أدب الرعب والعام

أختي الصغيرة

بقلم : تامر محمد – وحوش الأهرام المصرية
للتواصل : https://www.facebook.com/baheb.namera

أختي الصغيرة
رأيتها خارج نافذتي في الليل ، تخدش الزجاج

كانت أختي الصغيرة في السابعة من عمرها عندما قُتلت .. وجدناها ملقاةً في حفرة .. كان الوقت متأخراً و المطر ينهمر بغزارة ، حتى أنه غسل الدم من على جلدها الأبيض الباهت .. و تم تمزيق حنجرتها .. كانت عيناها لاتزال مفتوحة و تحدق بهدوء في السماء رغم سقوط المطر عليها..

لم تعرف الشرطة من قتلها .. لقد دفنوها في المقبرة ، و تلك المقبرة ليست ببعيدة عن منزلنا .. في الجنازة ، ضمني أبي إلى صدره بشدة .. كانت الدموع تنهمر على وجنتي .. لم تتمكن أمي من القدوم .. بسبب مرضها ..

في ذلك الوقت ، كنا جميعاً نعيش معاً .. كنا كُثُر منا أمي و أبي ، عمي و عمتي ، و أبناء عمومتي الثلاثة ، و أختي أيضاً ..

لم يمضِ وقت طويل بعد الجنازة ، عادت أختي! .. رأيتها خارج نافذتي في الليل ، تخدش الزجاج .. كانت عيناها كمقابس جوفاء ، و خدها غارق في الدموع و شعرها متلبد بالوحل .. شفتيها الرقيقة مسحوبة من أسنانها في عرضٍ لابتسامتها الغثة(المريضة) و المنحرفة الصحة هذه .. في كل ليلة ، تقف هناك تحت المطر ، تخدش النافذة ، تتوسل بصمت لربما يُسمح لها بالدخول ..

أخيراً ، لم أستطع تحمل أكثر من هذا .. فتحت لها النافذة ثم تنملت (تقدمت ببطء) إلى الداخل .. و يبدو أن رائحة القبر الكريهة لم تفارقها إذ أنها كانت تنفثها .. كانت يدها باردة عندما لمستها .. إنه البرد القاتل .. لم تتكلم و لم تتفوه بكلمة واحدة .. إنها فقط تقف في الزاوية و تشاهدني و أنا نائم .. عندما استيقظت في الصباح ، ذَهَبَت .. كل ما تبقى كانت تلك المسارات الموحلة على أرضية غرفة النوم ..

ذات ليلة ، بدا لي أنها تحاول إخباري بشيءٍ ما .. إذ أنها كانت تشير إلى صورة عمي .. ثم أمسكت بذراعي فشعرت بأني كُسِيت بالثلج .. لم أستطع فهم ما كانت تحاول قوله .. لكن فجأة أُصِبت بالقشعريرة .. أدركت أن عمي تورط بطريقةً ما في وفاتها .. و حينها ازدادت مخاوفي تجاه عمي ..

بعد ذلك ، يبدو أن الأمور سارت في نصابها الصحيح .. فهمت لماذا ظلت أختي حبيسة العالم الأرضي أختي تعود يا سادة .. تريد الانتقام .. أرادت أن يدفع عمي ثمن فعلته غالياً ..

في أحد الأيام المطيرة ، أخذني عمي للنزهة على طول المنحدرات .. توقف عند الحافة وحدق في البحر .. كان العشب مبللاً و زلقاً .. في اللحظة التي أدار لي ظهره ، انتهزت هذه الفرصة .. جمعت كل قوتي و ركلته في ظهره .. مازلت أتذكر التعبير على وجهه وهو يلف و يلتفت ، يحاول يائساً استعادة توازنه .. لكن لا فائدة .. إنه يتداعى للسقوط من على الحافة ..

ثم ذهبت إلى الحافة و اطلعت على عمي .. وجدت جسده طريح الصخور المتعرجة في الأسفل ، تشابك ذراعيه وساقيه بطريقة غريبة .. تحطمت جمجمته و كسرت رقبته .. و رأيت دماءً حمراءً زاهية تتساقط على الحجارة .. عندما أتت الشرطة ، تظاهرت بالبكاء .. قلت لهم إنه انزلق و ليس لديهم سبب للشك في .. بعد كل شيء ، أظل مجرد طفل ..

في تلك الليلة ، أراد والداي أن أنام في غرفتهما .. قلت لهما أنني أريد أن أكون وحدي .. والدي كان منهاراً بسبب وفاة شقيقه .. لم يكن لدي قلب لأقول له الحقيقة .. انتظرت أختي ، لكنها لم تأتِ .. قبل أن أخلد للنوم ، تركت النافذة مفتوحة ..

في منتصف الليل ، استيقظت على صوت صراخ .. فوجدت أختي راكعة على أرضية غرفة النوم .. كانت تتلوى من شدة الألم و الخدوش جمة في وجهها .. كانت أختي مثل الركام .. كان وجهها دمويًا و كانت بشرتها شاحبة ..

“ماذا فعلت؟” صاحت في مراراً و تكراراً ..

كنت خائفاً للغاية ، لم أستطع الحراك .. و أنا أشاهدها ، تصرخ ، تتنهد و تمزق لحمها بأصابعها الدموية ثم تبتلعه .. و لا بد لي من ظلام دامس .. إذ عندما استيقظت ، كانت قد ذَهَبَت ..

لم أفهم أبداً ما الشيء الفظيع الذي فعلته لأختي الصغيرة ، حتى ذهبنا إلى المقبرة بسبب جنازة عمي ..

قاموا بدفن عمي في نفس قبرها ..

و لم تعد لي أختي من يومها …

تاريخ النشر : 2018-06-25

guest
31 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى