أدب الرعب والعام

في الردهات السوداء

ماذا عساي أفعل الآن..

أمشي مرغما، إني أمشي لست لأني أريد فعل ذلك، بل لأني أعلم أن أي خطوة سأتردد بها سأكون بعدها في عداد الموتى. فلأمش إذاً لربما اقتنصت فرصة للنجاة في النهاية إن كان بإمكاني إقناع نفسي أن نسبة اثنان بالمائة تحسب فرصة بالأساس.

_ يبدو أن مشوارك يا “رافع ” أو ” البرنس ” كما أطلقوا عليك هنا بدأ يضمحل.

بعد خمس سنوات من الخدمة، يصدر الأمر وينتهي النقاش. أعلم أنه لو كان أبي الذي يقودني لن يكون بوسعه فعل شيء . الخطأ الأول ربما يكون الخطأ الأخير، هذه آخر جملة سمعتها من ” الزعيم ” بعد حفلة استجداء غير مجدية حتى أسامح على خطأ لم أرتكبه.
ذلك النحيل الحليق الوجه، تباً له ولبزته الحمراء ولسيجاره اللعين. ذلك المغرور يظن نفسه زعيما حقاً !!
من يعلم من وأين هو الزعيم الحقيقي؟!

لا آبه لذلك، فقط أعلم أن كلمة ربما هي من تعطي لقدمي دفعة للمسير .

لازال صوته يتردد داخل رأسي..

” لا شيء خطير مجرد اختبار فقط “

هكذا قال لي ذلك النحيل بعدما ابتلع أول رشفة من كوبه الأسود.

اختبار !! هل كان ينقصني اختبار !! يا إلهي لمَ حياتي هكذا كلها تعاسة؟! حتى موهبتي وهي الشيء الوحيد الذي ظننته نعمة علمت الآن أنها نقمة.

إقرأ أيضاً في أدب الرعب: أحقاد لا تسقط بالتقادم – الجزء الأول

موهبتي ” الفذة ” في الرسم قادتني إلى تزوير العملة!
هل كان ذنبي أني عشت يتيماً؟ هل كان ذنبي أن ترعرعت في كنف عمي الذي كان يطردني إن لم أعطه المال لقاء إوايته لي؟ أم كان ذنبي أني لم أستطع دخول الجامعة لأني معدم!!

عندما قررت دخول عالم التزوير والعصابات لم أهتم إلا لشيء واحد.. المال فقط. تباً للمبادئ، تباً للقيم، تباً للضمير. المال، نعم هو الشيء الوحيد الذي سينتشلني من هذه القذارة ولو كان من قذارة.

لم أكن أعلم أن الأمور ستتطور بهذه السرعة، من مجموعة صغيرة، ثم توسعت نسبياً. وهكذا لم أجد نفسي بعدها إلا في عالم المافيا!! ثم وهكذا فجأة وبعد خمس سنوات أسير في هذا الممر الأبيض لأداء اختبار!!

وماذا إن فشلت؟ ، هل سأموت؟!!

يجب أن ألقي نظرة حولي ( ليطمئن قلبي). أقسم أني أرى رجال بملابس سوداء، مسدسات وبنادق، إذن أنا في ” المنظمة ” ! هل فعلاً لديها اختبارات؟ هل تحتاج المافيا مبررات للقتل؟ يمكن أن يكون كل ما أفكر به مجرد هراء وهلوسة خوف، من الذي يعلم ما يدور في تلك الرؤوس السوداء، وأولئك الأشخاص الأشباح حتى يضعوا – اختباراً –

على كل حال ” مجبر أخاك لا بطل ” هذا المثل يختصر موقفي وحالتي الآن. وإن جمعت إختبارت حياتي حتى الآن فأغلبها كانت فاشلة، فهل سأنجح في يومي هذا؟

إقرأ أيضاً في أدب الرعب: أحقاد لاتسقط بالتقادم – الجزء الثاني

ها أنا أذكر صوت ذلك الزعيم ، تباً لديه صوت دبلوماسي غريب :

_ لا عليك ستدخل غرفة مع شخصين آخرين، وسيكون بحوزتك مسدس ورصاصة واحدة فقط، المهم أنك ستموت (ابتسم بخبث) لا تخف كثيراً ، أحد الحاضرين يمتلك مسدساً سيودي بحياتك. عليك اكتشافه علما أن إطلاق النار ممنوع قبل انتهاء الوقت، وبعد أن تكتشفه أرده..

إعرف قاتلك وتعامل معه فقط ، وإياك والغش ، لأن الكلام ممنوع لذا سندخل من يراقبكم (نظرة استخفاف) وعند الكلام أو الإيماء أو الإشارة ستفقد حياتك فوراً . أترى سهولة الأمر، إنه أسهل من اختبارات الثانوية، صحيح؟ سينتهي اختبارك عند السابعة و واحد وثلاثين دقيقة! .(ابتسامة ماكرة) ، هيا خذوه إلى قاعته ..


اللعنة.. كنت أظن هذه الأمور لا تحدث سوى بالأفلام، رصاصة واحدة، اختبار، قاتل.. يا إلهي، أحقيقة هذه أم مهزلة؟ لا أعلم ، لكن ما أعلمه أنها واقع. ثم إن هناك فرصة للنجاة، لم تنته الأمور بعد، ربما أنجح في هذا الاختبار وأمضي فقط..

انتهى هذ الممر الأبيض وها قد لاحت لي قاعة الامتحان ..


غرفة وسطية الأبعاد رمادية الطلاء، تخلو من أي نافذة، وأستطيع أن أرى مقاعد ثلاث مركونة بشكل دائري متقابل.. مع واحد آخر بعيد نسبياً يبدو أنه للمراقب!!
لقد سئمت فعلاً من كل هذا، لولا بصيص الحياة الذي أحاول أن أتمسك به لرفضت كل هذا حتى لو كان نصيبي الموت !

_ ل…

_ حاضر حاضر سأجلس، فقط أخفض مسدسك هذا، أتراني قد جلست لا داعي لكل هذه العصبية.

أترى..؟ هذا ما يحدث لك الآن أيها “البرنس” ، تستجدي طفلا صغيرا كهذا التافه ، ليتني كنت في موقف غير هذا، ثمنه رصاصة فقط ..

إقرأ أيضاً في أدب الرعب: القط الأسود – إدجار الآن بو

يبدو أن أحد الرفقة قد وصل، فلنرى ما لدينا إذن..
فتاة !! ، لكن بحق السماء هل يمكن أن تقتلني فتاة!!
كما يبدو لي الآن وهي تجلس أمامي أنها بريئة من تهمتي، هل أتعاطف معها بسبب بشرتها البيضاء أم لشعرها البني المتموج؟ أم لقامتها و بنيتها؟ لطالما كنت أسير الجمال، لكن هل سأكون أرعن لهذا الحد؟ ربما يفصلني عن الموت دقائق و أنا أتغنى بجمال فتاة !!
ثم إن… تباً قد وصل الآخر، إنه شاب يبدو أنه في الثلاثينات، أصلع ، أوشم الذراعين، كثيف اللحية، مفتول العضلات. لو أخذت الأمر لأن أعزي القاتل لقبحه لضربته رصاصة قبل أن أراه يجلس أمامي الآن.

تخبرني هذه الساعة الرقمية الرمادية التي امتلأت خدوشاً أنها تشير إلى السابعة إلا دقيقتين. ذلك الأحمق حدد لي موعد النهاية لكن لم يحدد لي البداية.. كأن ذلك الحقير يحاول إخباري أن البداية في طريقهم غير محددة لكن النهاية هم من يحددونها.

يجب أن أركز إذن، الآن اللعبة هي لعبة مصير ليست مجرد إشراف على المزورين وإلقاء الأوامر، وليست بطشا بمن كان يعمل إن كنت في مزاج سيء ، لا.. الآن أنا مجرد من ذلك الجبروت، مجرد من تلك المكانة..


” بدأنا يا أبطال “

أخيرا قلتها أيها الوغد.. مهلا إنها السابعة و دقيقة ! إذن المدة نصف ساعة فقط! في هذا الوقت يجب أن أطرد كل فكر من رأسي وأركز في أمري هذا.

شخص من ثلاثتنا لديه مسدس سيودي بحياتي، وسيكون حتماً إما الشاب أو الفتاة، أحدهما سيكون ذلك الشخص. يجب أن أكتشف وبمجرد فعلي ذلك وتأكدي منه يجب أن أرديه فور انتهاء الوقت قبل أن يفعل هو ذلك بي. سيكون ذلك السلاح كما أسلفت إما مع هذا القبيح أو مع هذه الفاتنة، يا إلهي لمَ أشعر بأنه سينتهي أمري هنا !!

تباً وكيف لي أن أعرف.. حسناً إن كانوا يريدون التخلص مني فليفعلوا ذلك فقط لم كل هذه ال..

مهلاً!! .. ذلك القبيح، أستطيع ملاحظة ارتجاف جفنه الأيمن ثم إنه يحاول السيطرة على ذلك، هذا إن دل سيدل على التوتر. لو كان هذا الدميم من أهل العصابات هل سيكون بهذا التوتر؟ أقصد أنه سيكون معتاداً على الأمر ، كما أني أرى أثر عيار ناري في كتفه !! هذا يعطيني نسبة حيال هذا البغيض ..

إقرأ أيضاً في أدب الرعب: القلب الواشي – إدجار الآن بو

لكني أيضاً غير مرتاح لتلك العيون السوداء عند هذه الجميلة. دهاء ومكر وسيطرة على الذات هذا ما أتفرسه بها. يا إلهي، كيف لم ألحظ هذا !! تلك العلامة في بطن كفها مشابهة للتي لدي .. إنها لا تحدث سوى عند الحمل المستمر للسلاح، وخصوصاً المسدسات .. هل يمكن إذن !!

يا إلهي هذا لن يجدي ها قد مضت عشر دقائق بسرعة.. بسرعة جداً .

هناك متاهات كثيرة في هاتين الشخصيتين أمامي، السلسة حول معصمها تحمل رمز السيف !! هل هذه مصادفة أم أنها فعلا تدل على منظمة السيف؟ وتلك الأخيرة تم القضاء عليها السنة الفائتة وتشرذم أفرادها بين المنظمات الأخرى عدا عن الذين قتلوا منها. وإن كانت هذه الفتاة تحمل رمز السيف فذلك الشاب أوشامه كلها حيتان سوداء، ومنظمة الحوت الأسود وعلى حد علمي هي حليفتنا نوعاً ما..

كلها أزقة مسدودة!! هل يعد هذا فخا؟ أم أنه هناك متاهات أخرى. ماذا لو.. تباً كيف فاتتني هذه ..أيعقل أن يكون ثلاثتنا في خندق واحد !! هل كل واحد منا يبحث عن قاتله؟! تبا إن صح هذا الإحتمال فستكون نسبه موت الواحد منا تتجاوز التسعين بالمائة..!

اللعنة.. لقد فقدت ما بقي لدي من عقل، هيا أيها البرنس فكر. المافيا لا تحتاج لاختبارات، لابد أن يكون هناك مغزى من هذا كله، لا بد أن يوجد منفذ، هل يمكن أن يكون..؟ أين المنطقية بالموضوع، الأمر يبدو جنوناً لكن ليس لدي خيار.

إنها الدقيقة الأخيرة.. هي معركة أكون أو لا أكون
تسع وخمسون ..ثمان و خمسون.. ثلاثة ، اثنان، واحد…


_ منظر الدم جميل على وجهك يا برنس، ألا تعتقد ذلك

_نعم، لا، ربما.

_ إذا أخبرني كيف فعلتها واستطعت أن تحافظ على حياتك.

_ أنت قلتها.. حياتي، وعندما يتعلق الأمر بالحياة قد تحدث المعجزات.

_ إذن؟

_ كنت من البداية مدركا أن كل ما يجري حولي ليس مجرد أمر عبثي، منذ أن دخلنا الوقت وأنا أفكر، أضع كل احتمال أماميثم أنفيه.. دققت في الشخصيتين أمامي حاولت أن أصل لأي شيء قد يفيدني.. تباً من هو قاتلي؟ أو على من أصوب من سأقتل؟ بعد فترة من التشتت، فكرت في احتمال آخر ، ماذا لو كل واحد معني بالأمر مثلي.. قد أكون قاتلا بنظر الشاب والفتاة.

في اللحظات الأخيرة تأكدت من صحة افتراضي هذا عندما لاحظت ارتفاع يد كليهما نسبياً نحو الخصر كإشارة لا إرادية بأنهما يتأهبان لاستلال المسدس.. ومع كل ذلك أدركت الأمر بشكله الصحيح بعد تردد.
إذن لم واحد وثلاثين دقيقة !! ولماذا بدأنا بعد دقيقة؟
فكرت في الرقم 31 إن المجموع هو أربعة وفعلاً نحن اربعة أشخاص في الغرفة الرقم 3 يمثلني أنا و الشاب والفتاة حسناً الرقم 1 سيكون إما المراقب وهذا أمره مستبعد تماماً، القاتل هذا احتمال، المقتول هذا احتمال آخر، الناجي وهذا واحد آخر أيضاً.

ما يهم من كل هذا هو النجاة لذا قررت أن أربط الرقم 1 بالناجي وعندما كنت متيقنا أن ثلاثتنا نحمل مسدسات زاد تأكدي لفرضية الناجي الوحيد. إما أنا أو الشاب أو الفتاة، إما أنا أو الفتاة أو الشاب، تباً.. هذا لن يجدي..

تذكرت حينها نقطة البداية.. بدأنا بعد دقيقة لذا لن أبدأ من عندي وبهذا سيكون :

إقرأ أيضاً في أدب الرعب: بائعة أعواد الكبريت

الفتاة، الشاب، أنا

الشاب، الفتاة، أنا

وبهذا اكتشفت السر! كنت أدمج تكرار كلمة أنا مع صوتك حين قلت لي أن أحد الحاضرين يملك مسدسا سيودي بك ومهمتك التعامل معه. ماذا لو كانت النهاية أن أقتل نفسي بسلاح مسموم يقتلني أنا؟!

وبالفعل عند الثانية الأخيرة كل واحد منا استل مسدسه كما كنت أتوقع، و لم أنصدم حين عادت الرصاصات لكليهما وتفجر وجهيهما. أما أنا فعلى من أصوب ما دامهما قد قُتلا كل واحد برصاص مسدسه؟

المهزلة أن كليهما صوب علي، تصور وهذا المسدس الذي كنت أحمله والذي أنت تحمله الآن كان هو المقصود!

_ أتعلم (بتردد)، أنت عبقري أخرق، كهذا الهراء الذي سمعته منك الآن لم يكن سوى من نسج خيالك فقط. أشعر بالشفقة عليك أيها العبقري فقط ما جعلك تمثل أمامي هو أنه أنا من قررت أن أمنحك الحياة!

_ حقاً !! إذن أخبرني ما الفائدة من كل هذا؟ ألم يكن أسهل إفراغ رصاصة في رأسي و انتهينا؟ ثم دعنا ألا نكذب صحيح هل تلقي الأوامر من جيبك؟!

_ لا يهمني كلامك هذا ولأفاجئك أكثر، وأثبت لك أنني أنا من أعطيتك حياة جديدة سأعطيك رصاصة من نفس المسدس الذي كنت تحمله وسأدعها تفجر رأسك، لا تستحق تلك الحياة أيها البرنس.

_ قلت لك من ق…..

تباً أيها الأحمق قلت لك أن المسدسات مسمومة يا غبي لقد قتل نفسه ذلك الأحمق، هل يعقل أن حرسه لم يسمعوا هذا الصو..

_ لست أنا من قتله، هو…. من؟، ماذا؟ أهذه الورقة لي؟ أقرأها؟، حسنا سأفعل سأفعل..

“أحسنت أيها البرنس، كنا نعلم بنجاحك في هذه المهمة، في السابق كانت الوحشية تفي بالغرض أما الآن فنحتاج العقل. في البداية أردنا شخصا يقتل الجميع دون أن يطلق رصاصة، نحتاج رجالا كهذه.. ليس كل من يسبق إلى الإطلاق هو الأفضل، بل من يفكر ثم يفكر حتى يتأكد من أن رصاصته هذه ستكون في صالحه.

أنت الآن في مكان هذا الأخرق أمامك و اعلم أنك نلته بجدارة فلا تجعلنا نتخلى عنك بسرعة”

انتهى..

تمت

القصة من الارشيف، تم إعادة نشرها بسبب خطأ تقني أدى إلى حذفها,,,,

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى