تجارب من واقع الحياة

حياتي المظلمة

بقلم : مدفون – المغرب

حياتي المظلمة
أصبحت غارقاً في الحزن والهم والغم

 

السلام عليكم ، أنا منذ فترة طويلة أريد أن أفرغ ما بداخلي من هم وغم لشخص ما ، وها أنا سأحكي لكم قصة حياتي البائسة و مشاكلي التي أظن أنها لن تنتهي إلا إذا أخذني ربي عنده فموتي أفضل من حياتي.

أنا شاب عمري 20 سنة ، طالب جامعي ، أعاني من عدة مشاكل و عقد نفسية حالياً بسبب ما مررت به في فترات عمرية سابقة ، عندما كنت طفل كان أبي يتركني في البيت مع أمي وأخواتي الثلاث -كنت أنا الأصغر بينهن – لم يكن يعاملني كما يعامل الآباء أبنائهم على أساس أنهم سيصبحون رجالاً في المستقبل.

لم يكن يأخذني معه إلى مجالس رجال لكي تصبح لدي شخصية رجولية قوية ، لم يعلمني كيف أدافع عن نفسي ، لم يعلمني ركوب الدراجة الهوائية ، حتى أنه لم يكن يتركني ألعب مع أبناء الحي ، كان يتركني دائماً مع نساء حيث كنت ألعب مع أخواتي بدمى وكانوا يلبسوني فساتين نسائية على أساس أننا نلعب ، و مع مرور الوقت تأثرت بهذه الأشياء وأصبحت لدي شخصية أنثوية !

عند وصولي لسن الدراسة كنت كأي طفل لديه أحلام و طموح يريد تحقيقها ، فعندما كانت تسألني معلمتي أو أي شخص : ماذا تريد أن تصبح في المستقبل ؟ كنت أجيبهم بأنني أريد أن أصبح جراح ناجح أو موسيقار كبير ، لأنني منذ صغري أحب الأغاني العربية الأصيلة و كان هذا هو حلمي ، في هذه الفترة كنت قد بدأت بالانسجام مع زملائي في القسم و بدأت بتعرف على العالم الخارجي أكثر و كنت أريد الدخول إلى معهد موسيقي أو أحد النوادي المتخصصة في تجويد القرآن ، وكان من الممكن أن أتغير لو لم يتعرض لي أبي وأمي كذلك حيث أنهم لم يتركوني أكون أصدقاء من ذكور و ألعب معهم.

كنت مرات البس فساتين أمي وأحذيتها و أضع مساحيق تجميل على وجهي و أقف على الشرفة و أغني أو أقوم بحركات أنثوية ، في عاشوراء كانت تأتي عندنا خالتي وكانت تجدني ألعب بالدمى و تظل تسخر مني وتصفني بصفات سيئة ، لم تكن تأثر في هذه الكلمات لأني لم أكن أفهمها بعد.

مرت الأيام وانتقلت إلى القسم الرابع ابتدائي و هنا أصبحت دائماً أسمع بكلمة المخنث من تلاميذ ينعتونني بها بحيث أني كنت أنهار بالبكاء و قد كانوا يعتدون علي بالضرب المبرح دائماً و أنا لا استطيع الدفاع عن نفسي ، تصوروا كان طفل أصغر مني يرشقني بالحجارة و يضربني و أنا لا استطيع أن أدافع عن نفسي !
لكن مع هذا كله كنت دائماً أتحصل على المركز الأول ، مع مرور الوقت أصبحت مراهق و كنت حينها قد انتقلت إلى الإعدادي ، و هنا تعرضت للكثير من المواقف القاسية من ضرب و سب و تحرش!

ازدادت حالتي إلى الأسوء لدرجة أنني فكرت في الانتحار لكنني لم استطع لأنني ضعيف الشخصية ، كنت أقاوم رغم ذلك وأحاول بكل جهدي أن لا أهتم لأحد من غير دراستي ، الحمد لله كنت متفوق في دراستي و قد كان يُضرب بي المثل الأعلى لتلميذ المجتهد المؤدب. 

انتقلت إلى ثانوي وازدادت مشاكلي خصوصاً القسم المشترك ، كنت أحاول تغيير من نفسي و أن استرجل لكني لم أستطع ذلك ، فقد كانت الفتيات يسخرن مني و يقولن : أنت تمشي أحسن منا و يداك جميلتان أحسن من أيدينا ، و غيرها من الأشياء التافهة التي تستفزني ، و كان الأولاد يتحرشون بي و يضربونني دائماً !

مرة كنت راجع إلى المنزل و وجدت في مدخل الحي أولاد يلعبون كرة القدم ، فضربني أحدهم بها على رأسي إلى أن شعرت بدوار و نزل دم من أنفي ، و كانوا هؤلاء الأولاد كلهم أصغر مني سناً و ظلوا يسخرون و يضحكون علي ويقولون لي تلك الكلمة ، مسحت أنفي من دم و مسحت وجهي لكي لا يعرف أهلي بهذا الحدث – للإشارة أنا لا أخبر أحد بهذه الأشياء التي تحدث فأنا دائماً أظهر لهم أنني قوي وسعيد – عدت إلى المنزل ودخلت إلى غرفتي وأنهرت بالبكاء و الصراخ بصوت خافت لكي لا يسمعني أحد. 

تصوروا مرات كنت أسجد في صلاة و أطلب من ربي أن يأخذ روحي عنده ، مرت الأيام وأنهيت دراستي بثانوي وأخذت باكالوريا بامتياز جيد ، لكني لم استطع ولوج كلية الطب أو أي مدرسة عليا بسبب الضغوطات النفسية التي أعاني منها وأيضا بسبب أبي ، فاضطررت أن ادرس في الجامعة الموجودة بالمدينة التي أقطن بها. 

حاولت التغيير من نفسي و لكنني لم أستطع ، التقيت بزملاء كانوا يدرسون معي بثانوي في الكلية وسخروا مني كثيراً لأنهم كانوا يعلمون أنني أريد أن اصبح طبيباً لكن لم احقق ذلك ، في هذه سنة أصاب أبي الإفلاس فقد تم الحجز على ممتلكاته وأصبح مريضاً نفسياً لا يخرج من غرفته و إن لم تقل له كُلْ لن يأكل. 

كرهت حياتي فكل يوم يزداد الوضع سوءاً ، عندما مرض أبي أصبح يتوجب علي أن أعتمد على نفسي لأنه قبل مرضه لم يكن يتركني أن أحضر وثائقي بنفسي و كان يحضرها لي هو ، بل حتى من الملابس كان هو أو أمي من يذهبوا للمحلات لاقتنائها لي و لم أكن اذهب معهم ، بالنسبة لحالتي في الجامعة فكما قلت من قبل فأنا منعزل تماماً و لا أكلم أحد ، و حتى إذا جاء أحد و تكلم معي لا أتجاوب معه.

مر الفصل الأول بنجاح و قضيت إجازتي بالمنزل ،  و مع بداية الفصل الثاني جاء بعض الأشخاص و أرادوا أن يصبحوا أصدقائي – للمصلحة فقط نظراً للتفوق الذي حققته في الفصل الأول – بدأت فترة الامتحانات و كنت دائماً أتخلى عن أي شيء و أذهب للمراجعة معهم – أنا من طبعي أهتم بأي شخص أكثر من نفسي ، شرحت لهم كل الدروس وأعطيتهم جميع الملخصات التي كنت أحضرها ، لكن للأسف كانوا أشخاص حقودين لدرجة أنهم خططوا للكثير من الأشياء الشريرة لكي يدمرونني. 

مرت الأيام و حالي على ما هو ، و جاء الموسم الدراسي وكالعادة حافظت على تفوقي و كنت بدأت في تلك الفترة بالقيام بصلاة العشاء في المسجد و باقي صلوات أقوم بها في المنزل ، جاء الموسم الدراسي الحاسم الذي سأقوم فيه ببحث نهاية الدراسة و كان يتوجب علي القيام بدورة تدريبية في شيء له علاقة بشعبة أنا لم أكن أعرف أين سأقوم به لأنني لا أستطيع الخروج والاعتماد على نفسي و مواجهة الناس. 

توسلت أمي عند خالي لكي يجد لي دورة تدريبية ، فوجد لي دورة في أحد المختبرات الخاصة بصناعة الأدوية ، بدأ الموسم الجامعي الجديد وكالعادة أنهيت جميع الوحدات و فور الأنتهاء كان يتوجب علينا تكوين مجموعات من أجل البحث الأخير ، بدأت بالعمل على بحثي و كنت أنا الوحيد الذي يعمل في المجموعة و الباقي لم يحركوا ساكناً وأنا مع ذلك أضحك في وجههم ولا أقول شيء !

كنت أظل اليوم كله في الكلية اشتغل على البحث ، و في أحد المرات بقيت في الكلية إلى غاية ثامنة مساءاً ، ظللت أنتظر الحافلة لكنها لم تأتي فقد كنت انتظر لوحدي ، و من حسن الحظ كان هناك شاب يستقل سيارته فدعاني ليوصلني في طريقة ، خجلت جداً وتمنيت لو لم يقلني و تركني أذهب على رجلي. 

ركبت معه و قلت : السلام بصوت خافت مرتجف وغير مسموع ، و قد كان شاباً وسيماً جداً و كان يتحدث معي و أنا لا أنطق بكلمة ، فقط أجيب ب آه و وجهي محمر من الخجل ، عندما وصلنا قال لي : أنت شخص رائع ، هل من الممكن أن تعطيني رقم هاتفك ، لكن ماذا فعلت ؟! لقد خرجت مسرعاً من السيارة حتى أنني نسيت أن أشكره ، وعندما رجعت إلى المنزل ظل ضميري يأنبني لأنني لم أبقى معه لأشكره وهو كان قد قدم لي معروف ، و ظل هذا الموقف دائماً بدماغي.

و بالنسبة للأبحاث فقد كنت أنا فقط من يعمل عليه بالإجازة وعندما ألتقي بالأشخاص الذين كانوا يتواجدون معي في المجموعة كنت أشرح لهم ما قمت به وأعطيهم كل عملي ،  وهم ماذا كانوا يفعلوا ؟ 
كانوا يذهبون عند الأستاذ المشرف على البحث و يتناقشون معه على العمل الذي قمت به على أساس أنهم هم من قاموا به ، حيث كانوا يتحدثون إلى الأستاذ بكل ثقة وأنا صامت و لا أقول شيئاً ، مرة صححت كلمة كان قد قالها الأستاذ ، فنظر إلي باستفزاز وقال : نطقتي ؟  أي تكلمت ؟ 

قاسيت كثيراً تلك الأيام حيث كان لي الكثير من الحساد في الجامعة لدرجة أن أحد الأساتذة كان ينظر إلي بنظرات كلها حقد وشر و كأنه يريد قتلي ، في سنة الأخيرة مع أنه كان يعاملني بلطف في سنة الأولى نظرا لتفوقي.

الأن و بعد أن أنهيت دراستي في الجامعة لم أتمكن من دراسة الماستر بسبب شخصيتي الضعيفة ، أصبحت غارقاً في الحزن والهم والغم وأخفف عن نفسي بمشاهدة الأفلام شاذة و ممارسة لعادة الخبيثة ، أتمنى أن تدعوا الله بأن يأخذ روحي عنده لأنني لا أستطع تحمل هذه الحياة القاسية.

تاريخ النشر : 2018-08-31

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى