أدب الرعب والعام

المسابقة

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

المسابقة
ما الذي ستفعله لو أتيحت لك فرصة الحصول علی مبلغ مليون دولار ؟

إذا ما سُئِلت.. ما الذي يمثله مبلغ مليون دولار بالنسبة لك ؟!
سوف أجيب.. يمثل لي الحياة نفسها ، أعتقد أن تسعين بالمائة من البشر يعيشون فقط من أجل جمع المال ، لا لشيء سوی لرغبتهم في الحياة ، القاعدة بسيطة و يعرفها الجميع ، إذا امتلكت المال ستعيش بسعادة ، إذا لم تمتلك المال فسوف تعاني في حياتك ، و لست أظن أنني بمختلف عنهم.. أولئك التسعين .

ثم إذا ما سألوك مجدداً ما الذي ستفعله إذا أتيحت لك الفرصة للحصول علی تلك المليون فقط خلال ساعة أو أقل، في البداية سوف تشكك في الأمر ، لأن الحياة لو كانت بهذه السهولة لما ظل هناك شيء يُدعی فقر ، لكنك حينما تعلم أن من يتحدث معك هم شركة من أكبر الشركات في العالم ، و تعلم أن الأمر ليس مجرد مزحة سخيفة ، حينها سوف يسيل لعابك.. ستسألهم كيف ؟! و سيقولون أنه عليك فقط أن تستخدم عقلك للفوز في المسابقة .

بدأت المسابقة منذ عشر سنوات ، وأبدعتها شركة كبيرة في مجال الحواسيب .
آنذاك كانت شركة كبيرة نطاق عملها يقتصر علی عدة دول مهمة فقط ، أما الأن فهي شركة عملاقة لم تترك دولة إلا و وضعت قدماً فيها بشكل أو بآخر ، حينها قال البعض أن هذا النمو الرهيب في قيمة و أسهم الشركة ليس إلا بسبب تلك المسابقة ، و لم يشكك الكثيرون في ذلك ، و نعم كانت المسابقة مشهورة لهذا الحد ..

كانت شروطها بسيطة ، أول شرط نحن سنصورك ، و ثاني شرط نحن لن نؤذيك جسدياً أو نفسياً و سنحاول بقدر الإمكان جعلك مرتاحاً أما الشرط الثالث و الأخير ؛ كل شيء مجاني و لن تدفع سنتاً من جيبك !
حقيقةً فإن الشرط الأخير بالذات هو ما أسقط عن الشركة كل تهم الخداع و الاحتيال التي كانت ستوجه لها ، إذ كنت معتاداً علی سماعهم يقولون لولا أن الأمر مجاناً لظننت أن هناك خدعة ما .

بالرغم من ذلك لم تفصح الشركة أبداً عن تفاصيل المسابقة.. لكنه و بشكل مثير للسخرية كان الجميع يعرف ما هي التفاصيل بالفعل ، ما يحدث هو أن الجميع يشارك في هذه المسابقة ، إذا فزت ستكسب مليون دولار ، و إذا خسرت فأنت لم تدفع شيئاً من عندك .
و لهذا كنت تجد مئات الآلاف يشاركون كل عام ، و بالطبع مع هذا العدد الرهيب ستنتشر التفاصيل سواء أرادت الشركة ذلك أم لا ، كان يكفي فقط عمل بحث سريع علی الإنترنت حتی تعرف ما الذي سوف تواجهه في هذه المسابقة ، و جميعهم يقولون نفس الشيء ، علی مدار عشر سنوات لم يتغير الأمر و لو قليلاً ..

أولاً سيجردونك من كل شيء تحمله معك ، بعد ذلك سوف يُدخلونك لغرفة صغيرة لا يوجد بداخلها إلا أربعة أشياء فقط لا غير.. مؤقت ، كرسي ، طاولة و كرة مطاطية صغيرة بحجم عقلة الإصبع ، بعدها سيطلبون منك أن تدمر هذه الكرة باستخدام الأدوات المتاحة كي تنجح و تحصل علی المليون دولار ، و سيكون وقتك هو ساعة واحدة ينبهك بتفاصيلها المؤقت الموجود معك في الغرفة .

لم يختلف الأمر معي علی الإطلاق.. وجدت نفسي فجأة جالس علی الكرسي و أنظر للكرة و المؤقت الموضوعان علی الطاولة .
حينما أغلقوا عليَّ الغرفة أخذت أفكر في الطرق المتاحة لي من أجل أن أدمر هذه الكرة كما يقولون ، و الحقيقة هي أنني حتی لم أستوعب كلمة تدمير هذه من الأساس ، حينما يقولون تدمير فماذا يعني هذا ، في أول نصف ساعة كنت قد قمت بكل شيء ممكن لسحق الكرة ، بدايةً من وضعها تحت قدم الكرسي ثم الجلوس عليه انتهاءً بكسر قدم الكرسي محاولاً أن أجد شيئاً حاداً يترك علامة في الكرة علی الأقل .

انتهي بي الحال جالساً علی الأرض ممسكاً الكرة بيدي ، كنت غاضباً للغاية ، شخصٌ مثلي يعجز عن حل هذا اللغز التافه ! لقد وصفني البعض بالعبقري و بالأخص من ناحية تعاملي مع الألغاز ، لم يكن كبريائي ليتحمل الأمر ، لذا وضعت كامل تركيزي و أقصی طاقات عقلي لمحاولة حل المعضلة .
كان علي في البداية أن أجد معنی كلمة تدمير هذه ، فللوهلة الأولی قد يبدو الأمر طبيعياً ، لكنك حينما تدقق في معنی الكلمة ستجد أن كلمة تدمير لا تشمل أن تقسم الكرة نصفين أو ما شابه ، بالتأكيد لم ينتبه الكثير علی تلك النقطة ، ظنوا أن عليهم فقط استخدام عقولهم لإيجاد الثغرة في نظام الغرفة و الكرسي و الطاولة.. أن هناك شيئاً معيناً يمكن فعله إذا ما وُجدت الاستراتيجية المناسبة..

تذكرت الشخص الوحيد الذي تمكن من معرفة الحل ، شارك في السنة التاسعة أي السنة الفائتة ، دخل الغرفة و خرج بعد دقائق معدودة و قد أكمل مهمته ، يقولون أنه أخذ الأموال و اختفی ليعيش حياته علی جزيرةٍ ما ، كان تفسير هذا الأمر المثير للريبة هو أنه كان عبقرياً والعباقرة طبعهم غريب عادةً، من الممكن جداً أنه وجد راحته و جنته في تلك الجزيرة ، و لربما هو الآن يشاهد صف من النمل بانبهار ليس له مثيل ، و الحق أن الرجل مهما فعل من أمور غريبة فهو عبقري بالفعل ، أن تجد التكتيك المناسب و تتجاوز هذا العدد من العقول لن يجعلك سوی في مكانة أخری عن عقولهم القاصرة ، و نحن هنا لم نعد نتحدث عن الآلاف ، بل عن مئات الآلاف و ربما الملايين.. تجمعوا علی مدار السنين و مازالوا يزيدون مع كل سنة .

و مع الوقت عدت أظن أن هذا اللغز لن يحله سوی تلك العيِّنة من المخابيل غريبي الأطوار أمثال ذلك الرجل ، و أنا علی الأغلب لست منهم ، لذا لن أتشرف بحله و سأنضم لقائمة الذين حاولوا بشرف ، في آخر الدقائق كنت أعصر عقلي عصراً ، و تمكنت بعد جهد جهيد من أن أفهم اللعبة التي يقومون بها ..

الكرة لن تدمر أبداً ، لا توجد طريقة لتدميرها.. ليس مع الكرسي و الطاولة و المؤقت ، إن هذه الأشياء وُجدت فقط لتعطيك بعضاً من الضوء في نهاية النفق ، ليقنعوك أن الأمر ممكناً و لكن عليك فقط أن تستخدم عقلك و ذكائك ، يدعم ذلك اختفاء الرجل الفائز الذي لم يقابله أحد قط ، يسهل جدا علی الشركة نشر إشاعة مثل هذه ، الغرض الرئيسي منها إعطائهم بعض من الأمل ، و إيضاً تكذيب من قالوا أن الكرة لن تدمر أبداً و أنهم يكذبون ، أما الغرض الرئيسي من المسابقة هو الدعاية.. إسم الشركة انتشر لدی الملايين الآن و ارتفعت أسهمها بشكلٍ غير مسبوق ، و هكذا تكتمل الدائرة ، تستمر الدعاية و يستمر الأمل بالفوز قائماً في أنفسهم ..

لكن الحق أنهم أبدعوا فعلاً في هذه الدعاية ، في البداية اختاروا كلمة ملتوية مثل كلمة تدمير ، ثم بعد ذلك وضعوا جائزة مناسبة ، قد يری البعض أنه طالما لن ینجح أحد أبداً في حل اللغز فعليهم أن يرفعوا الجائزة لأقصی حد كي يجذبوا المزيد ، لكن الحقيقة هي أنه كلما زاد الرقم كلما زاد الشك حول مصداقية المسابقة ، عليك أن تعطيهم رقماً مناسباً لا يجعلهم يشكون في شيء ، كما أنهم اختاروا مادة رائعة.. مادة المطاط لا يمكن تحطيمها ولا يمكن كسرها ، بالإضافة أنها تعطي انطباعاً بعدم سهولة المهمة بالنسبة للمشاركين .. المهمة التي تكسبك مليون دولار إذا أنهيتها ليست بهذه السهولة بالتأكيد .

حينما انتهيت من تحليل كل شيء في عقلي كان المؤقت يشير لتبقِّي ثلاثة دقائق و بضعة ثواني حتی تنتهي الساعة ، حينها تذكرت ما قالوه .. استخدم الأدوات المتاحة في تدمير الكرة المطاطية ، و خطر لي خاطر ظننته سخيف وقتها ، ماذا لو أن الأدوات ناقصة ؟! ماذا لو كان حذائي مثلاً هو أداة ؟!
ثم بسرعة أخذت أستعرض الحقائق أمامي .. إذا دمرت شيئاً ما فإنك إما تحطمه لقطع صغيرة لا تكاد تُرى أو أنك تمحيه من الوجود ، و في حالة الكرة المطاط ربما كلمة تدمير تعني إذابة ، ثم إن ما يذيب كل شيء حتی المطاط لهو حمض.. و تقريباً معدة أي كائن حي تحتاج للأحماض حتی تسهل عملية الهضم ، صحيح أن الأحماض هناك ليست قوية لهذه الدرجة و استخداماتها مختلفة عن إذابة شيء ما ، و لكن عملية الهضم الكاملة قد تدمرها بالفعل ، إذاً هذا ما جعلهم يصنعون الكرة بهذا الصغر !! حتی تتمكن من ابتلاعها ! 

كانت الأفكار تتشابك في عقلي و لم يكن هناك وقت ، في النهاية حسمت قراري ، إذا ما كنت مخطئاً فسوف أجعل نفسي أتقيأ الكرة قبل أن يضرني المطاط ، لو كان مطاطاً بالفعل ..
لربما أكون أنا الأداة ! هذا هو ما فكرت فيه قبل أن أبتلع الكرة الصغيرة و قبل أن تنتهي الساعة بثوانٍ ، و بعد الثواني فُتح الباب و ظهر لي شخص متوسط الطول يهنئني علی نجاحي في الحصول علی مليون دولار ..

اتضح لي أنه لا يوجد تكنيك أو أي شيء من هذا القبيل ، كل ما تحتاجه هو أنت و معدتك ! لكن الجزء الأفضل لم يكن في حصولي علی المليون دولار ، بل في أنني تغلبت علی العديد من العقول و صرت الرجل الذي تمكن من حل هذا اللغز الذي استعصی علی الآلاف قبلي ، أنت أفضلهم و أذكاهم ..

كانت كل هذه الأشياء قبل أن أعلم الحقيقة الكاملة ، قبل أن أعلم أن الكرة المطاطية لم تكن حقاً مطاطية ، و أن ما بداخلها لهو أخطر من المطاط بمسافات ، إن ما بداخلها هو سم ذو مفعول فوري يقتل بعد عدة دقائق فقط ، ظننت أن الأمر مزحة لكن حينما رأيت الأمر في عيونهم أدركت أن الأمر أخطر من اللازم .

إذاً لماذا يقتلون من يعرف حل اللغز ؟ المثل يقول سر الثلاثة سر الجميع ، و مع حالتي سر الواحد سر الجميع ، لم يكن بإمكانهم أن يجازفوا بشخص قد عرف سر اللغز و حله.. ستكون كارثة لو أطلقوه إلی الجموع ، حاولت أن أخبرهم أنهم وعدوا أن لا یؤذوني قبل أن أفطن إلی أنني من أذيت نفسي بنفسي ، حاولت أن أخبرهم أن الشرطة ستبحث عني و ستعرف أنني قد قُتلت مسموماً لكني وجدت أنهم يتعاونون مع الشرطة من الأساس.. و طالما هم يمدون الشرطة بالأموال التي يريدونها فسيبقی الأمر خفياً ، كما أن الأمر قانونيا مائة بالمائة ، فتقنيَّاً أنا من قتلت نفسي و لم يجبرني أحد علی الأمر.. إن الأمر لهو مجرد مسألة أخلاق فقط لا غير ، حاولت أن أقول أي شيء آخر لكنني تذكرت أنهم قد صوروني و أنا أبتلع الكرة بيدي فتوقفت عن المحاولة .

النهـــاية

 

تاريخ النشر : 2017-08-21

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى