أدب الرعب والعام

عروس الموت

بقلم : نوسيم الذيبة – الجزائر

كان لها جناحان أسودان في ظهرها يقول البعض أنها فتاة عاشت وحيدة إلى أن ماتت

– إنها أسطورة ذلك اللحن المترنح ، فإذا سمعته إياك أن تحاول كشف سره أو المشي وراءه ، فلحد هذا اليوم لم يكشف سره أحد ، كل ما يعرف عنه أنه معزوف بالكمان ، فهل أنت مستعد أن تهزم فضولك و تتريث حتى تسمع القصة ؟

– أرجوكِ ابدئي ، من فضلك

– فتاة الغسق , لا تستغرب من الاسم فهو ليس الشيء الغريب الوحيد في القصة ، لقد كان لها جناحان أسودان في ظهرها يقول البعض أنها فتاة عاشت وحيدة إلى أن ماتت ، وقد لبست روحها ذلك البيت الأبيض وسط غابة الصنوبر ، ذلك البيت الأبيض المحاط بأشجار السنديان و له حديقة خلفية و قد زرعت كلها بزهرة الأوركيد السوداء ..

يشاع عن ذلك البيت أنه كان مسكون من قبل زوجين عجوزين و بعد وفاتهما لم يسكنه أحد لأنه في مكان منعزل و مطروق بأقدام الذئاب و قد أصبح المنزل مهترئاً الآن ، ويقولون أن الفتاة الملقبة بـ فتاة الغسق ترتاده كل ليلة بعد انتصافها لتبيت فيه ، ويقولون أيضاً أن فتاة الغسق قد قتلت هناك ، لهذا السبب روحها تسكن ذلك البيت الأبيض و أنها و بجناحاها الأسودان تطير ليلاً ، و في وقت الغسق فقط ، خاصةً إذا كانت السماء ملبدة بالغيوم .

– هل أفهم من حديثك أنها شبح ؟

– هكذا تروى الأسطورة , في العالم الآخر في قبيلة الجن البيض حدثت هذه القصة , زعيم القبيلة كان له خمسة صبيان و فتاة واحدة وحيدة و كان اسمها غرغريت ، كانت شابة يافعة في الثامنة عشر من عمرها ، ومن الطبيعي أن تحب في هذا السن ، كانت أوسط إخوتها ولم يكن هنالك من يهتم بها أو ينتبه لها ، كانت مرحة جداً تحب العيش و تعشق للأوان ولم تكن لتهتم لمعاملة أبيها لها وبقية الجن من إخوتها و أمها أو غيرهم ، بل كانت تراه حسن حظ ألا أحد ينتبه لها ، فتراها هائمة من مكان لآخر تجوب المناطق إلى أن حدثتها نفسها مرة بزيارة عالم البشر .

كانت متردد و خائفة لعلمها أن أباها لن يتسامح معها لو علم أنها فعلت ذلك ، لكن فضولها هزمها وطارت إلى عالم البشر بحجتها أنها ستلقي نظرة ثم تعود سريعاً , كانت ترى البشر من حيث لا يرونها فدهشت بجمالهم .

نظرت للفتيات بجمالهن و فتنت بشعرهن و أعينهن الفاتنة و أجسادهن المخلوقة بأحسن تقويم ، و تمنت أن لو كانت بشرية مثلهن ، نظرت للشباب فأعجبت أيضاً بجمال أعينهم و قوامهم ، و بقيت شاخصة البصر تقول بينها و بين نفسها أن ذكور البشر أجمل من إناث بني الجان ، بل ليس هناك مجال للمقارنة ، إننا وحوش مقارنة بهم !

و في شرودها لفت نظرها فتاة و شاب كانا يجلسان على مقعد من مقاعد تلك الحديقة .
بقيت تنظر لهما وشردت تفكر ثم لمحت الشاب و قد قام من مكانه وقطف زهرة أوركيد و وضعها على شعر محبوبته ، فاقتربت منهما لتنظر في وجه الفتاة التي كانت تراها من الخلف فقط , كانت على شفتيها ابتسامة آسرة و كان واضح من أن ذلك الشاب مغرم بها , لقد تأخرت تأخرت جداً عن بيتها فلم يكن لها أن تتأخر أكثر من ذلك فطارت سريعاً إلى عالمها ، عالم بني الجان .

بقيت تنظر إلى كل من كان على مائدة العشاء و تقارن بينهم و بين بني آدم و أصاب غرغريت قنوط من رحمة الرب خصوصاً و أنها وقعت في حب ذلك الشاب .

غرغريت الجنية ابنة زعيم القبيلة للجان البيض أحبت بشرياً و أغرمت به وصارت تراقبه من حيث لا يستطيع رؤيتها و تنظر له و تحوم به ، لكن ذلك الشاب لم يكن ليعرف بوجود غرغريت و كان مغرماً ولهاناً في معشوقته أمل ، و كانت هي كل ما يفكر فيه ، فيرده شارداً غاطساً في عالم الحب , ولم تكن غرغريت تنزل عنده بمنزلة شعرة , غرغريت كانت تتراود إلى بيته بل تبقى وراءه غالب وقتها , لكنها كانت تشعر بغصة و ضيق في صدرها لأنه كان لأمل .

أرادته لها , أرادت أن يحبها و حقدت على الفتاة أمل ، حقدت على جمالها و أرادت أن تفقدها كل ما يغلى عليها ، و قررت أن تجعل وليد يحبها هي فتخسره أمل ويضيق صدرها فتشبع هي نفسها الماكرة .
قررت غرغريت أن تلتقي وليد لكن طبعاً بعد أن تتصور له في أحسن صورة , فبحلة فتاة لا أجمل منها و لا أحسن ، بشعر مشع بلون أحمر جميل و وجه كالبدر المنير و عيون متقلبة بين البرتقالي و الأصفر قابلته في الحديقة , لكن وليد لم يعاملها أبداً بطريقة خاصة ، عندها علمت أن جمالها لن يغير شيئاً ، و أدركت كذلك أن وليد قد وهب روحه .. قلبه عواطفه و حبه لأمل لا غير .

غرغريت أصبحت شاردة دائماً تفكر في وليد و أمل و خصوصاً بعد أن أعلنا خبر خطوبتهما , إنها المرة السابعة و العشرين التي تغادر فيها غرغريت عالمها إلى عالم البشر كانت تلك الليلة حالكة الظلمة و كانت السماء ملبدة بالغيوم لدرجة أن القمر غير واضح في السماء ، لم تزر غرغريت تلك الليلة حبيبها بل قررت زيارة أمل .

كانت أمل قد خرجت لتوها من الحمام و نزعت المنشفة من على شعرها و وقفت أمام المرآة الكبيرة في غرفتها ، فظهرت وراءها بوجه مرعب تسيل من عيونها الدماء و تخرج من فمها كذلك ، حاولت أمل الصراخ لكنها لم تستطع ، منذ ذلك اليوم اختفت أمل ، لم يكن هناك أحد يعرف بذلك لأن غرغريت تصورت في صورة أمل بعد أن قضت عليها و دفنتها في البيت الأبيض من أجل أن تتزوج هي من وليد .

لكن الأعمال السيئة عاقبتها وخيمة , غادرت غرغريت عالم الجان إلى عالم البشر و إلى الأبد ، لكن في يوم زفافها قُتِل وليد من قبل حبيبها الجني السابق و عائلتها ، و لم يعثر على جثته ، و قام زعيم القبيلة بمعاقبة غرغريت بمنعها من العودة إلى عالم الجن و حجزت بين أربعة جدران ، و أوصدوا عليها باب حديقة ذلك البيت الأبيض وقد تحول فستان العروس الأبيض إلى لون الغسق ..

لم تكن لتستطيع الخروج من البيت إلا ليلاً وبعد هبوط الغسق بعد منتصف الليل إلى الحديقة ، فتجلس تارةً لتتذكر ما فعلت بأمل و تارةً تطير بجناحها المكسور تحوم فوق ذلك المنزل ، و تارةً تدخل إليه فتعزف جنب مرقد أمل ذاك اللحن المترنح ، واضعةً على إصبعها زهرة أوركيد , و ما إن تطل الشمس إلى أن تعود لتربط في زاوية من زوايا تلك الغرفة الموجودة في العلية ، الغرفة المظلمة التي لا يعرف بوجودها أحد , ويقولون أن غرغريت ماتزال موجودة هناك لحد هذا اليوم تخدع الناس ، تجذبهم حتى يزورو البيت الأبيض فتقضي عليهم .

و الآن أنت قل لي هل أرعبتك أسطورة عروس الموت ؟ أراك شاحباً

– هل حدثت حقاً هذه الأسطورة ؟

– هل قلت حدثت حقاً ؟ لا ، إنها إشاعة توارثها الناس عن ذلك البيت الأبيض المهجور أعلى التلة ، أنت تعرف الناس يحبون الكلام و يعشقون الإشاعات و لا يخفيك أن بعض الناس يقولون أن أمل هي من استعملت السحر ، وقد قتل جنها وليد وسجنها تابعها هناك ، و لكن كل هذه اشاعات كاذبة لا مجال لها من الصحة .

في أول يوم لي في تلك المدرسة سمعت و لأول مرة عن أسطورة اللحن المترنح ، أسطورة “عروس الموت غرغريت فتاة الغسق” ، سمعت تلك الإشاعة الحقيقية عن بيت السنديان ، عن ذلك البيت الأبيض أعلى التل .

ملاحظة :
أهدي هذه القصة القصيرة لـ : الوردة لانا ” مريم ” صديقة الروح

تاريخ النشر : 2018-03-06

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى