تجارب من واقع الحياة

دعني و شأني !!

بقلم : Strawberry – تونس

دعني و شأني !!
انهال عليَّ بالضرب و السب

مرحباً أعزائي روّاد موقع كابوس ..

ما أصعب أن تضطر للعيش مرغماً تحت سقفٍ واحد مع شخصٍ ، و لا تتفق معه أبداً و الأصعب أن يكون هذا الشخص هو أقرب أقرباؤك .. لا أنت تستطيع الرحيل عنه و لا ردّ الفعل و التنفيس عن غضبك يريح عقلك ..

هذا ما عانيته منذ طفولتي أنا و إخوتي من أبٍّ أدركت شيئاً فشيئاً ، أنّه يعاني من عدّة أمراض نفسيّة أبرزها النرجسيّة و حب الذات ..

أبي له عدّة خصال لن أنكرها هو شخص مثقف يتحدّث عدّة لغات ، و سمعته ممتازة عاش طفولة بائسة و نشأ في عائلة بسيطة .. و كان هو الأصغر بين أعمامي الذين انقطعو عن الدراسة و انحرفو جميعا ، أبي تحدّى هذه الظروف الصعبة فأكمل تعليمه و عمل في سنٍّ صغيرة مع والده .. الذي كان فلّاحاً بسيطاً ..

أبي رجل متديّن محافظ لا يحتسي الخمر و لا حتى يدخّن و لا يجلس في المقاهي .. و لا تطأ قدمه الكباريهات ، أمّي كانت أوّل و آخر إمرأة في حياته .. هو شخص مرتّب جدّاً يجب أن يكون كلّ شيءٍ منظّم و على أكمل وجه ، فيا ويلنا لو وقعت عيناه على إطارٍ منحرف و لو بضع ملليمترات .. أو أحد الأغراض في مكانٍ غير مكانه المعتاد ، ستكون والدة من فعل تلك الفعلة داعية عليه! ..

لم أعش طفولتي كأترابي بسبب صرامته الشديدة منذ أن كنت صغيرة ، و هو لا يتوانى عن إحراجي عندما كنت في سن التاسعة أو العاشرة .. كانت لديّ صديقة تمرّ عليّ كل مساءٍ لنلعب سويّا في الحديقة القريبة ..

و ذات يوم صادف خروجي معها مرور أبي بالقرب من الحديقة ، حظّي العاثر يرافقني منذ أن كنت طفلة إذ دخل الحديقة بهدوءٍ و سلم علينا .. و أنا أرتعش خوفاً ثم لم يلبث إلا أن انهال عليَّ بالضرب و السب ، قائلاً “كيف تلعبين بهذا الحذاء الأنيق؟ ألا تعرفين كم ثمن هذا الحذاء أيّتها الغبيّة؟! لقد شوهتيه ، و تخرجين دون إستئذان أيضاً!” ما زال صوت صديقتي يتردّد في أذني قائلاً “سيدي أرجوك .. أتركها أرجوك” أذكر أنها تلقّت بعض الضربات الطائشة بينما كانت تحميني ، أبي كان من النوع الذي يستغرق في الضرب وقتاً طويلاً جدّاً و كأنّه يتفنّن في ذلك ..

لم يترك لي سوى ذكرياتٍ مؤلمة عن طفولتي البائسة ، عندما كنت في سن الخامسة كانت مدرستي تقيم حفلاً في نهاية العام نلبس فيه زيّاً موحدّاً .. و نصمّم الرقصات و نقدّم مسرحيّات فاتفقت المديرة مع العائلات ، و خَيَّطَت لنا تنورات قصيرة و قمصاناً مكشوفة نوعاً ما ..

أذكر أنّ والدي لم يعجبه الزيّ و طلب من المديرة أن تُخَيِّط لي ثوباً “ساتراً” ، و إلا فلن يسمح لي بالحضور .. و لن أنسى علامات الإستغراب على وجه المديرة يومها قائلاً “سيدي؟ ابنتك لم تتجاوز الخامسة ، هل تعي ما تقول؟” أذكر أن المديرة ظلّت تناقشه طويلاً .. إلى أن اتفقا على زيٍّ أستر نوعاً ما ، و كان يردّد قائلاً “يالها من مديرة سافلة !!كيف يضعونها مسؤولة على تربية صغارنا؟” .. و المصيبة أنني كنت مقتنعة بكلامه و أُرَدِّدُه ..

في يوم من الأيّام ألبستني أمّي ثوباً جميلاً ثم ربطت لي شعري ، و كنت في غاية الأناقة فماذا ينقصني؟ آه بعض مساحيق التجميل .. سبحان الله غريزة التأنق و الجمال تنشأ في البنات منذ الصغر! هذه هي الطبيعة ، أذكر أني أخذت مساحيق أمّي لأحوّل وجهي إلى لوحة زيتيّة! و أخذت أتباهى و أروح و أغدو في كامل أنحاء المنزل ..

و إذ بيدٍ قويّة تشدّ ذراعي قائلةً “امشي إلى الغرفة مباشرة لنتحدّث” ، تبعته ببراءة الطفولة و بعد أن أبعدني عن الجميع أغلق الباب .. و انحنى عليّ -أي أومأ ظهره- و هو يقول بهدوء “ما هذه الألوان على وجهك؟ تضعين المكياج؟ يا سافلة يا حقيرة” لا أذكر على وجه الدقّة كم كان عمري ، لكنني كنت صغيرةً جدّا و أخذ يصفعني بكلّ برودة دم .. الصفعة تلو الأخرى و لا أذكر ماذا حصل بعد ذلك ..

هو دائماً ينعتنا بأبشع الألفاظ أنا و إخوتي ، ذات مرّة كانت جدّتي عندنا .. و سمعته ينادي أختي بالفاجرة و هي صغيرة ، فشهقت بقوّة واضعةً يدها على فمها من الدهشة .. ثمّ خرجت من المنزل و هي تردّد قائلةً “أستغفر الله ينعت الملائكة بالفاجرة؟! كيف يصلّي هذا الرجل؟! لن أعود إلى منزله أبداً” و بالطبع لم نندهش لأننا أصلاً تعودنا على ألفاظه ، ما أن تطأ قدمه الشارع حتّى يتحوّل 180° ..

هل تظنّون بأنّه تركني لحالي و أنا الآن قد تجاوزت العشرين؟ كلّا .. بل ما زال يعنفني بين الحين و الآخر ، أبعد عنّي كلّ صديقاتي الواحدة تلو الأخرى .. يستمرّ بتجريحهن و التعليق عليهن حتّى يمللن و يكرهونه و يكرهونني معه ، يعلق على لباسهن و أوقات زياراتهن و طريقة أكلهن .. يتدخّل في كل شؤوني و في وقت نومي و استيقاظي ، و في البرامج التي أشاهدها على التلفاز بل و حتّى في توجهاتي السياسيّة .. و الكتب التي أطالعها لكن الفرق بين الماضي و الحاضر ، أنني صرت واعية صرت أقوى صرت متمرّدة .. أنا الآن أتجنّبه قدر الإمكان حتّى لا أفقد صوابي ، هذا إن لم أكن قد فقدته منذ زمنٍ بعيد ..

أحياناً يؤنبني ضميري عندما أرد عليه و أسبه و أدفعه ، أذكر في إحدى المرات كنت في الثانوية فأخذ يلوي ذراعي فرميت عليه آداةً حادة .. جعلت أنفه ينزف هل بذلك أعتبر عاقة لمحاولتي للتنفيس عن غضبي ، و الدفاع عن نفسي؟ أليس من الأفضل أن أنتقل للسكن بعيداً .. حتّى يحفظ كلانا كرامته؟ نحن لن نتفق فما أن تتحسن ظروفي الماديّة ، سأستقلّ عنه حتّى لو اضطررت لدفع كل معاشي في الكراء و المصاريف الأخرى ..

تاريخ النشر : 2018-07-21

guest
85 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى