أدب الرعب والعام

زهرة التوليب

بقلم : Rachida.H – الجزائر

لم أتمالك نفسي إذ خرجت هذه الكلمة بحدّة جعلت ابتسامة توليب تختفي لتحلّ مكانها تعابير دهشة

كل مرة أغمض فيها عيناي ،لا يسعني إلاّ التفكير فيها ، ضحكتها ..جسمها..شعرها..نعومتها.. ضمتها الدافئة و الحنونة. كانت مثل كبسولة زمنية خبئت للخلود الأبدي أو كمقطوعة موسيقية تهمس برقة في أذنيّ ،كنت أحبّها ،أحبّها حد الجنون نعم حدّ الجنون .و كنت أريدها لي أنا ،نعم لي وحدي .

حسناً سوف أبدأ من البداية ،ليست بداية كل شيء و لكن سوف أبدأ من بدايتنا أي اليوم الذي صارت فيه لي أخيراً :
يوم زفافنا .يا إلهى ،لقد كانت ملاكاً ،لا بل أجمل .كنت هناك ،واقفاً و أنا أنظر إليها تقترب ،كان الإكليل يغطي وجهها الملائكي الذي طأطأته نحو الأرض و هي تتمشى بنعومة و فستانها الذي اتخذ قصّة الحورية يتمايل مع جسدها . آه ،والأزهار ،نعم الأزهار كانت تحمل أزهار التوليب بيضاء اللون ،وكم كانت تتناسب مع حلّتها ،أخبرتكم أنها كانت كالملاك .

حلمت بهذا اليوم ،لا بل أصررت عليه و خططت له ،نعم لقد خططت لكل شيء منذ اللحظة التي رأيتها فيها كان يفترض أن تكون لي لا لغيري لذلك حرصت كل الحرص أن أجعلها ملكي و قد تحقق ذلك أخيراً ، اليوم و في هذه اللحظة ارتاح بالي و قد امتلكت ما أردته دائماً .كانت تلك ليلة لا تنسى.

التقينا أول الأمر في حفلة ،نعم لقائنا كان كلاسيكي ،التقينا و قد أخذنا الحديث و في نفس الليلة خرجنا في أوّل موعد لنا ، كان الضجيج كثير و أردنا مكانا أكثر خصوصية لذلك ذهبنا إلى كافيتيريا بالجوار و شربنا الكثير من الشوكولاتة الساخنة ،لقد كانت مرحة جداً و حنونة جداً ،لم أرد في العالم كله إلا أن نكون معاً ،أن لا تكون مع أي أحد غيري أنا ، منذ ذلك اليوم و نحن نتقابل و نخرج سوية ،خرجنا مرّة لمشاهدة فيلم في سينما الهواء الطلف ، لقد كان فيلماً رومنسياً.. شربنا الكولا و أكلنا الفشار وكان كل شيء مثالي و جميل ،و هناك رحت أنظر إليها بإمعان ،لقد كانت رائعة الجمال ،وقد قررت أنه لن أشارك حياتي مع أحد غيرك يا توليب .

كنت قد جهزت المنزل و المال لم يكن قط مشكلة و في أحد الأمسيات و مع غروب الشمس طلبت يدها و قد وافقت .كانت حياتنا أشبه بقصة خرافية ،للحظة صدّقت العبارات التي تكتب في نهاية قصص ديزني ” و عاشوا بسعادة للأبد” غير أنّ أبدنا كان قصيراً ،قصيراً إلى درجة تجعلك تتيقن أن الروايات فعلاً خرافية .ولكن قبل أن ينتهي أبدنا ،كنا نعيش في سعادة..سعادة لا توصف .

أذكر صباح اليوم التالي بعد يوم الزفاف حينما استيقظت و لم أجدها بجانبي ،جن جنوني و لم أكد أتمالك نفسي خرجت مسرعاً لكي أبحث عنها في أرجاء البيت ،ولكن اتضح أنني كنت قلقاً أكثر من اللازم فقد وجدتها تجلس على طاولة الفطور و كان اللابتوب أمامها ،لم أذكر سابقاً أنها كاتبة ،نعم توليب كاتبة حرّة ،تكتب قصص الرعب على أحد المواقع الالكترونية . أعلم ،إن ذلك منافي تماماً لطبيعتها و شخصيتها و لكن ذلك ما كانت عليه توليب ،كانت عبارة عن مجموعة من الغرف المغلقة وفي كل مرة أفتح فيها غرفة ،أكتشف شيئاً جديداً عنها. لم أفتح الكثير من الغرف بعد .ولكن ،أنا سعيد بمجموع الغرف التي فتحتها .

قصصها فريدة جداً ،تحتويك قبل أن ترعبك و بطريقة ما تجد نفسك مغرم بها فتريد أن تقرأ المزيد .عندما رأيتها جالسة هناك أطلقت زفيراً طويلاً دليل على الراحة و توجهت نحوها بهدوء ،فقبلتها برقة على وجنتها المحمرة و قلت :
ـ صباح الخير حبيبتي …
ـ صباح الخير عزيزي. آه، زوجي العزيز.
كم كان وقع تلك الكلمة رائعاً على أذني ” زوجي” نعم لقد قالتها، هذا لأنه فعلاً أنا زوجها و هي زوجتي .كم إنّ ذلك جميل فعلاً ،جميل كليلة مليئة بالنجوم أو كيوم ماطر في يوليو. ابتسمت لي بعد ذلك ابتسامة هادئة و أشعة الشمس منعكسة على وجهها.
– هل أنهيتها بعد ؟
– لا ،ليس بعد .علي أن أترك بعض الغموض في نفوس القرّاء قبل نشر النهاية .ذلك لأنها نهاية غير متوقعة .
– دعيني أقرأ قليلا…آه،هل يعقل أن تكون زوجة الأب؟
– ربما .أو ربما الزوج؟
– لا ،لا تجعليه الزوج .
– لماذا؟
– لأن ذلك سوف يولد لدى القراء فكرة أن الأزواج أشرار و مجرمين .
– ههههه ،أنت ظريف عزيزي .هل نخرج لنفطر ؟
– لا !

لم أتمالك نفسي إذ خرجت هذه الكلمة بحدّة جعلت ابتسامة توليب تختفي لتحلّ مكانها تعابير دهشة ،مددت يدي لأجرّ الكرسي الذي بجانبها و جلست ثم أمسكت يديها و قلت :
– أنا آسف ،آسف حسناً حبيبتي ؟
– عليك تمالك نفسك!
– أعلم ،أعلم يا لي من سخيف و أحمق .هل أخفتك ؟ لا أحب أن أكون مثل زوج بيلا الشرير( الشخصية في القصة)

ضحكت توليب و هي تحني رأسها إلى الوراء ثم قالت :
– أنت سخيف حقاً .حسناً إن كنت لا تريد الخروج لا بأس سوف أحضر الفطور.
– لا ،لا يفترض أن تتعبي نفسك…
– إذاً ماذا نفعل ؟ هل نبقى دون فطور ؟
– لا ،بالطبع لا . أنت جائعة و تحتاجين الطاقة لإكمال القصة ،أنا سوف أخرج لأبتاع الفطور حسناً ؟ ثم أعود لنفطر معا.
– …حسنا.
قالت ذلك بنبرة و كأنّها تتساءل عما يجري و أظنها لم تشأ أن تطرح تلك التساؤلات لأن ذلك من شأنه أن يجعلني أفقد أعصابي مجدداً . مع أن ذلك لم يمنعها من السؤال في الأيام القليلة المقبلة .

لم تسمعني توليب و أنا أغلق الباب من الخارج ،لعلّها كانت مستغرقة تماماً في الرواية .كنت دائماً ما أفعل ذلك ،ليس ذلك لأنني لا أثق في توليب و لكن وساوسي تجعلني أفعل ذلك …

2

كم كنت سعيداً بهذا الزواج ،لقد كانت الحياة التي لطالما حلمت بها أموال كثيرة و زوجة جميلة ،ما كنت لأرغب في شيء آخر .إلا أن المتاعب وجدت طريقها إلينا و سرعان ما أفسدت الأمر برمّته .أذكر أنه مرّة كنت عائداً من العمل و ما إن وصلت و أوقفت سيارتي حتى وجدت آنسة شابة تقف عند باب المنزل ،ارتعبت و قد خيّل لي أنها دقّت الباب بالفعل و بالتأكيد اكتشفت توليب أمر إغلاق الباب .نزلت مسرعاً و تقدمت نحوها ثمّ أبعدتها بقوّة و بكلتا يدي و عندها تمكنت من رؤية وجهها و قد كان مألوفاً ،قالت و هي تبعد يديّ عن كتفيها :
_ نسيبي ! ماذا حدث لك فجأة ؟
تبيّن أنها أخت توليب ،جاءت لزيارتها . ابتسمت لها و قدمت لها اعتذاري .و بعدها واصلت قائلة :
_ هل توليب في المنزل ؟ ظننت أنها معك إذ رننت الجرس عدة مرات ولم تفتح …

ما إن قالت ذلك حتى هرعت إلى الباب أفتحه مرتعباً ، لا أعرف ما كان يرعبني أكثر ، من أن لا أجدها أم من أنّها قد تكون اكتشفت أمر الباب و قد تكون استعملت النافذة للهروب لأنها اعتقدت أنني مريض عقلي !. نعم إلى هذا الحد أُخِذتُ بمخيلتي . دخلت و أخذت أصرخ باسمها ،تفقدت المطبخ و غرفة المعيشة و عندما لم أجدها توجهت نحو الطابق العلوي و قد بدوت كالمجنون و أنا أهرول و أصرخ و قد شعرت بأنني أخفت الآنسة الشابة و لكن لم أستطع تمالك نفسي .بحثت في غرفة النوم و هناك وجدتها ،تجلس في الشرفة وهي تضع السماعات في أذنيها مستغرقة تماماً في الكتابة .توجهت نحوها و حضنتها كطفل يحتضن لعبته التي ضاعت منه أو بالأحرى التي اعتقد أنها ضاعت .

– ظننت أنني فقدتك!
– آسفة عزيزي …و لكن ،ما الذي جعلك تعتقد ذلك ؟
انضمت إلينا الآنسة الشابة ، و التي عرفت فيما بعد أنّ اسمها داليا، و قصت عليها الأمر و قد ركّزت على كم بدوت مجنوناً و كأنني مهووس بها .إن كان الحب هوس ،فليكن!

جلس الأختان عند الشرفة يحتسيان الشاي و ذهبت أنا لأهتم بشؤوني .

3

بعدما ذهبت داليا و أثناء جلوسنا على طاولة العشاء قالت توليب بهدوء :
– أخبرتني أختى عن كيف ارتعبت عندما ظننت أنني لست بالمنزل .
– حقا؟ …ماذا قالت ؟
– قالت أن ذلك كان رومانسياً …بشكل غريب!
– يشكل غريب ؟ ما بيت القصيد من ذلك ؟

بقيت صامتة و هي تنظر في عيني بارتياب ،ثم رفعت كأساً من الماء ،لم ترتشف منه إلا القليل ،ثم قالت :
– لماذا لا تريدني خارج المنزل ،توم ؟
توترت ، و قد شعرت بحرّ مفاجئ يلتهب في جسدي ،لم أعرف بما كنت سأجيبها .ثمّ واصلت :
– ذلك اليوم ،في الصباح ،سألتك إن نخرج للإفطار و قد رفضت قطعاً! ،و الآن … ما الذي يحدث …هل هناك ما تريد إخباري به ، توم ؟
– لا…لا شيء …كل ما في الأمر …كل ما في الأمر هو أنني أخاف من أن تخرجي بمفردك ،إن هذا الحي غير آمن و أخاف أن يحدث لك شيء ما .
– غير آمن ؟ كل من يسكن بالجوار رجال أعمال و محامين …
– نعم نعم . و لكن لا يجب أن نثق بأي أحد . هيا دعينا من هذا الآن ،أخبريني، هل أتممت القصّة ؟

لم أتذكر بما أجابتني لأنني لم أكن مهتماً حقاً بالإجابة ،كل ما كنت أريده وراء ذلك السؤال هو الانتقال لحديث آخر لأنني لم أكن أريد الحديث في ذلك الموضوع.

في الصباح التالي بعدما ذهبت للعمل ،اتصلت توليب بأختها و تبادلا أطراف الحديث ( و قد علمت ذلك لأنني وضعت جهاز تنصت على هاتفها):
– داليا ،لقد كنت محقّة ،كان كلامه غريب و قد غيّر الموضوع …هل هناك ما يثير الريبة ؟
– اعتماداً على تصرفه البارحة ؟ نعم إن هناك الكثير مما يثير الريبة .
– آه ،تذكرت شيئاً ،منذ يومين تقريباً و أنا أنظف المنزل ،مررت بغرفة في الطابق السفلي ، حاولت فتحها و لكن كانت مغلقة . هل علي أن أقلق بشأنها أيضاً ؟
– هل سـألته عنها ؟
– نعم ، قال أنها لمالك البيت السابق و أنها تحتوي على أغراض تخصه و قد أخبره أنه لا يجب فتحها حتى يأتي هو و يأخذ أغراضه منها .
– و هل صدقته ؟
– حسناً… لقد تردّد في الإجابة نوعاً ما …
– غبية … اذهبي لفتحها …الآن!
– حسناً .. ابقي على الخط.

نزلت بالفعل إلى الطابق السفلي و حاولت فتح الغرفة مجدداً و عندما لم ينجح الأمر أخبرتها داليا بأن تكسره ، كنت قد عدت إلى المنزل ،بينما كانت هي في الأسفل تقف عند مدخل الغرفة منذهلة . نزلت إلى الأسفل و هكذا وجدتها تقف هناك أمام الفوضى التي كانت تحملها الغرفة ،كانت الغرفة فعلاً تحتوي على أغراض المالك .

صعدنا إلى الأعلى مجدداً و قد دار بيننا حديث صغير :
– آسفة ،كان على أن أصدقك .
– …صه! لا تتأسفي …أنا من عليه أن يتأسف ،لقد كنت أتصرّف بشكل مجنون مؤخراً ،كل ذلك لأنني أحبك ،و أخشى عليك من الأذى.
ثم ضممتها بحنان و مسحت على شعرها و أنا أبتسم بمكر! لأنني علمت أنني احتويتها مجدداً و لن تشك فيّ مرّة أخرى ،لقد خطوت خطوة ذكية عندما نقلت محتويات العليّة إلى الغرفة بالطابق السفلي في الوقت المناسب و إلاّ كانت اكتشفت كل شيء .

لحدّ الآن ، أنا أروي القصّة من وجه نظر محدّدة تجعل من يقرأها لا يشك فيّ تماماً مثل توليب و الآن إليكم الآتي :

أعرف توليب منذ أن كانت في الثانوية ، لقد كانت أجمل بشرية على الأرض ، يقال أنّ ” هلين ” ابنة الإله “زيوس” كانت أجمل نساء الأرض و لكن توليب كانت الأجمل ، لقد أحببتها حقاً بل كان هوساً و لعل داليا أصابت في ذلك .لقد كنت أعشقها ،كان بودي لو أضعها في متحف للقطع الفنية و لا أدع أحداً يرتجل إليه غيري ،و لكن لم أستطع أن أخبرها بذلك .ما كانت لتنظر إلي حتى ،فقد كانت من النوع الذي يمتلك شعبية و الذي عادة لا يهتم للمنبوذين . لذلك بعد الثانوية ، ارتدت جامعة الحقوق و بذلت جهداً لأن أكون أكبر المحامين و تلك كانت الخطة لامتلاك قلب توليب و قد نجحت فعلاً . ملكتها و ملكتني و كان ليكون كل شيء مثالياً ، لولا الآنسة الشابة التي كادت تفسد الأمر و لكنها لن تزعجنا بعد الآن فقد تخلّصت منها و قد كنت في طريقي إليها عندما كانت تحادث زوجتي بالهاتف .

أما أمر تلك الغرفة في الطابق السفلي ،فقد كانت غرفتي عندما كنت ارتاد الثانوية (نعم ،ليس للمنزل مالك سابق لقد كان منزل والدي و قد ورثته عنهما بعد وفاتهما )و قد ألصقت صورها في كل مكان فيها و هناك بدأت أحلامي و خططي لامتلاكها . كانت الصور لاتزال فيها و لكن عندما سألتني توليب عنها تلك المرّة أخذت كل محتوياتها إلى العلية و أنزلت محتويات العليّة للغرفة في إحدى اللّيالي . و هكذا ترتب كل شيء .

و في تلك اللحظة ،كنت أحمل توليب بين ذراعي ،حبيبتي توليب .بعد لحظات رنّ هاتفها ،كانت داليا تتصّل لتحذّرها منّي ،لقد أخطأت الهدف واضح أنّ طعنة السكّين لم تفّي تماماّ بالغرض . بعد المكالمة الهاتفية ،طلبت منّي توليب أن أذهب لأحضر لها اللابتوب من الطابق العلوي فقد ألهمت فجأة بنهاية للقصّة كما جاء على حدّ تعبيرها و قد أعربت عن ذلك بنبرة صوت مريبة . كنت في طريقي إلى الأعلى عندما سمعتها تفتح الباب الخارجي .نزلت مسرعاًّ و قمت بجرّها بعيداً عنه و قد قاومت بحدّة .ما إن تقدّمنا قليلاً نحو غرفة المعيشة حتى حملت المزهرية و ضربتني بكلّ قوّة على رأسي . و كل ما أتذكره ،أنّني سقطت بعدها على الأرض و عندما استيقظت و جدت نفسي هنا ،مكبّل على سرير في مستشفى المجانين .

اسمي توم مادسون ، عمري 37 ، و هذه قصّتي . و توليب ،إن كنت تقرئين الآن ، أريد أن أقول أحبّك ، و لن أستسلم حتى أملكك مجدداً .

تاريخ النشر : 2018-08-22

Rachida.H

الجزائر
guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى