تجارب ومواقف غريبة

بريد من نوع غريب

بقلم : محمد العلاوي – الجزائر

بريد من نوع غريب

امرأة جميلة بيضاء البشرة ذات عينين خضروان واسعتان ملتحفة بملاءة بيضاء ..

استدعى الجيش أخي المراهق للخدمة العسكرية . كان ذالك أواخر 1998 وكانت الجزائر وقتها تعاني أزمة أمنية عويصة تعرف ما يسمى الآن بالحرب على الإرهاب . لذلك كانت العائلات تخشى أن تفصح بأية معلومات عن تواجد أبنائها في أماكن الثكنات خوفا على أرواحهم .

وبعد أن التحق أخي بصفوف الجيش وبعد وداع عائلي درامي بدأت تصلنا أخباره عن طريق الرسائل المكتوبة أو عن طريق الهاتف الثابت ، ثم فجأة انقطعت الأخبار عنه دفعة واحدة . وفتح باب التخمينات على مصراعيه وضربنا الأخماس بالأسداس عن مصير أخي المسكين ، فقد مر تقريبا شهرين دون أن يصلنا ولو خبر شحيح عنه .

غير أن أمي الكريمة التجأت إلى الله عز وجل الذي لا يوجد عند بابه حاجب او ديوان تشريفات ، كانت تبتهل متضرعة باكية إلى الله تعالى أن يحفظ فلذة كبدها وان يسمعها خبرا عنه ، كنت أراها خلسة من وراء ستار الباب وهي خاشعة في دعائها ، لم أكن أحبذ أن افسد عليها صلواتها بقدر ما كنت أشفق عليها ، فقد كانت ولازلت أما طيبة حنونا يتصل نسبها بالعائلة الشريفة المغربية الدرقاوية وهي معروفة في المغرب الأقصى .

ومرت الأيام ببطء شديد ، وحدث ذات يوم بعد الظهر كنت في غرفتي أتفرج على التلفاز وكانت أمي في غرفتها ، فسمعت طارقا يدق الباب ثم سمعت بعدها صوت نعل أمي تجرهما لتفتح الباب . خفضت قليلا من صوت التلفاز لكي اختلس السمع فإذا بصوت نسائي يتحدث مع أمي ، ثم انطلق صوت أمي مدويا مرحبا : كيف هو ؟ .. أين هو ؟ .. لماذا لم يتصل بنا ؟ .. وارتفع صوت المرأة هو الآخر لأسمعه بوضوح تقريبا يقول : إنه بخير لا تخافي .. انه بصحة جيدة ، ثم اختلطت ذبذبات صوتيهما فلم أتمكن من فرزهما .

انتظرت بفارغ الصبر أن تأتي أمي وتخبرني بالأمر ، وحاولت أن أقوم من رقدتي ، لكني لم استطع كأني مشدود بحبل غير مرئي بطرفي السرير . وتعجبت للأمر .. لماذا لم اقدر على القيام ؟ ..

بعد فترة وجيزة سمعت الباب يوصد وأمي تناديني من بعيد قادمة إلي . دخلت أمي الغرفة وجلست بحذائي وعلى محياها بشائر الفرح والحبور والسرور ، قالت دفعة واحدة : إنها امرأة جميلة بيضاء البشرة ذات عينين خضروان واسعتان ملتحفة بملاءة بيضاء كما كانت تفعل نساء الجزائر قديما خلال الفترة العثمانية ، وقالت أيضا أنها بنت عائلة السبع ، فقلت مقاطعا أن عائلة السبع جيراننا ؟ .. فقالت أمي نعم ، ثم أردفت قائلة : أن أخوك بخير غير انه انتقل إلى ثكنة أخرى بعيدة عن العمران في مرحلة تدريبية وتكوينية جديدة لذلك لم يتسنى له أن يبعث لنا بأخباره ، ثم قالت أن أبن هذه المرأة مع أخي وهو بخير كذالك. وعاد السرور والاطمئنان إلى العائلة وانتشر خبر المرأة بين افردها.

قد تبدو القصة عادية ، لكن الغريب أني بعد يومين التقيت على حين غرة بأحد أفراد عائلة السبع وبادرته بالسؤال : هل أخوك العسكري بخير؟ .. فرد علي بتعجب : إن أخوتي كلهم انتهوا من تأدية واجب الخدمة العسكرية . فقلت وقد أحسست بقشعريرة تسري في أوصالي : عذرا حصل عندي خلط في الألقاب .

دخلت المنزل وأنا أفكر في الموضوع بجدية ، لم أكن وقتها على دراية كاملة وتجربة بمواضيع الباراسيكولوجي لان المكتبات كانت شحيحة فيما يخص هذا المضمار وكانت اغلب الكتب تختص بالأدب والتاريخ والشعر والنقد وكتب طه حسين الله يرحمه . وكنت اسمع بمجلة بلجيكية متخصصة في الظواهر الغير منظورة تنشر القصص الغريبة والتجارب العجيبة وقد تصل أحيانا إلى تحويلها لعمل سينمائي .

التقيت مع أمي ونظرت إليها ، فقالت وقد بدت على وجهها علامات الاستغراب : لقد ذهبت إلى عائلة السبع لازور تلك المرأة غير أن نساء العائلة استغربن أمر المرأة الجميلة وأبنها العسكري . وقالت أيضا أن أفراد العائلة انتهوا من تأدية واجب الخدمة . فقلت لامي مدهوشا : إذن من تكون تلك المرأة ؟ . فقالت أمي : لا اعرف كنت أتحدث إليها وأنا اشعر بقشعريرة قوية في جسمي كله . ثم شعرنا معا بقشعريرة ونحن نتحدث عنها .

بعد مرور شهر جاء أخي إلى البيت وفرحت أمي أيما فرح بهذه المناسبة ، وفي الصباح بينما كنا نحتسي فنجان القهوة سألت أمي أخي : هل تعرف شابا معك في الثكنة يدعى السبع ؟ .. فنفى أخي قائلا : لا اعتقد أني قد سمعت بهذا الاسم في الثكنة خصوصا وان هذا الاسم من أبناء بلدتي ولو سمعت به لتعرفت عليه .

من تكون هذه المرأة ؟ .. ولماذا لم استطع أن أقوم من مكاني لأتكلم معها أو على الأقل لأراها ؟ .. كل ما اعرفه أن الله عز وجل قد استجاب لقلب الأم المحترق على فلذة كبدها .

تاريخ النشر 23 / 10 /2014

guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى