تجارب من واقع الحياة

بين الضوء و الظل

بقلم : حائرة – العالم

مرضي يجعل مزاجي يتراوح ما بين الهوس و الاكتئاب

مرحباً يا أصدقاء ، جئت إليكم اليوم حائرة وباحثة عن حل لمشكلة معقدة قليلاً ، أولا أنا فتاة في العشرين من عمري أعاني منذ طفولتي من مرض الثنائي القطبي- وهو مرض يجعل مزاج صاحبه يتراوح مابين السعادة والنشاط المفرط وهي نوبة الهوس ثم العكس تماماً في نوبة الإكتئاب- وربما طيف التوحد ، و أيضاً مع حالات ونوبات غضب شديدة أؤذي خلالها الآخرين بشدة وأشتمهم وأؤذي نفسي أيضاً كأن أمزق ثيابي أو أغرق نفسي عمداً وأكسر الأشياء..

بإختصار مريضة نفسية شديدة المرض وأحياناً أهلوس بسماع أصوات تحدثني وموسيقى ، وكل هذا خارج عن سيطرتي تماماً ، لم أخضع للعلاج بل فقط للتشخيص من قبل أحد الأطباء من معارفي

حسناً ، أكثر الأمراض ظهوراً علي هو الثنائي القطبي ، هذا الشيطان الذي يجرني للجحيم وذاك الملاك الذي يجرني للنعيم ، و بينهما أنا أتمزق ، أثناء هذه النوبات المرضية أفقد عقلي وأتصرف بطريقة غير معقولة وطريقة تجعلني أندم أشد الندم .

في الماضي حين كنت طالبة مراهقة تعرفت على فتاة منطوية لنفترض أن إسمها "خديجة " جذبتها بحسن كلامي ولطفي وربما انسحرت بي لأني كنت في نوبة الهوس حيث كنت لطيفة ورقيقة وأعبر عن حب لا وجود له أو أبالغ في وصف مشاعري ، فالنوبة هي من تخلق فيني هذه المشاعر والأفعال ! ثم بعدها فاجأتها بالنوبة الأخرى حيث أصبحت شديدة البرود والقساوة وانطويت فجأة وصرت أتحسس منها ومن لطافتها ومحاولتها لمساعدتي 

استمر الأمر هكذا على مدى طويل ربما سنتين أو أكثر كنت أتقلب فيها بين النوبتين وخديجة أكثر من يتأذى-دون ذكر عائلتي – المهم أنها لم تتخلى عني بل كانت ماتزال تحاول فهمي وتحاول التقرب مني وتفرح إذا ماعاملتها بلطف ، عشت معها أسعد أيام حياتي وأجمل ذكرياتي وأيضاً اسوأ أيام حياتي وأشنع ذكرياتي ، لست أدري كيف عشنا في علاقة تمزج السوء بالخير واستمرينا فيها رغم الأذى الملحق بالطرفين خاصة هي..

لم أكن وقتها قد شخّصت مرضي ، بعد لذلك لم أكن لا أنا ولا هي ندرك سبب العذاب الذي نعيشه ، العذاب الذي انتهى بطريقة مأساوية في يوم كئيب ، كنت خلالها في نوبة هوس فأصبحت فجأة في مزاج جيد ولطيف وسميتها -أي خديجة-في جوالي بإسم لطيف وصورت لها الشاشة لترى الإسم ، فرحت هي بشدة وأيضاً سمتني بإسم دافئ وصورت لي الشاشة ، تبادلنا حواراً جميلاً وكنت وقتها قد أقسمت لنفسي أن لا أؤذيها مجدداً لأني أدركت لحظتها مدى حجم حبي لها ومدى سعادتي معها – والله أعلم ان كانت المشاعر ناتجة عن مرض أم حقيقة ؟! – أثناء محادثتنا جاءتني رسالة من زميلتي في الفصل وهي مقربة ولكن ليس لذلك الحد ..

المهم أن هذه الزميلة قالت لي"يا لك من شيطانة ذكية..أنت تستدرجين خديجة بلطافتك حتى تؤذيها فيما بعد صحيح؟"

استغربت وسألتها"ماذا تقصدين؟"

صدمتني وقالت"ألست أنتِ من أخبرني أنك تكرهينها ولكنك تصاحبيها لتلعبي بقلبها فقط ؟ دعيني أنضم إليك للعب والسخرية منها"

هنا وكأن سهماً قذف في قلبي فمزقه وأعادني لأرض الواقع ، أدركت فجأة وأنا في خضم نوبة الهوس وجود ذلك الجانب الآخر مني -نوبة الإكتئاب- ! وكأن الحاجز بين الشيطان والملاك قد تحطم وظهرت لي الحقيقة جلية وصارت المواقف السابقة الجيدة والسيئة تندفع في رأسي كشريط فديو يعرض لقطات لمريض نفسي يتقلب من نوبة لأخرى ومن شخص لآخر دون أن يكون في وعيه ، آه وكم كان ذاك المريض قبيحاً وسيئاً لدرجة لا يستحق معها امتلاك شخص كهذا ، شخص كخديجة !

أدركت كل شيء دفعة واحدة وفي حالتي المصدومة ذهبت لخديجة وأرسلت لها دون مقدمات "لننفصل نهائياً ..أو لنكن مجرد زملاء" ظنت هي أني أمزح وليتني كذلك ، أصررت عليها بأسلوب بارد وصارم ، وهي من شدة ما اعتادت على جنوني أعطتني فترة هدوء ثم عادت لترسل "قولي أنك تمزحين سأغفرلك " حينها بكيت ولم أكن حتى قادرة على قراءة المكتوب ، ولكنني أزددت إصراراً وأكدت لها أن الأمر نهائي  ..

بكيت ليلتها .. وبكيت وبكيت ،ثم لا أدري ما حصل ولكن يبدو أن نوبة الإكتئاب-التي جاء دورها-ساعدتني على الابتعاد عنها وسهلت الأمر علي ، وهكذا انفصلنا في يوم تعيس بعد علاقة دامت لثلاثة سنوات.. علاقة كان من الأجدر أن تكسر من طرفها ولكنها كسرت من طرفي !

وبعد أن "طاح الفأس بالرأس" عرفت عن مرضي ! ولكن بعد ماذا؟ بعد أن كسرت علاقتي وبعد أن فقدت الرغبة بالحياة ، بعد أن انطفأ وهج الأمل فيني وكرهت نفسي حيث سأبقى في صراع معها ليوم الممات ، حين عرفت بمرضي كان يجدر بي كما يتوقع الجميع أن أخضع للعلاج ولكن هذا مستحيل.. بل أبعد من المستحيل ، فحالتي الأسرية مدمرة تقريباً وعائلتي أبعد ما تكون عن الاهتمام بالجانب النفسي والعلاج هذا غير أنهم ينسبون الأمر للجوال والانترنت أو البعد عن الله ، وأمي شديدة الحساسية تجاه السمعة ولن ترضى ولو بعد ألف سنة بأن أخضع للعلاج ، وإن قبلت فهي ستتعب نفسياً من كلام الناس وستحزن على حالتي سراً وهذا دفعني للتكاسل عن العلاج هذا بالإضافة إلى أن نفقات العلاج غير موجودة فهي تكفي لعلاج أبي من مرضه شفاه الله ، وبالكاد تغطي الأموال أفراد أسرتي

كذلك لم أفسر موقفي لصديقتي ، فما الفائدة؟ أكيد علاقتنا لن تعود ولا أريدها أن تعود لأني ماأزال مريضة وربما ازداد مرضاً

ولكني أحياناً أفكر أن أخبرها بالأمر لعلها تغفر لي أو لعل قلبها يشفى فتعرف أني لم أكرهها يوماً إلا خارج إرادتي ، ولعل ضميري وكرهي لنفسي يقل

أنا مشتتة بين القرارين ، فلست أعرف حقاً إن كانت القرارات صادرة مني أم صادرة بسبب أحد نوبات المرض ، خاصةً الهوس ، فأنا كدت في إحدى هذه النوبات أن أشتري لها هدية التخرج رغم أننا منقطعتان ! تصرفت وقتها – حين اقترب موعد التخرج – بنشاط عالي وفرحة مجنونة وأمل كبير بعودتنا لبعضنا وطبعاً كعادة النوبة شعرت فجأة بالحب والأمل والطاقة تجاه كل شيء من ضمنهم صديقتي وشعرت بثقة قوية تجاه عودتنا لبعضنا ، وسرعان ما انتهت النوبة و أدركت أنها كانت مشاعر مريضة 

ولحسن الحظ تمالكت نفسي في نوبة مجنونة أخرى للتو ، فقبل أن أرسل لصديقتي شيئاً جئت إليكم أطلب النصح قبلها.. ماذا أفعل تجاه هذه المشكلة ؟ أعني مشكلتي مع صديقتي ، لا أستطيع تجاوز الأمر كما ظننت ، فما أزال في نوبات الهوس أكاد أتهور وأحادثها رغم أني لا املك وسيلة تواصل ولكني في النوبات أكون مستعدة لسرقة رقمها من جوال أختي بل وتهورت مرة وطلبت رقمها من أختي ولكنها رفضت ..

أرجوكم اعزائي لاتظنوا أن هذه مشاعر ندم وتأنيب ضمير عادية بل إنني متأكدة أنها مشاعر مرضية تزول بزوال النوبة ، وبالمقابل في نوبات الاكتئاب تكون هي من ضمن ما يعذبني خلال النوبة

النوبات قادمة لا محالة ولكن جدياً لا أريد لها أن تكون في قلبي و عقلي أثناء هذه النوبات ، فوجودها في عقلي خلال النوبات سيحول نوباتي المجنونة لأفعال لا تحمد عقباها ، أريد- بما أن مشاعري مستقرة ولست في أي من النوبات الآن -إنهاء الأمر معها فحسب ، أشيروا علي بما أفعل ؟

 

تاريخ النشر : 2017-11-01

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى