أدب الرعب والعام

بحيرة في المدينة

بقلم : مريم – مصر

بحيرة في المدينة
أشعر بأني أعرف هذه البحيرة منذ زمن !

كان هذا اليوم هو يوم إجازة صاحبنا شعبان ، وهو لم يأخذ إجازة رسمية من مديره ، ولكنه تعذر بعذر وهمي ليرتاح ويأخذ نفسه من عناء العمل المضني والشاق .. واليوم كان يوماً ممتعاً بالنسبة له .. فهو يستطيع الجلوس في المنزل ومشاهدة التلفاز أو الخروج مع صديق عمره هاني ليمارسا هوايتهما المفضلة وهي صيد الأسماك .. وقد اختار الثانية .. فقام بإرسال رسالة لصديقه هاني ..

***

ـ آه يا صديقي .. هذه البحيرة تجعلني أحن للماضي كثيراً .
ـ صدقت يا شعبان ، أشعر وكأني أعرفها منذ زمن بعيد .. مع أنني لم أعرف مكانها سوى منذ يومين .
صمتا لفترة طويلة .. لكن شعبان قطع ذلك الصمت وهو يمسك بسنارته ويهوي بها إلى البحيرة ، ثم يقول لهاني دون أن يرفع رأسه :
ـ أظن بأننا يجب أن نبدأ صيدنا الآن وإلا هربت الأسماك .
أومأ هاني برأسه :
ـ صدقت .

***

كان شعبان قلقاً .. فقد غادر هاني منذ فترة ليست بالقصيرة ليحضر ماء عذباً على حسب قوله من بئر قريبة من البحيرة ، فالبحيرة لم تكن صالحة للشرب من مائها .
وعندما تأخر هاني زيادة عن حده ، قرر شعبان أن ينهض ويبحث عنه في الغابة .. تاركاً سنارته خلفه دون أن يأخذها .. أخذ يتوغل أكثر في الغابة وهو ينادي بأعلى صوته :
ـ هاااااااااانييييييي .
لكن لم يكن هناك مجيب لندائه سوى أصوات سرب من الطيور .. وفجأة شعر بيد تمسكه من كتفه بقوة ، فأدار رأسه بذعر ليجد هاني خلفه يقف مبتسماً وهو يقول بغرور :
ـ ماذا يا رجل ؟ هل أرعبتك .. أنسيت بأني سيد المقالب ؟!
وأخذ يضحك مجلجلاً الغابة بصوته الجهوري .. قطب شعبان حاجبيه وقال باستياء :
ـ شاطر يا عزيزي .. في المرة المقبلة أتمنى بأن لا تكون مقالبك الغبية مرعبة هكذا .. وإلا زرتني قريباً في المشفى .
ضحك هاني بسخرية :
ـ لا تقلق أيها الجبان .. مجرد مقلب .

***

كان شعبان قد أدار ظهره وتوجه حيث البحيرة ، وهناك لم يجد أثراً للسنارة .. فخطر على باله بأن السمك قد شدها إلى قاع البحيرة .. فأدار وجهه للخلف ليتذمر من سوء مقالب هاني التي أضاعت سنارته ، لكن هاني لم يكن موجوداً أصلاً !
كاد شعبان يفقد عقله .. فقال بغضب ونفاد صبر :
ـ أعلم بأنك صديق طفولتي .. لكن ليس هذا مبرراً لتصرفاتك الصبيانية هذه .. اخرج من مكانك وإلا فقدت عقلي بدل السنارة .
أمسكت يدان بكتفيه من الخلف بشدة ، ففزع شعبان وأدار نفسه بسرعة وهو يتمتم :
ـ بسم الله الرحمن الرحيم .. ما بك يا هاني ؟؟ أهذه تصرفات يقوم بها رجل جاوز العقد الثالث من عمره .. الله يكون بعون زوجتك .
ضحك هاني بمبالغة كعادته .. لكن شعبان لم يترك له الفرصة ليسخر منه :
ـ هيا أيها الرجل الظريف لنذهب .. لدينا منازل نرتاح فيها من مقالبك التي لا أعلم ما الهدف منها أصلاً !

***

كان اليوم الثاني والثالث إجازة رسمية ، وقد كان ذلك من حسن حظ شعبان فقرر أن يرتاح في منزله لئلا يزعجه هاني بمقلب آخر يوقف قلبه .. كان شعبان محتاراً .. فلم يكن هاني ذلك النوع الذي يحب السخرية من الناس وعمل المقالب المرعبة لإخافتهم .. ربما رأى ذلك ممتعاً .. هكذا كان يقول لنفسه .

***

يوم : الأحد .
الساعة : 7:50 .
انتهت إجازة الأسبوع بسلام وراحة بالنسبة لصديقنا شعبان ، لكنه قد قدر له بأن يرى هاني حتى في عمله .. فقد دخل مكتبه رجل طويل القامة ممتلئ الوجه .. وقد كان ذلك هو هاني ..
دخل مبتسماً بود وإرهاق في الوقت ذاته .. جلس على الكرسي المقابل لشعبان وهو يتنفس بسرعة شديدة ..
ولكن شعبان ما إن رآه حتى سأله متهجماً :
ـ ما الذي أتى بك ؟!
مد هاني يده بظرف أبيض مغلق جيداً وسلمه لشعبان :
ـ هذه نقود كنت قد أقرضتها لي منذ شهرين .. جيد أنني سافرت للمدينة المجاورة لأتاجر ببضائعي ، لقد حققت مبيعاتي مكسباً خيالياً خلال فترة الإجازة .. 3 أيام فقط تخيل !

لم يكن شعبان ليتخيل ، فقد أنهى هاني كلامه .. وكان شعبان قد فغر فاه ببلاهة واضحة وهو يبحلق في هاني ويتمتم باستنكار شديد :
ـ مم..مماذا .. تجارتك خلال ثلاثة أيام الإجازة .. يا رجل لقد قضيت معي أغلب يوم الخميس في رحلتنا لصيد الأسماك في البحيرة القريبة منا .
ـ أتمزح معي ؟ أية رحلة وأية بحيرة ؟!! ثم منذ متى والمدن يجاورها بحيرات .. شعبان أأنت في وعيك ؟

تمـــــــــــت
 

تاريخ النشر : 2017-07-07

مريم

مصر
guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى