تجارب ومواقف غريبة

بنات البحر

بقلم : محمد الشريف العلاوي – الجزائر
للتواصل : zatrra@yahoo;fr

بنات البحر
هؤلاء البنات ظهرن فجأة من خلف الصخور الوعرة و البحر

 كنت قد نجحت في اجتياز شهادة التعليم الأساسي أي ما قبل الثانوي باستحقاق ففرحت أسرتي أيما فرح ، وعدني أبي بعد ذلك بأن يشتري لي تذكرة سفر إلى فرنسا لقضاء عطلة الصيف عند أختي فكانت الفرحة فرحتان

وبينما كنت أتأهب للسفر كنت استيقظ باكراً وكان ذلك وقت الصيف وأنزل إلى الشاطئ للسباحة والركض على الرمال و أحياناً كنت أبيت في بيتنا الخاص للاصطياف الذي كان يملكه أبي إذا وجدت من يؤنسني ، وتارة كنت أبيت في بيتنا العائلي وكنت مأخوذاً بجمال وسحر شاطئ” سيدي المجذوب ” خصوصاً بعد طلوع الشمس بدقائق إذ يكون فارغاً تماماً من العامة ويكون أيضاً ماء البحر صافياً و رقراقاً ، و كانت طيور النورس تنعب في جو السماء ثم تهبط بسرعة وتغطس في البحر

 كنت أحب أن أمشي على شاطئ البحر وكنت التقط بين الفينة والأخرى الأصداف الجميلة أو السرطانات الحية ، كان هذا الشاطئ على شكل نصف دائرة به على جوانب الطريق ثلاثة سلالم واسعة توصل إلى الشاطئ وكانت البيوت واسعة جداً وبها منافذ واسعة وكانت تصل إلى أربعة طوابق وكانت من منازل الفرنسيين الذين استوطوا المكان

 أما فيما يتعلق ببيتنا البحري فقد كان يطل على البحر فوق هضبة كبيرة ، ولكي أصل إلى الشاطئ كنت أمشي مسافة متوسطة وكعادتي استيقظت باكراً واحتسيت فنجان القهوة وهممت بالنزول إلى الشاطئ ، كانت الساعة حوالي السابعة صباحاً ولما وصلت إلى السلالم التي تؤدي إلى الشاطئ خطر بفكري أن أمشي إلى إليه آخذاً الطريق الرئيسي الذي تستعمله السيارات ، ما اضطرني إلى المشي حوالي نصف كيلومتر و سبق أن قلت بأن الشاطئ كان على شكل نصف دائرة فالطريق كذلك والبيوت كذلك

 و لما وصلت عند أول بيت يفصل بينه وبين الشاطئ سوى الطريق سمعت جلبة وأصوات وضحكات فحولت نظري اتجاه تلك الأصوات فرأيت مجموعة من البنات كن تقريباً عشرة وكن سمراوات و بيضاوات ، كن يقفزن كالغزلان فوق الصخور و واحدة منهن مازلت إلى حد الأن أذكرها جيداً و هي تأمرهن بأن يسرعن قائلة : هيا يا بنات أسرعن ،  ومررن بجانبي قاطعين الطريق وكن مبتلات وجدائل شعورهن كذلك ، ثم صعدت تلك الفتاة السمراء التي كانت تطلب منهن الإسراع إلى سلالم البيت وفتحت الباب الحديدي فأحدث أزيزاً مزعجاً ملأ الأصداء ثم قالت لهن : هيا أدخلن بسرعة ، فدخلن كلهن وكنت قد تجاوزت البيت قليلاً وأنا في حيرة من أمري و مشدوهاً بما تراه عيني

فاستدرت قليلاً فرأيت فتاة أخرى و كانت شقراء تنظر إلي فخيل إلي بأن أعاكسها غير أن يد جذبتها وأدخلتها ، ثم أوصد الباب بقوة ، حدث كل هذا تقريباً في دقائق وضربت الأخماس بالأسداس ولم أفهم شيئاً فأنا أعرف كل البيوت وأهلها ولم يسبق لي وأن رأيت مثل تلك الفتيات ، وخطر بفكري بأن صاحب البيت قام  بتأجيره ولكن شيئاً في صدري كان لا يصدق هذه الفكرة ، ثم قمت بالركض وقمت ببعض الحركات الرياضية ثم ذهبت للسباحة وبدأ الشاطئ يمتلا بالمصطافين وبدأت بنات العائلات البرجوازية في نصب المظلات والكراسي في الرمال

حتى جاء صديقي من مكان غير بعيد وقد كان شقياً وزير نساء فقصصت عليه ما رأيته في الصباح الباكر ، فتهلل وجهه فرحاً وقال وقد وثب واقفاً : هلم بنا لنرى آخر الطراز، على حد قوله ، ولكن عندما وصلنا بعد دقائق أشرت اليه على البيت ، فقال مستغرباً : أتمزح معي ؟ فقلت بتعجب : لا أنه ليس مقلباً ، فقال : هذا البيت لم يُفتح منذ زمن ، ألا تعلم ذلك ؟ فقلت مستغرباً وقد بدأت أشعر بالقلق والخوف : نعم ، ولكني  رأيت البنات يدخلن اليه ، فقال صديقي وقد أرتكز على حائط السلالم الصغير : أنظر إلى الباب أنه لم يفتح منذ زمن ، و فعلاً كان التراب والغبار على مدخله ، أما الباب فقد أعتلاه الصدأ ، ثم تركنا المكان وعدنا أدراجنا ، وكنا كلما سنحت لنا الفرصة نمر بجانب البيت لنتأكد ما اذا كان شاغراً أو لا كانت ، و يصيبنا الرعب

مرت على هذه الحادثة أربع وعشرين سنة وكنت أمر بجانبه برفقة زوجتي وبناتي و لازلت أتذكر جيداً تفاصيل ذلك الصباح الباكر عندما كنت أمشي بمفردي فظهرت بنات كن يقفزن فوق الصخور و كن فزعات خائفات من شيء مبهم لم أعرفه غير أن البنات أو البنين الذين ينزلون للسباحة عبر السلالم التي تؤدي مباشرة للبحر أما هؤلاء البنات ظهرن فجأة من خلف الصخور الوعرة و البحر من وراءها يصل عمقه إلى عشرات الأمتار ولم يكن مخصصاً أصلاً للسباحة.

تاريخ النشر : 2018-07-19

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى