أدب الرعب والعام

العائد من وراء الشمس

بقلم : محمد بن صالح – المغرب
للتواصل : [email protected]

العائد من وراء الشمس
وفي هذه اللحظة اختفى ذلك الأمل الخافت

 تراقصت السنين حتى صنعت مني شاباً يستطيع مواجهة تحديات القدر ، أما عملي فقد كان حساس فمركزي هو الصف الأول في وجه الغازي وورائي تقبع الشعوب ، مرت الأيام ثم مثلها حتى وجدت نفسي وراء الستار الحديدية فقد مات أصحاب الجرم وتركوا أوزارهم على ظهري ، ليصنعوا من جسدي فزاعة ليخيفوا بها كل متمرد ولتضرب بي الأمثال في كل المقامات

كنت أتحرر من ذلك الستار الحديدي مرتين كل أسبوع لكنني أبقى داخل الأسوار الشائكة لأرى الشمس التي اتخذتها خليلاً لي ، كنت أشكو لها ألمي وأسألها عن أمي وأبي ، هل رأت وجههما هذا الصباح ، كانت ترد علي بكل أناقة و لباقة حتى يعود بي الجلاد ويرميني وراء ذلك الستار البائس ، فقد انتهت فسحتي هذا اليوم ، ومرت جميع الفصول على حالتي التي لم تتغير ، وبعد سنة من الزمن أخبرني ذلك الرجل الضخم الذي يحرس المكان بأنني سأخرج من هذه البقعة التعيسة ، كم كانت سعادتي عظيمة أخيراً سأعانق أمي وسأبكي على صدري أبي !.

أتى ذلك اليوم الموعود الذي سأغادر بعيداً عن هذا الستار ، لكن أملي خاب سريعاً بعدما وضعوا الأصفاد على يدي وعصبوا عيوني وأخرجوني من وراء تلك الأسوار .

أين أن أنتم ذاهبون بي أيها الناس ؟ لا أحد يجيب فقد أركبوني سيارة وانطلقوا بي إلى وجهتهم التي أحاول افترضها في مخيلتي ، وتصارعت الأفكار في ذهني حتى توقفت تلك السيارة بعد بضع ساعات من الانطلاق ، أخرجوني من تلك السيارة وأنا معصب العيون ومغلول اليدين ، صعدوا بي إلى المروحية التي عرفتها من صوتها ، ثم حلقوا بي بعيداً في الجو ، وأنا اتساءل مرة أخرى :

أين تذهبون بي أيها الناس ؟ ومرة أخرى لا أحد يجيب ، حتى قرر أحدهم كسر الصمت وهمس في أذني :

هل تريد أن تعرف أين أنت ذاهب ؟

أجبت : بتأكيد يا سيدي .

وهنا عاد ليهمس في أذني مرة أخرى : انتظر قليلاً حتى نلقيك في عرض البحر ، قالها بكل سخرية ..

صدمني الرجل بهمسه ، وفي تلك اللحظة اختلطت الأحاسيس فلم يعد الخوف يمتلكني فقد تغلب على نفسه ، كنت جالساً لا أحرك ساكناً وكانت أنفاسي ثقيلة ، كان كتاب حياتي تمر صفحاته أما عيوني المعصوبة ، كنت أرى ذلك الطفل البريء الذي يلعب قرب منزله وأرى ذلك الطالب المجتهد الذي صنع لنفسه عالم من الاحلام وجعلها هدفاً له ، وأرى ابتسامة أمي ترتسم كالفجر المتنفس ، كل هذا وذاك أنهار فجأة كأبراج الرمال ، فأنا الأن أنتظر متى سيلقى بجسدي النحيل ليخترق مياه المحيط وفي الأخير سيصبح جسدي وجبة خفيفة للأسماك ، ومر الوقت ثقيلاً وأنا أنتظر وأنتظر وأعود لأنتظر وأتسأل في نفسي متى ينتهي هذا العذاب حتى أطلقت العنان لمشاعري المكبوتة وصرخت بما تبقى من قوة حنجرتي : ماذا تنتظرون أيها الأوغاد ، ألقوني في البحر لينتهي هذا العذاب .

كانوا يواصلون تحطيمي بضحكاتهم حتى توقفت المروحية  فجأة ، فقد عادت إلى الأرض وهنا أحسست بحرارة الجو وعرفت أنني ربما في صحراء ، وأنزلوني من المروحية وقادوني إلى وجهتهم ومازالت الأفكار تتصارع في ذهني ، يا ترى إلى أين يقودونني ، ماذا سيفعلون به ؟ هل سيقتلونني ؟ كنت أسير متعثراً بين تلك الرجلين والأصفاد في يدي حتى سمعت باباً ثقيلاً يفتح ببطء ، وهنا أحسست بغياب الشمس فقد دخلنا تحت سقف مكان ما ، و وصلوا بي السير في ذلك المكان حتى توقفوا فجأة ، وأخيراً فكوا أسري وأزلوا العصابة على عيني ووجدت نفسي في دهليز طويل نصفه مظلم ، وهنا سلموني لرجل أخر وقال أحداهم :

ها هو ، لقد أتيناك به .

ورد المستلم : حسنا لقد انتهت مهمتكم فلترحلوا الأن .

أصبحت كأوراق اللعب في أيدي هؤلاء البشر ، أخدني الرجل الأخر وسار بي في ذلك الدهليز الطويل ، وفي هذه  الأثناء سألت ذلك الرجل : أرجوك يا سيدي أين أنا وماذا ستفعلون بي ؟

أجابني بصوت كله احتقار : أنت في وسط الصحراء ، أما هذا المكان فهو تحت الارض ، لا تخف فأنت لن تستمر كثيراً هنا ، فقريباً ستخرج لكن لن تبتعد كثيراً فنهاية طريقك سيكون في حفرة كبيرة داخل أسوار هذه البناية .

وفي هذه اللحظة اختفى ذلك الأمل الخافت فقد فهمت من كلامه أنني لن أخرج من هذا المكان إلا جثة هامدة وسوف يلقون بجسدي أو ربما عظامي في الحفرة التي ذكرها ، فبينما كنت أحاول جمع أفكاري المنثورة توقف الرجل فجأة وبدأ يفتح باب أخر الذي يبدو صغير الحجم ، وبعد فتحه دفع بجسدي بكل قوة وأغلق علي الباب 

كان المكان مظلم وحاولت أن اجمع عظامي على الأرض وتوقفت على قدامي ، كنت أعتقد أنني في غرفة لكن سرعان ما كان رأسي يصطدم بالجدران التي لا تفصل بينها سوى خطواتان أو ثلاث ، كنت في قبر الحياة ، في ظلام دامس لا يكسره سوى نور خافت يظهر في ثقب في السقف ، والمكان لا يتسع للحشرات التي تسكنه حتى حليت ضيفاً عليهم ، كانت الحشرات تضم البق والخنفساء والعقارب وأنواع أخرى وكان في تلك الزنزانة سرير صنع من الإسمنت وعليه غطاءين مهترئين انتهت صلاحيتهما منذ أزل ، وكان هناك أيضاً ثقب مرحاض في إحدى الزوايا

 في الليلة الأولى لي جلست أذرف الدموع وأتسأل أين أحلام شبابي ، أين عمري و أين انت يا أماه ؟ هل تدرين ماذا حل بقرة عينك ؟ ولماذا أنا هنا بأي حق وبأي ذنب ؟ وأي قدر هذا الذي قادني إلى هذا المكان ؟ كنت أطرح الأسئلة التي لا يسمعها سوى الجدران التي حنت علي ولم يحن علي أبناء جلدتي ، ولم يعلم بحالي سوى العليم ، هنا سأقضي ما تبقى لي من العمر في هذه العتمة التي اختارها لي القدر بين كل البقاع ، ماذا أنا فاعل سوى الرضوخ لأمر الجلاد ، و ذهبت  إلى نوم متمنياً أن لا أفتح عيني مرة أخرى ، لكن هيهات فمن أشقاه ربي كيف للعالم بإسعاده ، لقد استيقظت على صوت الحارس وهو يصرخ في وجهي : استيقظ يا وغد لقد أتيتك بالإفطار .

استيقظت مذعوراً عبوساً لأجد قطعة خبز شعير لا تكفي رضيع وكأس من الماء الساخن فيه رائحة الشاي ، هذا هو فطوري الأول في هذا المكان ، ومرت الساعات حتى ازداد الظلام في الزنزانة وعرفت أن الليل قد أتى ومعه صوت الباب يفتح ، كان ذلك الحارس من جديد لقد جلب لي وجبة العشاء هذه المرة وكانت عبارة عن قطعة خبز و طبق صغير من الماء تجري فيه بضع حبات الفاصولياء فتركه خير من أكله ، أما وجبة الغداء فالقلم مرفوع عليها  ، وهذا هو يوم الأول الذي مر ثقيلاً وستأتي أيام أخرى تكرر نفسها حتى رحل الصيف ومعه الخريف ليأتي الشتاء يجر ذيله ليستقر فوق زنزانتي ليفرض سلطانه علي كما سبقه أخوه الصيف

 كانت الليالي باردة جداً ، كنت أقفز من مكاني حتى أكتسب بعض الدفء لجسدي ، كان الموت ينادني كل ليلة لكنه تعنت معي وكنت أتمنى أن أحتضنه بدل من هذا البرد ، ومرت أيام الشتاء أخيراً ومع السنوات والسنوات وهيكلي العظمي ما زال متشبثاً بالحياة وسط أربع حيطان لا تفصل بينها سوى خطوتين ، وفي ظلام لا يخف سوى في ساعات الظهر ، وبعد عشر سنوات استحوذ المرض على جسدي النحيل ، لم أعد أستطيع الوقوف وبدأ جسدي يلتصق بالسرير الإسمنتي ، أما شعري لا يحده سوى الأرض ، كنت نسخة مشوهة بل ومبعثرة من الإنسان ، وعلى هذا الحال أنتظر ملك الموت ليحن على ويخلصني من عذبي ، وفي أحد الأيام دخل علي حارس جديد بعد أن رحل القديم ليجدني عما أنا عليه ، كان لا يصدق عينه وهو ينظر إلى مخلوق ضاعت ملامحه ورحلت بشريته وقال لي : هل أنت إنسان ؟ هل ما زلت حي ؟

أجبته : أنا إنسان وما زلت حي ، لكنهم سرقوا حياتي وأعموني وأنا مازلت بصير.

لقد حركت مشاعره وخرج من غرفتي وهو يحبس دموعه ، وفي الغد جلب معه الدواء وبعض الطعام خفية حتى لا يره أحد ، لقد خاطر بوظيفته من أجلي ، وهنا أحسست أنه مازل هناك نقطة ضوء في البشر بعدما كنت أنظر إلى الإنسان كما تنظر حبات القمح إلى الدجاج ، وهكذا وقف الحارس الجديد إلى جنبي كلما سنحت له الفرصة ، وتعاقبت السنين حتى وصلت إلى سنتي الخامسة عشر في القيد ، وفي أحد الأيام طلبت من الحارس أن يأتني بأخبار عن عائلتي ، وافق على ذلك وكنت أنتظر بفارغ الصبر أن أعرف حال أسرتي بعد كل هذه السنوات ، وفي صباح أحد الأيام جلب لي الفطور كالعادة وقال لي :

عندي أخبار سيئة لك !

أجبته : لا بأس ، قل ما عندك فأنا لم أعد أميز بين السيء والجيد .

قال الحارس : إخوتك هاجروا من المدينة ولا أحد يعرف أين أنتهى بهم المطاف ، وأبوك قد مات مند بضع سنين .

أجبته : وماذا عن أمي ؟ أخبرني ماذا حل بها .

قال الحارس : أمك ماتت حزناً عليك بعد اختفائك بوقت قصير ، أنا أسف .

وخرج الحارس وأقفل علي الباب وأنا جالس في مكاني وأتصور كيف ماتت أمي وكيف أغمضت عيونها للمرة الأخيرة ، نعم ، نعم أنا السبب ، أنا الجمر الذي أحرق أمي ، كنت أعاتب نفسي رغم أنني لم اقترف أي ذنب غير مركزي الحساس الذي قادني إلى كل هذا ، وفي الأخير تجرعت الأمر كغيره قصراً وغصباً ، ومرت سنوات أخرى حتى أكملت عشرين سنة في قبر الحياة ، وفي إحدى الليالي دخل الحارس علي والسعادة تبدو في ملامحه .

فقلت له : أراك سعيداً اليوم هل سيتم ترقيتك أو ماذا ؟

أجابني : لا بل أنت من ستخرج من هنا .

اختلطت مشاعري في تلك اللحظة وبدأت أبكي لأول مرة منذ عشرين سنة ، قضيت تلك الليلة وأنا أفكر في الأمر ، هل يعقل أنني سأعود إلى عالم الأحياء ! وكيف ذلك ؟ هل أنا أحلم ؟ لم أصدق كلام الحارس وكنت في نفسي أخشى الخروج إلى الحياة .

وبعد بضعة أيام فتح علي الباب رجلان لم أراهما سابقاً ، كانت ملامحهما قاسية وأخدوني لأستحم وأحلق شعري وأغير ملابسي التي التصقت بجسدي ، كم كانت عسيرة إزالتها ، وبعد ذلك وضعوا الأصفاد على يدي وعصبوا عيني دون النطق بأي كلمة ، وأنا أيضاً لم أفتح فمي ، فلم أعد ذلك الشاب الذي كنت عليه قبل سنوات عندما حليت في هذا المكان بنفس الطريقة ، وأخذوني معهم خارج أسوار تلك البناية وأنا بالكاد أمشي كالطفل البالغ سنتين ، وأحسست بدفء الشمس لأول مرة منذ زمن ، وفي هذه الأثناء أدخلوني إلى سيارة وانطلقوا بي إلى وجهتهم ، وأنا مازلت لم أتفوه بكلمة فقد كنت أفكر بالقادم ، وأخشى في داخلي مواجهة البشر مرة أخرى ، فأنا أعتبر نفسي لست منهم ، لقد نجحو في قتلي وأنا حي

 كان الطريق طويل و استمرت فيه الرحلة لساعات طويلة حتى توقفت السيارة أخيراً وأخرجوني منها وحرروا يدي من الأصفاد ، و تمت أزالة العصابة على عيني وأدخلوني إلى غرفة فيها بعض الرجال وجلست على الكرسي وبدأ أحدهم يحدق إلي حتى بدأ يفتي علي جرمي المزعوم وختم بقوله :

لقد غفرنا لك وأنت الأن حر ، لكن إياك أن تخبر أحدهم عما حصل لك وإلا ستعود إلى نفس المكان .

لم أرد عليه فقد أحسست الاحتقار ما بعده احتقار ، كيف لهذا الرجل أن يقول أنهم غفروا لي ؟ أي غفران هذا بحق كل المقدسات ؟ كان فمه كفوهة البندق ينثر به رصاص الكلمات ، وبعد ذلك أخرجوني من تلك الغرفة وقدموا لي نظارات شمسية وبعض المال ، وقال أحدهم : ارحل الأن ، وأذكرك إياك أن تتفوه بكلمة عما حصل لك وإلا ستعود عندنا وأنت تعرف ماذا ينتظرك ، هيا ارحل الأن

 خرجت من تلك البناية وأنا أضع النظارات الشمسية فلم أستطع مواجهة أشعة الشمس بعد غياب طويل عنها ، وأنا أسير كنت أتعثر كالطفل الذي يتعلم السير ، ونظرت إلى الوجود لأول مرة منذ عشرين سنة ، نعم إنها مدينتي مازلت أتذكر أحيائها ، ومررت جنب الجامعة التي كنت أدرس فيها ، كانت كما تركتها ، هنا انطلقت كل أمنياتي وأحلامي التي كفنها القدر وقبرها دون عزاء ، ثم واصلت السير بصعوبة وأنا أبحث عن البيت الذي كبرت فيه حتى وصلت أخيراً إليه فقد ضاع وسط البنايات وأصبح من المهملات

كان شعور غريب يراودني وأنا أقف أنظر لأول مرة منذ عشرين سنة إلى منزلنا الذي كان يبدو في حال تشبه حالتي ، لقد أصبح مهجور تاهت في الحياة و تبعثرت فيه الأزمان وأصبح ملكاً لشباك العناكب ، كانت الدموع تتدفق من عيني وأنا أنظر إلى هذه البناية منبع طفولتي وشبابي ، في هذا الحصن اجتمعنا يوماً أنا و أمي وأبي وإخوتي ، إلى أمس قريب أو ربما بعيد كانت الحياة والسعادة تشع في هذا المكان ، أينهم الأن وأين أنا وماذا اقترفنا من ذنب بحقك يا زمان ؟ حتى أصبحنا على هذا الحال ، ما أقصها من لحظة

 ثم مسحت دموعي وجمعت أحزاني ودخلت إلى المنزل وبدأت في تنظيف إحدى الغرف فيه واستلقيت على الفراش ، كان مازال فيه نسيم عائلتي ، ثم أغمضت عيوني وغرقت في نوم لم أستفق إلا بعد يومين ، كنت منهكاً وتعباً ، وبقيت في المنزل أسبوع كامل أتعلم فيه السير جيداً والنظر إلى أشعة الشمس دون النظارات ، حتى قررت الخروج لاكتشاف العالم ، كنت أجلس وحيداً في مقاعد للعامة في الشارع أتأمل وجوه العابرين و أضواء السيارات والدرجات النارية : يا إلهي  لقد تغير كل شيء و لم يعد لي مكان في هذا العالم

 و بينما أنا شارد غائب عن الوجود وفي لحظة أنتفض من مكاني مذعور لأجد أن الوقت قد تأخر والشارع أصبح خالي من المارة ، لقد ظننت أنني مازلت في قيدي أعيش مع الظلمات ، وترجلت من مقعدي وأخدت أسير جنب الحيطان منحني الرأس متجهً إلى بيتي وروحي ما زلت سجينة لم تتحر رغم حرية جسدي ، وعدت إلى غرفتي وأنا أفكر في مصيري بعد الأن ، لم أعد أمتلك أي شيء فسنين الظلام أخدت مني كل أحلامي وطموحاتي وهبت فيها الرياح على بحري ومزقت كل أشرعتي

 وهكذا سينتهي الفصل الأول من حياتي كنت فيه تائها وراضخاً وعبداً دليلاً لأوامر الدنيا الظالمة ، وانطلق الفصل الثاني الذي يتوجب علي فيه إعادة كل شيء من الأول والصراع لتكيف مع العالم الذي سبقني بعشرين سنة ، كانت البداية صعبة فأنا ما زلت منبوذاً بين العامة والمجتمع الذي لا يرحم منهم حالتي ، فالناس ينظرون إلي كالمتمرد الذي ثار على من يجب أن لا نعترض أوامره والذي لا يخطئ في نظرهم ، ووسط هذا النبذ قررت أن أحمل سلاح العصر الممثل في القلم وأخترق صرح الحروف لأخلد تجربتي وسط الصفحات ، وأكتب عن كل المظالم وأجعل من المصطلحات أوتاراً أعزف عليها أشجاني

 كنت على هذا الحال حتى بدأت الغيوم ترحل عن سمائي وبدأ القدر يرحمني لأجد نفسي شخص أخر تغير كلياً وأصبحت لي أسرة وأصبحت لحياتي معنى وتحررت روحي أخيراً ، لقد انتهى كل شيء ، الأن هناك من سأنتظر ليكبر ويحقق أحلامي وطموحاتي وكأن القدر أعطاني فرصة أخرى ، وأعود إلى مقاعد العامة في الشارع أجلس وحيداً وأبتسم في داخلي ، الأن أنا منكم لم يعد العالم يسبقني ، كنت أرى السعادة في وجوه الناس وكأنهم سعداء من أجلي ، حتى مرت سيارة قديمة أمامي لفتت انتباهي وسرعان ما تذكرتها إنها تشبه السيارة التي أخدوني بها أول مرة إلى وراء القضبان وهنا طارت الابتسامة وعاد بي الزمان إلى الوراء وتذكرت الماضي وأنا أتسأل في جوفي : أيها الجلاد ، يا أيها الجلاد ، أخبرني وغني لي وأسمعني ألحان حنجرتك ، ماذا استفدت من كل هذا ؟ جاه أو مال أو مراتب تسلقتها على ظهري ، قولي أهكذا علمتكم الأديان وأين اختفى فيكم الإنسان ؟ هل تدري الأن أنني ربما سأعيش أكثر منك ؟

وبينما أنا شارد قاطعت طفلة صغيرة خلوتي بصراخها وهي تلعب أمامي كانت البراة تشع فيها وكنت أنظر إليها وأرى فيها نفسي وأنا صغير نفس الطموح ونفس النشاط وكنت أتمنى لها في نفسي أن يكون قدرها غير قدري وسرعان ما لاحظت نظارتي إليها وأقدمت نحوي وسألتني بكل براءة وعفوية : من أنت يا عمي ، دائماً أراك تجلس وحيداً في هذا المكان ؟ وقبل أن أعطيها الجواب قبلت جبينها الصغير وقلت لها : أنا يا صغيرتي العائد من وراء الشمس .

النهاية …

تاريخ النشر : 2017-12-12

guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى