أدب الرعب والعام

مقابر الشيطان

بقلم : رضوان عياد – ليبيا
للتواصل : https://www.facebook.com/Radhwan.ayyiad

قلبه الآن يحترق بين يديها

سكون تام شواهد كتب على جنباتها أسماء أصحاب هذه القبور ، بإمكانك أن تسمع في الجوار ذاك القط يموء أسود اللون تتوهج عيناه بشكل مخيف “يبدو أنها ليلة باردة بالفعل “كانت تلك كلمات محمود حارس المقبرة ، كان دائم السهر ، فالمقبرة مأوى جيد لمدخني الحشيش و لمن يعملون بالسحر لسرقة عظام الموتى ، لكن تلك الليلة كانت هادئة و باردة تسري القشعريرة في جسده النحيل و ترتعد أوصاله و تظهر تجاعيد وجهه من خلف ذاك الشال اللذي يحمي وجهه .

ظهر من ثنايا السور البعيد خيال ما غريب ، لقد تعود محمود على تلك الخيالات ربما جن أو شياطين و ربما تهيؤات تصورها له عيناه العجوزتان ، ولكن و ما أن دخل الحارس لغرفته الصغيرة التي تحوي تلفاز عتيق مع عدة الشاي حتى بدأت أمور غريبة في الظهور ، ضباب أحمر بدأ بالتشكل عند قبر من القبور و أطياف غريبة شبحية تدور في حلقات بينما يقترب ذاك القط من القبر تتبعه أخرى فأخرى فأخرى ، قطط تخرج من العدم و غربان تنعق بالخارج تجوب السماء فوق تلك البقعة البعيدة من المقبرة ، لكن الحارس كان قد غلبه النعاس و لم يرَ شيئا مما يحصل و لم يرَ أيضاً ذلك الوجه القبيح الذي يطل عليه من النافذة

“محمود محمود” …كانت تلك زوجته تناديه في حلمه أما في الواقع كان جسم أسود شبحي لفتاة شابة تظهر عيناها بوهج أزرق و أسنان حادة تنظر لذلك العجوز و تتأمله “محمود انتبه لما يجري حولك الأرض ليست آمنة و المقبرة مسكونة بالشياطين احذر ذاك القبر لفتاة …. قاطع حلمه تلك الصرخة العالية لفتاة ما أيقظته في هلع شديد لقد سمع صوت الصراخ في أذنيه حتى كاد أن يصم ، لكنه استيقظ دون أن يرى أي شيء ، تنبهت حواسه دفعة واحدة ليرى ما يقف خلف النافذة ، قط اسود توهجت عيناه بلون أزرق فسفوري “سلام قولا من رب رحيم ما هذا القط ، قالها و هو يرتعد من البرد رغم أن الغرفة دافئة .

نهض من فراشه ليتفحص القط لكنه اختفلإ دون سابق إنذار “هل أحلم أم أنني بالفعل أحتاج إلى نظارة طبية ، خرج من الغرفة باحثاً عن ذلك القط و يا ليته لم يخرج ،ضباب أحمر يغطي الجانب الآخر من المقبرة أشباح و خيالات تتقافز و قطط سوداء طيور تحوم و صرخات مكتومة تبدو له من وسط الحشد الشيطاني ، كادت أن تفلت منه صرخة رعب لكنه كتمها و أغلق الغرفة بسرعة بعد أن دخل مسرعاً تاركاً تلك الحشود في الخارج ، وما إن وجه بصره ناحية الفراش حتي فوجئ بتلك الفتاة تجلس على طرف السرير تشير إليه بإصبع يحمل مخلبا نارياً ……

__________

حروق بالغة ناتجة عن احتراق الغرفة بسبب الموقد و المدفأة “غريب حارس مثل هذا الرجل سيكون حريصاً خصوصاً أنه في هذا العمل منذ سنوات ، لعل الأمر بفعل فاعل ، سأرى الحارس” ، يتوجه ضابط الأمن نحو حجرة أربعة بالمشفى قسم الحروق و التجميل حيث يجلس الحارس بعد أن تعافي من حروقه قليلاً “مرحبا سيد محمود..” أهلا سيدي الضابط .. قالها و الحزن يظهر من عينيه ، لقد نجا بأعجوبة من الحريق “هل بإمكانك إخباري كيف حدث الحريق ؟ ” 
” لقد كانو هناك كانت السبب هي من أشعلت النار …” 
“من من أشعل النار أخبرني بصفاته الجسدية ربما نصل اليه…”
“شبح فتاة سوداء إنها شيطانة  “

انتهت المحادثة بين الضابط و الحارس بأن الحارس قد تعرض لصدمة أفقدته تركيزه ، لم يصدقه أحد لهذا قرر أن يعود للمقبرة حالما يتعافي جيداً .

__________

كانو ثلاثة شبان يترنحون من كثرة إسرافهم في الشراب و سجائر الحشيش ، حظهم العاثر ساقهم إلى هذه المقبرة اللعينة ” أليست هذه فتاة أم أنني ثملت تماماً ” ، نظر أحدهم و أمعن النظر دون أن يميز ذاك الظل لكنهم تبعوه ظناً منهم أنها فتاة ، بالطبع كانو يطمحون بذلك حتى يرضوا آخر شهواتهم القذرة لهذه الليلة ، دخلوا في إثر الفتاة إلى المقابر و اقتادتهم إلى ذلك القبر ولكن عندما وصلوا كانت قد تبخرت تماما لا أثر لها ، ضباب أحمر بدأ يتشكل من العدم ، أيادي تتخلل ذاك الضباب و قطط تموء بعنف بل تصرخ تتوهج عيونها بلون فوسفوري ، ليت الأمر انتهى هنا ، عقارب أفاعي و تلك الأطياف قبل أن تظهر الفتاة …”أنتم قرباني هذه الليلة

__________

المخطوطة ..

قبل مائة سنة من الآن (كانت تنظر بعين الغل إلى صديقاتها اللاتي تزوجن في القرية ، أقنعتها أمها بأن أحداً ما قد قام بعمل سحر ما ، لكنها ظلت على غلها ، بالطبع الزواج قسمة و نصيب و شيء مكتوب من عند الله لا دخل للسحر فيه لكن حقدها يزداد و يكبر حتى جاء ذلك اليوم كانت تملأ الماء من النبع عندما ظهر ذلك الشاب يرتدي ثياباً سوداء ، ملابسه غريبة لا تمت لعصرها بصلة ، كانوا في ذلك القرن من الزمان يفصلون القماش كثياب لهم أما هذا احتوت ثيابه كتابات و رموز غريبة “مرحبا أيتها الشابة…”
“ابتعد من هنا لا أحادث الغرباء …”
“حقاً ألا تريدين أن تتزوجي ألا تريدين أن تعرفي سبب عدم زواجك …”

نظرت إليه في دهشة لقد سبر اغوار نفسها هي لم تظهر هذا لأحد من قبل …قدم لها مخطوطة كتبت بخط غريب لكنها تستطيع قراءتها “نفذي ما بالمخطوط و سيأتي إليك أمير البلاد بذاته طالباً يدك “
اندهشت كثيراً و ما أن تناولت المخطوطة و ألقت نظرة فيها ثم رفعت رأسها لترى الشاب لكن لا أحد إطلاقاً ، اختفى تماماً …
جاء في المخطوطة ما يلي : ستذهبين إلى المقابر و سترسمين عند قبر السيد عيلام – هي تعرفه جيداً ساحر مات مقتولاً منذ سنوات – سترسمين دائرة حمراء بدم كلب أسود ميت ستجدينه ولكن عليك إحضار رأس أفعى و عقرباً حياً و قطة و غراب ، هناك ستقومين بإحراق كل هذه الأشياء و ترددين التعويذة ليفك عنك الرصد ..
انتهت المخطوطة .

قامت بكل ما طلب منها بل و رغم استغراب أمها من أفعالها لكنها لم تعترض ، و كأن هناك ما يمنعها من أن تعترض 

اتجهت الفتاة للمقابر مع حلول الليل و قامت بالأمر المكتوب في المخطوطة ، لكن أمرا غريبا حصل ، لقد تشكل ضباب أحمر عند القبر قبل أن تحس الفتاة بأن جسدها عاجز عن الحركة ، ظهر ظل شبحي من القبر يشبه عيلام هي تعرفه جيداً ، كان ظلاً شبحياً له قرنان و تبرز من فمه أنياب حادة  كان آخر ما رأته الفتاة هذا الوجه القبيح . تبخرت دون أثر في تلك الليلة أما الشيطان فقد تحرر من قبر صاحبه و أصبح لعنة لكل أهل القرية الذين راحوا يختفون عند القبر ، يمر احدهم بجانبه يرى شبح الفتاة يلحقه ظناً منه أنها تلك الفتاة التي بحثوا عنها لأيام دون جدوى ، و التي مرضت أمها بعد اختفائها ليجد نفسه وسط ضباب أحمر قاتل و أفاعي و عقارب و مسوخ كما هو حال الشباب الذين أخبرتهم الفتاة بأنهم قربانها ..

__________

“أنتم قرباني لهذه الليلة …”
” توقفي أيتها الشيطانة ..كانت تلك صرخة ضابط الأمن و من بجانبه محمود حارس المقبرة ، لقد صدق كل كلمة قالها الحاج مخلوف و عندما سأل الشرطي عن تاريخ المقبرة و الأماكن القريبة منها عرف أنه منذ مائة سنة قبل أن تعمر البلاد كانت هنالك قرية تعرضت لحوادث غريبة في ذات الموقع .حتى عرفت بمقابر الشيطان ، صرخت الفتاة بصوت جحيمي شيطاني
“إنهم قربااااااااااااني لن يأخذهم أحد مني …”

كانت أنيابها بارزة من ذلك الفم البشع ، عينان يتوهجان بلهب أزرق و مخالب تضيء بشدة ، تناثر الشرر من جسدها أصاب أحد الشبان فتعالت صيحاته ، لقد بدأ يحترق بلهب أسود غريب ، انتفخ جلده و انفجر ، سقطت مقلتاه قبل أن يحاول الآخر الفرار لكن شيئاً برز من صدره كانت مخالبها انتزعت قلبه ليجثو على ركبتيه و قد زال أثر الحشيش و الخمر عنهم ، ظل قلبه ينبض لفترة ، قلبه الآن يحترق بين يديها . أما الشرطي ظل يرتعد خوفاً .

كان القمر بدرا يشع بنوره لكن محمود وحده لم يخف ، أخرج من جيبه شيئاً ما ارتعدت الفتاة الشبح للحظة حينما شعرت بتلك الطاقة ، إنها نور صافٍ كامن ، نعم لقد كان شيئاً لن يجرؤ شيطان على مقاومته ، علبه تحوي ماء لم يكن أي ماء ، لقد احتفظ به محمود من أثر زوجته الراحلة عندما ذهبت للعمرة ، أحضرت ماء زمزم و أخذت تتلو عليه من القرآن لتعالج به سقم زوجها من طارئ آنذاك ، الآن هذا الماء صار سلاحاً 
” أبعد هذا الشيء أبعد هذا الشيء أبعد هذا الشيء أرجووووووك ” صرخت الشيطانة .. هنا انتفض شرطي الآمن و تنبهت حواسه ، عرف أن هذا الشيطان لن يهزم إلا بشيء روحاني شيء لا يمت للأمور المادية بصلة… أخرج جهازه المحمول و قام بتشغيل آيات سورة البقرة بصوت عالي ، انتبهت حواس الشاب الأخير و فهم أن نجاته في ذلك فبدأ يقرأ آيات صغيرة يحفظها بل لا يحفظ غيرها ، لكنها مكنته من مغادرة الضباب الأحمر الذي انحسر من حوله قبل أن يبدأ الحاج مخلوف بنثر المياه على الشيطان الذي صار يصرخ و يذوب كالرصاص المنصهر قبل أن يطلق صرخة أخيرة خيل لمن حضر الموقف أنها أسمعت أهل المدينة بأكملها

“الحمدلله لقد انتهى الأمر ” كانت تلك كلمات الحارس للضابط اللذي ظل حائراً بما حصل ، ولكن الأمر انتهى أو هكذا ظن الجميع .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المكان غرفة الحارس ، الزمان بعد الحادث بخمس سنوات

يقترب كيان أسود على شكل رجل من محمود الذي صار اكثر ضعيفاً و مريضاً بحكم سنه ، كان نائماً أمام تلفازه كالعادة ، استيقظ على تلك اليد الشيطانية تطبق علي رقبته في غل و الوهج يشع من عينيه…”قتلت عشيقتي أيها المسكين و ستدفع الثمن و تكون القربان”

( تمت )

ملاحظة : القصة منشورة سابقاً لنفس الكاتب في موقع آخر

 

تاريخ النشر : 2018-10-16

guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى