أدب الرعب والعام

من انا ؟

بقلم : عثمان محمد – السعودية

من انا ؟
طنين .. طنين .. أينما ذهبت وأينما التفت وأينما نظرت ..

طنين .. طنين .. أينما ذهبت وأينما التفت وأينما نظرت , ينظرون لي كأنني من فعلها .. حمقى أغبياء .. أين اذهب؟!! .. أريد الابتعاد عن نظراتهم , لا يفقهون شيء مما حدث , لا أستطيع الإكمال , الطريق طويل ساقاي لم تعد تستطيع حملي , لكن لا زالت نظراتهم تتبعني . أقسم أن نظراتهم لا تمل ولا تكل وأحاديثهم وهمساتهم لا تتوقف عني , أريد التوقف لا أستطيع الإكمال .. لكن .. لكن ماذا سيقولون عني؟ .. هل سيقولون أنا من فعلها .. فليذهبوا للجحيم , أقسم أنني لم أفعلها .

 كنت موجوداً وقتها لكن لم يكن لي يد في الأمر .. حاولت منعهم فكبلوني وفعلوها أمامي .. بكيت إلى أن جفت دموعي .. صرخت حتى كتم صوتي , لكن بلا فائدة , فكأن المكان وقتها كان في حفرة مظلمة في صحراء ليلاً .. لا يستطيعون الناس سماعي ولا استطيع رؤيتهم .. انتهوا من فعلتهم الشنيعة , تركوني وكأني لم أكن موجوداً .. نظرت إليها كانت مغطاة بالدماء .. كانت مستلقية بشكل غريب على الأرض , صرخت وبكيت وناديت , كنت أعلم أن لا أحد يستطيع سماعي .. لكن جسمي لم يستطع التحمل .. ولم يستطع التوقف عن الإرتجاف  .

 قبل يومين من الآن كنت أداعبها .. أحادثها .. وكانت مستمتعة .

سمعتهم يتهامسون خارج غرفتي .. خرجت أستعلم عن الأمر فسكتوا فجأة , ونظروا لي .. نظرة شفقة من رأسي لأصابع قدمي .. فذهبوا بدون أي كلمة واحدة , رجعت أداعبها أكلمها كما كنت أفعل كانت متجاوبة معي لكن لم تكن تتكلم معي , في الحقيقة لم تتكلم معي منذ أشهر عديدة .. حاولت إرضائها بشتى الطرق لكن لم تنطق بحرف , قلت لها وأخبرتها مراراً وتكراراً أنني حاولت الحصول على وظيفة .. لكن لم يقبل بي أحد , كانوا ينظرون لي نفس نظرة الشفقة التي أراها بعين كل شخص .. لا أحد كان يحبذ فكرة الكلام معي , فكنت أرجع إليها وكانت تنظر لي نظرة حنان .. نظرة دافئة لكن من دون كلام .

حاولت إقناعها بالكلام لكن دون جدوى , وتوسلت لها حتى أن تكتب لي بالورقة لكنها لم تفعل , حتى عندما كنا نخرج من الشقة مع بعضنا البعض , وكنت أناقشها وكنت أبكي لها لكي تتكلم معي , لكن لم ينتج عن ذلك سوى همسات منظفي الشقق الغريبة حولنا .

لكن كنت مستغرب من شيء واحد هو أن مدير الفندق كان يفرض علينا أن نلبس الملابس ذات اللون السماوي .. وحتى من دون ملابس داخلية !! , وكان أغلب الناس الساكنين جوارنا يتصرفون بشكل غريب .. فبعضهم كان يصرخ بدون سبب .. وبعضهم كان يبكي إن رأى شخص من منظفي الغرف .

كانوا هم من يقدمون لنا الطعام كل يوم لكنهم لم يكونوا يقدموا الطعام لها , فلم يكونوا يعبرونها أصلا .. وكأنها غير موجودة , فكنت أتركها تشاركني طعامي .
لكن ذات يوم حضر مدير الفندق وبعض من منظفي الغرف معه إلى غرفتي , وعندما سألته ما سبب حضوره قال لي أنها مجرد زيارة بسيطة .. لكنهم كانوا يفتشون غرفتي بحثا عن شيء لا أعلم ما هو .. اعتقد أنهم لم يجدوه فخرجوا .. فاعتذر مني المدير وخرج معهم .

اليوم التالي كان هو اليوم المشؤوم , كنا راجعين أنا وهي للشقة وعندما دخلنا ذهبت هي لتستلقي على السرير وكالعادة لم تحادثني ولا بحرف , ذهبت أنا للصالة لكن رأيت ورقة على الرف لم تكن موجودة هنا من قبل .. لا بد أن أحد منظفي الغرف تركها هنا بالغلط عندما كانوا يفتشون الشقة بالأمس , كانت مطوية وكأنها كانت في جيب أحدهم .. ذهبت وأخذتها لأقرأها وأتت كالآتي :

                                               مستشفى …… للأمراض العقلية

اسم المريض : ( اسمي ) .

حالته : قتل زوجته قبل عام وقد برئ من قبل المحكمة لحالته المرضية وقد حُول الى هذا المكان للعلاج , حالته المرضية خطيرة حيث يعيش حالة شديدة من الأوهام بإعتقاده أنه يسكن في فندق وأن الأطباء هم منظفي الغرف , وأن مدير المستشفى هو مدير الفندق وأن المرضى هم ساكنين في الفندق , بل والحالة الأخطر التي تصنفه من أكثر الناس المحتاجين للعلاج السريع هو تعلقه بكلبته واعتقاده أنها زوجته , بل وصل الأمر معه أنه يحدثها وينتظر منها أن ترد عليه , ويبكي ويتوسل لها لكي ترد عليه .

العلاج المقترح : قتل الكلبة لكي ينساها ولكي لا تشتد حالته المرضية .

الطبيب المنفذ : ……..

توقيعه: د……….

مدير المستشفى : السيد……….

توقيعه : السيد………….
العام 1971

…………………………………………..

لم أصدق ما قرأته للتو .. أردت البكاء , بدأت حالة من الارتجاف تتملكني , فكرت بالهرب , ففتحوا الباب علي فجأة , لم أتمالك نفسي وبدأت بالبكاء الشديد وزادت رعشتي كثيرا .. فسمعتهم يقولون ( كبلوه .. كبلوه يحتاج علاجه ) , أتوني ثلاثة وكبلوني بالكرسي وادخلوا إبرة في جسدي , بدأت رعشتي تخف شيئا فشيئا , فذهبوا للكلبة فصرخت أرجوهم بعدم قتلها .. لكن نظراتهم الباردة لي لم تعبر عن شيء .. أخذوها فقاومت وعضت يد الطبيب واختبأت خلفي وأنا أبكي , أتوا ليأخذوها فكشرت عن أنيابها , فأخرج المسدس ليقتلها , فصرخت متوسلا وأنا لا زلت مكبلا بالكرسي , أطلق النار عليها .. فأرداها ميتة , فخرجوا جميعا وتركوني مكبلا بالكرسي وتركوها غارقة في دمائها .

حاولت التملص من الكرسي , فتخلصت منه , ركضت الى الحمام فرميت بنفسي من النافذة وهويت إلى القاع .. نهضت وقدمي اليسرى تؤلمني , وجنبي الأيسر وذراعي كذلك , ركضت من دون توقف , أردت التوقف لكن لا أستطيع , علي أن أواصل الهرب .. علي أن أركض .
                                                               ~انتهت~

تاريخ النشر 23 / 04 /2014

guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى