أدب الرعب والعام

علي نائم

بقلم : أحمد بن شعبان – Libya
للتواصل : [email protected]

كلما نام وجد نفسه في مكان و زمان مختلفين

في يوم من الأيام بعدما عاد علي إلى المنزل بعد يوم عملٍ عادي غيّر ملابسه وضبط المنبه و اتّكأ على الفراش و نام نوماً عميقاً ، بعد قليل فتح عينيه في الحلم و هو في غرفة يعرفها على فراش يعرفه في منزل يعرفه في يوم يعرفه و يعرف كل تفاصيله ، و ذلك اليوم بالتحديد هو الأسوأ في حياته و هو يوم وفاة والدته في حادث سير عنيف أودى بحياتها ..

و بما أنه يعلم كل ما سيحصل خلال هذا اليوم انتظر عدة ساعات حتى حان وقت خروج أمه فهو يعلم كيف ستموت و متى ، فذهب إليها لمنعها من الخروج و منعها من قيادة السيارة في ذلك المشوار .

في البداية أمه لم تكترث له لأنه كان يمنعها من الخروج دون سبب لدرجة أنها غضبت و قالت له سوف أذهب إن لم تخبرني ما السبب ، وهو لا يريد إخبارها أنها ستموت في الطريق إن خرجت ، لكنه أصر على عدم خروجها و قال لها لا يمكنني إخبارك أرجوك فقط ابقي في المنزل كان يقولها و هو يكاد يبكي عرفت أمه حينها أن الأمر جدّي و لم تخرج ..

رنّ المنبه و انتهى الحلم و استفاق علي من النوم و هو مرتعب يتعرّق و يمسح دموعه و من شدة تصديقه لما حدث في الحلم ذهب إلى منزل أمه ، المنزل الذي كان فيه في الحلم لكنه صدم لأنه لم يكن هناك أحد ، وجد سيارة أمه في الجراج و لازالت سليمة مما يعني أن أمه لم تمت في ذلك الحادث لكنها ماتت بطريقة أخرى هو الآن لا يعرفها بسبب تغييره للأحداث .

خرج من المنزل وهو حائر لم يعلم ماذا عليه أن يفعل الآن ، و كان يقول في نفسه كأنه يخاطب أمه ليتني تركت الأمور على حالها على الأقل كنت أعرف كيف ستموتين .. و مرة يقول هذا مجرّد حلم لكنه كلما تذكر أن السيارة لازالت سليمة يكاد يجن لدرجة أنه بدأ يشك أن أمه ماتت في حادثٍ أصلاً و ظلّ على هذه الحال لأكثر من أسبوعين .

بعد مدة في يوم من الأيام كان نائماً ، وقد أخذه الحلم إلى أيامٍ عاشها في الماضي كما في المرة الماضية ، وهذه المرة أعاده إلى أيّام الطفولة و المدرسة الابتدائية .
كان يوماً مدرسياً عادياً كان الجو ممطراً و علي عائد من المدرسة إلى المنزل ، وصل علي إلى المنزل و بدأ يطرق الباب ، تأخر أهله في فتح الباب له فضربه بقدمه و كان حذاؤه ملطخاً بالطين ، وبعد قَلِيل فتحت له فتاة صغيرةٌ الباب نظر إليها لكنه لم يعرفها لأنها لم تكن شخصاً قد رَآه من قبل ..

انتهى الحلم و تداخلت أصوات الطرق بين الواقع وما يعيشه في الحلم لأن صديقه كان يطرق باب شقته و عندما تأخّر علي طرق بقوّة ، عندها استفاق و فتح الباب ، قال له صديقه أين كنت في اليومين الماضيين لقد غبت عن العمل يومين فاستغرب علي من هذا الكلام لأنه متأكد من أنه لم يتغيّب عن العمل ، لم يخبر صديقه بأي شيء وقال له لقد كنت مريضاً و سايره في الحديث حتى ذهب ، شعر بحدوث شيء غريب ، فكلما نام و استيقظ يخبره من حوله بأمور لم يفعلها و لم يدرِ بحدوثها .

حاول النوم من جديد و العودة إلى الحلم ، أراد أن يعرف من هذه الفتاة و ماذا تفعل في منزل العائلة لكنه لم يستطع ، فذهب إلى ذلك المنزل و هو نفسه منزل أمه ، فوجد آثار حذائه موجودة على الباب و الطين أمام الباب لايزال رطباً وكأن الحلم قد حدث بالأمس .

في صباح يوم عطلة عليِ ، أشرقت الشمس و دخل ضوؤها من النافذة على وجه علي ، فاستفاق و وجد نفسه نائماً على الأريكة مرتدياً ملابس العمل ، لم يتذكّر منذ متى وهو نائم هنا لكنه لم يعر الأمر اهتماماً .

ذهب ليغيّر ملابسه فنظر في المرآة فوجد أن لحيته قد نمت قليلاً ، تذكّر آخر مرة حلق فيها ذقنه كان متأكداً أنها بالأمس ، شعر أن الأمر غريب لكنه لم يهتم كثيراً إلا أن ذهب إلى المطبخ فوجده في حالة فوضى عرف أن هناك شيئاً ما يحدث ، أراد أن يتأكد فذهب مسرعاً إلى سيارته فوجد أكواب القهوة الفارغة و الوقود يكاد ينفد و هاتفه ملقى و بطاريته فارغة عرف أن الأيام قد مضت وأنه كان يأكل و يشرب و يذهب إلى العمل دون أن يدري كم يوماً قد مضى و ماذا حدث خلال هذه الأيام .

ذهب إلى مدير عمله و كان صديقاً له و طلب منه أن يعطيه إجازة ، فقال هل تعاني من أي مشكلة في العمل أو خارجه ؟ أخبرني ربما يمكنني المساعدة .
تردد في إخباره بما حدث مَعَه لكنه فعل ، شعر المدير أن ما يتحدث عنه حقيقي و قد حدث فعلاً لكنه بالطّبع لم يصدق ، ضحك علي وقال أعرف أنك لم تصدق ما قلت ولكن هذا كل ما لدي .
عرف المدير أنه ليس بخير و أن حالته النفسية ليست جيدة فأعطاه الإجازة ، و قال له خذ قسطاً من الراحة واسترخي و إن لزم الأمر اذهب لزيارة طبيب نفسي .

ذهب لمدينة أخرى و استأجر شقة فيها محاولاً الابتعاد عن روتين حياته السابق قدر الإمكان ، شعر علي بالراحة و نام جيداً لعدة أيام ، في ليلةٍ من الليالي بينما كان نائماً بدأت الأحلام من جديد لكن هذه المرة كانت أحداث لم يكن قد عاشها من قبل ، كان الجو مظلماً و السماء رمادية تكاد تمطر و الساعة حوالي السادسة بعد العصر ، كان علي يقود سيارة و بجانبه رجل بدا شديداً و منضبطاً و كان صغيراً في السن ، كانت ظاهرةً عليه مشاعر الحزن الشديد لم يستطع التعرف عليه .

لم يتحدث الرجل إلا لإرشاده الطريق ، و عندما وصلوا كان المكان مقبرة و هناك أناس حوالي الخمسين شخصاً ، تعرّف علي على البعض منهم فأغلبهم كانوا من العائلة .
في البداية لم يعرف الجنازة لمن لكن عندما اقترب بدأ الناس يعزّونه هو و الرجل الذي كان معه في السيارة ، عندها أدرك أن الجنازة جنازة والدته ..

لكن ما علاقة هذا الرجل بجنازة أمه .

رغم أنه يتذكر جنازة والدته بعد موتها في حادث السيارة إلا أنه لا يتذكر أياً من الأحداث التي وقعت في الحلم ، فيومها لم يقد السيارة و الجو لم يكن غائماً وهو لم يرَ هذا الرجل في حياته .

الأحداث التي رآها علي في الحلم حدثت بعد إنقاذه لأمه من حادث السيارة أي أنه رأى ما حدث بعد موتها بالطريقة التي هو لا يعرفها ، حينها أيقن بأن ما يحدث في أحلامه يؤثّر على واقعه ! من هذه اللحظة قرر علي أنه كلما عادت به الأحلام إلى ذكرياتٍ سيئة و أخطاء ارتكبها سيحاول تغيرها و إصلاحها ..

اعتاد علي على هذه الأحلام والأشياء الغريبة التي تحدث و عاد إلى المدينة و العمل و تابع حياته كما كانت من قبل .

في صباح يوم السبت كان علي في منزله و فجأةً طُرِق الباب فذهب ليفتح و عندما فتح وجد الرجل الذي رَآه في الحلم أمام بابه ، صافح الرجل علي و دخل المنزل دون إذن و يتصرّف كأنه يعرفه منذ سنوات طويلة .

جلس و بدأ يتحدّث عما فعله اليوم و عن حياته و علي ينظر إليه نظرة تعجّب و استغراب دون أن ينطق بحرف ، ثم قاطع حديثة و قال له بعصبية :
– من أنت ؟ رأيتك في جنازة أمي ، بل كنت معي في السيارة عند ذهابي إلى المقبرة .
فردّ عليه :
– هل أنت بخير علي ؟ ماذا يحدث لك أنا أخوك وليد .
فقال علي :
– أنت تكذب ، فأنا لم يكن لي في حياتي أخ .. و سأله :
متى ولدت ؟ 
فقال :
– أنا أصغر منك أنا أخوك الصغير يا علي ، ماذا يحدث لك ؟
ثم قال علي :
– كيف ماتت أمي ؟ 
– ماتت بأزمة قلبية و أنت تعرف هذا .
– ما اعرفه انها ماتت في حادث سير !

تداخلت الأحداث على علي و توتّر و لم يعرف ماذا يفعل ، فطلب من وليد الرحيل .
رحل وليد و قال له سأعود لأتأكد أنك بخير ، لا يمكنني تركك على هذه الحالة .
كان ذاهباً و هو يصيح سأعود يا علي سأعود .

كان علي يفكّر ليلاً و نهاراً ليومين متتاليين يحاول ترتيب الأحداث ليفهم كيف لهذا الشخص أن يكون أخاه ، بعد يومين عاد وليد و طرق الباب وأدخله علي و جلسا .
سأل علي وليد :
– هل أنت متأكد إِنَّك اخي ؟
– نعم متأكد 

و سأله ما إسم امّك و أبوك ؟ قال ليلى و مصطفى ، ضحك و قال و أنا كذلك ، روى عليِ كل ما حدث معه بالتفصيل لوليد و في النهاية قال له :
– لقد ولدت بعد ما أنقذت أمي من الحادث ، يعني أنه لو لم تعد بي الأحلام إلى ذلك اليوم لما كنتَ موجوداً أمامي في هذه اللحظة ، وقال له لا تخبر أحد فلا أحد يعلم غيرك ، فقال له وليد و ماذا عن مديرك في العمل ؟ لقد أخبرته فقال له لا بأس فهو يعرف فقط نصف القصّة وهو لم يصدقني .

ولكن يبقى لغز تلك الفتاة الصغيرة التي فتحت لي الباب من تكون و ما علاقتها بمنزل العائلة ؟؟

 

تاريخ النشر : 2017-09-29

guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى