أدب الرعب والعام

حكاية حب عادية جداً ..

بقلم : نيروز منَّاد – سوريا _ دمشق
للتواصل : [email protected]

حكاية حب عادية جداً ..
كوني امرأة حتَّى و لو لم يكن إلى جانبكِ رجل

فن التعافي ..

دعيني أحدثكِ عن الآلام الصَّغيرة, تلكَ التي لا يلتفتُ إليها أحد, الآلام التي تقتلكِ يومياً و لن يردَ اسمكِ كضحيةِ جريمةٍ بشعة في نشراتِ الأخبار, كما أنَّكِ لن تقرئي تحذيراتٍ من الوقوع فيها في الجرائد اليومية أو الإعلانات .. آلامٌ لا تشبهُ حرقَ البشرِ أحياءً و ليست ببشاعةِ وضعهم في أقفاص, هي آلام لا تسبب العقم كما يُشاع عن ممارسة العادةِ السَّرية و لن تصيبكِ بالشَّلل و لكنَّها قاتلةٌ جداً إنَّها تلكَ الأشياءَ التي تحدثُ في داخلك مع كلَّ يومٍ تعيشينهُ مع الشَّخصِ الخطأ.. 

في علاقةٍ من هذا النَّوع تكونينَ واقفةً في المنتصفِ في كل شيء فأنتِ لستِ سعيدةً بالكامل و لستِ حزينةً بما يكفي, أنتِ لستِ عاشقة و لكنَّكِ لا تستطيعين الانسحاب و مع كلِّ تصرفٍ سافل يؤكد لكِ حقيقةُ أنَّكِ في علاقةٍ مؤذية تقررين بإرادتك الكاملة إطالةِ عمرِ هذا الكابوس الذي تصرين على تسميته حباً !

و على غيرِ العادة و في وقتٍ ليسَ مناسباً أبداً تقررين أن تنظري إلى الجانبِ المشرقِ من القمر فتتذكرين : لقد قالَ لي في السَّابع من الشَّهر الماضي في السَّاعة الثَّانية عشر بعد منتصفِ الليل ” مافيي بلاكِ ” فتضيفين بذلكَ يوماً جديداً من الجحيم الذي تعيشينهُ على أمل أن يكونَ كل ما تتحملينهُ إنَّما هو ظرفٌ طارئ و سينتهي قريباً لتحصلي على نهايتك السَّعيدة مع أميركِ السَاحر إلى الأبد .. 

حسناً دعيني أحدثكِ عن الجانبِ المشرق من القمر في كل هذا : في الحقيقة ليسَ هناك أي ضوء في كلِّ هذا أبداً, قد يكون الضَّوءُ الوحيد هو حقيقةُ أنَّكِ ستتأكدينَ من حقيقةِ أنَّ علاقةً فاشلة لن تقتلكِ, أمَّا الجانب المظلم من القمر فهو أنَّكِ ستُترَكين في النَّهاية و كل مخاوفكِ ستتحقق سيهجركِ و سيجعلُ الأمر يبدو كما لو أنَّكِ لم تحبيه كما يجب سيبدو الأمر فعلاً كما لو أنَّكِ سبب ما آلت إليهِ الأمور و ستعتذرينَ كثيراً قبل أن يطلق رصاصة الرَّحمة وسط قلبكِ قائلاً بمنتهى الشَّهامة : أنتِ تستحقينَ رجلاً أفضلَ مني, أنا أحسدُ الرَّجل الذي سيتزوجكِ!..

و من الآن سأوفر عليكِ ساعاتٍ و ساعات من العلاجِ النفسي و سأقدم لكِ نصيحةً ثمينة : لا تلجئي إلى طبيبٍ نفسي لا تتحدثي عن تلكَ العلاقةِ الفاشلةِ لأحد و لا تفكري فيها أبداً, توجهي إلى أقربِ صالون حلاقة و قصي شعركِ و غيري لونه, تعلمي الرَّقص أو مارسي الرَّياضة, لا تشاهدي أفلاماً رومانسية بعد منتصفِ الليل و وعاءُ الفشار في حضنكِ و المناديلُ بجانبك لا تفعلي هذا أرجوكِ. و لا تراسليه و أنتِ منهارة و لا تكتبي لهُ عد إليَّ أنا بحاجتك كما لو أنَّكِ بطلة فيلم نسائي من أفلام الأبيض و الأسود.. 

نامي باكراً و استيقظي مع بدايةِ الصَّباح و اركضي راقبي الشَّمس و هي تركض معكِ بدفئها و نورها و تنفسي بعمق و تذكري أنَّكِ بخير و أنَّ ما حدث لم يكسركِ مهما بدا مؤلماً و مهما بدوتِ مكسورةً فعلاً .. 

أعرفُ ما يخطرُ على بالكِ الآن أعرفُ أنَّ أولَ تعليقٍ خطر على بالكِ حال قراءتك هذه السَّطور : أنتِ لا تعرفينَ ما حدث و لن تشعري بشعوري, حساً دعيني أفاجئك أنا أعرفُ تماماً ما حدث و أشعر بما تشعرينَ به, صدقيني أنا أيضاً كنتُ هناك مثلكِ تماماً ومثلكِ أيضاً نجوت .. حدثَ الأمرُ منذ سنوات عندما كنتُ أعاني من البطالة و الوحدة وعُزلةٍ شديدة كنتُ قد دخلتُ فيها بإرادتي بعدَ خسارةِ أحد أفراد عائلتي, خسارةٌ لم أتمكن من تجاوزها بسهولة أبداً..

في تلكَ الأيام تحديداً أطلَّ بشكلهِ الوسيم و قصصهِ المثيرة, بحكايةِ حبِ عاصفٍ عاشها قبل سنواتٍ لازال يحكيها كما لو أنَّها بدأت أمس, جاء بصوته السَّاحر و كلماتهِ العذبة, دخلَ حياتي من أكثرِ الأبواب رخاوةً فهو صديقُ طفولتي و ابن جيراننا, ظهر فجأةً ليطمئن على حالي بعد سنين الغياب التي ابتعدنا خلالها عن بعضنا و كبرنا خلالها كثيراً و تغيرنا.. لم يكن بحاجةٍ ليقولَ أكثرَ من مرحباً لأفتحَ لهُ البابَ على مصراعيه غير أنَّه لم يقل مرحباً هو قال : كلُّ عامٍ و أنتِ بخير ..

كانَ أولُ عيدُ ميلادٍ أحتفلُ بهِ وحدي, كنتُ أنتظر رسالةً من أبي الذي مات منذ سنوات, و رسالةً من أمي التي تعيش بيننا بجسدها فقط بعد دخولها غيبوبة أبعدتها عنَّا بشكلٍ قاسٍ جداً, كنت أنتظر رسائلَ كثيرةً أعرفُ أنَّها لن تصل و لكنَّي انتظرت فجاءت رسالتهُ هو و أسعدتني.. انقطعَ التَّواصلُ بيننا لوقتٍ طويل لانشغالهِ ربما و لانقطاعي عن العالمِ الخارجي لفتراتٍ تطولُ أحياناً كنتُ خلالها أنغمسُ في حزني بكلِّ حواسي, لم أكن أستطيعُ تجاوز فكرةَ أنَّ عليَّ الاشتياقَ لكل من فقدتهم من عائلتي من دونِ أن أتمكنَّ من مكالمتهم كانّ ذلكَ أمراً يفوقُ طاقتي على الاحتمال و الأسوأ أنَّه عبئي أنا وحدي و لم يكن بإمكاني مشاركتهُ مع أحد … 

مرَّ وقتٌ طويل قبل أن يرسلَ لي أغنيةً جميلةً كنتُ أسمعها للمرةِ الأولى عنوانها : فيما لو تأخرَّ الغد !, في الأغنيةِ حالةُ عشتها لوقتٍ طويل و هي كل المشاعر التي نؤجلها كثيراً ثمَّ نكتشف أنَّ الوقت خطفَ منَّا كلّ الذين أردنا إخبارهم بهذهِ المشاعر إلى الأبد, صاحبُ الأغنية قررَ قولَ كل ما لديه في حال لم يأتِ الغد مثلاً ! , تحدثنا عن الأغنية وحدثني عن كونهِ يقولُ كل ما يشعر بهِ من دون ترددٍ أو تفكير فهو مؤمنٌ بالقدر و يعرفُ جيداً أنَّ القدر قد يقفُ عائقاً أمامَ وعدِ البقاء إلى الأبد .. 

هو كلامُ منطقيٌ جداً في الحقيقة لكنَّ تطبيقه صعبُ جداً بالنسبةِ لي .. توالتِ المحادثات و كنتُ مع كلِّ يوم أشعرُ بخوفٍ شديدٍ من الفاجعة, تلكَ اللحظة التي تكتشفينَ فيها أنَّ أجملَ أيام عمركِ إنَّما كانت علاقة صيفٍ عابرة لم تعنِ له شيئاً, لا أعرفُ من أين جاء هذا الخوف في الحقيقة و لكنَّه امتلكني و أردتُ ضماناتٍ تعطيني القوة لأستمر معه من دون ترددٍ أو خوف

و أمامَ هذا الخوف و الخلافاتِ التي بدا و كأنَّها لا تنتهي وجدنا أنَّ الحل الأمثل هو الحفاظ على صداقتنا مشتعلة و نسيانِ أمرَ الحب و بدا ذلكَ رائعاً لولا أنَّه عاد إلى كلماتهِ السَّاحرة و غزلهِ الغريب فهو لا يقولُ حبيبتي و لا يقولُ قوامكِ رائعٌ الليلة و لكنَّه يقول أشتهيكِ يا غريبة! .. 

كانتِ العلاقةُ بيننا متعثرة و كانَ ذلكَ واضحاً و هو ما يعطي مؤشراً واضحاً لكونها ستبقى كذلك إلى الأبد و لكنّي كامرأة أحملُ في جيناتي القدرة على عدمِ فهمِ الإشاراتِ الواضحة و البحث خلفَ أي شيءٍ صغيرٍ ولو كانَ وهمياً ليعطيني الأملَ في البقاء و قد وجدتهُ فعلاً و بقيت ..

ككلِّ النَّساء أصابُ بالحب بسهولةٍ عندما يتصرفُ الحبيبُ بسفالة, الاختفاءُ المفاجئ ,الابتزازُ العاطفي, التَّلويحُ بالانفصال كلُّ ذلك جعلني أتَّحولُ من امرأةٍ شرسةٍ تخوضُ نقاشاً عنيفاً لساعاتٍ حولَ كلمةٍ قالها بنبرةٍ لم تعجبني إلى امرأةٍ شبهُ معاقةٍ عقلياً لديها الاستعداد للخوضِ في النَّار ليرضى حبيبُ القلب فيقولُ لها كلمةً تجعلها تراهُ في الحلم زوجاً, أباً لها و لأطفالها, و فارساً شهماً نبيلاً قامَ بإنقاذها من عُزلتها في برجها الباردِ المُظلم و توجها أميرةً على قلبهِ و كلِّ النَّساء في ماضيهِ و حاضره..

كنتُ واقعةً تحتَ تأثير أحكامهِ علي فالرَّجالُ أذكياءُ بطريقةٍ إبليسيةٍ عندما يتعلقُ الأمر بالحب و هو كانَ الأذكى على الإطلاق, في الحقيقة كنتُ واضحةً لدرجةِ تسمحُ لهُ بالانقضاضِ عليَّ بسهولة فأنا متناقضة ,مشوشة ,ضعيفة ,ملكةُ الدَّراما و هذهِ الصَّفات جعلتهُ قادراً على انتقادي طوالَ الوقت من دونِ أن أتمكنَّ من الاعتراضِ على اختفائهِ القاسي و الطَّويل, كانَّ الرَّد جاهزاً : أنتِ مُتعِبة.. 

أصبحَ الأمرُ مؤلماً و لم أعد أشعرُ بما تشعرُ بهِ النَّساء المُغرمات عادةً, كنتُ حزينةً جداً و كنتُ أشعر بالوحدة حتى وهو معي.. في الحقيقة فإنَّ فشلَ علاقتنا في البداية حملتُ مسؤوليته من بابِ أنَّ الخوف كانَ خوفي أنا و اعتبرتُ سلفاً أنَّه صادقٌ كما الأنبياء, و أنَّي ظلمته و لكنَّ الأمر انقلبَ ضدي بصورةٍ سيئةٍ جداً فقد صرتُ مطالبَةً بتقديمِ ضمانات على أنَّ هذا الخوف لن يعود بذلك الشَّكل الذي أودى بعلاقتنا إلى الفشل في البداية و هنا بدأت مرحلةُ جديدة فقدتُ خلالها شخصيتي بالكامل…

تحولتُ معه إلى جارية تتعطرُ خلالَ النَّهار تسرحُ شعرها حتَّى المساء و لا تفعلُ شيئاً سوى انتظارُ السَّلطان ليأتي إليها بقسوتهِ و غرورهِ و رجولته ليمنَّ عليها بليلةٍ تُشعرها ببعضِ الأنوثة تاركاً إياها خلالَ الصَّباح نهبَ الأفكار و الألمِ و الوحدة.. الآن أعلمُ أنَّ ليس هناكَ أسوأُ من فعلِ أي شيءٍ تحتَ الضَّغط و تقديمهِ كما لو أنَّهُ ما أردتِهِ تماماً..

أنا فعلتُ هذا قدمتُ كل ما قدمت تحت الضَّغط واستجابةً للابتزازِ العاطفي الذي كان يمارسه علي, كنتُ أخافُ خسارته و الأسوأ أنّي خسرتُ حبَّه و احترامهُ و احترامي لنفسي فأنا الآن لا أعرف كيف أقنعُ نفسي أنّي لم أفقد احترامي ! كيفَ تخضعينَ لرجلٍ يتفننُ في إهمالكِ و تعذيبكِ ثمَّ تنظرينَ إلى نفسكِ في المرآة بحب! أنتِ كنتِ دميةً جنسيةً في يدهِ و الأسوأ أنَّه جعلكِ تشعرينَ أنَّ هذا كانَ ما أردتِهِ أنتِ هو لم يطلبه لم يسعَ إليه أنتِ قدمتهِ عن طيب خاطر!..

مرَّت أيامٌ طويلةُ جداً لم يكلمني خلالها من دون أن أفهم السَّبب, كنتُ أراجعُ المحادثاتِ و أحاول إيجاد ما جعله يختفي ولكنَّي فشلتُ تماماً و هنا و في هذه اللحظة بالذات قررتُ المضي قُدُماً في حياتي, قررتُ النّهوض من القاعِ الذي تركني فيه بعد أن غيرني و أفسدني بشكلٍ يؤلمني كلَّما تذكرته, ولكنَّي و مع كل ذلك قررتُ الانتصارَ لنفسي في نهايةِ الأمر ففي النَّهاية من منَّا ذكيٌّ لدرجةِ عدمِ الوقوعِ في الخطأ! .. 

الآن و بعد كل ما حدث فإني أنقل إليكِ خبراً سارَّاً أنتِ لن تموتي مهما تُركتِ, لن يتكَّسر قلبكِ بشَّكلٍ يصبحُ ترميمه مستحيلاً, ستكونينَ بخيرٍ دائماً و لكن تذكري لا تتصاغري لأجلهِ لا تنسحقي تحتَ قدميهِ لا تنتظري رسائلهُ عندما يغيب.. لا تقعي عندما يفلتُ يديكِ لا تُهملي نفسكِ و لا تخافي الوحدة.. كوني امرأة حتَّى و لو لم يكن إلى جانبكِ رجل ………….

تاريخ النشر : 2018-03-31

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى