أدب الرعب والعام

عمي، هو القاتل!

بقلم : فاطمة الزهراء نسرين – الجزائر
للتواصل : [email protected]

عمي، هو القاتل!
أبي تعال، سأخبرك ما رأيت عشية أمس عمي هو القاتل

كنت خلف الأريكة أتصبب عرقاً و أرغب بالتقيؤ من هول ما آراه، كان قد جرها كما يجر خروفاً للذبح لكنها كانت الضحية عوضاً عن هذا، كانت زوجته و كان جلادها، إذ لما فرغ من ذبحها فوق سريرهما و أشبع رغباته الجنسية مع جثتها التي غادرتها الروح قبل ثوان تسلل إلى المطبخ ليحضر كومة أكياس بلاستيكية، راح يجعلها قطعا صغيرة و يضع كل قطعة في كيس و يربطه جيداً، كان يفعل هذا و هو يغني، قام مجدداً إلى المطبخ و أحضر كأساً فارغا، يا ترى ما الذي سيفعله به؟ لقد ملأه دماً و راح به مرة أخرى إلى المطبخ.
 
عاد و أكمل ما تبقى من الجثة التي كانت تعود لزوجة عمي و لما وصل إلى الرأس راح يحدثه بكلمات لم أسمع منها شيء، فقط أريد الخروج من هنا فلو رآني سيكون مصيري مثل مصيرها لكني شابة يافعة لم أر من الحياة شيء.
يبدو أنه ثار غضبا فجأة فقط رمى الرأس بعيداً ليرتطم بالحائط و يترك بقعة دم ضخمة عليه، أسرع إليه مرة أخرى ليحتضنه، ثم راح يبكي بحرقة، وضعه أرضاً ثم بدأ بقطعه هو الآخر و كان يغني هذه المرة أغنية تبدو حزينة.

لما فرغ من كامل الجثة توجه إلى قفة (وعاء) الملابس المتسخة أفرغها و وضع قطع جسد زوجته مكانها ثم أخذ ينظف الغرفة : نظف الأرضية و الحائط، و انتزع كذلك لحاف السرير و وضعه رفقة قميصه الملطخ بالدماء في الغسالة، إتجه إلى الحمام الذي بابه يقابلني مباشرة كان يغسل يديه و رأسه بهوس، يفرك جلده كأنه سوف يسلخه

إنها فرصتي للخروج من هنا فهو لا ينظر في هذا الإتجاه، دفعت الأريكة ببطء ثم تفقدته مرة أخرى، نعم لم ينتبه لصوتها الخافت، حسناً ها أنا ذا أقف بصمت و أتجه إلى باب الغرفة و أحاول أن لا ألفت أي إنتباه، اختبأت خلف الباب يا ربي هل رآني في انعكاس المرآة؟
لا أعلم فقط رحت أجري و أخذت السلالم إلى الطابق العلوي، إنه طابقنا، سأدق لأبي و أترجاه أن يعود هو و أمي من السينما، سأخبرهما كل شيء عن هذا المختل.
و فجأة يظهر لي من عدم، إنه عمي مروان يقف مباشرة أمامي، العرق يتصبب من كل مسام في جسدي، سيذبحني ، ربما سيغتصبني أيضاً، هل أصرخ؟ أين صوتي؟

أشعر بالرعشة تجري في كامل جسدي، يداه تلامس وجنتاي و اللعاب يتساقط من فمه، إنه الآن يتفحص كامل جسدي، الهوس في عينيه، إبتسامته ليست بطبيعية. 
يداه صارتا على رقبتي، أسيخنقني؟ أنفاسه الكريهة تتسلل إلى أنفي رغم محاولاتي في عدم التنفس، ما إن استجمعت قواي و هممت على الصراخ راح يخنقني، يشد على رقبتي أكثر فأكثر، بكل قواه الرجولية، تفصلني عن الموت ثوان قليلة، 
و فجأة، من عدم، ملأ جرس الباب المكان، سأنجو، حمدا لله…
أشاح بوجهه عني ثم رجع و وضع عينيه صوب عيناي مباشرة و أطرق قائلاً، لو علم أحد منهم ما حدث صدقيني لن تعجبك ردة فعلي، أومأت بالقبول و تملصت من بين يديه لأدفن رأسي في سريري.

عادت العائلة، كان الجميع يتناقلون أحداث الفيلم بسعادة عظيمة، جاء عمي مروان و جلس على الأريكة المقابلة و يتضاحك معهم كأن شيئاً لم يحدث، كان يضع قدماً على قدم و يشرب من نفس الكأس، إنه كأس الدماء ذاك.
لما سألته أمي عن زوجته أجابها بكل برودة أنها عادت من العمل و قد اشترت بعض اللحم، شغلت الغسالة ثم خرجت مجدداً و ستعود بعد نصف ساعة.

لما نزل إلى الطابق السفلي عزمت أن أخبر أمي بكل شيء لكنه رجع و أعطى أمي كيسين من اللحم و أخبرها أن تطهوهما على العشاء، شكرته أمي كثيراً على كرمه، ليتها تعلم أنها ستطهو لحم المسكينة “هنية” و هو بالفعل ما حدث.

الكل حول مائدة الطعام يتناولون لحمها، بل و قد تركت لها أمي قطعة لتأكلها عندما ترجع، إنه يلتهم لحم زوجته بشراهة و يصفه بالطري الشهي، عيناه لم تفارقنني، بل و كانتا تتفحصان كل زاوية في جسدي. الرعب يقتلني، أمي تظنني مريضة، لقد ناولتني دواء الحمى. 

خلدت إلى النوم، و لم أستيقظ إلى عند الساعة الثانية ليلاً، أين أمي؟ أين أبي؟ 
العتمة تملأ المكان، إلا ضوء خافت من أسفل، أأنزل؟ لقد كلفني فضولي يوم أمس أن أعيش أسوأ الكوابيس، لن يحدث شيء الآن فوالداي هذه المرة في المنزل، سأنزل لأتفقد الأوضاع فقط

أمشي على أصابع قدماي رويداً رويدا، تسللت خلف نفس الأريكة، بقع دماء كبيرة تملأ الغرفة، الرائحة كريهة جداً، والكثير من الأكياس البلاستيكية مرمية هناك، الكثير منها، ما الذي يجري؟
إنه هناك في الحمام، عمي مروان يفرك جلده يكاد يسلخه، وقفت لأتقدم، لقد التفت لي، صرخت بأعلى صوتي، أبي، أبي تعال، سأخبرك ما رأيت عشية أمس عمي هو القاتل، عمي هو القاتل، أصرخ لكن ما من إجابة سوى صدى صوتي الذي لا ينفك يعود إلى مسامعي.

وقف ينظر إلي و لم يحاول منعي من الصراخ، نشف يديه بالمنشفة جيداً بكل برودة و خرج من الحمام يمشي صوبي ثم صار يضحك، إنه يضحك بهستيرية، أبي رد علي أين أنت؟ 
أطرق عمي مروان قائلاً، أبوك الذي هو أخي العزيز في الأكياس البلاستيكية ذات اللون الأزرق، أما زوجة أخي عزيزتي فهي في الأكياس ذات اللون الأحمر، يمكنك أن تختاري لونك المفضل.

تفصلني عن الموت ثوان معدودات…

–النهاية

تاريخ النشر : 2018-08-02

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى