أدب الرعب والعام

صوفي أحمر كلون الكرز

بقلم : Rachida.H – الجزائر
للتواصل : [email protected]

صوفي أحمر كلون الكرز
لقد عادت الدمية للانتقام منها لأنها كانت تعاملها بقسوة

 جاءت والدة آشلي لأخذها معها إلى المنزل ، لقد كانت المرة الأولى التي سوف تزور فيها آشلي منزلها ، فقد اعتادت العيش عند خالتها هلين منذ أن كانت طفلة رضيعة – بعدما اضطرّت والدتها لتركها عندها بسبب عملها – كانت تأتي لزيارتها كل يوم و لكنها لم تكن تأخذها معها إلى المنزل و قد شعرت أنها تقصّر في حق صغيرتها الأمر الذي جعلها تأخذ إجازة و تهتم بها و تعوّضها عن جميع الأربع سنين السابقة

كانت تحمل هدية في يدها ، كانت الهدية لآشلي ثم اقتربت منها و جلست على ركبتيها حتى تكون في نفس طولها تقريباً ثم أدخلت يدها داخل كيس الهدية لتخرج منه دمية ، قدمتها بيتي لها بابتسامة و قالت: أنظري ماذا أحضرت لك عزيزتي ، إنها دمية صوفي ، أختك لوسي من اختارتها لك و هي من سمتها أيضاً ، حملت آشلي الدمية بين يديها الصغيرتان وبقيت تنظر إليها بإعجاب ، لقد كانت دمية جميلة ذات شعر بني لامع و فستان أحمر جميل كفستان الأميرات و تعتمر قبعة ، قالت بيتي : آمله أن تنال أعجابها :  هل أعجبتك ؟ هزّت آشلي رأسها أي نعم وهي لاتزال تنظر إلى الدمية ، بعدما لبست و تحضّرت – وقد أصرّت أن تلبس فستاناً بلون الكرز كلون فستان صوفي – حملت آشلي الحقيبة التي فيها أقلام وكتب التلوين خاصتها على ظهرها و صوفي على ذراعيها ، أما حقيبة ثيابها فقد حملتها عنها والدتها ثم دخلا للسيارة.

كانت آشلي طوال الطريق تحدق بصوفي فتمسح على شعرها و تعدل لها فستانها الذي هو بلون الكرز كما قالت ، ثم تذهب لتعدّل فستانها و أحياناً تقارنه بفستان الدمية و قد كانت والدتها من وقت لآخر تنظر إليها من مرآة السيّارة و تبتسم ، بعدما وصلا إلى المنزل رحّب بها والدها و أختاها لوسي ذات الأربعة عشر سنة و ليزا ذات العشر سنوات ثم دلّاها على غرفتها التي سوف تشاركها مع أختيها ، لقد أعجبت آشلي بالغرفة كثيراً فقد كانت واسعة و كان فيها ألعاب و طاولة صغيرة لحفلات الشاي و سرير بغطاء ذات رسوم فراشات و كم كانت آشلي تحب الفراشات ، تركاها لتختارها وحدها لترتاح و أخبراها أنه منزلها أيضاً و عليها الشعور بالحرية و الراحة التامتان فيه .

كانت آشلي تحب البقاء مع صوفي طوال اليوم فتمشط لها شعرها و تخيط لها ثياباً من القماش المخرّم الأنيق و تُنظم حفلات الشاي معها و أحيانا تَنظم إليها والدتها و في أحيان أخرى أختيها بعد العودة من المدرسة ، ولكنها كانت تمضي معظم الوقت وحدها مع صوفي .

في احدى الأمسيات دخلت لوسي مناديه آشلي لتناول العشاء و قد صدمت بما رأتها تفعل اقتربت منها بهدوء ثم قالت : عزيزتي ، ما الذي تفعلينه ؟، لقد كانت تجلس مقابل المرآة و تضع مساحيق التجميل الخاصة بأختها ، استدارت لها و قالت:

– أريد أن أصبح جميلة.

– ولكن عزيزتي أنت جميلة بالفعل.

– لست جميلة مثل صوفي.

و أشارت بأصبعها للدمية التي كانت تجاس فوق السرير ثم قالت مجدداً : أريد أن أصبح جميلة من صوفي.

ارتابت لوسي من الأمر و لم تعرف ماذا عساها تقول ثم جلست على ركبتيها و أمسكتها من كتفيها و قالت: و لكن عزيزتي إنها مجرد دمية ، و هكذا هي الدمى تصنع لتصبح جميلة و تثير أعجاب الفتيات الصغيرات ، و لكنه جمال اصطناعي غير حقيقي عكس جمالنا نحن عزيزتي.

– إذاً لماذا تتبرجين يا لوسي ؟

نظرت إليها لوسي بعينين متسعتين غير قادرة على الإجابة ، وقالت آشلي مجدداً : ألا يجعل ذلك من جمالك اصطناعي أيضاً ؟ ابتسمت لوسي و قد اغرورقت عيناها بالدموع ، ثم أمسكت يدي آشلي و قبلتهما ثم قالت: عندما تكبرين سوف تصادفين حمقى يجعلونك تعتقدين أنك لست كافية و لهذا الاعتقاد سحر يجعلك تفعلين أموراً سيئة بنفسك ، بما فيها التبرج و لكنني لن أسمح لهم بفعل نفس الشيء معك ، ثم قالت و هي تمسح الدموع من عينيها: هيا عزيزتي لننزل ، العشاء جاهز ، و نزلت الأختان لتناول العشاء.

و مع صوفي كانت آشلي تقضي معظم وقتها و لم تكن تترك رفقتها أبداً وسرعان ما كانت العلاقة بينهما تكبر لتصبح معقدة أكثر ، لم تعد آشلي تقضي وقتها مع الدمية لتلاعبها و لكن لتبقى تنظر إليها بشكل مريب ، سواء كانت آشلي في الغرفة أو في الحديقة الخلفية للمنزل ، تجلس مقابلها و تصفن فيها حتى إنها كانت تتخذ وضعية جلوس الدمية و تبقى على تلك السيرة النهار بطوله و هي تلبس فستانها الأحمر بلون الكرز ، وقد توقفت مؤخراً عن الكلام مما أثار قلق الجميع ، جاءت إليها ليزا عندما كانت تجلس في الحديقة قصد اللعب معها فقالت :

– هل تريدين لعب الغمّيضة يا آشلي؟

لم تجبها آشلي واكتفت بالصمت ، بل إنها لم تنظر إليها حتى ، تعجّبت ليزا من الأمر و قالت مجدداً: حسناً ، ما رأيك بالقفز على الحبل ؟ أو التمثيل ؟

لم تجبها آشلي هذه المرة أيضاً ، نظرت إليها ليزا ثم جلست مقابلها بجانب صوفي و قالت : هل أنت غاضبة مني يا آشلي ؟هل أذيتك ؟ أنا آسفة إن كنت آذيتك بأي شيء ، أنا أحبّك و أحب اللّعب معك أيضاً ، لماذا لا تتكلمين معي ؟

وجهت آشلي نظرها من صوفي نحو ليزا و قالت : لا يجدر بك أن تلعبي معي ، بل أن تلاعبيني ، فأنا دمية مثل صوفي ، لا يجدر بي اللعب معك أيضاً ، فالدمى لا تلعب مع البشر ، و الدمى أيضاً جميلات جداً ، ولا يجدر بهم التحدّث أو الأكل .

ومن الصدمة ذهبت ليزا لأمها جارية لتروي لها ما حدث معها وعن كل الكلام الذي لا منطق فيه الذي قالته آشلي وأكيد ما كانت الأم لتصدق إلا عندما ترى ذلك بنفسها ، فقامت بمناداتها عدة مرات و لكنها لم تلبي النداء رغم سماعها له الأمر ، الذي أضطر بيتي للذهاب إليها و الاستفسار لأنها بدأت تشك في أن ما قالته ليزا قد يكون صحيحاً.

– آشلي ألم تسمعيني أناديك ؟ هيا تعالي معي عزيزتي الغذاء جاهز ، لقد طبخت اليوم معكرونة بالجبن سوف تنال إعجابك بكل تأكيد كما ، أنني حضرت لك عصيراً طازجاً من الكرز أعلم كم تحبينه ، و الأن هيا قبل أن تبرد المعكرونة ، لا يصبح طعمها لذيذا عندما تبرد.

كذلك الذي يكلم صخرة أو ربما جداراً ، فلم تحرك آشلي ساكناً و لم تنطق بحرف واحد ، جعل ذلك بيتي تفقد صبرها فقامت بإمساكها بشدة من كتفيها و أدارتها ثم قالت و هي تقوم بهزها: آشلي ، ألم تسمعيني أناديك ؟ آشلي ، آشلي ، تكلمي.

ثم ضمّتها بشدّة إلى صدرها و قد اغرورقت عيناها بالدموع وهي تفعل ذلك ، وقع نظرها على الدمية و تذكرت ما قالته ليزا لها ، فتقرر اجتماع لدرس حالة آشلي و ما يمكن فعله بشأن ذلك ، ما حصل لآشلي لأمر غريب و غامض أيضاً ، لم تكن حالتها حالة عادية حتى إن الأمر لم يكن يتعلق بالدمية و إنما بآشلي نفسها ، فقد تعلقت بها جداً و كان أعجابها و افتتانها بها واضحان جداً في عيني آشلي ، تمنت آشلي أن تكون الدمية لأنها كانت فاتنة ، فالأمر كله كان سببه إعجابها بالدمية.

في المساء اجتمع الجميع في غرفة المعيشة و قد كانت آشلي معهم أيضاً فلم يريدوا أن يتركوها مع صوفي لوحدهما مرة أخرى، و رأوا أنه لا ضير في الكلام و هي موجودة – فبعد كل شيء المسألة متعلقة بها – قالت بيتي: علينا أبعاد الدمية عنها و إلا سوف تزداد سوءاً إن بقيت معها ، فهي تأبى الأكل و الشرب ، لا أريد خسارة أبنتي بعدما استعدتها .

قال داني والد آشلي : لا أعتقد أن أبعاد صوفي عن آشلي هي فكرة سديدة ، قالت لوسي : أتفق مع أبي ، لن يزيد ذلك آشلي إلا سوءاً.

قالت بيتي بنفاذ صبر: ماذا تقترحين إذاً ؟ هل أترك أبنتي على هذه الحال و أراقبها تتداعى ؟ يجب أن نتخلص من الدمية ، أعرف أن ذلك سوف يعيد آشلي لرشدها .

قالت لوسي بنبرة حادة : ما الذي تعرفينه عن آشلي ماما ؟ فأنت لم تكوني قريبة منها يوماً ، لم تقومي برعايتها يوماً ، كل ما قدمته لها ولنا_ هو عملك المهم الذي لا تجدين فيه الوقت كي تأتي لتطمئني على أبنتك التي تتعرض للتنمر كل يوم بسبب بشاعة وجهها أو تطلعي ما إذا كانت ليزا تحتاج لحل مسألة ما أو ما إذا كانت حلّت كل واجباتها المدرسية أم لا ، و تدعين أنك تعرفين ، لا يا أمي ، أنت لا تعريفين ، لا تعرفين أي شيء ، ثم صعدت لغرفتها و لحقت بها ليزا ، التفتت بيتي لزوجها و عيناها مملوءة بالدموع التي تنتظر ضمة داني لتنهمر على صدره.

– بناتي يكرهنني يا داني.

– كفاك بيتي ، قال ذلك في نوبة غضب : و تعلمين أنها لم تقصد شيئاً مما قالته.

–  بل كانت تقصد كل كلمة قالتها ، ما يقوله المرء عند الغضب عادة ما يكون الحقيقة ، وما قالته لوسي صحيح ، أنا أم فاشلة يا داني ، وزوجة فاشلة أيضاً ، صحيح أنني نجحت في تطوير عملي و لكنني فشلت في ما هو أهم ، فشلت في الاعتناء بأسرتي و شغلني العمل عنكم ، أدركت ذلك الآن ، أنا آسفة داني.

– صه ، توقفي عن قول أمور غير صحيحة ، لا أعرف بشأن الأمور الأخرى و لكنك أروع زوجة قد يحظى الرجل بها يا بيتي ، أصدقك القول أنك من جعلت حياتي أفضل و يجب أن تعلمي أنك لم تكوني يوماً زوجة فاشلة و لا أماً فاشلة ، أيضاً لوسي تمر بوقت عصيب على ما يبدو و ذلك يؤثر فعلى عواطفها فحسب .

– هل كنت تعلم بشأن التنمر؟

– لا.

مرت لحظة صمت ثم قالت بيتي عندما وقعت عيناها على آشلي:

– كان من المفروض أن أخذ إجازة لأعتني بها ، ولكنني جعلت الأمر أسوأ ، كل شيء حدث بسببي فأنا من أهديت الدمية لها و أنا من تركتها معظم الوقت معها ، يا إلهي أبنتي تتعرض للتنمر و أنا لا فكرة لدي حتى ، و أبنتي الأخرى تقلّد دمية و تأبى الكلام أو الأكل ، كان علي أن أتركها عند هلين ، لطالما اعتبرتها والدتها على كل حال .

– هذا هو ، علينا أن نعيدها لها ، فقد كانت آشلي تقضي معظم وقتها داخل المنزل هنا لأنه لم يكن هنالك أصدقاء تلعب معهم إلا ليزا في عطلة الأسبوع أو بعد الدوام ، لهذا كانت طوال الوقت برفقة صوفي ، ولكن إن عادت للعيش مع هلين مجدداً فسيكون ذلك جيداً لحالتها ، سوف تخرج للعب مع صديقاتها هناك و لن تقضي الكثير من الوقت مع الدمية و هي مسألة وقت حتى تعود كما كانت .

بدت الفكرة لبيتي أنها فكرة تستحق المحاولة فقبلت بأن تعود آشلي عند خالتها ريثما تنسى موضوع صوفي على الأقل ، ثم صعدت لكي تتكلم مع لوسي و تعتذر لها على كل ما سبّبته لها من أذى عاطفي .

خرجت آشلي لتلعب بعدما عادت عند خالتها و قد بدأت على الأقل في الأكل و العب في الخارج و لكنها لم تترك صوفي تماماً ، فقد كانت تخرجها للعب معها و في أثناء لعبها مع صديقتها و قد كانت صوفي معهما أيضا ، مرت عليهما فتاة في نفس عمرهما تقريباً ، كان واضح من وجه الفتاة و هي تنظر لصوفي أنها أعجبتها و لا أعلم ما الدافع الذي جعلها تقول هذا لآشلي: أعرف فتاة كانت تملك نفس هذه الدمية ، أتعلمين ماذا حدث لها بعد ذلك ؟ لقد عادت الدمية للانتقام منها لأنها كانت تعاملها بقسوة ، لعل دميتك سوف تعود للانتقام أيضاً ،عليك التخلّص منها.

و هربت مسرعة من دون إضافة أمر آخر ، الأمر الغريب هو أن آشلي لم تعامل صوفي بقسوة يوماً ، و كل ما فعلته هو أنها كانت تعتني بها فتمشط شعرها و تخيط لها الثياب و تقوم بإطعامها و أحياناً تقلدها ، إلا أنها صدّقت كلام الفتاة و طلبت التخلص من صوفي و عدم رؤيتها ثانية.

تاريخ النشر : 2018-05-29

Rachida.H

الجزائر
guest
22 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى