أدب الرعب والعام

سجينة نبي الشيطان

بقلم : أحمد نوري ( L.A ) – المغرب

سجينة نبي الشيطان
أدخلوني إلى زنزانة مظلمة و مارسوا علي أنواعا من التعذيب

اليوم هو أسوأ يوم بحياتي ، فقد أجبرني والدي على السفر إلى أمي التي تقطن بمالكوث ( بلد خيالية ) ، طبعاً اعترضت فمنذ أن انفصلت عن أبي ﻷجل عشيقها اللعين وأنا أكرهها ، لكن ما باليد حيلة فكلمة بابا لا يعلى عليها أبداً ببيتنا ولا أعلم لماذا ولكنني لم أتمكن من توديع صديقات طفولتي، ربما بسبب ألم الفراق لا يهم.

ذهبت و بدأت بتوديع كل غرفة بقصرنا الكبير و ودعت حتى بيست كلب العائلة ثم دخلت غرفتي، إنها آخر ليلة سأقضيها هنا و أنام فيها على سريري المريح، استلقيت فوق سريري و على مشارف نومي بدأت أفكر عن ما ستؤول إليه حياتي مستقبلاً إلى أن أخذني النوم..

استيقظت باكراً ﻷستعد للسفر اللعين ، أخذت حماماً ساخناً ثم ارتديت ثيابي السوداء المفضلة ، ومشطت خصل شعري البنية ذات اللمعة الذهبية وذهبت إلى المطبخ..
ماهذا!! حقائبي موضبة و الفطور جاهز ، من يا تراه فعل كل هذا، تقدمت فرأيت أبي وقد غلبه النوم وهو يحاول كتابة رسالة ما، إنه هو من فعل كل شيء طبعاً ومن غيره، أخذت حقيبتي وقبلت جبينه فبالرغم من غضبي منه ﻷنه أجبرني على السفر إلا أنه يبقى أبي وأنا أحبه فأنا أميرته الصغيرة على حد قوله .
خرجت فوجدت السائق بإنتظاري لذلك دخلت السيارة مسرعة..

وبينما نحن بالطريق بدأت أتأمل المناظر الجميلة من النافذة فأخذتني أفكاري مجدداً، ترى كيف ستكون حياتي مع أمي؟ هل عشيقها اللعين طيب؟ وهل لديها بيت صغير أم قصر كالذي نملكه، فجأة أيقظني صوت موسيقا ميتال صاخبة تصدر من شاحنة سوداء تقترب منا بسرعة شديدة
– ما هذا!! لا!!
مرت لحظة الاصطدام بطرفة عين، فلم أتمالك نفسي و لم أفهم شيء ، فقط شعرت بأن جسدي يؤلمني وجفوني غدت أثقل فأثقل ، وآخر ما فكرت به هو هل هذه نهايتي وهل سألحق بأختي الكبرى التي ماتت بالسرطان ؟؟

– هي قلت هي ، يا فتاة هل أنتِ بخير ؟
على وقع تلك الكلمات استيقظت ﻷجد نفسي مقيدة بالسلاسل إلى جدار محطم بزنزانة معتمة وقديمة ، فحاولت النظر إلى من كان يكلمني لكن من شدة الظلام لم أرَ غير ملابسه السوداء الفضفاضة .
– جميل مازلت حية.. هل تذكرين أي شيء ؟ كيف وصلتِ إلى هنا ؟ أو من أحضرك ؟
حاولت التفاعل والحديث معه لكن لساني كان مخدراً لدرجة أني لم أقوى على فتح فمي فاكتفيت باﻹيماء نافية برأسي
– جميل مازلت مخدرة.. تباً !!

بدأ بمحاولة فك قيوده ولكن من منظرها وسمكها علمت بأن اﻹفلات منها مستحيل أخذت أفكر فأنا لست مستوعبة الموقف الذي أنا فيه، من يمكنه أن يفعل هذا بنا و ماذا يريد فقطع حبل أفكاري ذلك الفتى :
– أتعلمين أعلم بأنه ليس الوقت المناسب للمزاح ولكن أيعقل بأنه جيكسوس كما في الفيلم ساو ؟
لم أعلم كيف استعدت قدرتي على الكلام فقد وجدت نفسي صارخة بوجهه :
– أغلق فمك أيها السخيف!! أهذا وقت مناسب للمزاح؟!! ثم أنا لا أعرفك أصلاً
– هوني عليك يا أختي أنا أسف.. بالمناسبة إسمي أحمد ولكني أفضل لقبي الفني L.A

لم أعره اهتماماً فقط أخذت أحدق حولي علني أجد شيئاً يخلصني من هذه الحالة التي تمر أمامي كالحلم تماماً ، وفجأة أنيرت اﻷضواء فرأيت ذلك الفتى بشعره الطويل إلى كتفيه وقلت له :
– ما الذي يحدث هنا؟
– لو كنت أعلم لما سألتك منذ قليل.. لحظة.. أتسمعين؟
– لا أسمع شيئاً !!
– ركزي جيداً إنها خطى أقدام .

أخذت أركز فسمعتها وعلى ما يبدو فهي تقترب منا لذلك نظرت حولي فأبصرت باباً حديدياً وأخذت أنظر منتظرةً دخول شخص ما عله يخلصنا ، ولم يطل إنتظاري حتى دخلت منه امرأة شقراء رائعة الجمال ترتدي ملابس سوداء فاضحة قالت بسعادة غريبة :
– مرحباً بالضيوف كيف حالكما ؟
قال ذلك الفتى والسخرية واضحة بنبرة صوته :
–  يا إلهي لو كنت أعلم بأني سأرى ملاكاً لتعرضت للخطف قبل مدة طويلة
– مبتسمة: أتعلمان من أحضركما إلى هنا؟
– أرجوك حرريني فأنا لم أفعل شيئاً

رمقتني بنظرة فوقية جعلتني أتمنى لو أني لم أتحدث ثم اقتربت كثيراً من الفتى أحمد وقالت له وهي تعبث بخصل شعره الطويلة
– تملك تسريحة شعر كزوجي حبيبي رافائيل
– ساخراً : يبدو لي بأن زوجك شخص رائع.. لذا اقترح أن تبتعدي عني قليلاً قبل أن يأتي ويفهمنا خطأ

فجأة فتح الباب مجدداً ودخل منه رجل وسيم جداً ومعه مجموعة من الحراس الذين يرتدون دروعاً سوداء كدروع فرسان العصور الوسطى ، تقدم وقال بهدوء مخيف وهو يزيل سيجارته ذات الدخان الكثيف من بين شفتيه :
– مايا هل أنتهيت من العبث ؟
– أجل يا حبيبي
– إنهم مجرد أضاحي للشيطان لذا لا تتعلقي بهم كثيراً

ذهلت من وقع الكلمة فوقعها صدمني صدمة الموت نفسه لذلك نظرت للفتى أحمد عله يقوم بشيء يخلصنا وإذا بالبسمة اختفت عن وجهه بعد دخول هذا الرجل ، ترى من يكون ؟ قلت في نفسي فتقدم الرجل منه وقال
– إذاً أنت ذلك المغني اللعين
– بتوتر شديد: إسمي L.A يا رجل
– أنت L.A
نفث دخان سيجارته الكثيف في الهواء ثم أكمل قائلاً : 
– إذاً أيها الرابور أنا أريد منك خدمة صغيرة ، أترى هناك فتاة ميتة تدعى نور تم إعدامها بمالكوث زوراً بتهمة ممارسة اﻹرهاب وهي بريئة أريدك أن تغني عنها محدثاً ثورة هناك
– بتوتر شديد : أنا رابور مغربي.. افهمني مالكوث ليست بلدي ﻷنتقد حكومتها
– وهذا ما أريده فأنت ستكون بمثابة الصفعة لمالكوث فالمواطنة الميتة ليست مالكوثية كذلك.. إذا هل ستقوم باﻷمر؟

كنت أنضر إليه وهو يتصبب عرقً ا، بلع ريقه وقال وهو يتنفس بسرعة كبيرة كأنما سيغمى عليه :
– أريد فرصة ﻷفكر
رفع الرجل يده في الهواء كأنه يعطي أمراً لحراسه ، فأمسكتها تلك المرأة الشقراء وقالت بينما تداعب خصل شعره البنية بغنج ودلال :
– حبيبي لمَ العجلة؟ دعه يفكر قليلاً ريثما تجهز القِدر اﻹساخي في حالة رفضه ، فأنت تعلم كم العناء الذي خاضه جنودنا ﻹحضاره

قال بعدما نفث دخان سيجارته الكثيف مجدداً :
–  لكِ ما أردت.. من هذه؟
قالها مشيراً إلي ، فشعرت برعب شديد سبقته رعشة في كل جزء بجسدي، قالت له زوجته :
– هذه مجدولين مساعدة القيصر التي طلبت خطفها
– صارخاً بغضب : هذه ليست مجدولين!! هل أنتم حمقى!!
– حبيبي لا بأس إهدأ قليلاً

خرج بخطى سريعة غاضبة ليخرج جنوده و زوجته خلفه فاستغللت فرصة ذهابهم وقلت ﻷحمد الذي كان شارد الذهن
– أنت !! من هذا الرجل أتعرفه؟
بصوت كئيب : 
– لقد قضي علينا ، فهذا الرجل هو نبي الشيطان إنه ( إساخ ) قاتل الملحدين و متطرف اﻹبليسيين ، إنه قائد جماعة فرسان الهيكل.. لا نملك أدنى فرصة للخروج من هنا أحياء

تذكرت اﻷخبار و الصحف التي كان يشاهدها و يقرأها أبي عن اﻹرهابي ( إساخ ) لتبدأ الدموع وحدها تنزل من عيني، فلأول مرة بحياتي أشعر بالخوف لهذه الدرجة ، وعلى ما يبدو شعر أحمد بخوفي وحاول مساعدتي ﻷنه قال لي مواسياً
– لا تبكي فلربما سيترككِ .. لقد سمعتِ ما قاله فهو لا يريدك أنت

لم أجبه فقد كنت واعية تماماً لطريقة تفكيره ، فهو يحاول تهدئتي ، صمت منتظرةً لتمر اللحظات سريعاً ولكن لم يحضر أحد

***

بعد مدة طويل فقدت إثرها القدرة على تحديد الوقت فتح الباب اللعين لتدخل منه نفس المرأة الشقراء مع حراسها فاغتنمت الفرصة وقلت لها :
– أرجوك أنتم لا تريدونني أليس كذلك؟ إذاً ما الذي سيحدث؟ ستطلقون سراحي صحيح؟

اقتربت مني وقالت وهي تنظر إلي مبتسمة : 
– عزيزتي لا تخافي فستذهبين في سبيلك إن صفح عنك حبيبي ( ثم همست بأذني ) و قلما يفعل ذلك
– إذا مالذي سيحدث إن لم يصفح عني؟
ابتسمت غير مبالية وهي تعطي إشارة ﻷحد الحراس الذين بدؤوا بتحريري وقالت بعدما تحررت :
– إلحقي بي
– لكن ماذا عن هذا الفتى؟
– بنبرة أرعبتني: على عكسك.. إنه ضيفي

لحقت بها وبمجرد خروجي من تلك الزنزانة المقفرة أول ما تراءى إلى بصري هم أولئك الحراس العراة الذين يتجولون بكل مكان ، فحاولت غض بصري عنهم ، وبينما نحن نتجاوز الغرف كنت أفكر بأبي والدمع ينزل من عيني.. هل يبحث عني و هل يعلم أين أنا أساساً .. فقطع حبل أفكاري توقفنا أمام زنزانة كبيرة حيث قالت لي تلك الشقراء بنبرة صوت ساخرة : 
– عزيزتي ستقطنين هنا إلى أن يقرر حبيبي رافائيل مصيرك

ولم تمنحني فرصة للرد أو اﻹستفسار إذ دفعني الحارس إلى داخل الزنزانة ﻷفقد وعيي مباشرةً ليس بسبب أدوات التعذيب المرعبة ولا الدماء المنتشرة بكل مكان فقط بل ﻷني رأيت ( الوحش ) السفاح اﻷمريكي اﻷخطر مربوطاً بالزاوية فلم أتمالك نفسي وسقطت أرضاً

***

– هي يا فتاة استيقظي.. هيا استيقظي

أفقت على هذا الصوت ﻷرى فتاة جميلة ذات ملامح أوروبية قالت بإرتياح : 
– الحمد لله أنتِ بخير
– أين نحن؟ ومن أنت؟
– هوني عليك يا صغيرة.. أنا ماسا ( ثم أشارت للسفاح المربوط إلى الجدار ) وذاك تيم
– قاطعتها بتوتر: أليس هذا تيم السفاح اﻷمريكي المجنون؟
– إنه ليس مجنوناً ( صمتت ثم أكملت ) إنه فقط لم يجد من يفهمه

فجأة فتح الباب ليدخل نبي الشيطان كما يسمونه، تقدم باتجاهي و قال لي بصوت أقرب إلى الهمس : لربما ستخرجين من هنا حية ولكن أضمن لك بأنك لن تخرجي كما دخلتي أبداً
لم أفهم شيئاً من كلماته المبهمة ، لذلك اعتمدت الصمت وركزت على خاتمه الغريب ذا علامة رأس الماعز ، فأعطى إشارة ﻷحد رجاله ليمسكو بي ويأخذوني إلى غرفة الشيطان كما يسميها

***

بعد دخولي وبالرغم من مقاومتي ربطوني إلى سرير مخيف مليء بالدماء و تركوني مدة وجيزة حتى دخلت الشقراء مجدداً وقالت لي وهي تبتسم بشكل جعلني غير مرتاحة : صغيرتي نور أخبريني أين هو القيصر.. وقبل أن تجيبي يا حبيبتي أنا أحذرك لا تختبري صبري

– عن أي قيصر تتحدثين؟ ثم كيف

قاطعتني بصفعة قوية جعلتني أنهار باكية فوضعت يدها على فمي وقالت بعدما اختفت البسمة من على وجهها : القيصر.. الرجل ذا القناع!! اﻹرهابي اﻷخطر!! الطاعون في شكل إنسان!!( أبعدت يدها ثم قالت) أين هو؟

– لا أعلم عن ما تتحدثين.. لا علاقة لي بالإرهاب أرجوك أنا بالثامنة عشرة من العمر من أين سأعرف رجلاً كهذا ؟
– والدكِ لؤي مبارك هو إرهابي حاول إرسالك إلى مالكوث ﻷنه مستهدف من قبل إرهابي عالمي يدعى الغول بسبب عمله مع القيصر ، لذا لا تقولي لي بأنه لم يخبركِ بشيء

صرخت مصدومة بعدما أصبح العالم ورقة سوداء أمامي:
– كيف تعرفين والدي!! ثم والدي ليس إرهابياً !! أنت تكذبين!!
– أكذب؟ حبيبتي نور ألم تسألي نفسكِ يوماً ماذا يعمل والدك ليؤمن لكي القصر الفاره والماركات العالمية التي تلبسينها؟ إنه يعمل كمخبر للقيصر لذى لن أسألك مجددا.. أين هو القيصر؟
– لا أعلم من هو القيصر!!

أشارت إلى يميني فنظرت وأنا شبه مصدقة لما يحدث حولي ﻷرى فتى بعمري مربوطاً مثلي فقالت : سيموت بسبب عنادك يا نور.. إنه محظوظ

أشارت ﻷحد رجالها الذين قدموا وقطع ذراعيه ببطء شديد مستخدماً فأس أشجار، كانت صرخاته كافية لجعلي أنهار باكية مجدداً ، فحتى بعدما أغمضت عيني كنت أسمع توسلاته اليائسة التي توقفت فجأة بعد ما صرخ شاكراً لي، فتحت عيني ﻷجده قد مات بعدما قطعوا أعضاءه ، فاقتربت مني تلك الشيطانة مجدداً وقالت لي بعدما لعقت بعض الدماء من الفأس: 
– أرأيت أين يقود العناد؟ سأسألك مجددا أين الـ..

قاطعتها فبعدما رأيت مراهقاً يموت أمامي بتلك الطريقة وسمعت أن والدي إرهابي لم أتمالك نفسي ولم أعد أخاف الموت فلم يبقَ هناك شيء أخاف منه: 
– لا أعرف من تريدين!! وحتى لو كنت أعرف لما أخبرتك أيتها العاهرة!!
– مبتسمة: عاهرة؟ سنرى من تكون العاهرة يا نور ( نظرت إلى رجالها و أكملت ) اسمعوا عندما تنتهون منها خذوها لقبو اﻷطفال.. ستتمنين الموت يا حبيبتي

ابتسم الرجال وهم ينظرون إلي ، فغادرت هي الغرفة بعدما أطلقت ضحكتها المرعبة

***

قادوني إلى زنزانتي الجديدة وأنا محطمة فقد تحرشوا بي ولم يبق ما أحارب ﻷجله ، ولكن بينما نحن بالطريق كنت أشتم رائحة شديدة القذارة تنفر الحي و الميت ، فبدأت بالمقاومة ﻷتلقى صفعة قوية من أحد الحراس جعلتني أخضع حتى أدخلوني إلى زنزانة مظلمة مليئة باﻷطفال حديثي الولادة و الخنازير التي كانت تلتهم جيفة ما أظنها ﻷحد أولائك اﻷطفال ، فبدأت بالصراخ والبكاء بكل ما بقي لدي من طاقة متناسيةً ما حدث لي منذ قليل :
– أرجوكم لا لا !! أنا لا أطيق الظلام أرجوكم.. المكان مليء بالقذارة أرجوكم
تقدم القائد( إساخ )بإتجاهي وقال بهدوء بعدما مرر يده على خصل شعري : تخافين الظلام؟
تشبثت بمعطفه اﻷسود وأجبت باكية بعدما دست على كرامتي: 
– أرجوك سأفعل أي شيء فقط لا تتركني هنا.. أرجوك!!
– مبتسماً :
– إن أردت أن تعيشي فتناولي لحم اﻷطفال أو الخنازير النافقة هنا

دفعني ثم أغلق الباب خلفه تاركاً إياي أبكي وأصرخ حتى بح صوتي بتلك الزنزانة المرعبة والمليئة بروث الحيوانات

***

مر شهر ونصف على بقائي بهذه الزنزانة اللعينة، لم يكن لدي ما أفعله بعد البكاء غير إحصاء اﻷطفال الذين يموتون كل يوم من الجوع والعطش من غير الذين يأخذونهم للتضحية بهم، وفجأة فتحت الزنزانة ودخلت زوجة القائد كما تفعل كل يوم ، اقتربت مني وقالت كما تقول طوال المدة المنقضية: 
– أين هو القيصر؟
– كما أجيب دائماً : لا أعرف
– مازلت على عنادك إذاً

خرجت فدخل حراسها ليتحرشوا بي.. بصراحة لم أعد أقوى على مقاومتهم كما كنت أفعل بالبداية ، فقد خارت كل قواي ﻷنني لم آكل أي شيء طوال هذا الشهر اللعين فقط كنت أشرب الماء الذي يسكبونه على جسدي العاري ليتسلوا.. لا أعلم كيف بقيت حية طوال هذه المدة من دون طعام لربما أملي بالعودة إلى المنزل هوى ما أعطاني القوة ﻷصمد

***

بعد أسبوع كامل و على غير العادة فلم تدخل تلك الشيطانة استجوابي اليومي ، فتح باب الزنزانة و إذا بها تدخل مع حراسها ولكنها لم تستجوبني بل رمت القليل من الخضار الفاسد على اﻷرض فبدأت بالقتال مع الخنازير لتناولها وسط سخريتها مني ، وبعد انتهائي قام حارسها بالإمساك بي و وضعي على كرسي خشبي قديم ليتقدم حارس آخر ويبدأ بحلق شعر رأسي بينما كانت هي تضحك وأنا أبكي فقالت: 
– أين القيصر؟
لم أجبها ، فتقدم أحد رجالها ليسكب فوقي مياهاً شديدة البرودة ، ثم قام بصعقي بعصاه الكهربائية ﻷفقد وعيي وأستيقظ على ألم إقتلاع أضافري من مكانها ، فقد كانت تسألني وعندما لا أجيب تقوم بإقتلاع ظفر من أظافر يدي ، وعندما اقتلعتها كلها بدأت بسلخ قطع من لحم ذراعي، استمر الحال هكذا حتى فقدت صبرها فأمرت رجالها بربطي إلى الجدار لتبدأ هي بجلدي مراراً وتكراراً حتى جعلت من ظهري خارطة ، وبعد الخمسمائة جلدة مزقت جلدي قامت بكي جروحي بالنار ، ثم قامت برش الزيت المغلي على ظهري وقبل أن تذهب أطلقت رجالها ليفعلوا بي ما يفعلونه كل يوم منذ شهر كامل

***

– استيقظي يا نور.. هيا
أفقت على هذا الصوت ﻷجد نفسي مكبلة بسرير حديدي أتلقى التغذية من جهاز غريب بينما يقف أمامي القائد و زوجته التي قالت بكل ثقة بعدما حقنتني بمصل غريب:
– اليوم سنكتشف إن كنت حقاً لا تعرفين من هو القيصر

شعرت بالنشاط فقلت : 
– ما هذا!! بماذا حقنتني؟
– يمكنكي القول بأني حقنتك بمصل الحقيقة.. فكما تعلمين عندما يطلق الشخص كذبة يقوم القلب باهتزاز مفاجئ وهذا المصل وظيفته تخدير القلب إذا ما حدث ذلك الاهتزاز ليموت الكاذب ببطء شديد ، لكن قبل ذلك يقوم بتنشيطه
– أنتم وحوش ولستم بشرا!!
– حبيبتي نحن ما نريد أن نكون.. والآن أين هو القيصر؟
– لا أعلم
– ابتسمت ثم قالت : لم تكذبي جيد إذا هل تعرفين القيصر؟
– لا أعرف القيصر
نظرت إلى زوجها المبتسم وقالت بكل برود :
–  لا تعرفه
– صرخت غاضبة: لماذا لم تفعلو هذا من البداية بدل تعذيبي؟!!
– أجابتني: وكيف كنا لنتسلى؟

اقترب مني زوجها وقال لي :
– هل تريدين الموت؟
لم أجبه ﻷنني كنت مقهورة ، فقام بركلي على بطني ركلة جعلتني أحس بأن روحي خرجت من جسدي.. انتهى اﻷمر لقد أغمضت عيني واستسلمت لملاك الموت

***

نزلت بعض قطرات ماء على وجهي ﻷستيقظ وأنا باكية ومحطمة ، فقد تحرشوا بي وعذبوني لمدة فقدت فيها القدرة على تحديد الوقت، لقد جعلوني أتمنى الموت فعلاً إذ كم حزنت لكوني بقيت على قيد الحياة.. تقدمت باتجاهي الفتاة ماسا قائلة : ماذا فعلوا بك؟
من كثرة غضبي وتحطمي وشعوري بالعجز لم أجبها فقط ذهبت إلى زاوية ( الوحش ) وبدأت بتأمله فقد بت شبه واعية لما هو هكذا ولماذا يكره بني البشر، فجأة أطلق صوت أذان الصلاة لدى المسلمين لتقول ماسا: ما هذا أليسوا عبدة شيطان.. إذاً لما
قاطعها دخول القائد المرعب الذي قال بعدما قام برمي كتابين إلينا: 
– قوموا بالصلاة إن أردتما فلن أمنعكما عنها

تقدمت و حملت الكتابين ﻷجد أحدهما القرآن الكريم و اﻷخر الكتاب المقدس فقالت ماسا: 
– لمَ تريدنا أن نصلي و نقرأ كتب الله أولست شيطانياً
– النار ليست إلا مثوانا نحن فرسان الهيكل بينما أمثالكم من المتدينين يعكرون صفو الجحيم بالصراخ و البكاء الفارغين ( أشار إلى أحد الحراس ) أخرجهم إلى الساحة بعد الصلاة
– الحارس: يا مرسولنا ماذا عن ذلك الشيء ( أشار إلى تيم ) ألن نخرجه فلم يشرب أو يأكل منذ شهرين تقريباً
– لا فقد منعت عنه الطعام والشراب ليموت ببطء ، ثم نحن نريد أضاحينا أحياءً ﻷجل فخامة الشيطان ، و إن أخرجنا هذا المخلوق فأنت تعلم ما الذي سيحدث

ذهب بعد إنهائه تلك الكلمات المجنونة ليتقدم الحارس إلينا

***

بالساحة التي تشبه ساحة مجالدي الرومان القدماء رأيت مختلف الناس من مختلف اﻷعمار و البلدان بعضهم عاري والبعض الآخر تنقسم ﻷعضاء.. كانو يمشون يائسين و كأنهم ميتون أحياء، لا ألومهم فبعدما سمعته و فعلوه بي لم أكن مختلفة عنهم.. قام الحراس برمي المياه الفاترة وبعض اللحم النيئ المتعفن من على المدرجات فبدأ الناس بالقتال كالكلاب ﻷجل ذلك الطعام القذر بينما تعالت أصوات ضحكات الحراس ، وبعد قتالهم المجنون مات بعض اﻷشخاص فنزل القائد ليهرب الجميع خاضعين باسثنائي أنا التي تمنيت لو يقتلني الآن وينهي معاناتي و ماسا ، فقال بتكبر: 
– نظفو هذه القذارة ( ثم نظر لطفل لا يتجاوز عمره العاشرة ) تعال هنا يا صغيري لا تخف تعال.. لم أرك هنا من قبل
بالرغم من تحذيرات أمه وإمساكها إياه إلا أنه أفلت منها وتقدم إليه فقال ببرود: 
– من أين أنت يا صديقي؟
– ببراءة: من مالكوث
– صارخاً : مالكوثي!! جئت إلي الموت بقدميك

أمسك الطفل ليحضر أحد رجاله صارية علم عليها علم مالكوث اﻷزرق ، فتقدمت أمه صارخةً ﻹنقاذه لكن للأسف أطلق عليها الحراس كلبان ضخمان قاما بقتلها أمام مرأى من الجميع فبدأ الصغير بالصراخ ليقول له القائد بنبرة ساخرة:
– لا تصرخ فلم نبدأ بعد( أشار لجنوده ) أحرقوا جيفة أمه اللعينة

قامو بملئها بالبنزين وإحراقها ليقوم القائد بدوره بخوزقة الطفل حياً على صارية العلم أمام أنظار الجميع ، ثم رماه بالنار المتقدة من جثة أمه ، أغلقت عيني وأنا أسمع صراخ و توسلات الطفل فقال القائد لجنوده: 
– إن نضج هذا اللعين أعطوه للطاهي.. أنا جائع جداً اليوم

ذهب بعدما مزق أذن الطفل وأكلها ليقودنا الحراس إلى زنزانتنا

***

بالزنزانة لاحظت بأن ماسا مع تيم فاقتربت ﻷرى ما الذي تفعله ، لتأخذني الدهشة إذ كانت تعطيه الماء ليشرب ، فجأة دخل القائد قائلاً بغضب شديد: 
– إذاً هذا السبب!! لهذا لم يمت طيلة الشهرين بدون طعام أو شراب!! أحكم عليك أيتها العاهرة بالجلد ألف جلدة!!

تقدم الحراس و ربطوها من يديها بسلسلة تتدلى من الجدار بمنتصف الزنزانة ثم خلعوا عنها ملابسها لتأتي زوجة القائد وتقول بينما تعبث بسوط له ثلاث مخالب حادة بنهايته: 
– ألم يكن من اﻷسهل أن تتركيه يموت؟

بدأت بجلدها فتألمت أنا من مجرد النظر فقط، مرت الجلدة اﻷولى و الثانية و الثالثة فصرخت ماسا من اﻷلم وفجأة فقدت أنا القدرة على تصديق ما يحدث من حولي إذ أن ( الوحش ) حطم سلاسله الفولاذية السميكة وركض باتجاه زوجة القائد حاملاً إياها بيد واحدة من رقبتها فصرخ زوجها:
– أقتلوه الآن .. الآن!! قبل أن يقتل مايا ، ( نضر حوله ) ما الذي يحدث هنا؟!!

كان جميع رجاله قد سقطو أرضاً وفجأة لحقهم ( الوحش ) الذي فقد وعيه تاركاً تلك الشقراء التي بدأت بتحسس رقبتها غير مصدقة أنها مازالت على قيد الحياة ، لترمى فجأة قنبلة ضوئية أعمت الجميع وبعد زوال تأثيرها كان هنالك رجل مقنع يقف بجانبي تماماً قال بكل هدوء: 
– إساخ لقد اختطفت شخصان وأنا هنا ﻷخذهما
– بعدما ضحك: القيصر لقد أتيت إلى قبرك بقدميك.. يا عبيدي ( حضر الكثير من الجنود ) أنا أملك ملايين الجنود ناهيك عن أننا على جزيرتي الاصطناعية الٱن ، إنها أرضي حرفياً .. لذا ما رأيك بأن لا تقاوم وستكون أول شخص أقتله بسرعة ؟
– ما رأيك بأن تبتعد عن طريقي ولن أمسح جزيرتك من الوجود؟
– أنت وأي جيش؟
– هذا الجيش

أبعد معطفه الجلدي ليظهر قنبلة كبيرة متصلة بالأسلاك و الشرايين مع جسده ، ثم أكمل قائلاً ببرود : هذه القنبلة الذرية متصلة بشرايين متصلة بدورها مع قلبي ، مما يعني إن توقف قلبي عن الخفقان سنمحى جميعاً من الوجود
– يستحيل أن تكون جاداً .. لن تقتل نفسك ﻷجل عاهرة و سفاح
– ساخراً : أنا إرهابي متطرف أليس كذلك ؟ ماذا أتريد إختباري؟

نظر القائد حوله كأنه قد هزم ثم قال:
– أتركوهم يخرجون
– أتعلم لماذا تعجبني يا إساخ؟ ﻷنك تفكر بمنطقية وﻷنك صريح فأنت تتوعد جنودك بجهنم على عكس بعض المتطرفين.. المهم أريد تلك الفتاة أيضاً
أطلق الجنود سراح ماسا المعلقة فغطاها الرجل المقنع بمعطفه وحقن ( الوحش ) بمصل غريب أخضر اللون جعله يستيقظ ثم أمسك بمعصمي وبدأ بالمشي ، وما أن وصلنا إلى باب الزنزانة حتى اسوقفنا القائد قائلاً : 
– لحظة واحدة.. كيف تمكنت من إيجاد جزيرتي ، لا بل وكيف دخلت بدون أن يراك أحد
– بربك يا إساخ.. لقد اخترقت سجونا و اختطفت إرهابيان من معتقل غوانتنامو وتتوقع بأن لا أجد جزيرة إصطناعية حمقاء ؟

ابتسم ثم قال:
–  إليك نصيحة أيها القيصر.. الملك ﻻ يضحي بحياته ﻹنقاد البيادق أبداً بل البيادق من تضحي لأجل الملك

لم يعره اهتماماً و خرج من الزنزانة

***

على متن سفينته التي كانت أشبه بالترسانة حربية و تحديداً بغرفة القيادة استلقى المقنع على ظهره وقال بسخرية :
– مجدولين أزيلي هذا العبئ عن صدري
تقدمت إمرأة وبيدها مشرط، ولا أعلم لماذا ولكني استوقفتها قائلة:
–  ألن تخذريه؟
أجابني المقنع : 
– لا داعي فالرجال يتحملون الرصاص.. مجدولين إبدئي
تقدمت وقامت بتلك العملية المرعبة فقال لي وهو يتألم: 
– أتعلمين أن هذا اﻷلم هو الشيء الوحيد الذي يجعلني أشعر بإنسانيتي
– وهل هذه المرأة جراحة ماهرة؟
أجابني مبتسماً واﻷلم بادي على نبرة صوته: 
– هذه المرأة كانت أرخص مومس بفرنسا كلها ، كانوا يسمونها القنبلة ، ( صمت من اﻷلم ثم أكمل ) و كلمة كانت للتعريف بالماضي تكفيني ..

بعدما سمعت ما قاله تذكرت أمر القنبلة فقلت بخوف وتوتر شديدين:
– هل قصة موتك و القنبلة حقيقة؟
– أجل.. لماذا؟ هل أنت خائفة؟ لا تقلقي فأنا أأتمنها على حياتي.. حرفياً إن فهمت النكتة

بعد إنتهاء العملية التي دامت ثلاث ساعات وقف المقنع على قدميه بالرغم من تحذيرات طبيبته أو مهما كانت من عالجته ، فقلت له بعدما لم أتمكن من إمساك نفسي: 
– لماذا لم تقم بقتله؟
– من تقصدين.. تيم؟
– أنت تعلم من أقصد !! ذلك الشيطاني الحقير
– يبدو لي بأنك أغبى مما ظننت ، أتعلمين ما سيحدث في حال قتلته؟ سينقسم جنوده إلى جماعات مختلفة و سيخرج ما يسمى بمفتي الشيطان و المقتنصون و الفدائيون اﻹبليسيون.. باختصار الديانات السماوية ورأيت ما أصابها فما بالك بدين أرضي سفلي هدفه الدمار

قلت بغضب:
–  هل حقاً والدي يعمل معك؟ وهل يستهدفه رجل يدعى الغول؟
ضحك بشكل ساخر ثم أجاب:
– الغول !! لوكان الغول يستهدفني أنا لكنت الآن ميتاً فما بالك بوالدك.. لا تخافي فوالدك رجل صالح

صمتت لبرهة ثم قلت بخوف: 
– وابآنن ماذا ستفعل بي؟
– أنت لم تري شيئاً مما يملكه إساخ بجعبته ، فلم تري طقس القداس اﻷحمر و لا الصيد الماجن.. بل لم تري التعذيب الفعلي ، فما فعله بكي مجرد مداعبة ﻷنه كان يعلم بأنه إن أذاك كانت ستكون نهايته على يدي

اقترب ووضع يده على رأسي ثم قال وهو ينظر إلى ماسا التي كانت مستلقية على أحد اﻷسرة التي تملأ الغرفة تتلقى العلاج:
–  قال مرسول الشيطان بأن الملك لا يضحي بحياته ﻹنقاذ البيادق أبداً.. أهذا صحيح بنظرك؟ ( لم أجبه فقال ) في هذه الدنيا الملك ليس إلا بيدقاً بين بقية البيادق ﻷنه مجرد إنسان كغيره شاء أم أبى
صمت قليلاً ثم قال لي:
–  أنت الٱن بالمشفى وهذا كله مجرد كابوس شنيع لذا إستيقظي يا نور

حاولت التحدث ولكني أحسست بخدر شديد في جسدي لحقه دوار غريب، آخر ما أذكره أنني رأيت الرجل المقنع يمسك بمصل غريب أحمر قبل غيابي عن الوعي وسمعت بضعة كلمات ..
– وداعاً يا نور

***

عند إستيقاظي وجدت نفسي نائمة على سرير بغرفة ناصعة البياض ، نضرت حولي فانهمرت دموعي وأنا أرى صديقاتي و والداي غير مصدقة ما يحدث
– أبي
– نور أنت بخير ( عانقني بقوة ) صغيرتي نور لن أتركك مجدداً أبداً
– أمي وهي تبكي وسط فرحة صديقاتي : نور حبيبتي
بادلتهما العناق ، وفي تلك اللحظة التي أبت أن تمر أمامي و التي كنت أشعر بأني لن أراها مجدداً ، شعرت و ﻷول مرة بحياتي بسعادة هائلة كهذه.. إنها فعلاً لنعمة أن تعانق الفتاة والداها باﻷخص بعدما خضته أنا

” شكراً جزيلاً لك أولاً يا إلهي.. ولك ثانياً يا أيها القيصر مهما كنت “

 

تاريخ النشر : 2018-02-10

guest
97 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى