أدب الرعب والعام

معلمة اللغة الإنجليزية

بقلم : تامر محمد – وحوش الأهرام المصرية
للتواصل : https://www.facebook.com/baheb.namera

كانت معلمة اللغة الإنجليزية امرأة في الثلاثينات من عمرها ، مع وجهٍ حامٍ

لقد انتهت العطلة الصيفية و رفعت شراعها إيذاناً منها ببداية العام الدراسي الجديد في الجمهورية المصرية .. كانت هناك فتاة صغيرة في المنصورة لم ترغب بالذهاب إلى المدرسة .. كان اسمها “خلود” ، لكن صديقاتها يدعونها ب”خوخا” .. على الرغم من أنها لم تكن أفضل طالبة في فصلها ، إلا أنها تمكنت من الحصول على درجات جيدة كما أنها تستمتع بالتعلم و معرفة أشياء جديدة .. لم تكن تكره الواجبات الدراسية ، و لكن الممقوت هنا هم المعلمين فهي لا تطيق رؤيتهم و لو لثانية ..

لم تتمالك الفتاة الصغيرة نفسها و لم تستطع كبح جماح فرس البغض الذي يستشري بداخلها ، ففي العام السابق ، بدت دائمًا متورطة في مشاكل مع المعلمين في المدرسة .. في كل أسبوع ، لابد و أن يحدث شيء ما يجعلها محط غضب و إحباط مدرسيها .. وغالباً ما يجبرونها على الوقوف في مقدمة الفصل رافعةً يديها للأعلى ، و يعطونها مئات الأسطر لتكتبها أو معاقبتها بواجبات إضافية .. أصبحت “خوخا” تخشى التفكير في الذهاب إلى المدرسة ، وكان قلقها كله من أن يكون هذا العام أسوأ من العام الذي مضى ..

عندما وصلت صاحبتنا إلى المدرسة ، في اليوم الأول ، فوجئت بوجود مدرسة جديدة في حصة اللغة الإنجليزية .. كانت معلمة اللغة الإنجليزية امرأة في الثلاثينات من عمرها ، مع وجهٍ حامٍ .. كان شعرها البني الفاتح مربوط بالكعكة في مؤخر شعرها و كان لديها شامة على شفتها العليا .. تأمل “خوخا” أن تكون هذة المعلمة مختلفة عن الباقيات ..

بعد تناول طعام الإفطار يوم الأحد ، و بينما كانت ذاهبة إلى المدرسة ، أسقطت “خلود” كتبها في الردهة .. عندما كانت عازمة على التقاطها ، لاحظت أن بواب المدرسة كان يحدق في ساقيها و يلعق شفتيه .. عندها رمقته بنظرة استهجان و سحبت تنورتها إلى ركبتيها ..

“رجل عجوز قبيح” ، تقولها و هي تتمتم بأنفاسها ..

في وقتٍ لاحق على ذلك اليوم ، كانت “خلود” جالسةً في الفصل الدراسي ، وكانت تستمع إلى مدرسة اللغة الإنجليزية حول قواعد اللغة و علامات الترقيم ، عندما رفعت فتاة اسمها “ندى” يدها .. توقفت المعلمة في منتصف الجملة و أشارت إلى الفتاة ..

“ندى ، هل لديكِ أي سؤال؟” تسألها المعلمة ..

ترد “ندى” قائلةً “أجل يا آنسة ، لماذا تتغير الشامات الخاصة بك؟” ..

بدت المعلمة مرتبكة فجأة و مضطربة ..

فتسألها المعلمة “عن ماذا تتحدثين؟” ..

“الشامة على وجهك” ، و تردف ندى حديثها قائلةً .. “إنها تتغير .. يوم الاثنين الماضي ، كان لديك شامة واحدة ، و لكن يومي الثلاثاء و الأربعاء كان لديك ثلاثة .. الآن عادت إلى واحدةٍ مرة أخرى .. “

لم تلبث “ندى” أن أكملت كلامها حتى بدأت الطالبات في الصف بالضحك .. بسبب ذلك السؤال الطائش و الغريب ..

” لابد أن عيناكِ تخاتلك(تخدعك)” ، أجابت المعلمة بغضب .. “كما ترون بوضوح ، لديّ خال واحد على وجهي .. الآن ، إذا لم يكن لديكِ أي شيء مناسب لتقولينه ، سأكون ممتنة لكي إذا كنت ستمتنعين عن تعطيل الحصة و إبقاء فمك الأبله هذا مغلقاً .. “

خلال الفترة المتبقية من ذلك اليوم ، لاحظت “خلود” أن مدرسة اللغة الإنجليزية ظلت تحدق في “ندى” .. بدا على وجهها الغضب العارم و كان شرر الكراهية يقدح من عينيها .. في نهاية اليوم الدراسي ، و بينما كانت الطالبات الأخريات يغادرن ، اتصلت المعلمة بـ”ندى” و أخبرتها بأنها تريد التحدث معها .. شعرت “خلود” بالارتياح لأن هذه المرة ، لم تكن هي التي تواجه المتاعب وحدها ..

صباح يوم الأربعاء ، عندما وصلت “خلود” إلى المدرسة ، لاحظت وجود مكتب فارغ في الفصل .. كانت “ندى” غائبة .. في الواقع ، لم تحضر إلى المدرسة في اليوم التالي ، أو بعد يوم من ذلك باختصار لم يرها أحد منذ لقائها مع المعلمة .. بدأت “خلود” تتساءل عما حدث لها ، و عندما سألت الطالبات من حولها ، أجبن بعدم معرفتهم لما حصل لها ..

شيء آخر كان يزعج “خلود” .. أنه عندما بدأت تولي اهتمامًا أكبر لمظاهر مدرسة اللغة الإنجليزية ، حيث أدرجت ملاحظات مفصلة في الجزء الخلفي من كتابها كل يوم ، لاحظت شيئًا غريبًا جدًا ..

كانت شامة المعلمة بالفعل تتغير ..

لم يكن هناك شك في ذلك .. يوم الإثنين ، كانت لديها شامة واحدة ، و لكن يوم الثلاثاء ، كانت لديها اثنتين .. و بحلول يوم الأربعاء ، عادت إلى خال واحد .. لكن ذاك لم يكن كل شيء .. عندما استجوبت “خلود” ملاحظاتها ، وجدت أن المعلمة كانت تضع ، يوم الإثنين ، ضمادة على أصبعها الصغير .. بينما يوم الثلاثاء ، لا تراها ، و لكن بحلول يوم الأربعاء ، كانت قد عادت ..

كان يساور “خلود” الشك بأن هناك شيء ما يحدث ..

في ذلك المساء ، بعد الانتهاء من المدرسة ، قررت أن تَتَتَبَّع معلمتها و تعرف المكان الذي تعيش فيه .. فأطلقت سراح دراجتها و فتحت القفل و أخذت تحوم بالدراجة حول المبنى عدة مرات ، حتى رأت سيارة معلمتها تنطلق من موقف السيارات في المدرسة .. تعقبت “خلود” السيارة ، وتأكدت من أنها تبعد عنها بمسافة ليست بالصغيرة حتى لا تنتبه المعلمة أن هناك أحداً يراقبها ، إلى أن وصلتا إلى مبنى سكني صغير في ضاحية المدينة ..

أوقفت المعلمة سيارتها خارج المبنى المتهدم(الخَرِب) ، ثم صعدت درجات السلالم بسرعة الريح و اختفت عند الباب الأمامي .. ثم قامت “خلود” بربط دراجتها بعمود الإنارة و كانت على وشك صعود الدرج ، عندما شاهدت المعلمة تخرج مرة أخرى حاملةً كيسًا بلاستيكيًا كبيرًا أسود في يدها .. اختبأت الفتاة بسرعة تحت الدرج و أخذت تنتظر حتى تنزل المدرسة ، ثم ذهبت المعلمة إلى مكب النفايات وراء الشقة لتفريغ القمامة ..

قالت “خلود” : “هذه هي فرصتي” ..

استجمعت الفتاة شجاعتها ، و ركضت فندست(انزلقت) من خلال الباب المفتوح قبل أن تعود المعلمة ..

ثم وجدت نفسها واقفة في مطبخ شقة صغيرة .. و نظرت حولها ، فصدمت لرؤية امرأة تجلس على طاولة المطبخ و ظهرها مواجه لها .. من الخلف ، بدت المرأة تماماً مثل معلمتها ..

و فجأة سمعت صوت مقبض الباب الأمامي و هو يُفْتَح .. و عند النظر من حافة الشقة الصغيرة ، أدركت أن مدرستها عادت .. كان لدى “خلود” المزيد من الوقت لتتسلق إحدى خزائن المطبخ و تتواري عن الأنظار قبل أن تراها المرأة ..

كانت الفتاة الصغيرة تجلس في الخزانة ، خشيةً أن يصدر منها صوتًا يفسد عليها الأمر ، ثم بدأت تسمع السيدتان و هما تتحدثان إلى بعضهما البعض في نبرات هادئة .. ثم سمعت خطى و كأن أحدهم يقترب و صوت امرأة أخرى دخلت المطبخ ..

و من خلال التطلع عبر شرائح باب الخزانة ، يمكن ل”خلود” أن ترى كل شيء بشكل واضح .. كن هناك ثلاث نساء جالسات على طاولة المطبخ .. بالكاد تصدق عينيها ذلك .. كان الموقف صادماً جدًا و لم يكن وارداً في حسبان صاحبتنا .. كلهن كن متطابقات ..

أخذت الأفكار تأخذ مكانها في عقلها .. “بالتاكيد! كل ذلك صار منطقيٌ الآن .. لهذا السبب يضحى مظهر المعلمة متغيراً .. لابد أن هؤلاء الثلاثة يعملن في المدرسة في أيام مختلفة ، كلهن يتظاهرن بأنهن امرأةً واحدة .. هذا جنون!” قالتها “خلود” باستغراب ..

عندها فقط ، رأت “خلود” رجلاً يدخل إلى المطبخ .. كان بواب المدرسة .. ، فوقفت النساء ، واحدةً تلو الأخرى ، و احتضنته و قبلته على الشفاه ..

“يا للهول ،” تفكر “خلود” .. “إنهن جميعاً متزوجات من رجلٍ واحد ..! “

“ماذا تحب أن تتناول على العشاء الليلة يا عزيزي ؟” سألته إحدى المعلمات ..

أجاب البواب قائلاً “أتناول ما تناولته الليلة الماضية ،” ..

سألته المعلمة “الثدي أم الفخذ؟”

قال الرجل العجوز المليء بالزغب هذا ، وهو يلعق شفتيه “أريد فخذاً أنيقاً ، و غضٍ ” ..

واحدة من النساء فتحت باب الثلاجة و كادت عينا “خلود” أن تخرجا من تجويفهما .. كان عليها أن تغطي فمها بملصق لتكبت صراخها ..

و بينما تفتح السيدة الثلاجة تتفاجأ “خلود” بأن من فيها هي جثة زميلتها التي ذهبت في عداد المفقودين ، “ندى” .. تم تجميد شعرها فأصبح متيبساً و جاسئ و كُسِيَت حواجبها و رموشها بالصقيع .. و كان هناك كتلة ثلجية مدلاة تتدلى من أنفها .. و قد تم تمزيق كل من ذراعيها و أحد ساقيها ..

ثم ، من زاوية عينها ، رأت “خلود” البواب يجلس فجأة مستقيماً في مقعده .. كان رأسه مستلقياً بطريقة غريبة بينما كان يمسك أنفه و بدأ يشم الروائح مثل الكلب ..

“أنا أشتم شيء ما !” قالها و هو يبتسم بخبث .. “أعلم لمن هذه الرائحة الكريهة! إنها رائحة فتاة صغيرة! ” ..

نهض الأربعة جميعهم و بدأوا بالبحث في المطبخ ، مع النظر تحت الطاولات و رمي الخزانات المفتوحة .. لقد حوصرت “خلود” في مكان اختبائها ، و ارتجفت من الخوف عندما استمعت إليهم و هم يستنشقون و يشربون مثل الحيوانات ، في محاولة منهم للأسر برائحتها ..

و فجأة ، تم فتح أبواب خزانة الملابس و رأت بواب المدرسة يقف هناك ، و تحيط به زوجاته الثلاث .. ثم سال لعابه من فمه و هو يحدق في ساقيها العاريتين ..

صرخ و هو يضرب صدره بقبضته و يدوي مثل الذئب: “لحمٌ طازج!”

“لحمٌ طازج! لحمٌ طازج! ” رددتها النساء .. ثم بدأن بالنخر مثل الخنازير و بدأن بالقفز حول المطبخ على أربع مثل القرود المجنونة ..

قام بواب المدرسة بإمساك “خلود” من شعرها ، و سحبها من الخزانة و صارعها على الأرض .. و حاولت قتاله ، لكنه تسلق فوقها و ضغط على كتفيها بركبتيه .. ثم فتح فمه المتغضن(المجعد) و الواسع ، و كشف عن أسنانه الملتوية و المشوهة .. و اللعاب يقطر من شفتيه و يتناثر على وجه “خلود” ..

و في حالة من الرعب صرخت الفتاة و أغلقت عينيها ..

يوم الإثنين التالي ، في المدرسة ، لاحظت زميلات “خلود” أنها مفقودة .. لأنها لم تحضر إلى الصف في اليوم التالي ، أو في اليوم التالي له ، بدأن يتساءلن ، و لكن لا أحد لديه أي فكرة عما حدث لها .. حتى أنهن لم يستطعن التخمين بالمكروه الذي أصابها ، و بينما كن يجلسن و هن يستمعن إلى مدرسة الإنجليزية المملة ، حول الأفعال و الأسماء و الضمائر ، كانت جثة “خلود” المجمدة معلقة في خزانة اللحوم في شقة المعلمة و كانت أطرافها المقطوعة في وعاء ، يجيش ببطء على الموقد …
 

تاريخ النشر : 2018-06-13

guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى