أدب الرعب والعام

قمر

بقلم : ايمي – الجزائر

قمر
أحب مشاهدتها عندما تلعب 

أمي و أبي انفصلا عندما كان عمري 5 سنوات ، نعيش في بيت جدتي أنا و أمي و جدتي و خالي و زوجته و قمر .

في ليلة عاصفة كانت الثلوج فيها قد قطعت الطرق ، و الجو شديد البرودة ، و بما أننا كنا نعيش خارج المدينة لم يكن هناك غاز .. كنا نستعمل المواقد القديمة للتدفئة . ككل ليلة نجتمع كلنا عند الموقد و أضع رأسي عند جدتي لتلعب في شعري ، ولكن تلك الليلة كانت مختلفة ، فقد شعرت زوجة خالي بوجع الولادة رغم أنها كانت في بداية شهرها الثامن ، اتصل خالي بالاسعاف لكنهم قالو أنهم لن يصلوا إلا بعد ساعتين على الأقل لأن الطريق مقطوع .

تكفلت جدتي بالأمر وتمت الولادة بخير ، طفلة في غاية الجمال ، بشرتها كانت بيضاء كالثلج ، و شعر أسود كسواد الفحم ، انبهرنا جميعاً ، فحتى أنها لم تبكي مثل الأطفال ! بل كانت تحدق في وجوهنا ثم نامت بكل هدوء ، لم تكن مزعجة أبداً  .

أما أنا فقد تعلقت بها منذ تلك الليلة ، فكانت رائحتها طيبة كالمسك بشكل غريب ،زوجة خالي نهضت بشكل عادي وقالت أنها لم تشعر بالألم أبداً ! حل صباح جديد ، ذهبنا أنا و خالي و زوجته و قمر إلى المدينة ليعاينها الطبيب و نسجل اسمها . كنت انظر إليها طوال الطريق ، فرغم برودة السيارة إلا أنها كانت نائمة بكل هدوء و جسمها كان دافئاً للغاية .

وصلنا  إلى المشفى و عاينتها الطبيبة ، انصدمت و قالت رغم أنها مولودة في البيت إلا أن صحتها جيدة جداً و وزنها كذلك و حتى زوجة خالي ، أتممنا الإجراءات و عدنا للبيت .

يوم بعد يوم كبرت قمر وبلغت ال3 سنوات من عمرها ، و أنا كنت قد أيقنت أنها ليست طفلة عادية ! في البداية لم تأخذ وقتاً لتعلم المشي .. فقط يومان و بدأت تمشي جيداً ! لم تكن تلعب مع الأطفال ، فقط تكتفي بالجري و الجري و الدوران حول نفسها ، أحب مشاهدتها عندما تلعب ، و حتى عندما تسقط لا تتألم  ! تكتفي بالنهوض و لا تبكي إلا نادراً .

دخلت قمر المدرسة و رغم سنها الصغير 7 سنوات كانت تتحدث الانجليزية و الفرنسية و العربية !! و كانت معلمتها تقول أنها عبقرية رياضيات .. تعلم دروساً لم تدرسها بعد .

أصبح عمرها 9 سنوات و أصبحت في غاية الجمال ، كانت بيضاء مع شعر بلون الفحم ، و عينيها كبيرتان بسواد الليل ، و نظرتها حادة ، حتى أن الجميع يتجنب النظر إليها ، و البعض يقول أن نظرتها مخيفة  ،و لكن أنا أجدها في غاية الجمال و احبها كثيراً .

اذكر جيداً ذلك اليوم ، نهضت صباحاً و كنت على وشك الذهاب إلى عملي حتى جاءت قمر و قبلتني وبدأت بالنظر إلى وجهي ثم ابتسمت في وجهي ابتسامة لطيفة جداً تحمل الكثير من المعاني . ذهبت و علمت بأمر ترقيتي ، فرحت كثيراً و تذكرت قمر ، اشتريت لها هدية في طريقي ، ووجدتها تنتظرني عند عتبة الباب ، كانت ترتدي فستاناً أحمر صيفياً جميلاً جداً ، اقتربت مني و قبلتني و قالت لي .. أين هديتي ؟! صدمت كثيراً لأن قمر رغم صغر سنها تعرف أن وضعنا المادي ليس جيداً ولا تطلب منا أي هداياً . ابتسمت و أعطيتها هديتها ، وبدأت ترقص فرحاً تعبيراً عن سعادتها .

في يوم من الأيام اقيمت مسابقة في مدرستها ، و طلبت مني الذهاب معها ، كانت المسابقة تتضمن الهجاء و حل معادلات .. و اختتاماً سباق جري .

أصبت بالذهول حقاً ، كانت تنطق الكلمات بكل سرعة حتى عم القاعة تصفيق حار لها ، و بالنسبة للمعادلات فطريقتها عبقرية جداً و حصلت على المرتبة الأولى ، و بدأ السباق ، أعطيتها قليلاً من الماء ، و ربطت شعرها ذيل حصان ” كانت في قمة اللطافة ” .

بدأت بالجري بسرعة خيالية و سبقت كل التلاميذ حتى الذكور منهم ، وفازت هنا ، أدركت تماماً أن الفتاة تملك قوى غير طبيعية .

بعد أيام بدأت بالتلميح إلى جدتي عن قمر ، ثم أخبرتها بالموضوع كاملاً ، و اجابتني جدتي أن قمر طفلة زوهرية .. و ربما تملك حارساً من الجن ؛ لأن الزوهريين بدورهم حراس لكنوز الأرض ، فقمر تملك خطين يقطعان كفيها و خط في لسانها بشكل طولي  ، و تمزق طفيف في نهاية جفنها ، و نظرتها الحادة مع بريق خاص .

بدأت أتعمق في موضوع قمر ، فقد كنت من عشاق الماورائيات ، و لاحظت أنها تبتسم و حدها مع الفراغ ، و عندنا تكون تلعب تتحدث وتتقاسم الأشياء مع الفراغ  ، قالت أنها تلعب مع صديقتها عايدة ، وذات مرة أتت من المطبخ و في يدها كأس ماء ، تعجبت فهي لا تستطيع الوصول إلى الماء الموضوع في أعلى الثلاجة !فقالت أن الرجل اللطيف ساعدها ، تجمدت من الخوف فقد كنت أنا وهي فقط في البيت ، و قالت لي لا تقلقي .. فالرجل لطيف وقد ساعدها أكثر من مرة .

و كذلك كل من يؤذيها يصاب بالأذى بعدها ، فمرة صرخت جارتنا في وجهها و قمر بكت كثيراً  تلك الأمسية . غداً علمنا بمرض نادرأصاب جارتنا ونقلوها إلى المشفى .

بعد الحاح طويل مني لزوجة خالي في الأخير هي أمها ربما تعرف شيئاً عن الفتاة التي سلبت كل تفكيري .. اجابتني أنها سوف تقول ولكن يبقى سر بيننا  ، وأردفت في أمسية وجدت قطاً  صغيراً ، في الفناء أعطيته بعض الحليب و أطعمته و وضعته تحت السلالم ليحتمي من البرد ، ثم في الصباح لم أجد القط ، نسيت الموضوع ومر اسبوع ، و حلمت في الليل برجل عشريني مع قط “هو نفس القط الذي وجدته ” تشكرني الرجل وقال أنني سوف استلم هديتي غداً ، وأشار إلى بطني ، في اليوم التالي ولدت قمر و أدركت أنها هدية من الرجل الذي هو  على الأحرى جان  .

تعجبت كثيراً من القصة وتظاهرت بنسيان الموضوع ، ذهبنا لنأكل وجبة العشاء وكانت قمر غاضبة من أمها ، أقسمت أمها أنها لم تفعل شيئاً لها .

بعد العشاء جلسنا نتسامر في الفناء ، و طلبت أم قمر من قمر أن تأتي عندها وتجلس في حضنها ، رفضت قمر و صرخت ، قالت أمها لها .. ماذا فعلت لك  أنا ؟؟ قالت قمر .. السر يا أمي !

نظرنا بتعجب لبعضنا ، و بحلقت قمر في أنا و أمها ، كانت غاضبة جداً  ، نظرت إليها أمها وقالت .. كان يجب أن تعرف بالموضوع ، ألا تحبينها ؟؟

 نظرت إلي قمر و ابتسمت وقالت ” نعم ” ثم ذهبت لتلعب .

سألت زوجة خالي هل قمر تعرف بالموضوع ، أقسمت أنها لا تعرف فهي طفلة صغيرة ، وأنها قالت هذا الكلام عن طريق الحظ .

في النهاية أدركت تماماً أن قمر هدية .. هدية خارقة للطبيعة ، و زاد حبي لها يوماً بعد يوم .

تاريخ النشر : 2017-08-30

ايمي

الجزائر
guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى