الرقم الأخير
تغير لون وجهها ،ابيضت شفتيها ثم وضعت يديها على مقدِمة رأسها |
حمل بيرل الهاتف وشكل الرقم الأخير المدوَن على نصف ورقة كان قد أخرجها من جيب سرواله، بدت كما لو أنَها ممزقة من كتاب ما ، و كان واضحاً من شكلها أنها اُستعملت أكثر من مرَة ، و لعل الأرقام الخمسة المشطبة التي كانت مدونة أعلى الرقم الأخير دليل على ذلك أيضاً ، ضغط على زر الاتصال و انتظر حتى يتم الرد ، و بعد حوالي ١٠ ثوان ردت فتاة يافعة و قد بدا ذلك واضحاً من صوتها : ألو… . قال بصوت رقيق أو بالأحرى تظاهر بذلك : نعم ، الآنسة بيث ؟ بعدما ردت بالإيجاب ، قال : أنت حاضنة أطفال أليس كذلك ؟ أنا السيد وايت ، بيرل وايت ، لدي موعد مهم اليوم و بودي لو يأتي أحد للاهتمام بطفلي هذا المساء ، أنا أب أعزب و أخشى أنني لا أستطيع أخذه معي إنه موعد رسمي ، لقد أخذت رقمك من عند جارتي ، آمل أنك لا تمانعين ذلك ، لم أترك بيتر لوحده من قبل ، لذلك مسألة ايجاد من يهتم به في غيابي أربكتني و حينما أخبرتني السيدة سميث عنك ارتحت كثيراً ، قاطعته بقولها: حسناً ، حسناً هذا المساء؟ بالتأكيد سوف أكون متوفرة ، العنوان لو سمحت ؟ أملى عليها العنوان و شكرها ثم أقفل الخط.
أطفأت بيث التلفاز الذي كان يبث فيه خبر هام و خطير عن اختفاء فتاة في السابعة عشر من العمر – أي في مثل عمرها تقريباً – منذ حوالي شهر ، بالتأكيد لم تكن بيث لتهتم لنشرة الأخبار أو للتلفاز حتى ، فقد شغَلته فقط لكي لا تشعر بالوحدة وهي تدردش مع صديقاتها ، ثم صعدت إلى غرفتها لتغير ثيابها و تضع بعض مساحيق التجميل : أب أعزب و صوته يبدو جذاب جداً ، أمر مثير! قالتها بابتسامة ماكرة و هي تضع أحمر الشفاه ، بعد أن استعرضت المكالمة بينهما في ذهنها قالت :غريب ،لا أتذكر أنني جالست أطفال سيدة تدعى السيدة سميث ، وهل يجب أن أتذكر كل الأشخاص الذين جالست أولادهم ؟ ثم عدلت شعرها بيدها ،حملت هاتفها و خرجت بعد وقت قصير وصلت إلى المنزل المطلوب ، كان منزلاً كبيراً من طابقين و علّية ، تحوطه أشجار عارية أغصانها ، موجود وسط حديقة كبيرة قد تمكنت الأعشاب الضارة منها ، وقد توزعت ست باقات أزهار على طول مساحتها بشكل متساوي تقريباً ،و قد كان البيت الوحيد المتواجد في تلك المنطقة النائية.
دقت الجرس ، وانتظرت السيد بيرل ليأتي و يفتح الباب و لكن لم يأتي أحد ، استغربت من الأمر وبعدما دقت مرات معدودة ، أدركت أن لا أحد بالمنزل فحاولت فتح الباب ، و بالفعل لقد وجدته مفتوحاً مما زاد استغرابها ، دخلت المنزل و هي تنظر فاحصةً المكان ، كان ساكناً جداً من الداخل بشكل يبعث في القلب الرهبة ، كان يقابل الباب الدرج و تحت الدرج باب صغير ، و من الجانب الأيمن كان هناك غرفة المعيشة ، و قد كانت الأنوار مضاءة بشكل خفيف . قالت : مرحبا … السيد وايت…هل أنت هنا ؟…أنا بيث لقد أرسلت بطلبي كي آتي لأجالس طفلك ، و لكن لم يرد أحد ، ارتابت من ذلك أكثر ، و قد قررت أن تعود من حيث جاءت قبل أن ترى تلك الرسالة التي كانت موضوعة فوق طاولة صغيرة في غرفة المعيشة ، حملتها لتقرأ ما فيها وكانت الرسالة تقول: أسف ، لقد اضطررت للذهاب أبكر قليلاً من الموعد المتفق عليه بيننا لقد كان ذلك مستعجلا ، تركت لك الباب مفتوحاً حتى تتمكني من الدخول ، لا تقلقي لم أتركه مفتوحاً لوقت طويل فلقد خرجت قبل قليل ، بيتر نائم في غرفته لا تذهبي لرؤيته إلا إذا سمعته يبكي ، ولا تجعليه يحتاج إلى شيء.
التوقيع : السيد بيرل وايت.
قالت بإحباط : يا لحظي ، أردت حقاً مقابلة البيرل هذا ، ثمَ وضعت الرسالة في المكان الذي وجدتها فيه و حملت هاتفها لتتصل بصديقتها المقربة آمبر.
بعدما ردت قالت : اسمعي أنا الآن في بيت السيد وايت لأجالس طفلة ، إنه حقاً شخص غريب ، ولكن أظنُ بأنه مثير جداً ، لم تسنح لي الفرصة لرؤيته و لكن حتماً سأراه عندما يعود ، هيا بسرعة تعالي ،أحضري معك دريك السخيف أن شئت.
– لا ، لن أحضره معي ، لقد انفصلنا.
– اه ، أنا آسفة ، لست كذلك إنه وغد ولا أعرف لماذا تستمرين في مواعدة الأوغاد ،على كل حال سوف نتكلم في هذا الموضوع عندما تصلين ، لقد أرسلت لك العنوان في رسالة ، لا تتأخري .
– اسمعي ، لا أستطيع القدوم ، حالتي النفسية لا تسمح بذلك.
توقفت عندما قرأت الرسالة التي بعثتها لها بيث ، و قالت : بيث ، هل أنت متأكدة من العنوان الذي أرسلته لي قبل قليل؟
– نعم ، بالتأكيد ، ما الأمر؟
– هذا عنوان عمتي صوفيا المتوفية .
– ربما أشتراه السيد بيرل ، هيا تعالي بسرعة و أحضري معك تلك اللعُبة أيضا لنمرح قليلاً.
قالت بغموض وكأنها تخاطب نفسها: لا أظنه اشتراه ، حسناً ، حسناً أنا قادمة.
استلقت بيث على الأريكة القديمة الطراز في غرفة المعيشة بعدما هيَأت جو اللَعب في انتظار آمبر.
حل الظلام ، وبعد لحظات وصلت آمبر وهي متأكدَة أن ذلك هو بيت عمتها التي قيل أنها توفيت ، فقد اختفت عن الوجود فجأة و فقدت الشرطة الأمل في إيجادها فأغلقت القضيَة و انتهى الموضوع تماماً ، جلست الفتاتان حول الطاولة التي كانت اللعبة فوقها ، وقبل بدء اللَعب قالت آمبر : أشعر أن هناك شيء غريب يحدث ، قالت بيث باستهزاء نعم ، إنها الأرواح.
– انا اتكلم عن السيد بيرل وقصة شراء المنزل ، لماذا قد يرغب أحد بيتا قديما كهذا؟
– لا تنتقدي أذواق الآخرين ، آمبر : بالرغم من أنني أوافقك تماماً ، هذا المنزل مقزز جداً و قديم الطراز ، و لكن ما همنا نحن بمن يشتريه ؟ هيا لنعد للعب.
– اسمعي ، عندي فكرة أفضل ، لنكتشف المنزل ، لطالما كانت عمتي غامضة و تخبِئ الأسرار ، ما رأيك؟ لنصعد للعلية و نرى ماذا سنجد.
لم تحبذ بيث الفكرة كثيراً و لكن إصرار صديقتها جعلها توافق ، صعدت الفتاتان إلى العلية ، لقد كانت مظلمة جداً و كان فيها الكثير من الأشياء ، أشعلت آمبر شمعة و راحت تبحث في تلك الفوضى ، في الوقت التي كانت بيث فيه تتذمر من ذلك عند باب العلية: تباً لك يا آمبر إن هذا المكان مقرف جداً ، ماذا لو وجدنا حشرات ، آه يا إلهي ماذا لو كان هناك جرذان ؟ فقط التفكير بالأمر يجعل جلدي يقشعر و أشعر أنني سوف أتقيأ ، كان تركيز آمبر كله في الصندوق الخشبي الصغير الذي وجدته في كومة من الخردة ، انضمت إليها بيث بعدما استمدت الشجاعة الكافية للدخول، ثبتت آمبر الشمعة على الأرض و فتحت الصندوق ، كان فيه رسالة و دفتر ملاحظات صغير ، فتحتا الرسالة و كان مكتوب فيها بخط يد طفل صغير ، راحت آمبر تقرأها: عزيزتي صوفي، لقد عبرت لك بصدق عن حبي لك في الرسالة السابقة، ولكنَك رفضتني وذلك جرحني في أعماقي، لا أستحق كل هذا الألم.
قاطعاً صوت بكاء ، قالت بيث: لابد أنه بيتر ،علي النزول لأطمئن عليه. فيما واصلت الأخرى القراءة: لا أستحق كل هذا الألم وكل ذنبي كان أنني أحببت جليستي ، و لكنني أعدك أنني سوف أجعلك تتألَمين أيضاً ، كما أوقفت هذا الشغف ، سوف أوقف حياتك ، مع حبي : بيرل.
استغربت من تلك الكلمات العميقة التي كُتبت بيد طفل صغير و ما أدهشها أكثر هو اسمه بيرل ! أليس هذا أسم صاحب المنزل ؟ قالت باستغراب شديد ! كما أوقفت هذا الشغف سوف أوقف حياتك ، ماذا كان يقصد هذا الولد من هذه العبارة ؟ أدخلت يدها في الظرف فوجدت صورة لفتاة جميلة بعمرها تقريباً ، يظهر أنها التقطت خفية منذ زمن ،عندما رأت الصورة اتسعت عيناها و قالت بصوت مرتجف : يا إلهي ، إنها العمَة صوفيا ، كانت صغيرة في هذه الصورة ،عمتي هي المعنية في الرسالة ، أيعقل أن يكون…” و قبل تنهي الكلام وقعت عيناها على الدفتر ، رفعته و ما كادت تفعل حتى سقطت منه خمسة صور فوتوغرافية لمراهقات تقريباً بنفس اللقطة ، وجه خائف ، فم مفتوح و كأنه يصرخ ، و عينان واسعتان ، كانت إحدى الصور لأوليفيا بيكر الفتاة المفقودة منذ شهر !
هلعت آمبر مما رأت و تغير لون وجهها ،ابيضت شفتيها ثم وضعت يديها على مقدِمة رأسها و قالت : إنه…إنه هو…يا إلهي…إنه هو…إنه هو…، ثم بدأت بالبكاء و كررت مجدداً : أنه هو …يا إلهي ما الذي سأفعله ؟! توقفت فجأة حينما تذكرت صديقتها ثم قالت: بيث ، عليَ أن أحذر بيث ، يا إلهي أرجو أن لا يكون الوقت قد فات ، و نزلت مسرعة نحو غرفة الرضيع.
كانت بيث قد وصلت لباب غرفة الرضيع عندما توقف صوت البكاء ، فتحت الباب و دخلت الغرفة متجهة نحوه ، اقتربت منه ثم مدت يداها لتزيل الغطاء ،غريب كيف أن والده غطى وجهه ، و عندما أزالت الغطاء اندهشت مما رأت ، كانت هناك وسادة موضوعة على شكل رضيع ، قلبها أصبح ينبض و عقلها توقف عن الاستيعاب و هي تفكر في تفسير للأمر ، فجأة سمعت الباب يُغلق من وراءها ، هنا تملك الخوف جسدها بالكامل و تغير لون وجهها ، ولكنها امتلكت من الشجاعة ما جعلها تستدير ، كان بيرل يقف هناك بتعابير وجه مريبة و ابتسامة مخيفة و كاميرا فوتوغرافية في يده ، قال: شكراً لاهتمامك ببيتر ، كم تريدين؟ ، لم ترد ووقفت جامدة تنظر إليه يتقدم نحوها ببطء ، ثم قال: ابتسمي للكاميرا فسقطت ميتة.
النهاية…
تاريخ النشر : 2018-04-20