سوى رأسه هو ، فخرجت من حلق المفتش صرخة عالية كانت كافية لتوقظ زوجته التي أمسكت يده بتذمر وعيناها الناعستان لم تتفتحا بالكامل ، ثم قالت ببطء شديد وهي تتثاءب :

ـ جو عزيزي أنت مزعج للغاية ، ألن تكف أحلامك هذه عن الظهور لك باستمرار .

نظر جو إلى وجه زوجته وعيناه الشاخصتان في رعب تكادان تنطقان .. أخذ يلتقط أنفاسه بسرعة ثم قال متنهداً بعمق :
ـ ذلك الحقير دميان ، منذ إعدامه وهو لا يكف عن الظهور في أحلامي إن ذلك الحلم منذ بداية اتصال الفتاة وصراخها وحتى تقطيعه لرأس بشرية والتي ليست إلا رأسي أنا ، كل ذلك يظهر بين فترات قصيرة .
ـ من الأفضل لك بأن تذهب إلى طبيب نفسي في الصباح الباكر .
ـ لا أظن ذلك يا آن ، إن مشكلتي مشكلة ضمير .. هل نسيت بأني أرسلته للمشنقة ظلماً ، وأن القاتل الحقيقي قد قبض عليه بعد إعدام دميان بأسبوعين .. لقد كان عجزي عن إيجاد القاتل سببا كافياً بالنسبة لي ليجعلني أتهم دميان .. إنه جنون العظمة ، أستحق ما يجري لي حقاً .

نظرت آن إلى وجهه بشفقة وحزن وقالت بنبرة يملؤها الأسف :
ـ لا عليك .. لماذا تعذب نفسك بنفسك .. ذلك حدث منذ سنتين .. من المفترض بأن تنسى للأبد .

نحى جو وجهه ثم رفع ببصره إلى أعلى بتساؤل .. كان يتساءل إن كان الظلم ينسى حقا ؟!

تمــــــــت

 

تاريخ النشر : 2017-06-29

مريم

مصر
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى