أدب الرعب والعام

ابن اغتصاب – الجزء 3

بقلم : أبو الحسن ماجد – العراق

لقد شعر إحسان بأنه لم يكن ذلك الشخص القاتل بل أصبح إنسان آخر

أصبحت المظاهرات تحتدم وكان هناك صدامات بين أفراد الجيش والمتظاهرين بسبب كثرة أكاذيب سيف الذي يخرج لهم كل مرة يطالبهم بالهدوء وضبط النفس ، ولكن هذه المرة لامناص ، خرج الناس بكثرة وحطموا النوافذ وكسروا الأبواب ، كان إحسان جالساً على الشاطئ نادماً متحسراً على ما بدا منه ، وكيف أصبحت الأوضاع مضطربة بسببه ، وأصبح هناك قتلى تنيجه المناوشات بين الجيش والأفراد ، عندها يطرح على نفسه سؤالاً وهو ..

" ما ذنبي أنا ؟ لقد كنت قاتلاً و الآن أنا نادم ، هنا الآن شخص غير ذلك الشخص ، نعم أنا غير ذلك الشخص ، ذلك القاتل أنا أتبرأ منه ، لا يمكن لأحد أن يحاسبني على مافعلته قبل سنتين ، فذلك لم يكن أنا ، كان ذلك شخص يبحث عن والده ، أنا الآن لا أريد أباً و لا يمكن لأحد أن يحاسبني على أفعال غيري "

لقد شعر إحسان بأنه لم يكن ذلك الشخص القاتل بل أصبح إنسان آخر ، إنسان لا يمكن لأحد أن يحاسبه عما بدر منه في السابق ..

يرجع نحو المدينه حيث الاضطرابات ، يمر بجانب المسرح العظيم الذي لطالما حلم بأن يكون هنا مستقبله ، وبعدها يمر من أمام مبنى المحافظة ليجد الجماهير بانتظار سيف الذي سيقول كلمته ، يقف إحسان منتظراً معهم يخرج سيف العجوز بملابس الرومان القديمة و يقول الليلة ستكون الليلة العظيمة سنلقي القبض على ذلك المجرم المعتوه ، واليوم ومن هذا اللحظة أعلن النفير العام لجميع أفراد الجيش .

و بالفعل تبدأ الدبابات والسيارات العسكرية بالانتشار في جميع أرجاء المدينة وتبدأ عناصر الجيش بالألف المؤلفة بالانتشار كذلك ، وقد أشعلت النيران بالمدينة وأصبح الناس متأهبين ممسكين أسلحتهم و مستعدين للقتال و إمساك ذلك المجرم فأصبحت تلك الليلة نهاراً .
كان إحسان جالساً في بيته لا تصله تلك القوات رغم مرورها بجانب بستانه إلا أنها لم تدخله فتعجب لذلك الأمر وقد ظن بأن سيف يعرفه هو القاتل و لا يريد إلقاء القبض عليه لأنه في الحقيقة يخدمه .

يمر يومان على تلك الليلة و لا شيء يحصل ، كان إحسان في المدينة عصراً يتمشى وكان ينظر إلى الدبابات والسيارات العسكرية ورجال الجيش والشرطة عندها سمع صوتاً ينادي
(لقد أمسكوه ، ألقي القبض عليه لقد أمسكوا ذلك المجرم الزعيم سيف أمسكه)
يبدأ الناس بالركض نحو ذلك الرجل الذي يصيح وقد توقفت سيارات سوداء صغيرة تحيط بسيارة سوداء كبيرة ، وقفت تلك السيارات في وسط ساحة التحرير حيث تمثال الزعيم سيف ، يتجمهر الناس ويطالعون بذهول وكان إحسان مندهش ومستغرب من يكون ذلك المجرم الذي أمسكوه ، يخرج سيف من إحدى السيارات الصغيرة وقد أحاطته رجال حمايته ويقول :
– كما وعدتك يا سكان مدينتي لقد ألقينا القبض عليهم و ها هم ..

يتجه إحدى أفراد حماية سيف نحو السيارة السوداء الكبيرة ويفتحها .
يبدأ إحسان بالاندهاش أكثر مع الجمهور الذي بدأ يطقطق أصابعه مستعداً للهجوم على ذلك القاتل ، يخرج من السيارة ستة رجال معصوبي الأعين وقد تعرضوا للضرب المبرح ، ثم يجثون على ركبهم وكان مطأطئي الرؤوس ويرتجفون من الخوف ثم يكمل سيف قوله :
– كما ترون يا أهلي ها هم أفراد العصابة ألقينا القبض على رؤوسهم وباقي منهم قليلون فقط وسنلقى القبض عليهم عاجلاً لا أجلا ،ً و يا ناسي وأحبائي إليكم هؤلاء اقتلوهم بإيديكم و لا تنسوا بعد غد ستقام مسرحية على المسرح العظيم والكل مدعو .. ستقام مسرحية تعيد ما عملناه حتى ألقينا القبض على هؤلاء .

ثم يركب سيف سيارته و ينسحب مع أفراد حمايته تاركاً الرجال الستة وسط الساحة وقد هجم الجمهور عليهم بشراسة ، كان إحسان ينظر إلى الناس الماهجمة وقد بدأ يبكي حينما رأى الرجال الستة وقد سحقوا بأقدام الناس المخدوعين ، حينما كان ينظر ويبكي لفتت نظره فتاة شابة واقفة بعيداً عن الناس وتبكي بحرقه وهي تشاهد الرجال الستة وقد سالت دماؤهم ، لقد بدت لإحسان وكأنها تعرفهم لذلك انطلق نحوها وقد اقتحم الحشود ، فما إن رأته الفتاة حتى حاولت الهرب ، عندها يركض إحسان وراءها وقد كانت تركض بخوف منه حتى دخلت السوق وهي تلتفت يميناً ويساراً ..

عندها تتفاجأ بوجد إحسان أمامها وقد أمسكها من يدها كانت تحاول الهروب ظناً منها أنه من أتباع سيف فيبدأ بالقول
لا لن أتكلم لن أقول شيء ، أرجوك لا تقتلني
يحتضنها إحسان و يقول :
– اهدئي اهدئي لا بأس عليك لا بأس

كان الاثنين يجلسان في بيت إحسان بصمت ، كانت ندى تنظر نحو النار بينما كان إحسان ينظر إليها منتظراً منها أن تتكلم .
يقول إحسان :
– كيف أصبحتِ الآن ؟
– أنا الآن بحال سيئة جداً
– هلا قلتِ لي من هؤلاء الرجال وما علاقتك بهم ؟
– هؤلاء الرجال هم أعمامي و الرجل الذي في الوسط هو أبي
تبدأ ندى بالبكاء بحرقة وهي تعتصر نفسها
– كيف جلبهم سيف و ما الذي فعلوه ؟
– لقد دخلوا علينا بأسلحتهم و قالوا أن أبي وأعمامي هم القتلة ، وإذا قاوموا سيقتلنا كلنا ، فما كان من أبي وأعمامي إلا أن يرضخوا للأمر ويقبلوا خوفاً على حياتنا.

يتراجع إحسان إلى الوراء و يبدأ بالتفكير ..

بعد يومين من حادثة قتل الرجال الستة على يد الشعب تتزين المدينة بالزينة والأضواء وتشتغل النافورات وتتعالى الأهازيج والزغاريد ، وكان الناس مبتهجين لقتل العصابة التي كانت تروع المدينة ليلاً ونهاراً ، وكانت صور الزعيم سيف تملأ الشوارع والبيوت ، لقد عاشت المدينه منذ قتل الرجال السته بأمان لم تعشه منذ ثلاث سنين ، كان الكل منتظراً الساعه التاسعة ليلاً ، إنه موعد المسرحية التي سوف تحكي عن بطولات سيف وكيف أمسك العصابة القاتلة وحرر الناس من شرهم .

كان إحسان طوال اليومين الماضيين داخل المسرح العظيم دون علم أحد مختبئ وسط المدرج يراقب كيف تكون المسرحيز ومن الذي سوف يأخذ دور القاتل ومن يأخذ دور البطل و هو سيف ..
فحفظ دور القاتل الذي سيقوم به ممثل اسمه أحمد .

الساعه التاسعة مساءً ، إنها الليلة الأخيرة ، إنها الليلة العظيمة ، كان المسرح العظيم الذي يفتح أبوابه لأول مرة لعامة الناس ممتلئ على آخره ، الناس أقرباء الضحايا الذين قتلهم إحسان كان لهم مقاعد خاصة ، كانوا يجلسون في الصفوف الأولى قرب خشبة المسرح ..
الجميع منتظر سيف متى يأتي ، وها هي سياراته تقف وينزل منها بزيه الروماني وسيفه ، يدخل المسرح وسط تصفيق حار من الجمهور المغفل ، وها هو سيف كعادته يرفع يديه إلى الأعلى بإشارة إلى أنه أبا هذه الأمة ..

يمشي وسط الزحام حتى يصل إلى الكرسي المخصص له القريب من خشبة المسرح ، يجلس على الكرسي بعد أن طلب من الناس أن يصمتوا ، يعم الصمت والظلام على المسرح وتبدأ المسرحية ..

يرفع الستار الأحمر ليظهر إحسان واقفاً على خشبة المسرح ، فقد قام بخطف الممثل الذي سيقوم بدور القاتل فيقوم إحسان بدوره ..
يبدأ إحسان بالسير على خشبة المسرح والحضور يطالع بشغف ، يأتي طفل نحو إحسان فيقوم إحسان بقتله ، وهذا جزء من المشهد التمثيلي ، ثم تأتي فتاة وكذلك يقتلها ، ثم يبدأ إحسان بالركض على خشبة المسرح وتبدأ الشرطة بملاحقته ، وبعدها يختفي فتظهر مجموعة من الناس تدعو الله بأن يرسل لهم من يخلصهم ، فيأتي أحد مرتدي الزي الروماني القديم على حصان ويقول للناس سوف أخلصكم من هذا القاتل ، ثم يقوم ذلك الفارس بملاحقة القاتل وبعدها يمسك ذلك الفارس بإحسان ثم تأتي مجموعة عصابة إحسان وتدور حول ذلك الفارس ويقاتلوه ، إلا أنه يتمكن منهم كلهم وكانوا ستة رجال ، فيجلبهم إلى وسط الساحة التي انطلقت منها دعوة الناس إلى الله ويضعهم وسطهم ، عندها يبدأ الناس بالتهليل والحمد لله أمام ذلك الفارس ، ثم يهجم الناس على العصابة ويقتلوهم ..

ينسحبون وتبقى جثث الرجال الستة ، عندها تنتهي المسرحية ويقف الناس مصفقين لهذا العمل الذي أدمع عيونهم ، ثم ووسط هذا التصفيق يرفع إحسان يده وكان ضمن الرجال المقتولين ، فيستغرب الحضور من هذا الجزء ويبدأ التصفيق بالخفوت ثم السكوت ، يقوم إحسان من مكان أمام الجمهور وعلى خشبة المسرح العظيم ..

يندهش سيف ويستغرب من هذا الفعل ويبدأ بالقلق ..

يبدأ احسان بالقول :

– أنا القاتل الحقيقي ، القاتل لم يقتل كما صور لكم وتم التمثيل أمامكم ، القاتل لم ينتهِ ، القاتل هو من يتولى السلطة عندكم ، من تصفقون له ليلاً ونهار وأنتم غفلة لا تعرفون شيئاً ، لقد تم خداعكم لسنوات أيها الأغبياء..

يبقى الجمهور مصدوماً هل هذا تمثيل أم حقيقة ؟ هل هذا ممثل أم قاتل ؟ هل هذا جزء من المسرحية ؟

ثم يردف إحسان :
– لقد قتلوا الرجال الستة الأبرياء ، إنهم أبرياء ولديهم أطفال لقد تم إجبارهم على ذلك ..
فينادي احسان على ندى وتقف ويلتفت الجمهور نحوها مولي ظهره لإحسان ، فتنهض وسط الناس وتقول
..مارأيتموهم قبل ثلاث أيام كانوا أهلي ، لقد أجبرنا سيف ذلك الفاسد بقوة السلاح على أن يقبلوا أو يقتلوا عوائلهم وهؤلاء هم أطفالهم وزوجاتهم …

ثم يقف أطفال وزوجات الرجال الستة ويبدؤون بالبكاء ، ثم ينهض سيف من مكانه ويأمر رجال الشرطه بإلقاء القبض على إحسان إلا أن أفراد الشرطز يقفون محتارين بين إحسان ومجموعته ، وبين الزعيم سيف ..

ثم يكمل إحسان ويقول :

– أنا ابن امرأة مغتصبة في ليلة ماطرة في بستانها البعيد بإحدى غرف بيتها الصغير ، أحدكم… نعم أحدكم يكون أبي ولكنه هرب تاركاً أمي تتلقى عذاب الحياة ، وأنا خرجت أبحث عن أبي الذي كل ما فعلته بكم كان بسببه..

يتراجع سيف إلى الوراء ويندهش ويرجع بذاكرته إلى الوراء ويتذكر كيف كان سكران مع مجموعة عصابته ، هاربين من الجيش بعد أن اصطدموا معهه ، وكيف اختبؤوا بذلك البستان ، وكيف اغتصب تلك المرأة وحبسها في غرفة مظلمة في بيتها ، وصار يدخل عليها كل ليلة ليغتصبها ، لقد كان سيف هو من اغتصب فاطمه قبل سنين مضت والجرح الذي في وجهه إلى الآن شاهد لا يموت ..

ثم يستدرك للحظة أن إحسان قد يعرف أن هو من اغتصب أمه لذلك يركض نحوه ويصعد على خشبة المسرح ويقف أمامه و أمام الجمهور الذي عاش كابوساً هذه الليليه ، ثم يقول سيف بتعصب وغضب :
– لقد قلت أنك أنت القاتل أمام هذا الجمهور ، هل عندك دليل بأنك أنت القاتل فعلاً ؟

يخرج إحسان التذكارات التي أخذها من ضحاياه ويبدأ برميها على ذوي الضحايا .. فيأخذوها ويبدؤون بالبكاء عليها وسط اندهاش وارتعاب سيف ، فيقول إحسان :
– ألم أقل لكم أنكم مغفلون لا تسألون عن الدليل أبداً !

عندها يأخذ سيف سيفه ويضرب عنق إحسان فيسقط على خشبة المسرح وتبدأ الدماء بالنزول فيصيح سيف :

– لقد قتلت القاتل ، أنا زعيمكم و سيدكم لقد خلصتكم منه …

يبقى الجمهور منصدم مما حدث ، ويعم الصمت على المسرح والمدينة ، ثم يبدأ الجمهور بالنظر في وجوه بعضهم متسائلين ماذا يصنعون بعد هذا المشهد ؟ مازالوا يظنون أن ما حدث أمامهم تمثيل ..
يا له من شعبٍ جبان !

تمـــت 

 

تاريخ النشر : 2017-12-03

guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى