أدب الرعب والعام

الرقم الأخير

بقلم : Rachida.H – الجزائر
للتواصل : [email protected]

الرقم الأخير
تغير لون وجهها ،ابيضت شفتيها ثم وضعت يديها على مقدِمة رأسها

  حمل بيرل الهاتف وشكل الرقم الأخير المدوَن على نصف ورقة كان قد أخرجها من جيب سرواله، بدت كما لو أنَها ممزقة من كتاب ما ، و كان واضحاً من شكلها أنها اُستعملت أكثر من مرَة ، و لعل الأرقام الخمسة المشطبة التي كانت مدونة أعلى الرقم الأخير دليل على ذلك أيضاً ، ضغط على زر الاتصال و انتظر حتى يتم الرد ، و بعد حوالي ١٠ ثوان ردت فتاة يافعة و قد بدا ذلك واضحاً من صوتها : ألو… . قال بصوت رقيق أو بالأحرى تظاهر بذلك : نعم ، الآنسة بيث ؟ بعدما ردت بالإيجاب ، قال : أنت حاضنة أطفال أليس كذلك ؟ أنا السيد وايت ، بيرل وايت ، لدي موعد مهم اليوم و بودي لو يأتي أحد للاهتمام بطفلي هذا المساء ، أنا أب أعزب و أخشى أنني لا أستطيع أخذه معي إنه موعد رسمي ، لقد أخذت رقمك من عند جارتي ، آمل أنك لا تمانعين ذلك ، لم أترك بيتر لوحده من قبل ، لذلك مسألة ايجاد من يهتم به في غيابي أربكتني و حينما أخبرتني السيدة سميث عنك ارتحت كثيراً ، قاطعته بقولها: حسناً ، حسناً هذا المساء؟ بالتأكيد سوف أكون متوفرة ، العنوان لو سمحت ؟ أملى عليها العنوان و شكرها ثم أقفل الخط.

أطفأت بيث التلفاز الذي كان يبث فيه خبر هام و خطير عن اختفاء فتاة في السابعة عشر من العمر – أي في مثل عمرها تقريباً – منذ حوالي شهر ، بالتأكيد لم تكن بيث لتهتم لنشرة الأخبار أو للتلفاز حتى ، فقد شغَلته فقط لكي لا تشعر بالوحدة وهي تدردش مع صديقاتها ، ثم صعدت إلى غرفتها لتغير ثيابها و تضع بعض مساحيق التجميل : أب أعزب و صوته يبدو جذاب جداً ، أمر مثير! قالتها بابتسامة ماكرة و هي تضع أحمر الشفاه ، بعد أن استعرضت المكالمة بينهما في ذهنها قالت :غريب ،لا أتذكر أنني جالست أطفال سيدة تدعى السيدة سميث ، وهل يجب أن أتذكر كل الأشخاص الذين جالست أولادهم ؟ ثم عدلت شعرها بيدها ،حملت هاتفها و خرجت بعد وقت قصير وصلت إلى المنزل المطلوب ، كان منزلاً كبيراً من طابقين و علّية ، تحوطه أشجار عارية أغصانها ، موجود وسط حديقة كبيرة قد تمكنت الأعشاب الضارة منها ، وقد توزعت ست باقات أزهار على طول مساحتها بشكل متساوي تقريباً ،و قد كان البيت الوحيد المتواجد في تلك المنطقة النائية.

دقت الجرس ، وانتظرت السيد بيرل ليأتي و يفتح الباب و لكن لم يأتي أحد ، استغربت من الأمر وبعدما دقت مرات معدودة ، أدركت أن لا أحد بالمنزل فحاولت فتح الباب ، و بالفعل لقد وجدته مفتوحاً مما زاد استغرابها ، دخلت المنزل و هي تنظر فاحصةً المكان ، كان ساكناً جداً من الداخل بشكل يبعث في القلب الرهبة ، كان يقابل الباب الدرج و تحت الدرج باب صغير ، و من الجانب الأيمن كان هناك غرفة المعيشة ، و قد كانت الأنوار مضاءة بشكل خفيف . قالت : مرحبا … السيد وايت…هل أنت هنا ؟…أنا بيث لقد أرسلت بطلبي كي آتي لأجالس طفلك ، و لكن لم يرد أحد ، ارتابت من ذلك أكثر ، و قد قررت أن تعود من حيث جاءت قبل أن ترى تلك الرسالة التي كانت موضوعة فوق طاولة صغيرة في غرفة المعيشة ، حملتها لتقرأ ما فيها وكانت الرسالة تقول: أسف ، لقد اضطررت للذهاب أبكر قليلاً من الموعد المتفق عليه بيننا لقد كان ذلك مستعجلا ، تركت لك الباب مفتوحاً حتى تتمكني من الدخول ، لا تقلقي لم أتركه مفتوحاً لوقت طويل فلقد خرجت قبل قليل ، بيتر نائم في غرفته لا تذهبي لرؤيته إلا إذا سمعته يبكي ، ولا تجعليه يحتاج إلى شيء.

التوقيع : السيد بيرل وايت.

قالت بإحباط : يا لحظي ، أردت حقاً مقابلة البيرل هذا ، ثمَ وضعت الرسالة في المكان الذي وجدتها فيه و حملت هاتفها لتتصل بصديقتها المقربة آمبر.

بعدما ردت قالت : اسمعي أنا الآن في بيت السيد وايت لأجالس طفلة ، إنه حقاً شخص غريب ، ولكن أظنُ بأنه مثير جداً ، لم تسنح لي الفرصة لرؤيته و لكن حتماً سأراه عندما يعود ، هيا بسرعة تعالي ،أحضري معك دريك السخيف أن شئت.

– لا ، لن أحضره معي ، لقد انفصلنا.

– اه ، أنا آسفة ، لست كذلك إنه وغد ولا أعرف لماذا تستمرين في مواعدة الأوغاد ،على كل حال سوف نتكلم في هذا الموضوع عندما تصلين ، لقد أرسلت لك العنوان في رسالة ، لا تتأخري .

– اسمعي ، لا أستطيع القدوم ، حالتي النفسية لا تسمح بذلك.

توقفت عندما قرأت الرسالة التي بعثتها لها بيث ، و قالت :  بيث ، هل أنت متأكدة من العنوان الذي أرسلته لي قبل قليل؟

– نعم ، بالتأكيد ، ما الأمر؟

– هذا عنوان عمتي صوفيا المتوفية .

– ربما أشتراه السيد بيرل ، هيا تعالي بسرعة و أحضري معك تلك اللعُبة أيضا لنمرح قليلاً.

قالت بغموض وكأنها تخاطب نفسها: لا أظنه اشتراه ، حسناً ، حسناً أنا قادمة.

استلقت بيث على الأريكة القديمة الطراز في غرفة المعيشة بعدما هيَأت جو اللَعب في انتظار آمبر.

حل الظلام ، وبعد لحظات وصلت آمبر وهي متأكدَة أن ذلك هو بيت عمتها التي قيل أنها توفيت ، فقد اختفت عن الوجود فجأة و فقدت الشرطة الأمل في إيجادها فأغلقت القضيَة و انتهى الموضوع تماماً ، جلست الفتاتان حول الطاولة التي كانت اللعبة فوقها ، وقبل بدء اللَعب قالت آمبر : أشعر أن هناك شيء غريب يحدث ، قالت بيث باستهزاء  نعم ، إنها الأرواح.

– انا اتكلم عن السيد بيرل وقصة شراء المنزل ، لماذا قد يرغب أحد بيتا قديما كهذا؟

– لا تنتقدي أذواق الآخرين ، آمبر : بالرغم من أنني أوافقك تماماً ، هذا المنزل مقزز جداً و قديم الطراز ، و لكن ما همنا نحن بمن يشتريه ؟ هيا لنعد للعب.

– اسمعي ، عندي فكرة أفضل ، لنكتشف المنزل ، لطالما كانت عمتي غامضة و تخبِئ الأسرار ، ما رأيك؟ لنصعد للعلية و نرى ماذا سنجد.

لم تحبذ بيث الفكرة كثيراً و لكن إصرار صديقتها جعلها توافق ، صعدت الفتاتان إلى العلية ، لقد كانت مظلمة جداً و كان فيها الكثير من الأشياء ، أشعلت آمبر شمعة و راحت تبحث في تلك الفوضى ، في الوقت التي كانت بيث فيه تتذمر من ذلك عند باب العلية: تباً لك يا آمبر إن هذا المكان مقرف جداً ، ماذا لو وجدنا حشرات ، آه يا إلهي ماذا لو كان هناك جرذان ؟ فقط التفكير بالأمر يجعل جلدي يقشعر و أشعر أنني سوف أتقيأ ، كان تركيز آمبر كله في الصندوق الخشبي الصغير الذي وجدته في كومة من الخردة ، انضمت إليها بيث بعدما استمدت الشجاعة الكافية للدخول، ثبتت آمبر الشمعة على الأرض و فتحت الصندوق ، كان فيه رسالة و دفتر ملاحظات صغير ، فتحتا الرسالة و كان مكتوب فيها بخط يد طفل صغير ، راحت آمبر تقرأها: عزيزتي صوفي، لقد عبرت لك بصدق عن حبي لك في الرسالة السابقة، ولكنَك رفضتني وذلك  جرحني في أعماقي، لا أستحق كل هذا الألم.

قاطعاً صوت بكاء ، قالت بيث: لابد أنه بيتر ،علي النزول لأطمئن عليه. فيما واصلت الأخرى القراءة: لا أستحق كل هذا الألم وكل ذنبي كان أنني أحببت جليستي ، و لكنني أعدك أنني سوف أجعلك تتألَمين أيضاً ، كما أوقفت هذا الشغف ، سوف أوقف حياتك ، مع حبي : بيرل.

استغربت من تلك الكلمات العميقة التي كُتبت بيد طفل صغير و ما أدهشها أكثر هو اسمه بيرل ! أليس هذا أسم صاحب المنزل ؟ قالت باستغراب شديد ! كما أوقفت هذا الشغف سوف أوقف حياتك ، ماذا كان يقصد هذا الولد من هذه العبارة ؟  أدخلت يدها في الظرف فوجدت صورة لفتاة جميلة بعمرها تقريباً ، يظهر أنها التقطت خفية منذ زمن ،عندما رأت الصورة اتسعت عيناها و قالت بصوت مرتجف : يا إلهي ، إنها العمَة صوفيا ، كانت صغيرة في هذه الصورة ،عمتي هي المعنية في الرسالة ، أيعقل أن يكون…” و قبل تنهي الكلام وقعت عيناها على الدفتر ، رفعته و ما كادت تفعل حتى سقطت منه خمسة صور فوتوغرافية لمراهقات تقريباً بنفس اللقطة ، وجه خائف ، فم مفتوح و كأنه يصرخ ، و عينان واسعتان ، كانت إحدى الصور لأوليفيا بيكر الفتاة المفقودة منذ شهر !

هلعت آمبر مما رأت و تغير لون وجهها ،ابيضت شفتيها ثم وضعت يديها على مقدِمة رأسها و قالت : إنه…إنه هو…يا إلهي…إنه هو…إنه هو…، ثم بدأت بالبكاء و كررت مجدداً : أنه هو …يا إلهي ما الذي سأفعله ؟! توقفت فجأة حينما تذكرت صديقتها ثم قالت: بيث ، عليَ أن أحذر بيث ، يا إلهي أرجو أن لا يكون الوقت قد فات ، و نزلت مسرعة نحو غرفة الرضيع.

كانت بيث قد وصلت لباب غرفة الرضيع عندما توقف صوت البكاء ، فتحت الباب و دخلت الغرفة متجهة نحوه ، اقتربت منه ثم مدت يداها لتزيل الغطاء ،غريب كيف أن والده غطى وجهه ، و عندما أزالت الغطاء اندهشت مما رأت ، كانت هناك وسادة موضوعة على شكل رضيع ، قلبها أصبح ينبض و عقلها توقف عن الاستيعاب و هي تفكر في تفسير للأمر ، فجأة سمعت الباب يُغلق من وراءها ، هنا تملك الخوف جسدها بالكامل و تغير لون وجهها ، ولكنها امتلكت من الشجاعة ما جعلها تستدير ، كان بيرل يقف هناك بتعابير وجه مريبة و ابتسامة مخيفة و كاميرا فوتوغرافية في يده ، قال: شكراً لاهتمامك ببيتر ، كم تريدين؟ ، لم ترد ووقفت جامدة تنظر إليه يتقدم نحوها ببطء ، ثم قال: ابتسمي للكاميرا فسقطت ميتة.

 

النهاية…

تاريخ النشر : 2018-04-20

Rachida.H

الجزائر
guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى