أدب الرعب والعام

مخاوف سليمان

بقلم : يعقوب السفياني – اليمن

مخاوف سليمان
أبتسم سليمان و هو يمزق في أحشاءه فقد أتم انتقامه

 

كان كوب الشاي الأحمر بيد سليمان يترجف من الخوف ، كان هنالك شيء ما مخفي فيه لم يعرف سليمان ما يكون بالضبط ، لينهض إلى حمام منزله و يريق الشاي ثم يذهب لأعداد شاي خاص له تاركاً شاي زوجته زينب الذي كان يخفي أمراً ما فيه .

كانت نظرات أبنته الصغيرة سعاد تبدو كأنها نظرات سخرية ، أما أبنه وليد فقد كان وجهه يتحول كل ليلة إلى وجه قارض ، لم تكن الساعات التي تقضيها زينب في المطبخ لأعداد الطعام فقط بل هنالك أمر تقوم به بالسر ويرغب سليمان باكتشافه بشدة ، إن نظراتها المرتبكة وعينها التي تطرف بسرعة فائقة تدل على شيء ما تخفيه زينب وتخاف أن يُنكشف.

في مكتبه في الشركة كان سليمان يشعر باعين كثيرة تترصده ، كانت الهمسات تدور حوله سراً ، لا يعرف سليمان ما الذي ينظر إليه مسعود من فينة لأخرى من تحت نظارته صوبه ، كانت النظرات تثير انزعاجه بشدة ، خاصة نظرات مسعود ، شعر للحظة رغبة في انتزاع عيناه من مكانهما .

هواجس كثيرة تنتاب سليمان الذي أراد التأكد من حالته هذه ، ربما كان كل هذا ارتياباً أو علة نفسية ، استشار طبيب نفسي وفي أولى جلسات علاجه لاحظ سليمان وجه الطبيب يتمايل كالهلام ، وكان يثرثر بكلام كثير وفارغ ، أعتاد سليمان قراءته في صفحات جوجل وكتب علم النفس ، لم يكن الطبيب يفيد بشيء بل أنه جعل سليمان يشك بأن كل ما يشعر به حقيقة وليست أوهام ! كان أكثر ما يخيفه هو أن تكون مخاوفه صحيحة ، أن تكون سعاد تسخر من والدها و تهزئ به وتعتبره ضعيفاً ومثيراً للشفقة ، أن يكون وليد يملك تحت ذاك الوجه المستدير وجه قارض ، أن تكون زينب تخونه فعلاً مستخفة به وناكرة لعشرة عمر طويلة ، مع أن سليمان لم يكن ليقصر معها ومع أولاده بشيء ، كان يسهر على رفاهيتهم و يلبي طلباتهم كلها.

– سليمان ، يوم غداً سيكون هناك حفلة في مدرسة سعاد ، و فيها ستكون مسرحية شاركت بها أبنتنا ، يجب أن نحضرها .

حدثت زينب زوجها سليمان الذي أجاب : بالطبع ، لم تكن هذه أجابته التي يريدها فقد كان يريد القول أنه لم ينسى نظرات السخرية تلك في وجه سعاد .

في الحياة هنالك نوعان من المخاوف :

النوع الأول هي مخاوف لا أساس لها و هي عبارة عن أوهام .

النوع الثاني هي مخاوف حقيقية والتي نشعر بها في الواقع.

النوعان يوجدان في داخل كل فرد منا ، و كلاهما يؤثران في حالتنا النفسية والصحية ، ولكن الحال تظل بخير إذا كانت مخاوفنا كلها في الخط الأول ، أما إذا دخلت الخط الثاني فهذا هو الأمر الخطير و سوف يقلب حياتنا راساً على عقب.

أما سليمان فقد كان يرجو أن تكون كل مخاوفه من النوع الأول ، أي أوهام و شكوك لا صحة لها أو وجود في الواقع ، كان يتمنى أن يثبت مرضه النفسي على أن تثبت شكوكه ، لكن مع تقدم الأيام بدأت كثير من الأشياء تتكشف لسليمان ، أنه لا يتوهم شيء بل هي الحقيقة بعينها.

لم تكن الحبات الزرقاء في كوب الشاي أمراً عابراً ، ولم يكن طعم الماء المتغير وهماً ، أما سخرية سعاد من والدها فقد ثبتت عندما أخبرته  أنها سمعته يبكي كالرضيع في غرفته ليلاً قائلة : بابا أنت تبكي كالأطفال ، سمعتك تبكي في الليل ، وبختني أمي عندما قلت أن بكاءك مضحك وقالت : أن هذا لا يجوز فأنت مريض و يجب أن نعتني بك .

أن عائلته التي كد وأجتهد من أجلها أصبحت اليوم تسخر منه وتنظر له بعين الشفقة ، عائلته التي كان مستعداً للتضحية بروحه من أجل حمايتها أضحت تتهامس سراً أنه معتوه و مريض ، زوجته زينب التي تبرع لها بكليته بعد أن أصابها فشل كلوي تقوم اليوم بخيانته بالسر مع رجال غرباء وتصفه بالمريض أمام أطفاله ، في الحقيقة أنهم ليسوا أطفال بل شركاء في الجريمة من الصغيرة الساخرة إلى القارض المتخفي.

أما مدير سليمان في العمل فقد أرفق عبارة ” نحن متأسفون جداً لهذا ، لكنك لم تدع لنا خياراً أخر فقد أصبحت تصرفاتك شديدة الغرابة مؤخراً وعملك لم يعد منضبطاً ” برسالة طرده من الشركة ، لقد كان موظفين الشركة الحقراء يتهامسون سراً حوله و يرمقونه بالنظرات الحاقدة واليوم يتم طرده بعد أن أفنى عقد كامل من الزمن في العمل فيها ، بدأت الحياة تضيق بسليمان ، تساءل لماذا ، لماذا ؟

عندما عاد سليمان إلى منزله ليلاً بعد أن كان في بحث عن عمل جديد شاهد رجلاً يخرج من منزله ليقف عن حافة الباب وتخرج زينب فتضمه و تودعه ، ثم يذهب ، جن جنون سليمان الذي أختار تتبع الرجل أولاً الذي تخونه زوجته معه والانتقام منه ثم العودة للانتقام من زينب ، تتبعه حتى وصل الرجل إلى زقاق يغطيه الظلام الدامس فضربه بقضيب حديدي على رأسه ثم كال له الضربات تلو الضربات مهشما رأسه حتى قتله ، نظر سليمان يسرة ويمنة ثم حمل الجثة وألقاها في صندوق قمامة ، كان الوقت متأخراً بحيث لم يلحظه أحد سوى ظله ، كان سليمان بارعاً في انتقامه بحيث أنه أخذ سلاح الجريمة معه و رماه في بركة ماء لتزول عنه بصماته .

لم تكن نار الانتقام في داخله لتهدأ حتى ينتقم من زينب ، هذه المرأة الناكرة للمعروف التي تخون زوجها و هي تحمل كليته في داخلها ، كان الألم والوجع يفت سليمان من الداخل ، لم يكن مقصراً بشيء حتى تخونه زينب التي أحبها حباً لا يُوصف ، لكنها الأن مجرد خائنة لعينة يجب الانتقام منها مهما كلف الأمر.

عاد سليمان إلى بيته ليجد والدة زينب هناك ، سلم عليها ودخل غرفته بسرعة ، كان وجودها في المنزل غريباً فهي لم تزرهم منذ مدة ، و شعر سليمان بغيظ شديد لأنها ستعيق انتقامه ، لكن بضعة أيام ستمر سريعاً ثم ستكون هذه الخائنة في متناول يده و عندها سيريها أنه بقدر ما يكن لها من مشاعر فأنه لا يسامح أبداً من يخونه.

تنصت سليمان لحديث زوجته مع أمها ، كانت زينب تبكي وهي تتحدث معها وتقول :

-لا أعلم يا أمي ، أنه متغير كثيراً مؤخراً و يبدو مكتئباً ومضطرباً بشدة و قد طُرد من عمله .

والدة زينب : لاحظت هذا يا أبنتي عند دخوله ، أنه ليس سليمان الذي أعرفه ، هل فكرت بعرضه على طبيب نفساني ؟

زينب : لقد ذهب هو بنفسه ولكنه لم يستمر معه حتى جلسة واحدة ، إضافة لهذا يا أمي أنه يكرهني أنا و أولادنا و يبقى في غرفته وحده طيلة اليوم ، ويرمقني بنظرات مخيفة !

لم يكمل سليمان تنصته فقد كان الغضب يتملكه وكان يصرخ في داخله : لو تعلم هذه الأم ماذا تفعل أبنتها في جنح الليل و بغياب زوجها ، ولو تعلم أيضاً كيف ربت أبنتها على السخرية مني والاستهزاء بي ، لو تعلم أنها أنجبت لي قارضاً في منزلي ، لو تعلم كم كنت أحبها و لو تطلب الأمر أن تؤخذ كليتي الأخرى و أموت أنا لما ترددت لحظة ، أما الأن يجب أن تدفع ثمن خيانتها .

في الغد كان سليمان قد وصل لمرحلة نفذ فيها صبره ، قالت له سعاد : بأنها تتمنى لو كان جارهم محمود والدها وأنها لا تريده والداً لها لأنه غبي و يبكي كالأطفال ، كان كلماتها سكين يمزقه في داخله شعر معها بغضب شديد و خُيل إليه للحظة أنه يهشم رأسها بالقضيب الحديدي تماماً كما فعل مع ذلك الرجل ، وخُيل إليه للحظة أيضاً أنه يشوي رأس وليد الذي أكتمل تحوله إلى قارض حقيقي ، والأهم من هذا كله خُيل إليه أنه ينتزع كلية زينب تاركاً إياها تموت و هي تتعذب ، و لم يكن أنتحاره إلا خاتمة لانتقامه كما خطط فلم يعد يريد البقاء حياً بعد هذا أبداً.

مرت 3 أيام و والدة زينب لم ترجع إلى بيتها ، و أنفجر غضب سليمان و قرر الانتقام منها أيضاً لأنها لم تقم بتربية أبنتها كما يجب ، و في الليل أحضر سليمان مسدسه الذي ورثه عن والده ، كان مخزنه يحتوي على 8 رصاصات ، واحدة لزينب واثنتان لأولاده وأخرى لوالدة زينب وخامسة له ، لكن هذا يجعل الباقي 3 رصاصات ، فهم سليمان أن القدر يطلب منه تصفية 3 أشخاص إضافيين قبل قتل عائلته ، ثلاثة أشخاص يستحقون الموت.

كان الشخص الأول هو محمود جارهم ، فقد كان أول شخص يشك بأن زينب تخونه معه ، و أيضاً كانت أبنته تهزئ به مفضلة محمود الوغد ، أتصل به سليمان طالباً منه الحضور سريعاً إلى قفارة قديمة تتكدس فيها الخردوات لأنه يريد التحدث معه بأمر هام ، كان محمود يعرف بحالة سليمان النفسية لكن هذا لم يمنعه من الحضور فهو شخص طيب و يكن لسليمان احتراماً كبيراً ، حضر محمود ولم يمهله سليمان حتى وجه رصاصة إلى راسه وسحب جثته إلى كومة من الخردة ولم يهتم بأمر إخفائها فهو سينفذ العملية الكبرى الليلة ويختمها بانتحاره.

الشخص الثاني على القائمة كان توفيق مديره بالعمل ، كان سليمان يعرف عنوان منزله ، ولم يتمهل في الذهاب إلى منزل توفيق وكان الوقت عصراً ، طرق بابه لتخرج زوجته وتخبره أنه ليس موجود في المنزل ، وأنه في نادي رياضي ، ذهب سليمان إلى النادي الذي لم يكن بعيداً ولم يعد يرى أمامه سوى الانتقام ، ومع أنه يعرف أن قتل توفيق في النادي أمراً مستحيلاً إلا أن الرغبة كانت تقوده دون وعي.

في النادي شاهده على أحد الآلات ، توفيق الذي من أن شاهد سليمان حتى أصفر لونه و أرتجف ، كان سليمان منتفخ الأوداج محمر العينين بشدة ، نهض توفيق وذهب أمام سليمان قائلاً :

– أهلاً سليمان ، بما يمكنني أن أخدمك ؟

– سليمان ضاحكاً : تخدمني ؟ ، هل يمكن أن نلتقي في المساء ؟ أريد التحدث معك بشأن العودة لوظيفتي .

شعر توفيق بنبرة غريبة بصوت سليمان ولم يكن كلامه مبشراً بالخير ، ولكنه راوغ قائلاً : الساعة السابعة ، مطعم الريادة .

سليمان شعر بحذر توفيق ، لكنه أبتلع الطعم ، لن يذهب إلى أي مكان سينتظره حتى يخرج من النادي و يتتبعه حتى يتمكن منه ، و فعلاً بعد ساعة خرج ، ركباً سيارته و تبعه سليمان بسيارة أجرة ، كان عائداً إلى منزله ، قفز من سور المنزل ونظر من النافذة ، كان توفيق يحضن أبنه الصغير ، دخل خلسة إلى المنزل وكان غناء زوجة توفيق في المطبخ يملأ المكان ، عرف من خلال النافذة أنه مستلقي يأخذ قيلولة ، و كشخص ممسوس و بكل جرأة جاء من خلفه واضعاً يده على فمه ومسدداً عدة طعنات لصدره ، ومن ثم خرج لا يلوي على شيء و صعد تاكسي متجه إلى منزله ، و في الطريق أخذ رصاصة من المسدس و رماها فلم يعد لها داعي ، حان الوقت للتخلص من الهدف الثالث قبل العملية الضخمة.

كان الوقت يداهمه ، لا بد أن الشرطة عرفت بمقتل توفيق ، لكن الأمر لم يكن مهماً فهدفه الثالث سهل ، أنه شخص يكن له كرهً عظيماً ، وفكرة قتله ليست وليدة اللحظة ، أنه أحمد أخو زينب الذي كان من أشد المعارضين لزواج سليمان بزينب ، فكر بالاتصال به ليلم شمل العائلة لماً غير عادياً .

عاد إلى منزله و طلب من زينب أن تتصل به ليحضر ، شعرت زينب بغرابة طلبه ، ولكنها أخذت تلفونها لتتصل به فإذا بهاتفه مقفل ، أتصلت ببثينة زوجة أخيها لتخبرها أنه لم يعد منذ أن أوصل والدته إلى منزلها أي منزل زينب ! ، أخبرته زينب بأنه غير موجود في المنزل ولم تخبره بالتفاصيل ، شعر بالغضب الشديد وتذكر الرجل الذي قتله في الظلام ، نسي وجهه تماماً ، لم يحاول حتى النظر بوجهه فقد بدأ كانه خفاش .

قرر تنفيذ العميلة مؤجلاً قتل أحمد فالوقت يداهمه ، نادى أسرته إلى النزول إلى غرفة المعيشة ، طلب ترتيب سفرة عشاء مجتمعة ، فرح الجميع يبدو أن حالته تحسنت ، أخر مرة تناولوا فيها العشاء مجتمعين كانت منذ شهور ، اجتمعوا على السفرة ، تنهد سليمان بعمق و شعر بصداع شديد وأخبرهم بأنه سيذهب إلى الحمام ، ذهب إلى غرفته و أخذ المسدس وعمره بالذخيرة .

ونزل و هو يشعر بحرارة كبيرة تلفح راسه وصدره وحزن عميق جداً و رغبة ملحة بالتخلص من أسرته ونفسه ، أخفى المسدس وراء ظهره وظهر أمامهم وهو يبكي بهستيرية ، كان وليد قد أصبح قارضا حقيقياً و أبنته ترمقه بالسخرية ، و زينب لا تزال يفوح منها عطر الرجل الغريب ، و والدتها تشاطرها الجريمة بتأييدها لها و تربيتها الفاسدة ، و أشهر مسدسه مطلقاً النار على والدة زينب في رأسها ومن ثم صوبه نحو سعاد إذ بزينب تندفع صوبه و تصدمه ، و لكنه نهض وضربها برأسها و أطلق رصاصة براسها شعر معها بحزن ممزق ولكن ضربة سكين في ظهره كانت اكثر تمزيقا ، كان القارض يوجه له طعنة تلو طعنة.

أبتسم سليمان و هو يمزق في أحشاءه فقد أتم انتقامه ، و سعاد أبنته تبكي بشكل مهول ولم تعد نظرة السخرية في وجهها ، أما وليد فقد تأكد له تماماً بأنه قارض حقيقي و إلا لم يكن لولد في عمره أن يوجه مثل هذه الطعنات الشرسة ، وأغمض عيناه ومات .

النهاية …

تاريخ النشر : 2018-08-24

guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى