أدب الرعب والعام

ابن اغتصاب – الجزء 2

بقلم : أبو الحسن ماجد – العراق

ابن اغتصاب - الجزء 2
كان قلبه يلتهب ناراً على كل تلك السنين التي عاشها مع أمه

الذكريات السيئة كانت تطارده وتضيق عليه حياته ، لا يوجد مكان في المدينة إلا وله ذكرى تحطمه مهما أراد أن يتقدم .
كان إحسان يجلس بجانب النهر يصطاد السمك وعليه أن يقطف الخضار وأن يقطع عثوق التمر ليبيعه في سوق الكروش ، السوق الذي يبيع المزارعون فيه حصادهم يدخل إلى البيت ليجلب المنجل ، يرى صورة والدته المرحومة فاطمة كلما نظر إلى صورتها كان قلبه يلتهب ناراً على كل تلك السنين التي عاشها مع أمه .

هو الآن يبلغ الخامسة والعشرين ، لقد تذكر أيام طفولته وأيام المراهقة ، لم يكن مثل كل الأولاد لقد كان في عزلة دائمة من الناس ، لم يسجل في المدرسة وليست لديه أوراق ثبوتية ، بدأت دموعه بالنزول كلما رجع بذاكرته أو بالأحرى كلما طاردته تلك السنين يذهب نحو خزانة ملابسه ويخرج من الرف رسالة ، يجلس على كرسي و يبدأ بالقراءة .. إنها رسالة من والدته قبل أن تموت بمرض الأيدز تخبره فيها عما حدث لها تلك الليلة وكيف اغتصبها رجل وكان معه أفراد عصابته داخل منزلها وحبسها في إحدى غرفه المظلمة وتقييدها لمدة شهر كامل

يبدأ إحسان بالبكاء أكثر وأكثر ليريح قلبه من الألم ثم يرجع الرسالة إلى الرف ، يمسح دموعه ويتوجه نحو المطبخ يأخذ المنجل ويمضي يقطّع التمر والخضار ، كان إحسان يحب أن يصبح ممثلاً ، إنه حلم كان يحلم به منذ المراهقة ، و لقد انتشرت الفرق المسرحية في المدينة وبني المسرح العظيم في المركز وسط المحافظة ، ذلك المسرح الذي لطالما أراد إحسان أن يدخله ممثلاً ..

كان هذا المسرح كيبر وقد بني على طريقة المسارح الانكليزيه القديمة ، وكانت تقام عليه المسرحيات الضخمة بأوقات المناسبات الكبيرة التي تمجد الزعيم سيف ، نعم لقد استلم سيف إدارة المحافظة بأمر من الحكومة في العاصمة ، لقد عاث هذا فساداً في المدينة ، كان كعادته يرتدي الملابس القديمة وسيفه ودرعه ، وتحيط به الحماية من كل الجهات مدججين بأحدث الأسلحة وأفخم السيارات المصفحة السوداء ، لقد عمل على انتشار المسارح في المحافظة واستأجر بعض الكتاب ليكتبوا عن بطولاته المزيفة ، وقد أقنع الكثير من أبناء المحافظة البسطاء بالإضافة إلى القناة التي يمتلكها .

يأخذ إحسان سيارة أجرة حاملاً معه بضاعته متجهاً نحو السوق الذي سيكون مزدحماً لأنه يوم الجمعة ، ينزل إحسان بسوق النجارين ويتجه بعربة خشبية نحو السوق لقد كان مزدحماً للغاية ، يتوقف وتنزل بضاعته وسط البسطات ليفتحها ولكنه تفاجأ بوجود بائعي سمك مكانه ، يتقدم نحوهم ويقول :
– السلام عليكم 
يرد بائع السمك بكل عنترة
– أهلاً
– أخي هذا مكاني 
يرد البائع مستهزئاً
– هل لديك طابو بالمكان ؟

فتتعالا أصوات الضاحكين وسط سكوت إحسان فماذا عساه أن يفعل مع هذا البائع العصبي ، فيقول بهدوء خائب
– أفسح لي ولو قليلاً فقط لأسترزق وبعدها سأنصرف .

عندها يتعصب ذلك البائع ويهجم على إحسان وأراد ضربه لولا أن المحيطين به مسكوه بينما يظل إحسان واقفاً بمكانه دون حراك وقد كان الناس ينظرون له وعيونهم تقول يا له من جبان ..

يضطر إحسان إلى حمل بضاعته الثقيلة على ظهره ويظل يتنقل من مكان لآخر في السوق بعد عدة طردات من ذلك البائع والآخر ، كان يجلس في ركن السوق حينما جاءته ياسمين الفتاة الوحيدة التي كان يثق بها ، كانت فتاة سمراء بملامح جميلة تقف عند بسطته وهي تلبس العباءة ..
– كيف حالك إحسان ؟
يفرح إحسان برؤيتها ويقوم من مكانه
– أهلا ياسمين أنا بخير حينما رأيتك
– إحسان أريد أن أكلمك الليلة ، هل لديك عمل في الليل ؟
– لا تعالي بأي وقت .
– حسناً سآتيك الساعة السابعة

بعدها تودعه ياسمين وتذهب ، يبقى إحسان حائراً فملامح وجه ياسمين لا تبشر بخير .

الساعة السابعة مساءً ، كان إحسان جالساً في بيته وسط ذلك البستان مشعل الشموع ويتنظر بحيرة ، وها هو الباب يطرق ، إنها ياسمين ، يفتح لها الباب وتدخل تنظر بدهشة لتلك الشموع وذلك الجو الرومانسي ، يتقدم إحسان منها ويسحب الكرسي بحركه رومانسية جميلة ويقول :
– تفضلي سيدتي
والابتسامة تملأ فمه وروحه ، كانت ياسمين متفاجئة ووجهها يخبر بأمر غير جيد ، يجلس إحسان أمامها ويقول :
– تبدين جميلة جداً
– إحسان أريد ….
يقاطعها
– اسمعيني لقدد مررت بيوم عصيب ولكني حينما سمعت صوتك تحول إلى يوم هادئ
– إحسان أنا……
يقاطعها مرة أخرى
– لقد بعت اليوم كل المحصول
تنفجر ياسمين وتقول
– أريد إنهاء العلاقة

لم يتفاجأ إحسان بل ظل صامتاً يطالع وجه ياسمين ويقول
– لديك أجمل عيون في المدينة هل تحسدين نفسك ؟
تبتسم ياسمين بعفوية متأسفة ، ممسكه يدي إحسان وتردف
– أنت تعرف يا إحسان وضعك وأنا …
يقاطعها إحسان ويقول :
– هل هناك أحد يعرف بقدومك إلي
-لا أحد سوى صديقتي نادية
ينفجر إحسان بهدوء قائلاً
– ما ذنبي ؟

وتبدأ دموعه بالنزول وعيناه تحمر ، ويعض على أسنانه بقوة ويبدأ ثورة غضب من داخله لتتوجه نحو عقله الذي اندلعت فيه نار الانتقام ، عندها ينهض من مكانه موجهاً يديه بكل قوته نحو رقبة ياسمين يمسكها بعنف ويرمى بها أرضاً وينام فوقها وهو ممسك بعنقها مانعاً دخول الهواء إلى رئتها ، لم تبدِ ياسمين أي ردة فعل جراء تفاجئها من الموقف ، فتحاول يائسة الهروب من إحسان الذي بدأ بالبكاء وهو ينظر بعينيها ويصيح بصوت شجي عالي :
– ما ذنبي.. ما ني لقد ولدت هكذا

و قد فارقت الحياة تحت يديه عندها ..

يتراجع إحسان إلى الوراء تاركاً جثة ياسمين هامدة أمامه ، فجأة ينفجر بالضحك بصورة هستيرية ، لقد شعر وكأنه أزال حملاً كان يثقله ، ثم يقف على قدميه وتجه نحو الباب يفتحه ويطالع يميناً ويساراً ثم يدخل يحمل جثة ياسمين ويتجه بها إلى جوف البستان ليدفنها ، و الآن هو يجلس أمام الموقد بهدوء ممسكاً بقلادة ياسمين بعد أن أخذها منها قبل أن يدفنها كتذكار .

لا أحد يعرف بعلاقة إحسان و ياسمين سوى نادية صديقة ياسمين المقربة ، لذا أصبحت نادية هي الضحية التالية التي يجب التخلص منها قبل أن تبدأ الشرطة بالتحقيق ..
يمر يومان على حادثة اختفاء ياسمين ومقتل صديقتها نادية في بيتها ، لقد قام إحسان بقتل نادية بعد أن تسلل إلى بيتها ليلاً مستغلاً غياب زوجها الجندي رضا .

كان إحسان جالساً في بيته وقد وضع سوار نادية الذي أخذه من يدها بعد أن قتلها بجانب قلادة ياسمين .. أصبحت الأوضاع مضطربة في المدينة جراء تلك الجريمتين اللتين لم يجدوا القاتل إلى الآن ، فخرج المتظاهرين أمام مبنى المحافظة مطالبين الزعيم سيف بكشف ذلك القاتل ، كان إحسان ضمن المتظاهرين الذي ملؤوا الساحات والمطالبين بالقصاص من القتله ، يخرج سيف إلى المتظاهرين ويخطب بهم كعادته ويطمئنهم بأن العمل جارٍ وسيتم إلقاء القبض على ذلك القاتل ، كل ذلك جرى تحت أنظار إحسان الذي كان يشاهد ساخراً من الناس الذين يصدقون هذا الكذاب وكلامه الحماسي بملابسه الغريبة تلك

كان إحسان ملثماً وواقفاً في ركن السوق عند الساعة الثامنة مساءً ممسكاً بيده قضيب فولاذي منتظراً ذلك السمّاك الذي أهانه قبل مدة ، كان السماك قد انتهى من عمله وقد أغلق محله ، و كان السوق فارغاً في مثل هذا التوقيت ، كان السماك يمشي في ظلام السوق متوجهاً إلى الشارع عندما غدره إحسان من الخلف بضربة عنيفة على مؤخرة رأسه فسقط مغشياً عليه ، فانهال إحسان عليه بالظرب العنيف المميت بدون أن يصدر صوتاً .

ها هو إحسان يضع قلادة السماك المميزة التي تحتوي على سمكة ذهبية صغيرة بجانب قلادة ياسمين وسوار نادية .

تمر الأشهر بسرعة وتكثر التذكارات التي أخذها إحسان من ضحاياه ، لقد بدأ بقتل كل من كان يتذكره ، أولئك الذين كان يأتون لأمه ليلاً ويهينونها ويتمتعون بجسدها .
لقد بدأت المظاهرات تعم المدينة وأصبح سيف العجوز غريب الأطوار غير مسيطر على الكثير من القتلى ، والقاتل مجهول تماماً فأصبح جو المدينة متوتراً ومشحوناً وكان هناك انتعاش لسوق السلاح جراء إقبال المواطنين عليه لكي يحموا أنفسهم من القاتل المجهول ..

كانت كل تلك الأمور تصب في مصلحة العجوز الفاسد سيف ، حيث كان سماسرته تبيع السلاح للمواطنين ، عندها يكتشف إحسان بأنه أصبح أداة بيد سيف دون أن يعلم ، فهو كقاتل كان يخيف الشعب ويجعله يسكت عن كل مطالباته ، كان إحسان هائماً في الشوارع بعد أن أدرك الحقيقه ، فبدأ شعور الخيبة والهزيمة يعتريه ، وكان الندم ينهش بجسده بعد كل تلك الجرائم ، فتغرورق عيناه بالدموع ويبدأ بتذكر أمه ومن يكون والده ولماذا قد كتب عليه هذا القدر ، عندها يركض نحو بيته وقد أجهش بالبكاء ، يدخل البيت وهو ينحب وقد أخرج التذكارات وبدأ يقلب بهن وقد رأى قلادة ياسمين وصورتها الموضوعة فيها   عندها يحتضنها ويضمها إلى صدره ويأخذ جميع التذكارات ويفرشهن على الأرض ويبدأ بالنحيب …

يتبـــــع 

 

تاريخ النشر : 2017-11-29

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى