أدب الرعب والعام

جروح لم تلتئم

بقلم : سارة الغامدي – السعودية

جروح لم تلتئم
ما هي الجريمة التي ارتكبتها كي أعيش في العذاب ؟

أنا اسمي ادوارد أنجلو
شاب في السابعة عشر من عمري .. سأحكي قصة طفولتي التي حدثت في لندن عام 1991

***

تزوجت أمي من رجل و أنا في سنتي الخامسة ، و لم يكن هذا الرجل لطيفاً معي ، فقد كان يضربني و يجبرني على العمل .

المكان الوحيد الذي كنت أحبه هو جسر برج ساعة بيج بن و كنت أنظر للقوارب فوق نهر التايمز و أشاهد شروق الشمس،و عندما أسير بالطرقات أشاهد الباص الأحمر ذو الطابقين فكانت أمنيتي أن أركب فيه.

أشاهد الأطفال يلهون بالكرة و الأراجيح في الحديقة ، و يتسابقون بالدراجات ، و في الصباح أراهم يحملون حقائبهم الملونة و يسيرون نحو المدرسة ، كلها كانت أحلامي الطفولية التي كنت أريديها ،و لكن عمي مايكل حرمني منها.

كنت أذهب لرفقة سيدات يمشين دون رجل فأبقى معهن أحمل أكياس التسوق و أجلس معهن حتى ينهين تنزهن أو تسوقهن .. فأحصل من كل واحدة مبلغ عشرة يورو ، فإذا كن أربعة حصلت على أربعين و إذا كن خمسة أخذت خمسين و هكذا، كنت أحلم بقطعة نقود أشتري بها حلوى أو شكولاته أو مثلجات التي لم أذق طعمها بطرف لساني .

أعود في المساء لأعطي زوج أمي المال ليشتري سمومه ، و ما إن يأخذها من يدي حتى يصرخ في وجهي: اذهب من أمامي فلا أريد رؤية وجهك يا ابن الـ…

فأسرع لغرفتي لأغرق وسادتي بالدموع ، فأسمع طرقاً خفيفاً على الباب بالكاد أسمعه ،نهضت و مسحت دموعي ثم فتحت الباب لأجد أمي تحمل صينية فوقها خبز و جبن و ماء وضعتها على طاولة بجوار سريري ثم سألتها عن عمي مايكل قالت لي في غرفة المعيشة مع سمومه.
شكرتها ثم غادرت و أعقلت الباب ،نظرت للطعام و لم آكل منه شيئاً سوى كأس الماء شربته و خلدت للنوم .

***

في سنتي السابعة :

أخذت كرسي من خلف أمي لأضعه عند النافذة لأشاهد هطول المطر ، فجأة سمعت صوت ارتطام قوي فأسرعت هناك لأجد أمي تجلس على الأرض تتألم ذهبت إليها و سألتها : أمي هل أنت بخير؟ أجابت أنها بخير ، فأخذها زوجها للمشفى للاطمئنان عليها ، و لازلت أذكر كلام الطبيب الذي قال أنه كسر بسيط تحتاج لشهر راحة من الأعمال و ألا تجهد نفسها كثيراً .

عدنا للبيت و على الرغم من أن أمي سامحتني إلا أن عمي مايكل أمسك بيدي و رماني بفناء المنزل و لم تمنعه توسلات أمي: أرجوك اتركه إنه طفل صغير سيموت برداً ،فكان رده : لست أهتم ، موته سيكون راحة لي .

قال : اسمع ستبقى هنا و بعد أسبوع سأدخلك يا ابن الـ…

انكمشت على نفسي في الزاوية أرتجف ، لم أكن أرتدي ثياباً تقيني البرد.. كنت أبكي و أنفخ في يدي و أفركهما من أجل بعث الدفء فيهما ، أحسست بوفاتي قد اقتربت.

في مساء يوم السبت أدخلني مايكل للمنزل فتوجهت نحو والدتي طلباً للدفء ، أخذتني أمي لحضنها و غطتني بشالها الأحمر ، نظرت لوجهها فوجدت عينيها تفيضان بالدموع.

في تلك الليلة ذهبت لغرفتي و لم آكل شيئاً لمدة أسبوع ، كان الجوع يقرص أمعائي بشدة ، فسمعت طرقاً على الباب ، نهضت و فتحت الباب و إذا بها أمي أعطتني كسرة خبز و تفاحة و غادرت ، تناولت الخبز وتركت التفاحة على الطاولة.

في اليوم التالي :

ذهبت لجسر برج الساعة لمشاهدة شروق الشمس ، بعدها ذهبت لمرافقة السيدات و الحصول على المال، رجعت في المساء و سمعت صوت أمي تبكي و صراخ زوجها يعلو بالشتائم و صوت العصا يصم أذني التي أغلقتها بيدي.

أسرعت لغرفتي ، رميت بنفسي على السرير أبكي، كنت أتمنى أن يموت مايكل لأستطيع العيش مع أمي دون عذاب.

بعد أن سمعت صوت إغلاق باب المنزل،أسرعت لغرفة أمي و حضنتها ، قالت : حبيبي لاداعي للبكاء ، فأنا بخير لا شي يؤلمني.
توقفت عن البكاء و أنا أعلم أن جسدها يؤلمها من الضرب

***

سنتي التاسعة :

أخبرت عمي مايكل أني لا أريد العمل ،نظر لي بوجه غاضب ثم أخذ العصا و أنهال علي بالضرب و الشتائم و البصق بوجهي ، بعدها سحبني بقدمي و أدخلني لقبو المنزل و قال لي: اسمع أيها اللعين ، ستخرج عندما أجد لك عملاً .
أغلق الباب بقوة هزت أركان القبو.

بقيت على الأرض أبكي ، لم أستطع الحركة كل جسدي كان يؤلمني.

كانت أمي ترسل لي الطعام سراً عن مايكل ، كنت آكل القليل فقط ، لم أكن أريد الأكل و لا الشراب ، كان كل ما أريده هو وفاة مايكل الشيطان .

في منتصف الليل عندما هدأ البيت، نظرت حولي لأجد صناديق خشبية مرتبة فوق بعضها البعض تصل لنافذة مستطيلة بلا زجاج، تسلقتها و قفزت للشارع و التجأت لزقاق صغير.

في تلك اللحظة لم أفكر بأمي و لا في سعادة زوجها عند اختفائي .. جلست في الزقاق آكل من النفايات و أنام هناك على الأرض .

بعد أسبوعين :

رجعت للمنزل و طرقت الباب ، فتحت والدتي و ضمنتي ، أما أنا فيداي بقيت نازلة بجانبي لم أحضنها .
دفعتني أمي برفق من أكتافي و قالت كلمات لم أنساها : سامحني إدوارد ، لم أستطع منع مايكل من ضربك و إجبارك على العمل لإحضار المال كي يشتري سمومه.
صرخت قائلاً : سمومه التي لم تقتله أبداً .

فأحسست بشخص يسحب ياقة معطفي من الخلف فنظرت ووجدته عمي مايكل.. قال لي : وجدت لك عملاً مناسباً يا ابن الـ…

أمسك يدي بقوة و أخذ يسحبني و لم توقفه صرخات و توسلات أمي التي جثت على ركبيتها : أرجوك مايكل أعده ، لا تأخذه لا يزال طفل يا عديم الرحمة ، اتركه في حضني يا مايكل .

نظر مايكل نحو والدتي و قال : لماذا أهتم به و هو لن يحضر قوت يومنا ؟ لن أدعه يجلس في بيتي دون مقابل 

ثم حملني تحت ذراعه و لم تنجح محاولاتي للخلاص منه ، في كل مرة أحاول الإفلات منه كان يصفعني على خدي الذي صار أحمراً كالدم ، و ينعتني طوال الطريق بأقذع الألفاظ .. اصمت ، لا أريد تريية أمثالك دون أن يدفع أجر ترتبيتي له

كانت دموعي تنزل قهراً لأني حرمت من والدتي دون ذنب.
وصلنا لمحل لبيع الفاكهة ،أصابني الرعب حين رأيت صاحب المتجر فقد كان رجلاً سميناً مقطب الحاجبين و يدخن سيجارة .

قال عمي مايكل : إنه ابن زوجتي اداورد ، يريد العمل عندك مدة سنتين مقابل مائتي يورو .
قال ذلك الرجل : جاء في وقته .

رحل مايكل و أمسكني الرجل بيدي و أدخلني للمتجر و قال : اسمع يا ولد… ستبيع و تغسل الفاكهة و تنظف المتجر يومياً .
رمى لي بوعاء كبير و قال لي : مجموعة الفاكهة تباع جميعها سمعت ؟ ثم بصق في وجهي و ذهب.

أخذت الوعاء و بدأت بغسيل الفاكهة بماء جمد الدم في عروقي فنفخت فیهما و فركتهما ببعضهما كي يسري فيهما الدفء

بعدها قمت بتوزيع الفاكهة في صناديق خشبية و حملتها و وضعتها فوق طاولة حديدة خارج المتجر ، كنت أرتجف من البرد و أنا أنتظر الزبائن كي تأتوا و يشتروا .

بعد ساعات حصلت على بعض المال و في نهاية اليوم ذهبت للرجل و قدمته له المال ، فقال : مال جيد إداورد .. نظر لي نظرة شياطنية فأمسك بيدي التي اعتقدت أنها كسرت من قوته و سحبني باتجاه مخزن المتجر و قال : ستنام هنا .. 
دفعني من ظهري للداخل و سقطت على وجهي ، بعدها أغلق الباب بقوة ظننت أن المكان سينهدم .

بكيت بكاءً مخنوقاً ، فكلي شوق لرؤية أمي و ماذا حل بها؟ و هل أصبح عمي مايكل سعيداً برحيلي عن المنزل؟ ما هي الجريمة التي ارتكبتها كي أعيش في العذاب ؟

كلها أسئلة بقيت في ذاكرتي بلا جواب .

مر أسبوعان بسلام و لكن في بداية الأسبوع الثالث :

أصبح ذلك الرجل يضربني قبل النوم ، و يصرخ و يبصق في وجهي يشتمني بأبشع الشتائم و لا يطعمني لأربع أو خمس أيام .
كنت أكنس أرضية المتجر و دموعي تنهمر كالمطر على خدي ، كنت أكره وقت غسل الفاكهة أكثر من أي وقت مضى ، بسب برودة الماء.. صار الرجل يركلني و يصب الماء البارد على وجهي كي أنهض من النوم ، أحياناً يطعمني فتات الخبز و أحياناً أخرى فاكهة فاسدة .

في يوم السبت :

هربت من المتجر الذي كان كالجحيم بالنسبة لي إلى زقاق صغير ، و إختبأت خلف برميل النفايات لأسترجع نفسي المتقطع بسب الركض ، فجأة هطل المطر بقوة فابتلت ثيابي و التصقت بجسدي و صارت عظامي ترتجف و تقوقعت على تفسي طلباً للدفء ، عندها فقدت الوعي ..

استفقت لأجد نفسي في غرفة يتوسط سقفها ثريَّا عملاقة و متدثر ببطانية حمراء ، و لما جلست سقطت منشفة صغيرة -كانت على جبيني- في حضني ، و الأريكة كانت ذات لونٍ أصفر .

فجأة دخلت سيدة كبيرة في السن ، و قالت لي أراك استفقت يا بني .
هززت رأسي بمعنى نعم .
قالت : عليك أن تشكر رودي .
قلت متعجباً : رودي !
قالت : نعم ، كلبي قد عثر عليك و نحن في طريقنا للمنزل، عثر عليك ممداً وراء صندوق النفايات و حملتك لمنزلي.

تقدمت نحوي و أمسكت جبيني و قالت : أرى أن حرارتك قد انخفضت.
نظرت لها و قلت : شكراً سيدتي.

خرجت و عادت بعد دقائق حاملة ملابس و قالت : ارتدي هذه و انزع ثيابك المبللة كي لا تصاب بالحمى مرة أخرى ،أخذتها منها و شكرتها ، ثم قالت : سأخرج و سأعود لك بمشروب دافئ.

لبست الكنزة الحمراء و البنطال الصوفي الأزرق،ثم سمعت طرقاً على الباب فقلت تفضل ، دخلت السيدة و هي تحمل كوباً بداخله حليب بشكولاتة (كاكاو) ، قالت لي : تفضل .
أخذته منها و شكرتها و بعد أن شربته قالت : تعال معي .

ذهبت معها حيث اعتلينا درجات السلم الكبير المزين بالنباتات الصناعية ، و لما وصلنا للدور الثاني كان الحائط مزين باللوحات الكبيرة و الصغيرة .. وصوت السيدة قطع علي تأملي فقد قالت لي : هذه غرفتك يا بني .

أسرعت للغرفة و لما رأيتها صدمت بها كثيراً ، كانت كبيرة ،و يتوسطها سرير كبير و موكيت أزرق يغطي أرضيتها و حائطها لونه أزرق نقش عليه سيارات ملونة ، تحت النافذة يقع مكتب أبيض و كرسي أزرق و بجواره خزانة ملاس جدارية.

ربتت السيدة على كتفي و قالت : هل أعجبتك ؟ 
قلت : نعم سيدتي إنها أكبر من غرفتي .
قالت : تعال معي سنذهب لتناول الطعام .

و لما جلست على الطاولة دهشت من أصناف الطعام الموجدة عليها .. قالت ما اسمك ؟ 
قلت : اسمي إدوارد  
قالت : حبيبي هل لك عائلة ؟
نظرت لها ثم أنزلت رأسي و ذرفت دموعي .. فقالت آسفة يا عزيزي أعتذر .

أخبرت السيدة بقصتي كاملة ،فلما رفعت رأسي وجدتها تمسح دمع عينيها ، ثم قالت : كم عمرك ؟ أجبتها : تسع سنوات  فتساءلت كيف لطفل يحتمل كل هذا العذاب و الحرمان .

نهضت السيدة و حضنتني و مسحت على شعري و قالت : لا تحزن سأكون والدتك و سأعلمك القراءة و الكتابة و الحساب.
هززت برأسي موافقاً ، فقالت : نادني ماما روز ، فقلت : لماذا؟
قالت : كان لي طفل بعمرك و توفي في حادث سير في طريق عودته من المدرسة ، فسألتها : و زوجك ؟  فقالت : تركني منذ وفاة طفلي .
قلت : هذا أمر محزن ماما روز .

عشت أجمل أيام حياتي عند ماما روز ، فقد أكلت أصناف طعام لم أذقها في حياتي مثل الكعك ، اللحم ، الحساء ، السمك ، الكوكيز ، المثلجات ، رقائق البطاطس ، الشكولاته و السكاكر .
و تعلمت كتابة الحروف ، قراءة الكلمات ،تعلمت حساب الأعداد ، تعلمت العزف على البيانيو ، لبست ملابس بألوان زاهية برسومات طفولية ، فكل ملابسي كانت باللون البني و الأسود و الرمادي و تحصل عليها أمي كصدقة من بعض المحسنين في الكنسية .

كنت ألعب مع رودي في فناء المنزل بالكرة ، كنت أخرج مع ماما روز للحديقة للتنزه و مرة للتسوق و كنت ألهو مع الأطفال بالكرة و نتسابق بالدراجات و نطيِّر الطائرة الورقية .

ذات يوم سألت ماما روز بخوف : أخشى أن يعثر علي عمي مايكل .
مسحت على شعري و قالت : لا تخف لن يجدك ، نحن في شمال لندن و أنت كنت في جنوبها .
شعرت بالارتياح بعد سماع كلامها ، في كل مرة أتذكر أمي تذرف دموعي و لم أفكر بالعودة للمنزل خوفاً من عمي مايكل الذي كان كالكابوس بالنسبة لي .

***

بعد سنتين :

كنت قد بلغت الحادية عشر .. و في تمام العاشرة صباحاً طلبت من ماما روز الذهاب لزيارة والدتي فقد اشتقت لها كثيراً .
قالت : اذهب بني ، و لكن انتظر.. أعطتني 200 يورو .

قلت : لماذا ؟
قالت : أعطها لعمك مايكل.
قلت : شكراً ماما روز.

خرجت من المنزل و توجهت نحو منزلي الحبيب ، على الرغم من أن حرارة الشمس تغلي دماغي لم أهتم ، فكل همي هو رؤية والدتي ، و لم أفكر بعقابي من عمي مايكل .

وصلت للمنزل في تمام الخامسة مساءً ، و لما دخلت ناديت والدتي .. أمي ، أمي، أين أنت ؟ فأتى صوتها من غرفتها فأسرعت لهناك ، و لما دخلت وجدتها ممدة على السرير و قالت بوهن : تعال حبيبي ، تقدمت للأمام و جلست على طرف سريرها ، و قالت : إداورد أين كنت ؟ أخبرتها بقصة ماما روز .
قالت : ارتاح قلبي ، لكن اسمع يا بني ، سأخبرك بأمور هامة أنصت لي جيداً .
قلت:نعم.

قالت : زوجي بحث عنك و لم يجدك ، فقام ببيع كليتي بمبلغ باهظ ثم اختفى، و والدك يا إداورد توفي في السجن قبل خروجه بأسبوع بسب امتناعه عن الطعام ، فالصحف تكلمت عن ذلك يا بني.

قلت : منذ متى و والدي في السجن.
قالت : منذ أن كنت في الخامسة من عمرك.
قلت : لماذا دخل السجن
قالت  :ربسب اتهامه في جريمة قتل ، و طلبت الانفصال عن والدك .
قلت : ثم تزوجتي من مايكل .

قال : لم يكن أمامي خيار عزيزي ، فكل همي كان أنت ، ظننت أنه رجل طيب سيهتم بك و يرعاك، و لم أكن أتوقع أنه سيكون قاسٍ عليك ،لأنه وعدني برعايتك و معاملتك مثل ابنه ، و أخفيت أوراقك الثبوتية تحت سريري في صندوق ، حتى لا يراها مايكل و يحرقها.

ضمتني أمي لصدرها و قالت : اسمع حبيبي ساعة الوداع حانت ، ضممتها و قلت : لا ، لا ترحلي لم يعد لي غيرك في الدنيا يا أمي ، لا تتركيني لوحدي أرجوكِ .

لكن أمي توفيت و قالت لي : سامحني يا إداورد لأني قتلت طفولتك.
كلماتها الأخيرة كانت كسكين طعن بقلبي .
ضمتت جسدها و بكيت و انتحبت و لم أشعر بالوقت إلا عندما رأيت وهج الشمس الأحمر يغطي الغرفة ، لفتتها في البطانية و سحبتها للحديقة و دفنتها هناك ، ثم رحلت تاركاً المنزل.

توجهت لبرج لندن و أخرجت المائتيّ يورو التي أخذتها من ماما روز و رميتها في نهر التايمز و جلست هناك كمشرد كسير القلب ، تذرف دموعي دون توقف ، فلا يوجد أقسى من وفاة شخص أمام عينك .. 

عرفت شوارع لندن و عرفتني ، كنت أكل من النافايات و أنام بالأزقة.. لم أفكر بالعودة لماما روز لأن حزني على فقد والدتي أنساني طريق العودة لمنزلها الذي ضمني سنتين .

في سنتي الثالثة عشر :

قابلت رجلاً فرنسياً و زوجته عند جسر ساعة بيغ بن ، أحزنهما منظر ملابسي الرثة و شكلي الأغبر و جسدي الهزيل.
سألني السيد و قال : ما إسمك ؟ قلت : إدوارد ، قالت زوجته : ماذا تفعل هنا ؟ أخبرتهما بكامل قصتي من بدايتها لنهايتها ، ضمتني الزوجة و قالت : هل عشت في كل هذه المعاناة و أنت صغير ؟!

رتب السيد أمور سفري بعد أن أعطيته أوراقي الثبوتية المخبأة تحت سرير والدتي ، اشترت لي السيدة ثياباً جديدة ارتديتها و نحن في طريقنا لمحطة القطار .

ركبت القطار المتوجه لباريس ، كنت مجبر على وداع لندن المدينة التي عشت فيها طفولة معذبة لأنه لم يعد لي سبب للبقاء هناك ، والدتي توفيت ، والدي توفي و لا أعرف أقارب والدي أو والدتي ، و ماما روز لن تعيش طويلاً .

الرحيل عن لندن كان إجباري بسب عمل السيد في باريس ، لذلك لم أستطع وداع ماما روز التي اهتمت بي ، و أرجو أن تسامحني.

كل ما عانيته في الطفولة من الضرب ، التجويع ، البصق و الضرب على وجهي ، الشتائم الخادشة للحياء ، الإجبار على العمل ، حرماني من حضن أمي و الذهاب للمدرسة و اللعب و تناول الحلوى كباقي الأطفال .

كلها جروح لن تلتئم و ستبقى بذاكرتي ما دمت حياً .

و السؤال الباقي دون جواب .. هل ماتت أمي بسب بيع مايكل لكليتها ؟ أم بسب حزنها على غيابي ؟

***

قصتي من بين مئات القصص في العالم ، عن أطفال لاقوا العذاب من زوج الأم أو زوجة الأب .

كتبت قصتي بعد أربع سنوات عشتها في كفالة السيد و زوجته لأقدم لكم رسالتي التي كتبتها بدموع القهر و الحرمان لكل أب فقد زوجته و لكل أم فقدت زوجها :

أطفالكم كنز ثمين اختارو لهم من يرعاهم و يهتم فيهم ، لا من يعذبهم و يترك في قلوبهم جروح لا تلتئم أو قتلهم بدم بارد .

 

تاريخ النشر : 2017-08-24

سارة الغامدي

السعودية
guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى