أدب الرعب والعام

ماذا لو كان ذلك حقيقة

بقلم : سوسن – أرض الأحلام

هل سينجح ذلك هذه المرة؟!

أليست هي نفس الفتاة؟؟ نعم إنها هي..

غير الزمان ملامح وجهها الفاتن مضيفاً صبغة أخرى عليه لطالما رسمها الدهر على محيا كل إمرأة .. تجاعيد خفيفة عبارة عن خطين غير بارزين جليين ينحدران من جهتي أنفها يختفيان مع إبتسامتها أو ضحكتها، النظارات الطبية الثقيلة زادت من منظر اليأس والرتابة البادية على قسماتها البريئة.

تنظر من نافذة حافلة السفر عبر الشريط المتسارع للطبيعة مسترجعة ذكريات الواقع المخيف والمرير لحياتها والذي لايعلمه غير خالقها وعقلها الصغير الغير واعي لما يقع لها. خوف وكتمان صارا خليلاً حميماً لها؛ فالسعادة أصبحت مرادفاً دخيلاً و غير مستحق بالنسبة لها.

شريط ذكريات مقيت حاولت محوه مراراً و تكراراً، الطفلة التي يكاد قلبها ينفجر خوفاً في محاولة يائسة منها لقراءة نص عادي في صف دراسي كله لهو و عبث هي نفسها طالبة الحقوق التي تخرجت بعد ان نحل جسدها و هزلت روحها بسبب هذا الخوف.. و أي خوف؟؟
دقات قلب متسارعة و شفاه مرتعشة باردة و أيدي لا تكف عن الإهتزاز و حنجرة مخنوقة لا أثر لريق فيها ولا لصوت، وكأن الكلمات تمنعهها مخالب خفية من عبور حبالها الصوتية…
كلها تغيرات كميائية لعينة لا تفسير ولا تعقيب عليها لطالما لاحقتني عند محاولتي لقراءة أي نص أو إجتياز أي مباراة شفوية أمام الملأ. كنت يقينة أنه ليس الرهاب الإجتماعي الذي أدمنت معرفة كل شئ عنه … نعم إنهم هم مازالوا يلاحقونني .. لطالما أثبتوا ذلك بحضورهم الخبيث.

لولا تميزي في الإختبارات الكتابية منذ الإبتدائي لما كنت حصلت على معدلاتي الجيدة. فالإختبارات الشفهية عرقلتني دراسياً كونها كانت دون المستوى، و نفسياً من خلال تعجب أساتذتي و دكاترتي فهم ماكانوا ليستوعبوا ما يجري لي!! شئ بديهي…فهم لا يعلمون شيئاً عن هذا الشيطان اللعين الذي لم ولن أعرف كيف أخرجه من جسدي. فمعظمهم كان ينصنحني بمحاربة الخجل الزائد و المبالغ فيه و عدم الخوف من التعبير الشفهي. لكن هيهات الحقيقة مرعبة و مرة.

إنها لعنة التصفيح، التصفيح العادة الماردة التي ظن غالبية سكان شمال إفريقيا أنها شئ عادي في الثمانينات و السبعينات. العديد من الفتيات قبل البلوغ مورست عليهن.

أذكر عندما كنت طفلة قامت جارتي بتصفيحي مع بناتها عن طريق عجوز خرفة تسكن قرية بعيدة عن مدينتا. وهي عملية روحانية تحمي الفتيات من الإغتصاب و الإعتداء الجنسي للحفاظ على عذريتهن. علماً أن امي كانت مسافرة لهولندا عند أبي. كنت حينها أعاني التقيؤ المستمر نتيجة أكل بطيخ غير صحي ما إضطرها لتركي مع خالتي أي أختها. التي تقطن بدورها قرب الجارة. خالتي التي لم تمانع ظناً منها أن التصفيح سيحميني و بناتها أيضاً.

لا أذكر شيئا عن الحدث ولا عن طقوسه، كل ما أعرفه أن العجوز توفيت بعد أن خربت حياتي، و خالتي لا تذكر البتة الطقوس ولا كيفية فكها. لأكبُر وأنا محاطة منذ صغري بهم .. مخلوقات عاشت معي وسكنت جسدي المخرب. لأكبُر وأعرف أن سبب ما يحدث هو نتيجة الموكل أو من وكل بحراستي. هذا المخلوق و غيره لطالما رأيتهم منذ أن كنت طفلة لا تعي شيئا.

أحاول جاهدة النزول إلى سريري لكن لا جدوى .. قوة عاصفة تسبح بي في محيط غرفتي والرياح تزمجر بصوتها العاتي و صوتي لايقوى على الخروج من فمي، كل جسدي شبه مشلول لكنه يحوم في غرفتي. أسمع صوت تلك الرياح و غضب تلك القوة التي تهزني بغضب في الهواء، لكن لا يمكنني الإستنجاد … أكان ذلك بسبب الرقية التي أعطاني إياها شيخ المسجد أم هي سورة البقرة التي لم يستلطف ساكني جسدي سماعها.

كانت هذه بداية تعاستي، لتتوالى الأحداث بجر غطاء نومي عني، وشل حركتي مراراً و تكرارا أثناء خنقي. حتى عندما كنت أرحم كنت أراه فوق ركبتي او قربهما جالساً، لأجدني أسافر مرات و مرات طيراناً لبلدان أخرى ليلاً رفقة كائن لا أتذكر ملامح وجهه البتة صباحاً، بلداناً ليست كبلداننا و كأنها أطلال أو بقايا سكن او آثار رومانية قديمة لا أثر لوسائل نقل ولا بشر فيها، غالباً كان إستيقاظي صعباً لأجد جسدي مكسو الكدمات و كأني كنت أجري أميالاً … أحداث مقيتة لا تعد ولا تحصى.

نعم، إنها أنا نفس الفتاة أقارب السادسة و الثلاثون و لا أقوى على النظر لرجل كيفما كان مخافة السخرية مني فالكلمات تأبى أن تخرج. المخالب تمنعها من الخروج وحتى إن حاولت كتابتها يأتيني العقاب عسيرا.

أسيرة لشئ لو أدركت مغزاه و أنا طفلة ماتركتهم يقيدوني به، ولو كنت أعرف إيقافه وأنا بالغة لما ترددت لحظة واحدة في ذلك.
إنها نفس الضحية في غرفة إيجار الأن، لا أعلم لماذا أتيت لهذه المدينة!! أنا لا أبحث عن عمل هنا كما قلت لأهلي. هل أنا هاربة من ذلك المنزل العائلي الكبير والموفرة به كل سبل الراحة لأهرب من تلك الغرفة السجن التي لطالما عذبت فيها؟! .. و هل سينجح ذلك هذه المرة؟!…
لا لا لا لن ينجح لطالما لاحقوني أينما ذهبت وإرتحلت .. لطالما سكنوا جسدي و عبثوا به كما عبثوا بكل حياتي و منعوا عنها أبسط شروط المتعة. لن يتركوني أبداً … لقد عبثوا بكل شئ. لم يبقى لي إلا هو، مازلت متمسكة به فهو خالقي ولن يتركني هو يعرف كيف يوقفهم و يخلصني منهم. لن يتخلى عني … فجسدي و روحي لم تعد تقوى على التعايش معهم.

تاريخ النشر : 2018-07-13

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى