أدب الرعب والعام

رعب البيت المهجور

بقلم : حسن – فلسطين

رعب البيت المهجور
أين كنتِ يا صغيرتي عندما ادركني الموت و أنا وحيدة في المنزل ؟

 

بيتنا الذى أصبح مهجوراً تقريباً بعد وفاة جدتي على الرغم من أن عمتي كانت تعيش فيه حتى وفاتها ، إلا أن الجميع أتفقوا على أن هذا البيت أصبح مخيف و موحش و لا أحد يطيق البقاء فيه ولو ليوم واحد ، أما أنا فكنت أرى فيه مكان هادئ أهرب إليه من حين إلى أخر فلا أحد هناك سوى عمتي و قطتها التي تخاف الفئران ،كم كنت أكرهها لذلك جعلتها في النهاية تنال ما تستحق ، لكن بعد وفاة عمتي تغير كل شيء و لا اعرف لماذا ، ما عدت اذهب إلى هناك ، هل هو الخوف من الأشباح التي كانت تراها عمتي هناك و تروي لي عن معاناتها بسببهم ، أم ان هناك سبباً أخر ؟ و هذا ما أردت معرفته لذلك قررت السفر إلى هنا لقضاء عدة أيام داخل المنزل الذى أحببته في الماضي ، لكن ما قضيته هناك كان ليلة واحدة ، أجل إنها ليلة واحدة وكانت كافية كي أحمل أغراضي و أغادر ذلك المنزل ، فكيف يمكنني البقاء فيه بعد ما رأيت ؟ لقد عانيت الأمرين خلف جدران ذلك المنزل .

– أنا أسفة يا أبى على اتصالي بك في هذا الوقت المتأخر ، أردت فقط أخبارك بأنني الأن استقل سيارة أجرة و في طريقي إلى محطة القطار .

– أنت مجنونة أم ماذا ، أتعرفين كم الساعة الأن ، ما الذى دفعك لمغادرة المنزل في مثل هذا الوقت المتأخر ؟ بالتأكيد إنه الخوف ، لو أنك استمعت إلي من البداية و لم تسافري إلى هناك …..

– أرجوك يا أبى هذا ليس الوقت المناسب.

– عودي إلى البيت.

– لا يا أبى ، لن أعود إلى هناك مرة أخرى فلا تحاول معي ، أعرف أن الوقت متأخر لكن لو أنك رأيت ما رأيت و حدث معك ما حدث معي هناك لما ترددت أبداً في مغادرة المكان ، أنه مرعب جداً.

– تعقلي قليلاً يا أبنتي و عودي إلى المنزل إن الوقت متأخر جداً ، ربما تواجهين في الخارج ما هو أسوأ !.

– قلت من قبل لن أعود ، كما أنه ليس هناك ما هو أسوأ مما حدث معي في منزلنا المسكون هذا ، أنتظر سوف أخبرك بكل شيء كي تعرف صعوبة ما مررت به ،اقسم أنك لو كنت مكاني لتركت المنزل من الدقيقة الأولى .

– حسناً ، لكن كيف وجدتي سيارة تقللك إلى المحطة في هذا الوقت المتأخر و في بلدة ينام أهلها بمجرد أن تغيب الشمس ؟.

– لحسن حظي لقد وجدت هذه السيارة تقف على مسافة قريبة من المنزل .

و الأن دعني أقص عليك ما حدث معي ، في البداية عندما وصلت وقفت أمام باب بيتنا لدقائق أبحث عن مفتاحه داخل حقيبتي ، أثناء ذلك رأتني تلك الفتاة المتطفلة التي تسكن في المنزل المجاور ، أظنك تعرفها جيداً لأنها كانت تزور عمتي كثيراً ، فأمسكت بيدي وقالت لي :

– سوف تدخلين إلى هناك بمفردك ؟!.

– أجل ، و هل هناك ما يمنعني من فعل ذلك ؟.

– بالطبع هناك ما يمنع ، سكان المنزل .

– من ؟.

– سكان المنزل !.

– استمعي إلي يا صغيرة أنا متعبة ولا وقت لدي لاستمع إلى قصص الأشباح التي ترويها لك جدتك في الليل لكي تصابى بالخوف فتنامي أو تموتي ، فدعك من أمري و عودي إلى بيتك .

– لكن استمعي إلي و لو لدقيقة واحدة ، كما أن جدتي لم تروي لي أي قصص عن هذا المنزل بل رأيتهم بعيني.

– حسناً أروي لي القصة ولكن لا تطيلي ، هذا بالإضافة إلى كونك سوف تساعديني فى تنظيف المنزل أثناء ذلك ، أموافقة ؟

– هذا غريب ! فأنت لا تحبين الأطفال ، كيف وافقت على الاستماع لها ؟ !.

ـ أنت محق إنه لأمر غريب ، لكن كنت متشوقة لسماع قصصها عن الأشباح فأنت تعرف يا أبى أني مغرمة بهذه القصص ، والأن دعني أكمل قصتي .

– اجل موافقة بل سعيدة بذلك ، سوف أنظف المنزل كله وارتاحي أنتِ من تعب السفر.

– قلت لا تكثري من الكلام ، و إلا حبستك داخل هذا المنزل المسكون كما تدعين ، لكن اخبريني لماذا لم ترفضي الدخول إلى المنزل ألا تخافين الأشباح أم أنك كاذبة و لم تري أي شيء هنا ؟.

– لا ، أقسم لكِ لست بكاذبة ، كما أني لن أدخل المنزل بمفردي فأنتِ معي !.

– أه أقنعتني ، تفضلي بالدخول و انتظري كي أبدل ملابسي و بعدها قصي علي ما رأيت ، انتظرني في هذه الغرفة و لا تتحركي .

– لن أتحرك أعدك ، هل أنتِ ذاهبة لتبديل ملابسك في الغرفة الصغيرة التي كانت تنام فيها عمتك ؟.

– أجل ، لماذا تسألين ؟.

– لا شيء ، لكن حاولي ألا تظهري خوفك مهما حدث ، فقط اغمضي عينيك و سيختفى سبب خوفك.

– أه واضح أنكِ تشاهدين الكثير من أفلام الرعب ، أراكِ بعد قليل يا صغيرة .

– لماذا لم تسأليها لماذا  قالت هذا ؟ إن كلماتها مخيفة في حد ذاتها.

– لا ، لم اسألها يا أبى ، لأنني أعتقدت أنها متأثرة بما تراه في افلام الرعب ليس أكثر .

… بعد دقائق …

– لقد انتهيت ، و الأن أنا مستعدة لسماع قصصك عن أشباح منزلنا فتفضلي .

– حسناً ، لكن قبل أن أبدأ بما رأيته أنا من أشباح تسكن هذا المنزل ، هل أخبرتك عمتك عما رأته هي عندما كانت تسكن هنا بمفردها بعد وفاة جدتك ؟.

– أجل بالطبع ، لكن لم أصدق أي منها .

– لماذا ؟.

– ببساطة لأنني لم أرى أي شيء ، كما أن الخوف قد يدفع الناس إلى تخيل أشياء لا وجود لها .

– لكن قيل لي أن عمتك لا تخاف من شيء.

– انتهيت من الحديث عن عمتي ، الأن أريد أن تخبريني بما رأيته أنتِ و بسرعة لأنني متعبة من السفر وأريد أن أرتاح .

– حسنا , لا تغضبي مني ، المرة الأولى التي رأيت فيها أحد سكان المنزل كانت بعد وفاة عمتك بفترة قصيرة فالمنزل أصبح مسكون بعد موتها مباشرة ، و هناك من يقول بأن المنزل مسكون بالأشباح حتى قبل وفاتها و أنها رأتهم عدة مرات ،  لكن هذا غير مهم ، الأن سوف أكمل لك ، وقتها كنت عائدة إلى منزلنا و أمام باب بيتكم رأيت أمرأة واقفة دون حراك ، كانت ترتدي عباءة سوداء ، أقتربت منها معتقدة أنها إحدى معارف عمتك أو ربما قريبة أو شيء من هذا القبيل ، تعجبت من أمرها كثيراً ، كيف لا تعرف بأن من كانت تسكن هذا المنزل قد ماتت ؟! ، سألتها عن سبب وقوفها هنا ، و كأنها لم تسمعني ، لم أتلقى منها أي إجابة ، لا صوت ولا حركة ، و لو حتى طرف من جسدها ، أقسم لك كانت كالتمثال ، فكرت أنها ربما تعاني من مشكلة في السمع لذلك اقتربت منها أكثر ، و يبدو أنني اقتربت وقتها أكثر من اللازم لذلك اختفت .

– اختفت !

– أجل اختفت ، كأنها تبخرت ، كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها شبح .

– المرة الأولى ! تقصدين أن هناك مرات أخرى و أنك رأيت الأشباح هنا اكثر من مرة ؟.

– أجل ، أما عن المرة الثانية فقد كانت بعدها بأيام قليلة ، لكن هذه المرة كانت مختلفة لأنني كنت منتبهها للأمر و مدركة لما يحدث .

– أنتِ شجاعة إذاً ، بدأت استمتع بحديثكِ هذا اكملي ، هيا أنا متشوقة لمعرفة ما حدث معكِ في المرة الثانية التي ترين فيها شبح ؟

– حسناً سوف ،كمل ، لكن ما رأيته في تلك المرة لم يكن شبح واحد إنما عائلة كاملة من الأشباح ، فى ذلك اليوم وقبل أن أنام وقفت أنظر من نافذة غرفتي أراقب منزلكم و هذا ما اعتدت فعله بعد أن رأيت المرأة الشبح ، انتظرت طويلاً و لم يظهر أي شيء فأصابني الملل لأنني كل يوم اقف لساعات منتظرة رؤية ولو شبح واحد فقط لكن لم أرى أو أسمع أي شيء ، كنت على وشك إغلاق النافذة و الذهاب إلى السرير عندما سمعت أصوات أطفال يضحكون لكن لم أرى أي منهم ، الشارع خال تماماً ، و بعد دقائق ظهروا من العدم ، خرجوا الواحد تلو الأخر من باب بيتكم و هو مغلق ، أخذوا يلعبون هنا وهناك ، أحدهم يسبح في الهواء و الأخر يتسلق الجدران ، كانوا قصار القامة تقريباً بطول طفل رضيع لا يزيد عمره عن السنة ولا يملكون أرجل مثلنا ، أما عن ملامحهم فلم أرها بسبب الظلام و بُعد المسافة.

– و هل اختفوا كتلك السيدة التي رأيتها أول مرة ؟.

– لا،  لم يختفوا ، عادوا إلى هنا .

– إلى أين ؟ تقصدين بيتي هذا ، لكن كيف ؟

– أجل ، كيف هذا ما اضحكني وقتها على الرغم من أنني كدت أموت من الخوف وأنا أراقبهم ، إلا أن ما فعلوه كان مضحكاً بالفعل ، بعد أن لعبوا لحوالي 5 دقائق فقط  أطل رجل من نافذة المنزل المقابل لكم ، تعرفينه أليس كذلك ؟.

– المنزل أجل أ لكنه مهجور على حد علمي ؟.

– بالفعل إنه مهجور ، ألم أخبرك بأن ذلك الرجل الذى أطل برأسه الكبير من النافذة لم يفتحها ، لا بل أخرج راسه منها و هي مغلقة كما هي ، ثم صاح بالأطفال طالباً منهم العودة إلى بيتهم ، عندها خرجت من منزلكم المرأة التي أخبرتك عنها قبل قليل و يبدوا أنها أمهم ، فأعادتهم الى البيت مرة أخرى و بنفس الطريقة التي خرجوا بها من خلال الباب المغلق ، إنهم حقاً غريبو الأطوار ، لماذا يتعبون أنفسهم بالدخول من الباب إذا كانوا قادرين على اختراق الجدران .

– ليسوا قادرين على اختراق شيء ، سمعت أنهم لا يدخلون المنازل إلا عندما تُفتح أبوابها ، لكن انتظري هنا ، كيف كان صوت الرجل ذو الرأس الكبير و بأي لغة تحدث ؟ يُقال أن الأشباح لهم لغة مختلفة لا نفهمها نحن البشر ، فكيف عرفتي أنه يطلب من الأطفال العودة إلى منزلهم ؟.

– و من قال أنني فهت لغته ، أنا فقط فهمت ما الذى يريده منهم من إشاراته و تلويحه بيده و خروج والدتهم أو أياً كانت ، كل هذا بالنسبة لي يفسر لغة الرجل الشبح صاحب الرأس الكبير .

– إذاً هل هذا يعنى أني مُحاطة بالأشباح الأن ؟ فمنزلنا هذا مهجور تقريباً منذ وفاة عمتي و المنزل المجاور لنا مهجور أيضاً و منذ سنوات .

– لا تتعبي نفسك بالبحث عن منازل يسكنها البشر من حولك فلا يوجد إلا منزلنا فقط ، الجميع يرحلون ولا أعرف لماذا ؟.

– تمهلي بدأ الأمر يخيفني ولا أمزح ، يا للسخرية طفلة لا يتعدى عمرها الـ12 عام لكنها شجاعة ولا تخشى الأشباح و شابة في 25 عام على وشك أن تموت من الخوف ! ، اخبريني الأن عدد المنازل المهجورة التي تقع على مقربة من منزلي هذا ؟.

– حسناً ، انتبهي جيداً لما سأقول ، أولاً يحيط بمنزلك هذا أربعة منازل أخرى مهجورة ، أولاً المنزل الأسود بالطبع ،خذ لقبه هذا بعد أن اندلع فيه حريق قُتل ثلاثة من سكانه و تحول بفعل الحريق إلى اللون الأسود و يفصل بينك وبين ذلك المنزل جدار فقط ، المنزل الثاني أعتقد أنه مهجور منذ 40 سنة تقريباً ، و لو أنك نظرتي من نافذة غرفتك هذه لرأيته من الداخل لأن جدرانه متهدمة تقريباً ، كما أن ما يفصل بين غرفتك و بينه مسافة لا تزيد عن متر و نصف المتر تقريباً ، المنزل الثالث و هو الذى يقع خلف منزلك و أظن أنه كان ملك لجدك الأكبر ، و أخيراً المنزل المقابل بالتأكيد تعرفينه جيداً و الذى أطل منه صاحب الرأس الكبير كما أخبرتك .

– هذا يكفي ، أظن أنني اكتفيت من قصص الأشباح.

– لا انتظري ، هناك شبح أخير لم أره أنا ، لكن الجيران جميعهم يتحدثون عنه ، إنه الأكثر ظهوراً من بين كل الأشباح التي سكنت المنازل المهجورة في هذه البلدة .

– لا ، أخبرتك أنني اكتفيت ، عودي الأن إلى بيتك و إذا احتجت مساعدة سوف أطلب منك فمنزلكم ليس ببعيد.

– حسناً ، إلى اللقاء.

– إلى اللقاء.

– لم أكن أعرف أنك جبانة إلى هذا الحد ، يا بُنيتي أخافتك قصص أشباح ترويها طفلة صغيرة ؟.

– للأسف هذا ما حدث يا أبي ، لكن بالطبع ليس هذا ما جعلني أترك المنزل ، ما حدث معي بعد مغادرتها هو ما دفعني للهرب .

فبعد أن غادرت جارتنا الصغيرة المتطفلة المنزل حاولت جاهدة يا أبى أن أنسى ما قالته ، لكن لم أستطع ، حتى أثناء انشغالي في تنظيف المنزل و توضيب أغراضي كانت قصصها تدور في رأسي دون توقف .

– لكن الأفكار المخيفة ليست سبباً كافياً يدفعك إلى مغادرة المنزل في هذ الساعة المتأخرة .

– أنتظر يا أبي فأنا لم أكمل حديثي بعد ، في حوالى الساعة العاشرة مساءً جلست أشاهد التلفاز و يبدو أنني غفوت أمامه و لم أستيقظ إلا على صوت يشبه صوت عمتي ، للوهلة الأولى نسيت أنها ميتة و ربما اعتقدت أنني أحلم ، لا أعرف يا أبى لماذا لم أدرك الأمر من البداية ، عندما فتحت عيني رأيتها أمامي ، إنها حقاً عمتي لكنها قالت لي كلام أعاد إلي صوابي و جعلني أتذكر أنها ماتت و ما أنا فيه الأن فيه إما أنه كابوس مرعب أو واقع أكثر رعباً ، قالت و هي تقترب محاولة الإمساك بي : أين كنتِ يا صغيرتي عندما ادركني الموت و أنا وحيدة في هذا المنزل ؟ أتذكرين عندما أخبرتني بأنك تفضلين الموت معي على أن أتركك تبقين لدقيقة واحدة في هذه الحياة بعد وفاتي ؟ ها أنا هنا لأخذك معي ، قالتها و أخذت تقترب منى أكثر و أكثر و هي تمد يدها لتمسك بي ، عندها صرخت فاختفت و كأنها لم تكن .

– ربما كنت تحلمين يا صغيرتي ! .

– لا يا أبى ، لم يكن حلماً على الإطلاق ، كنت مستيقظة ، حتى أنني بعدها أسرعت إلى الغرفة الأخرى لأعيد أغراضي إلى الحقائب و ارتديت ملابسي ، و أثناء ذلك سمعت صوتاً غريبا يأتي من داخل خزانة ملابس عمتي ، بدأ لي أن هناك من يخدش خشب الخزانة ، و عندما فتحتها وجدت داخلها قطة أذكرها جيداً و من غير المعقول أن أراها هنا مرة أخرى ؟.

– لماذا و كيف دخلت القطة إلى هناك ؟.

– هذه هي الحادثة الثانية لي في هذه الليلة ، تلك القطة هي نفسها قطة عمتي التي قتلتها أنا قبل سنوات دون قصد .

– لا تبالغي ، ربما هي مجرد قطة عادية فالقطط متشابهة يا صغيرتي.

– و هذا ما ظننته ، لكن قطتك العادية هذه تتكلم كالبشر العاديين ، و قالت لي : لماذا قتلتني، و بعدها اختفت أو إذا أردت تحري الدقة فهي لم تختفي و إنما مرت عبر الحائط و كأن هناك باب لا أراه ! إن رؤيتي لشبح قطة ليس بالأمر المخيف لكن بعدها تحولت الغرفة إلى ملجأ للقطط السوداء و التي لا أعرف كيف دخلت إلى هناك ، أصلا باب البيت مغلق و كذلك باب الغرفة التي كنت فيها ، حتى أنني عندما حاولت الهرب منها لم أستطع فتحه إلا بعد معاناة و كأن هناك من كان يمسك به من الخارج و تركه فجأة ، و بمجرد أن فُتح و هممت بالخروج و جدت أمامي رجلاً عاديا فاعتقدت أنه أحد الجيران سمع صوت صراخي فأتى لنجدتي ، لكنى أدركت حقيقته عندما رأيته يتحرك و كأنه يطير في الهواء يا أبى أتصدق هذا ؟! و قبل أن يختفي نظر إلي و كانت عيناه غريبتان و مخيفتان و كذلك بقية ملامح وجهه إن صورته لا تغيب عن بالى ، كما أن هذا الشبح اختفى بطريقة أخرى و ليس عبر الجدران و لم يتبخر فجأة فهذه المرة ابتلعته الأرض ، أخذت تبلعه شيئاً فشيئاً و أنا أراقب المشهد دون أن أتحرك ، كنت عاجزة تماماً عن فعل أي شيء من شدة الخوف .

– حسناً يا أبنتي يبدو أن يومك كان حافلاً ، هل هناك حوادث أخرى وقعت لك بعد حادثة القطة ؟.

– أجل إنها الحادثة الأخيرة لكنها الأكثر رعب ، إنه لأمر غريب حقاً يا أبى ! بعد أن ارتديت ملابسي نظرت في الساعة فوجدت أن الوقت قد تأخر و فكرت قليلاً إذا غادرت المنزل في هذا الوقت ربما و جدت في الخارج ما هو أسوأ من الأشباح ، عندها تذكرت جارتنا الشجاعة فذهبت بسرعة إلى منزلهم الذى لا يبُعد عنا سوى بضع خطوات ، و هناك فتح لي الباب والدها و أمها كانت تقف على مقربة منه ، فسألتهما إذا كان من الممكن أن يسمحا لابنتهما بأن تبيت معي هذه الليلة لأني خائفة جداً ولا أعرف إلى اجن و لمن أذهب ، ولا أعرف ما الذي حدث بعد أن طلبت منهما هذا الطلب .

– بالطبع رفضا ؟

– لا ، بل ليتهم فعلوا ، لكن فجأة أجهشت أمها بالبكاء ، و صاح والدها بوجهي قائلاً إن مزاحي سخيف و أني قاسية القلب !.

– تعجبت لأمره و غادرت دون أن أسأله عن السبب الذى دفعه إلى توجيه الإهانات لي و لا حتى عن سبب بكاء زوجته ، و بمجرد أن أدرت ظهري له و هممت بالمغادرة استوقفتني زوجته و اعتذرت مني ثم سألتني قائلة : أنت رأيتها أليس كذلك ؟ .

– من تقصدين ؟.

– أقصد أبنتي.

– أجل ، بالطبع رأيتها هذا الصباح ، لماذا تسألين ، ألم تعد إلى المنزل حتى الأن ، هل حدث لها مكروه ؟.

– أجل.

– يا إلهى ، متى ؟ ، قبل ساعات كانت معي و بصحة جيدة تضحك و تمزح و تروي لي قصص عن الأشباح ، شبح السيدة في الملابس السوداء و أشباح الأطفال و صاحب الرأس الكبير ، حتى أنها أرادت إخباري عن الشبح الأخير و الذى يعرفه الجميع هنا ، لكني قاطعت حديثها و طلبت منها العودة إلى المنزل ، هل أنا السبب فيما أصابها ،م ماذا ؟ كما أنني لم أعرف ما حل بها ؟.

– لا ، أنت لست السبب في أي شيء ، حتى أنك لم تكوني هنا وقت أن وقع لها المكروه.

– عذراً سيدتي ، لكن حقاً لا أفهم كلامك !.

– لقد ماتت أبنتي قبل ثلاثة أشهر ، سقطت من نافذة غرفتها أثناء مراقبتها لأشباح منزلكم ؟

– ماذا ، أنت مجنونة أم ماذا ؟ أتريدين القول بأنني قضيت النهار أتحدت إلى شبح ؟ ، و ربما أبنتك كانت تتحدث عن نفسها عندما أرادت إخباري بقصة الشبح الأكثر ظهوراً في المنطقة ، أرجوك سيدتي لست في مزاج يسمح لي بتقبل هذا المزاح الثقيل فيومي كان مخيف بما فيه الكفاية .

– لست أمزح ، أقسم لك أن أبنتي ميتة ، وأعتقد أنها كانت حقاً تقصد نفسها بالشبح الأخير ، فسكان البلدة كلهم قالوا أنهم رأوا شبحها يتنقل بين المنازل المهجورة في المنطقة ، أخبريني عندما رأيتها كانت ترتدى جلباب نوم قصير أليس كذلك ؟.

– أجل ، حتى أنى تعجبت من أمر ما ترتديه من ملابس نوم قصيرة و صيفية تتجول بها في الشوارع و في مثل هذا الجو البارد .

– إنها هي و بالملابس نفسها التي كانت ترتديها وقت وفاتها ، يا أنسة لا تعودي إلى ذلك المنزل مرة أخرى ، روت لي أبنتي قبل وفاتها عن الأشباح التي رأتها هناك وأنا أصدقها فالكذب ليس من صفاتها ، تعالى و أقضي الليلة في منزلنا .

– لا ، شكراً لك ، لكن لن أبقى في هذه البلدة دقيقة واحدة بعد الأن ، الوداع سيدتي و أسفة لخسارتك و أسفة مرة أخرى على إزعاجك .

– لا يهمك ، وداعاً .

بعدها حملت حقائبي و غادرت المنزل ، و ها أنا الأن في طريقي إلى محطة القطار ، أنتظر يا أبى ، هناك شيء غريب يحدث معي الأن !.

– أبنتي ماذا هناك ؟ لا تغلقي الهاتف .

– أنت  أيها السائق لماذا لم نصل إلى المحطة حتى الأن فالمسافة ليست بطويلة لهذه الدرجة ؟.

ألتفت السائق إليها و قال مبتسماً :

– يبدو أنكِ لم تتعرفي على بعد !.

– لا ، من أنت ؟

– أنا صاحب الرأس الكبير.

أنتهت…..

تاريخ النشر : 2018-11-18

حسن

فلسطين
guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى